- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا لن تنجح سياسة التنقيط في توريد المساعدات الأمريكية في العراق
قدّم لنا نائب وزيرة الخارجية الأمريكي توني بلينكن هذا الأسبوع في باريس رؤيته للمجهود الحربي قائلاً: ستكون حرباً طويلة، ولكن يتم اعتماد الاستراتيجية الصحيحة، كما ستقوم واشنطن بـ "مضاعفة جهودنا".
تكمن المشكلة الحقيقية في هذه النقطة الأخيرة. فالولايات المتحدة تضاعف جهودها باستمرار، بسبب الدعم المحدود جداً الذي تقدمه على دفعات إلى العراق في الوقت الذي يتفوق فيه عدوها تنظيم «الدولة الإسلامية»/«داعش» - ومنافسيه، المقاتلين من عملاء إيران - على واشنطن بأشواط.
لقد كانت الحملة الأمريكية في العراق منذ عام 2014 عبارة عن حالة فيها عدد قليل جداً من أنصاف الحلول المتأخرة جداً والتي لا تؤدي إلى توفير الموارد الأمريكية فعلاً على المدى الطويل. وبدلاً من ذلك، ينتهي المطاف بواشنطن وهي بحاجة إلى تعميق استثماراتها على أي حال، إلا أنه في كل مرة تقلّ ثقة حلفائها بها، ويُقتل الآلاف من العراقيين، ويتم فقدان مجتمعات وتُحف ثقافية لا بديل لها إلى الأبد.
ليس هناك شك في أن عامل الوقت لا يلعب لصالح الولايات المتحدة. وكما قال لي رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي في آذار/مارس 2014، بأن الحكومة العراقية كانت تطلب توجيه ضربات جوية أمريكية ومساعدة من القوات الأمريكية الخاصة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ نهاية عام 2013. إن عدم رغبة الولايات المتحدة في التحرك في ذلك الوقت لم يكسبها شيئاً: فقد انهار الحليف العراقي، واضطر الآن إلى الدخول في حملة عسكرية أخرى.
عندما عبّر وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر عن رأيه بأن العراقيين "لم يبدوا أي إرادة في القتال" في الرمادي، فإنه لم يُظهر أي تعاطف مع أوضاع القوات العراقية المقاتلة في الصفوف الأمامية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويشعر حلفاء الولايات المتحدة العراقيون بالإرهاق، كما أن العديد من الوحدات تبقى بالكاد صامدة. فقد أثبتت بشدة عن امتلاكها "إرادة للقتال" خلال الأشهر الإثني عشر منذ سقوط الموصل، وخلال الأشهر الستة عشر منذ اجتياح الفلوجة والرمادي، وخلال العقد الذي مضى منذ أن أصبح عدد القوات العراقية يفوق نظيره من القوات الأمريكية، وأصبحت هذه القوات الوطنية القوة الأمنية الرئيسية في العراق.
لا بد من الإشارة إلى أن أياً من الجنود الأمريكيين الذين خدموا في العراق لم يبقى يوماً في منطقة القتال بقدر المدة التي بقيت فيها القوات العراقية. إن العديد من هؤلاء العراقيين ليس لديهم أي مكان آمن للذهاب إليه في إجازة، مما لا يتيح لهم الاستراحة على مدى عدّة سنوات. كما أن أي وحدة أمريكية في التاريخ الحديث لم تعاني يوماً من نقص مزمن في الموارد ونقص شبه كامل في الضابط الكفوئين، وهو وضع يعيشه الجنود العراقيون بشكل يومي.
إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تسيء فهم الظروف التي يعيشها حلفاؤها بشكل تام، من الإنصاف أن نسأل ما هو الجانب الآخر الذي لا تفهمه حول الطريقة التي سيتصرف فيها العراقيون في المستقبل.
الفرضيات الأمريكية الخاطئة حول العراق
الفرضية الأولى: كلما زادت الجهود الأمريكية قلّت جهود العراقيين. بدا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يدعم هذه الفكرة عندما قال للكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان العام الماضي بأنه حين يكون باستطاعة الجيش الأمريكي "السيطرة على المشكلة" لفترة طويلة، فإن "على العراقيين أنفسهم اتخاذ قرارات حول كيفية العيش مع بعضهم البعض". قد يكون هذا صحيحاً على المدى الطويل، لكنه لا يمت بصلة إلى واقع ساحة المعركة اليوم في العراق.
إن الواقع اليوم هو وجود حاجة ماسة إلى قيام قوات العمليات الخاصة - الأمريكية والدولية الملحقة بالقوات العراقية - بتقديم مشورة قتالية إلى القوات العراقية على مستوى الكتائب والألوية. إذ إن توفير القوة الجوية الغربية من دون أفراد من "القوات الخاصة" للتحكم بالغارات الجوية هو وضع أشبه بإقراض شخص ما سيارة البورش الخاص بك من دون منحه مفاتيحها. وبالتالي تبرز حاجة ملحّة إلى صدور قرار رئاسي حول الالتزام المكثف لـ "القوات الخاصة" الأمريكية في العراق.
الفرضية الثانية: تنظيم «الدولة الإسلامية» هو مجموعة إرهابية، وليس جيشاً. يحبذ البيت الأبيض حملات مكافحة الإرهاب المتحفظة التي تنطوي على طائرات مسلحة من دون طيار وغارات لا تترك عملياً أي أثر أمريكي في البلدان المتضررة. لكن تنظيم «الدولة الإسلامية» ليس مجموعة من الخلايا الإرهابية التي يمكن إزالتها من خلال ضربات مركّزة. وكما كان بعض المسؤولين الأمريكيين يقولون منذ البداية، فإن هذا التنظيم عبارة عن جيش يجب هزيمته في ساحة المعركة إذا أُريد تبديد إمكاناته الجاذبة وقدراته الاستقطابية للمقاتلين والمؤيدين.
ينبغي أن تركز "القوات الخاصة" الأمريكية على مساعدة العراق في الانتصار على أرض المعركة، وليس فقط العمل على شن غارات على القيادة العليا في تنظيم «الدولة الإسلامية»، وكأن العراق هو من المناطق القبلية في باكستان. ويعني ذلك دمج "القوات الخاصة" الأمريكية مع الوحدات العراقية وتقبّل بعض المخاطر. يتوجب على البيت الأبيض أن يقرر: هل تتظاهر الولايات المتحدة فقط بدعم القوات العراقية في ساحة المعركة، أو هل هي حقاً على استعداد للقيام بما هو ضروري لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»؟
الفرضية الثالثة: لا يمكن أن تطمح الولايات المتحدة إلى استقرار العراق أكثر من العراقيين أنفسهم. كما قال أوباما في نفس المقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، "لا يمكننا القيام نيابة عن [العراقيين] بما لا يرغبون القيام به من أجل أنفسهم". ومع ذلك، إذا استمرت الولايات المتحدة في تقديم دعمها بشكل محدود وعلى دفعات، سيأخذ كل فصيل عراقي الطريق الأسهل له نحو تحقيق مصالحه الخاصة على المدى القصير.
في العديد من الحالات، سيكون هذا المسار هو الأكثر تدميراً: إذ ستكثف الحكومة في بغداد من اعتمادها على الجهات الخارجية مثل إيران وروسيا، بينما سيستمر الأكراد [في القيادة نحو وضع هو] على حافة الخروج من العراق لأن بغداد تعلّق القوى الجاذبة المركزية الوحيدة المتبقية لهم والتي تبقيهم في البلاد، أي حصتهم من عائدات نفط الحكومة الاتحادية. وفي الوقت نفسه، تُجبَر المجتمعات السنية على اتخاذ خيار مؤلم كل يوم وهو - [تغيير مواقفها باستمرار] ما بين الوقوف على الحياد أو التجرؤ على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، حتى في الوقت الذي يتأرجح فيه موقف الأمريكيين ولا تُظهر الحكومة العراقية أي إشارة على أنها قادرة على كسب الحرب. وبصفتها طرفاً حَسن النّية من خارج إطار الصراع، يمكن للولايات المتحدة في كثير من الأحيان أن تنظر نظرة طويلة الأمد إلى الاستقرار أكثر مما ينظر إليه العراقيون أنفسهم. وبعبارة أخرى، ترغب واشنطن في كثير من الأحيان بحدوث استقرار في العراق أكثر من رغبة الفصائل العراقية نفسها به.
كيف قد يبدو "العراق السابق"
لنكن واضحين: إذا استمرت التوجهات الحالية، لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنه ستتم هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في أي وقت قريب. وفي الواقع، قد يصبح العراق في السنوات المقبلة عبارة عن كابوس أكبر لمواطنيه والمنطقة والعالم.
وإذا بقيت الاستراتيجية نفسها، فليس من الصعب توقُّع ما ما سيؤول إليه العراق العربي بحلول الوقت الذي تنهي فيه إدارة أوباما فترة ولايتها في بداية عام 2017. فمن المحتمل أن يُحكِم تنظيم «الدولة الإسلامية» قبضته على الموصل، وعلى مساحات واسعة من الأنبار، فضلاً عن صحراء الجزيرة التي تقع بينهما - ناهيك عن أراضي «داعش» الواسعة في سوريا - والتي توفر للتنظيم ملاذاً آمناً رئيسياً للإرهابيين في قلب الشرق الأوسط.
فالحكومة التي يتزعمها الشيعة في بغداد ستكون قد ركزت مواردها العسكرية المحدودة على تأمين معاقل الشيعة - أي بغداد، والمدن المقدسة في كربلاء والنجف، والمناطق الغنية بالنفط في جنوب العراق - بينما سيتم عزل السنّة الذين يعيشون داخل هذا المعقل الشيعي - وهي صورة طبق الأصل من البلدات الشيعية في البحرين أو المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. وستمتد منطقة "الاستعمار" حول كافة ضواحي بغداد وديالى وصلاح الدين، حيث تحد القوات شبه العسكرية ذات الغالبية الشيعية من إعادة توطين السنّة.
إلى جانب ذلك، ستبرز مجموعة من المحميات السنية كوصايات تابعة [لقوى سياسية وطائفية ومذهبية] في أماكن مثل تكريت والرمادي، تكون علاقتها بالحكومة في بغداد شبيهة إلى حد ما بعلاقة إسرائيل بالفلسطينيين. وستكون هذه العلاقات تعاونية بشكل معتدل في بعض الأحيان، مع توفير الحكومة العراقية الاتحادية الدعم والمال للحلفاء المحليين - ولكنها لن تكون كذلك في أحيان أخرى، الأمر الذي سيؤدي إلى قيام تدخلات سياسية وتنفيذ توغلات عسكرية وشن ضربات جوية. وعلى مسافات أبعد من ذلك، ستكون هناك أراضٍ وعرة يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» فعلياً - لا سيما الموصل، المدينة التي لم يحرك أحد ساكناً لتحريرها، بسبب غياب الالتزام من قبل كل من الشيعة والسنة والأكراد والأمريكيين بما يكفي للمخاطرة بالدم والمال في المدينة. هذا وستستمر الولايات المتحدة في شن هجمات شجاعة بطائرات من دون طيار نحو الأهداف، من دون أن تلوح في الأفق نهاية للوضع الحالي، بينما يرد تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال الهجمات الفردية والمؤامرات الجوية.
هل ذلك لا يصدّق؟ في الشرق الأوسط اليوم يحدث ما لا يصدّق كل يوم، وستشكل هذه التطورات الواقع المرير الجديد بعد عامين فقط من الآن إذا لم تكثف الولايات المتحدة من جهودها في هذا الإطار.
مداولات أو شلل؟
هل هذا حقاً ما تريد إدارة الرئيس باراك أوباما تسليمه إلى الرئيس الأمريكي القادم؟
إذا كانت الولايات المتحدة متواجدة في العراق فقط للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإنها ستواجه يوماً ما واقع دولة منهارة غير قابلة للإصلاح قد تتطلب إطلاق حملة مفتوحة لمكافحة الإرهاب. أما البديل فيكمن في مساعدة الولايات المتحدة للعراقيين على الحفاظ على نسيج الأمة لأقصى حد ممكن. وبغية تحقيق ذلك، ستحتاج الإدارة الأمريكية إلى اعتماد نظرة مختلفة للوضع. فإقامة المداولات أمر منطقي، ولكن سياسة الولايات المتحدة في العراق تشارف على الإصابة بالشلل.
الأمر ليس بالمعقّد: فخيارات الولايات المتحدة واضحة. إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد الالتزام بشكل كامل بالعمل الجاد لإعادة بناء العراق، ينبغي أن تخصص ما بين 3000 إلى 5000 جندي من "القوات الخاصة" وعناصر الدعم الأمريكية كمستشاري قتال، بحيث تصبح القوات البرية العراقية والقوة الجوية للتحالف أكثر فعالية بكثير. ثانياً، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تستخدم هذا الالتزام العسكري الأمريكي المكثف كقوة ونفوذ في التعامل مع بغداد لضمان مشاركة أكثر استدامة للسنّة والأكراد في الحكومة العراقية الاتحادية. وأخيراً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تُسرع بتدريب القوات العراقية ليحظى الرئيس الأمريكي المقبل بفرصة أفضل لتقليص حجم التزام الولايات المتحدة في العراق بشكل مسؤول.
لا ينبغي للمرء أن يتوقع دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» من العراق، من دون اتخاذ هذه الخطوات. ففي ظل غياب الالتزام الأمريكي الذي لا يمكن إنكاره، قد يحوّل حلفاء أمريكا العراقيين تعريفهم للنصر إلى ما هو أشبه بالهزيمة. وهنا يكمن الخطر الذي لا يمكن للعراق أو الولايات المتحدة تحمّله.
مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومؤلف الدراسة التي أصدرها المعهد باللغة الإنكليزية في كانون الثاني/يناير 2015، بعنوان ""الطريق الطويل: إعادة تفعيل التعاون الأمني الأمريكي في العراق. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "فورين آفيرز" باللغة الإنكليزية تحت عنوان "مضاعفة الاعتماد على استراتيجية مشكوك في نجاعتها".
"فورين آفيرز"