- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا أعتقد أن الرئيس بايدن أخطأ بخوضه في الأزمة الداخلية لإسرائيل?
Also published in "ذي هيل"
التاريخ واضح - إن التدخل حسن النية في السياسة الداخلية لحليف ما غالباً ما يؤدي إلى مشاكل أكبر، ويمكن لموقف الرئيس الأمريكي إطلاق نبوءة ذاتية التحقق حول تآكل العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
بصفتي "صهيونياً متحمساً" غيوراً، شاهدت والذعر يتملكني، شعب إسرائيل يتمزق إرباً إرباً من سعي حكومة بنيامين نتنياهو الحثيث والمتعنت وراء إقرار القانون الذي من شأنه كبح جماح ما يعتبره البعض تجاوزاً قضائياً من قبل المحكمة العليا في الدولة.
وعلى وجه التحديد، صادق الكنيست، أي البرلمان الإسرائيلي، في الرابع والعشرين من تموز/يوليو بـ 64 صوتاً مقابل لا شيء - بانسحاب جميع أعضاء المعارضة من التصويت على التشريع بدلاً من إضفاء الشرعية عليه حتى من خلال التصويت ضده - على القانون الذي يحرم المحكمة من حق إبطال القوانين أو القرارات الحكومية على أساس حجة "معقوليتها". واستشهد القضاة بهذا المفهوم في العام الماضي لإبطال تعيين مجلس الوزراء لزعيم حزب سياسي أرثوذكسي أدين سابقاً بالاحتيال الضريبي.
واعتبرت الحكومة أن المحكمة استبدلت مراراً وتكراراً سلطة القادة المنتخبين بسلطة قضاة غير منتخبين. أما المعارضة - والتي شملت الآلاف من المتظاهرين في الشوارع - فلم ترَ القانون إلا بداية الهجوم على القضاء المستقل، في إطار محاولة لجعل إسرائيل ديمقراطية غير ليبرالية على الطريقة المجرية، تؤيد أفكار وسياسات اليمين المتطرف.
وفي الأسابيع الأخيرة، انهارت جهود التفاوض بقيادة الرئيس الإسرائيلي على التوصل إلى حل وسط من شأنه أن يمنع مواجهة برلمانية. وفي النهاية، رفض نتنياهو المناشدات حتى من وزير دفاعه ومضى قدماً في التصويت، مطالباً من حزبه، "الليكود"، وشركائه في الائتلاف الولاء الكامل. وأسفر كل ذلك عن نتيجة نهائية أسوأ من جريمة، كما ربما كان تاليران ليقول - لقد كان ذلك خطأً.
وبدلاً من قبول صفقة من شأنها إلزام المعارضة بدعم الغالبية العظمى من المطالب الأولية للحكومة، أصر الأيديولوجيون المتطرفون في حكومة نتنياهو على المضي قدماً وحدهم، مما يضمن أن التصويت الذي جرى في الرابع والعشرين من تموز/يوليو، سوف يُلغى في اليوم الأول من تشكيل حكومة جديدة. وبالنظر إلى أن 37 حكومة تعاقبت على إسرائيل خلال 75 عاماً، فإن حكومة جديدة، ستأتي عاجلاً أم آجلاً.
ولكنني، كأمريكي، ما زلت في حيرة من أمري بشأن الاهتمام الشديد للرئيس بايدن على ما يبدو بهذه القضية. لماذا علَّق عدة مرات - إما بشكل مباشر، أو عن طريق صحفيين أمريكيين وإسرائيليين، أو عبر سكرتيرته الصحفية - على هذه القضية السياسية الإسرائيلية الداخلية؟ لماذا حذر مراراً وتكراراً من هذا القانون ثم انتقد إقراره؟
يقوم الأساس المنطقي الذي يقدمه البيت الأبيض في أغلب الأحيان لتبرير اهتمام الرئيس الأمريكي على الخوف من إضعاف ديمقراطية إسرائيل من خلال الموافقة البرلمانية السريعة على قانون بشأن قضية حيوية دون أي تأييد من المعارضة، وبالتالي تخفيف الروابط المشتركة بين الديمقراطيتين العظيمتين للولايات المتحدة وإسرائيل.
ولكن هذا التفسير لا يصمد حقاً. ومن المؤكد أن هذه المشكلة لم تكن قائمة في الماضي. على سبيل المثال، لا أتذكر أن الرئيس كلينتون حذر رئيس الوزراء إسحاق رابين قبل 30 عاماً من المضي قدماً في "اتفاقية أوسلو"، وهي اتفاقية السلام الإسرائيلية التاريخية ولكن المثيرة للجدل إلى حد كبير مع "منظمة التحرير الفلسطينية"، والتي تمت الموافقة عليها فقط (عبر اقتراح بحجب الثقة) بأغلبية 61 صوتاً في الكنيست المكوّن من 120 عضواً - وهو هامش أضيق بكثير من التصويت على الإصلاح القضائي. (بالمناسبة، إنّي أيّدتُ "اتفاقيات أوسلو" وما زلت أؤيدها).
وفي الولايات المتحدة، لا يشكل إقرار قانون مهم من دون إجماع المعارضة مشكلة كبيرة أيضاً. فالبيت الأبيض يبدو مرتاحاً تماماً مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس التي عادلت الرقم القياسي التاريخي من خلال إدلائها حتى الآن بـ31 صوتاً لكسر التعادل في عدد الأصوات في "مجلس الشيوخ"، من بينها الإنجاز المميز للإدارة الأمريكية المتمثل بإقرار "قانون خفض التضخم".
وأحياناً إن الديمقراطيات تُنجز الأمور بهوامش ضيقة. فهذه هي الطريقة التي يعمل بها النظام في الولايات المتحدة - وفي إسرائيل أيضاً.
وربما انجر الرئيس بايدن إلى المستنقع السياسي الإسرائيلي في استجابة لتوسلات الإسرائيليين أنفسهم، وربما حتى من قبل بعض المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين الحاليين الذين يَئسوا من عجزهم عن التأثير على مسار أزمتهم الداخلية. وفي هذه الحالة، لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتطلع فيها الإسرائيليون إلى واشنطن لحل مشاكلهم الداخلية. وهنا، التاريخ واضح حتى لو أن الدرس كان عادة ما يذهب أدراج الرياح - إنها ليست فكرة صائبة بأن يخوض أي من الجانبين في السياسة الداخلية للجانب الآخر. ففي كثير من الأحيان، يمكن أن يؤدي التدخل بحسن النية إلى إثارة مشاكل جديدة أكبر.
ويقيناً، تملك الولايات المتحدة سبباً منطقياً مهماً يتعلق بالأمن القومي يدفعها إلى الاهتمام بالتشريع القضائي الإسرائيلي، وهو حرصها على ألا يخطئ خصوم إسرائيل في قراءة الخلاف على أنه انقسام ويقوموا بحسابات خاطئة تفضي إلى إشعال النزاع. وفي الواقع، هناك خوف مشروع من أن يرى قادة إيران أو "حزب الله" أو حركة "حماس" احتجاجات جنود الاحتياط الإسرائيليين، والذي شمل تعهد الكثير من طياري سلاح الجو برفض أداء الخدمة، كثغرات في درع الدولة اليهودية ويقرروا أن الوقت قد حان لاختبار إسرائيل وقدراتها.
ولكن في هذه الحالة، لا تنطوي الاستجابة المناسبة على تحذير واشنطن لحكومة إسرائيل من أن التصويت البرلماني يهدد "القيم المشتركة" الأساسية للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فهذا يعزز عن غير قصد منطق أعداء إسرائيل المشوه المتعلق بالمغامرة العسكرية. وبدلاً من ذلك، يقوم النهج الصحيح على تأكيد قوة الدعم الأمريكي لإسرائيل وثباته، بغض النظر عن كيفية تنظيمها لترتيباتها الدستورية.
وبخصوص هذه المسألة، أعتقد أنه من المهم التساهل مع جو بايدن بعض الشيء. فسجله يُظهر أنه أكثر من مجرد "مؤيد لإسرائيل" - أنا أعتبره صهيونياً حقيقياً، حيث أنه يقدر الأهمية البالغة لوجود الدولة اليهودية وكيف أن حيويتها ونجاحها يعززان هاتين الميزتين في الولايات المتحدة. وأنا على يقين من أنه، على غرار كثيرين غيره، تأثر بالمشهد الملهم لعودة عشرات الآلاف من الإسرائيليين العاديين إلى الشوارع أسبوعاً بعد أسبوع، ليظهروا للعالم كيف يشارك الوطنيون الفعليون في الاحتجاجات المدنية - سلمياً، بفرح، وبتلويحهم بعلم وطنهم وعدم حرقه.
ولكنني أعتقد أن الرئيس الأمريكي أخطأ عندما حوّل الأزمة الإسرائيلية الداخلية إلى قضية سياسية بين البلدين. ويخاطر موقفه بإطلاق نبوءة ذاتية التحقق بشأن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي قد تكون أكثر فعالية في إقناع أعداء إسرائيل بأن الدولة اليهودية ضعيفة وعرضة للخطر من الامتناع الجماعي لجنود الاحتياط عن الخدمة.
وفي بعض الأحيان، يكون من الصواب والمناسب أن يتدخل أحد الأصدقاء علناً في السياسة الداخلية لدولة صديقة. ولكن في أحيان أخرى، تقوم الخطوة الحكيمة على تقديم النصح والنقد بعيداً عن الأضواء، مع الالتزام بالصمت علناً. وهذه المرة، ربما كان الصمت هو المسار الأكثر حكمة.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.