- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
لقاء بينيت والسيسي: فرصة نادرة لتعزيز العلاقات علناً
تشير الزيارة الترحيبية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى شرم الشيخ واجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية يمكن أن تزدهر بعد فترة بنيامين نتنياهو، ومن المحتمل أن تتوسع من المجال الأمني إلى الشؤون الاقتصادية والمدنية.
في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ، ليصبح بذلك أول زعيم إسرائيلي يزور مصر علناً منذ 10 سنوات. وحيث تمّ تحديد موعد القمة استجابةً لدعوة وجهها له رئيس "المخابرات العامة المصرية" اللواء عباس كامل الشهر الماضي، من المحتمل أن يكون اللقاء قد بحث أجندة مطوّلة شملت التعاون الاقتصادي (في قطاع الطاقة بشكل رئيسي)، والقضايا الفلسطينية، وجهود مكافحة الإرهاب في سيناء، والتحديات الأمنية في البحر الأحمر، وربما حتى التطورات في السودان. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا طلب السيسي الاجتماع ببينيت وما الذي كان يأمل في تحقيقه؟
التعرف على الشخص الجديد في المدينة. على الرغم من أن رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو قام برحلة سرية إلى القاهرة في عام 2018 لمناقشة القضايا المتعلقة بغزة، إلّا أن آخر زيارة رسمية قام بها زعيم إسرائيلي حدثت في عام 2011، عندما كان حسني مبارك لا يزال رئيساً. وتوقع بعض المراقبين الإسرائيليين أن يحدث أول لقاء بين بينيت والسيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اجتمع نتنياهو والسيسي عدة مرات. لكن يبدو أن القاهرة أرادت أن تضفي نبرة إيجابية على الفور مع حكومة إسرائيلية جديدة تَركَّز برنامجها الانتخابي على المعارضة الصاخبة لنتنياهو.
الحفاظ على تراسل جيد في واشنطن. قدّم نتنياهو الدعم للسيسي منذ أن ساهم الفريق أول في الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في عام 2013، وأصبح هذا الدعم ركيزة قوية للقاهرة في واشنطن، لا سيما في ظل الإدارة المتعاطفة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. والآن بعد أن تغيرت الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية، يشعر المسؤولون المصريون بالقلق إزاء إمكانية تدهور هذه الركيزة. ويبدو أن بينيت عازم على تحسين علاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي الأمريكي، والتي توترت في عهد الرئيس ترامب. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تتحدّى إدارة بايدن الرئيس السيسي بشأن قضايا حقوق الإنسان في مرحلة ما. لذلك تسعى القاهرة للحصول على مساعدة القدس لتحسين صورتها مع الديمقراطيين في واشنطن. وحتى الآن، أفادت بعض التقارير أن المسؤولين الإسرائيليين حذروا فريق بايدن من المبالغة في رد الفعل ضد النزعات الاستبدادية في مصر والمملكة العربية السعودية، خشية دفع هؤلاء الشركاء نحو الصين وإيران وروسيا.
إثبات الصلة بإيران. بما أن التأثير الخبيث لطهران لا يزال المسألة الأكثر إلحاحاً في المنطقة، فقد أصبحت القاهرة أكثر انخراطاً في الأمور ذات الصلة كوسيلة لاستعادة هيبتها الجيوسياسية. وفي الشهر الماضي، أصبح السيسي أول زعيم مصري يزور العراق منذ 30 عاماً، حيث حضر مؤتمراً متعدد الأطراف كان هدفه إعادة تأكيد مكانة بغداد في المحور العربي المعتدل وسط تدخل دائم من قبل الميليشيات المدعومة من إيران. وبالمثل، كانت القاهرة نشطة في معالجة الأزمة الاقتصادية والإنسانية في لبنان، وهو بلد آخر يعاني من الوكلاء المسلحين لإيران. ففي بيروت، على سبيل المثال، كان المقاولون المصريون المرتبطون بالدولة يتوسطون في صفقات إعادة الإعمار، بينما أنشأ الجيش المصري مستشفى ميداني للمساعدة في مواجهة جائحة "كوفيد-19" والتحديات الأخرى المتعلقة بالصحة العامة. كما ناقشت الحكومتان اتفاق لنقل الغاز الطبيعي إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.
التأكد من أن "اتفاقيات إبراهيم" لا تتجاوز "اتفاقيات كامب ديفيد". هزت اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين وشركاء آخرين خلال العام الماضي مكانة القاهرة القديمة كمحاور عربي رئيسي مع القدس. وقوبلت الأجواء الاحتفالية التي أحاطت بالتفاعلات الشخصية المباشرة والصفقات الاقتصادية السريعة بنوع من النفور بين النخب المصرية الموالية للحكومة، لدرجة أن بعض هذه النخب انخرطت في اشتباكات لفظية مع نظيراتها في الخليج على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن وجهة نظر القاهرة، كانت "اتفاقيات كامب ديفيد" مع إسرائيل عام 1978 أكثر أهمية من "اتفاقيات إبراهيم" لأنها أنهت حروباً متتالية. بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لدراسة أجراها "المركز المصري للدراسات الاستراتيجية" في تشرين الأول/أكتوبر 2020، إن القاهرة منزعجة من واقع انخراط جيرانها العرب في مثل هذه الانفراجة [في العلاقات] مع السماح لإسرائيل بالحفاظ على تفوقها العسكري النوعي في المنطقة.
التداعيات السياسية
نمت ثقة القاهرة في القدس بشكل ملحوظ في السنوات العشر الماضية، مدعومة بالتعاون العسكري والاستخباراتي رفيع المستوى الذي لم يكن قائماً خلال العقود الثلاثة الأولى من معاهدة السلام. وعلى عكس الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، لم تتدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية لمصر خلال أضعف لحظاتها، وبدلاً من ذلك ساعدت البلاد في أمن الحدود والقضايا الاقتصادية والدعم السياسي في واشنطن. على سبيل المثال، بعد زيارة كامل في آب/أغسطس، خفف "مجلس الأمن القومي" الإسرائيلي قيود السفر إلى جنوب سيناء وشرم الشيخ من أجل مساعدة قطاع السياحة اليائس في مصر. وفي موازاة ذلك، أدّى تركيز السيسي الطويل الأمد على التنمية والتحسينات الاقتصادية إلى تمهيد الطريق أمام انتقال العلاقات التجارية الثنائية إلى المستوى التالي - [حيث] ناقش المسؤولون خططاً لتعميق التعاون في مجال الطاقة، وتوسيع رحلات الطيران المباشرة، وتوسيع "المنطقة الصناعية المؤهلة" في مصر، الأمر الذي قد يخلق المزيد من قطاعات التجارة الثنائية وفرص العمل.
ومع ذلك، لا تزال علامات الاستفهام تتمحور حول الجوانب الأساسية للعلاقة. على سبيل المثال، لا يزال يتعين على القاهرة معالجة انتشار البرامج التلفزيونية المصرية التي تروج لمؤامرات معادية للسامية ومعادية لإسرائيل بين جماهير عربية كبيرة داخل البلاد وخارجها - وهو اتجاه ينحرف بشدة عن تركيز السيسي المتكرر على التسامح تجاه الأديان الأخرى. فعلى سبيل المثال، خلال شهر رمضان من هذا العام، روّج مسلسل حمل اسم "هجمة مرتدة" المفهوم أن إسرائيل كانت تدفع سراً الأموال لمواطنين عرب في أوروبا والولايات المتحدة لتشجيعهم على [فكرة] الحوار بين الأديان وتقويض المصالح المصرية. وكان البرنامج برعاية "مديرية المخابرات العامة" وادّعى أنه يستند إلى "قصة حقيقية". يجب على المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين التطرق بصورة غير علنية إلى وجود مثل هذه البرامج الإشكالية [في مباحثاتهم] مع سلطات المخابرات المصرية.
وتحيط التساؤلات بالسياسة المتبعة تجاه غزة أيضاً. فبعد المواجهة بين «حماس» وإسرائيل في أيار/مايو، تعهّد السيسي بالمساهمة في إعادة إعمار غزة وأرسل شاحنات مليئة بالمساعدات إلى القطاع، لكن الوضع الحالي لعرضه غير واضح. وقد تعارض إسرائيل تقديم مساعدة إضافية ما لم توافق «حماس» على إعادة جثث القتلى الإسرائيليين - وهو تنازل قد يعتمد في حد ذاته على موافقة القدس على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. وبدعم من إدارة بايدن، توسطت القاهرة في محادثات هادئة بشأن هذه الأمور ولكن دون إحراز تقدم يذكر. وفي غضون ذلك، وقبل ساعات من اجتماع بينيت والسيسي، ألقى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد خطاباً اقترح فيه اعتماد سياسة جديدة تجاه غزة، وهي التنمية الاقتصادية مقابل الأمن. وقد انطوى توقيت هذه التعليقات على رسالة أخرى مفادها أنه إذا كانت عملية إعادة إعمار غزة ستجري فعلاً كما اقترح لبيد، فستكون مصر لاعباً رئيسياً فيها.
هيثم حسنين هو محلل لشؤون الشرق الأوسط وزميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن.