- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3902
لوقف الهجمات الإسرائيلية على اليمن، يجب فرض عقوبات على الرابط بين إيران والحوثيين
إن العواقب الإنسانية للهجوم الإسرائيلي على الميناء اليمني فعلية، لكن لا ينبغي المبالغة في تقديرها، لا سيما وأن المسؤولين الحقيقيين عن النقص المستمر في الوقود ومخاطر المجاعة في اليمن هم إيران والحوثيين.
في 20 تموز/يوليو، ردت إسرائيل على هجوم مميت شنه الحوثيون بطائرة مسيرة طيار على تل أبيب بغارات جوية مكثفة على ميناء الحديدة اليمني، ما أدى إلى تدمير معظم صهاريج تخزين النفط في الموقع. من ناحية، يعكس خيار الاستهداف هذا ثغرات حاسمة في سياسة المجتمع الدولي تجاه الجماعة: على وجه التحديد، الفشل في تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة على الحوثيين أو إنفاذ العقوبات الأمريكية التي تهدف إلى منع إيران من توفير المنتجات النفطية كأحد أشكال تمويل الإرهاب القيّمة. ومن ناحية أخرى، تُعد الحديدة أيضًا نقطة دخول أساسية للمساعدات الإنسانية، لذا يخلّف استهداف بنيته التحتية تداعيات سلبية على الشعب اليمني.
لمعالجة هذه المعضلة، يجب إقناع إسرائيل بعدم الرد على الهجمات المستمرة من خلال تدمير المزيد من البنية التحتية في ميناء الحديدة، الذي تركه اتفاق ستوكهولم لعام 2018 في يد الحوثيين بناءً على فرضية أنهم سيقومون بنزع السلاح منه. لكن ذلك سيتطلب بدوره من المجتمع الدولي أن يسعى بشكل أفضل لضمان عدم استخدام البنية التحتية الإنسانية لصالح جماعة إرهابية مصنفة. في الواقع، يجب على الولايات المتحدة تذكير الشركاء العالميين في مجلس الأمن ومحافل أخرى بأن تحويل الحوثيين لمسار المساعدات، والفساد، واختطاف عمال الإغاثة أصبح الآن المحرك الرئيسي للمخاطر الإنسانية في اليمن.
ما الذي استهدفته إسرائيل؟
على الرغم من تنفيذ الحوثيين أكثر من 220 هجومًا على إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كانت عملية الحديدة أول ضربة مضادة إسرائيلية في اليمن يتم الاعتراف بها. كانت المنطقة المستهدفة تضم حوالي ثمانية وعشرين خزانًا للنفط وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية أنه تم تدمير ما يصل إلى ثمانية عشر منها بشكل واضح، وقد حجب الدخان ربما خزانات أخرى متضررة أيضًا. ويبدو أيضًا أن القوات الإسرائيلية تعمدت قصف رافعتين جسريتين في ميناء الحاويات، حيث استخدمت ضربات مزدوجة دقيقة على حجرة محركيهما (انظر أدناه لمعرفة المزيد عن هذه الرافعات).
لا شك في أن إسرائيل اختارت هذه الأهداف لأن المنتجات الهيدروكربونية المستوردة أصبحت الوسيلة الأساسية لإيران لتمويل شركائها الحوثيين، مثلما مولت بشكل غير مشروع جهات فاعلة سيئة أخرى مثل النظام السوري و"حزب الله" اللبناني. ومن ثم، تظهر يد طهران جلية في تحركات وملكية الكثير من الناقلات التي تجلب هذه المنتجات إلى موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى التي يسيطر عليها الحوثيون. ويسلط فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن الضوء على هذه المشكلة منذ عام 2019، حين أشار في تقديراته إلى أن إيران تقدم 30 مليون دولار شهريًا لدعم مجهود الحوثيين الحربي.
قامت جماعة الحوثي أيضًا بتسهيل بيع المنتجات النفطية الإيرانية الخاضعة للعقوبات خارج اليمن. ففي عام 2021، بدأت الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على شبكة ممول الحوثيين سعيد الجمل المقيم في إيران بتهمة تهريب "الوقود والمنتجات النفطية والسلع الأخرى الإيرانية إلى العملاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا". ووفقًا لوزارة الخزانة، "يتم توجيه جزء كبير من الإيرادات المتأتية من هذه المبيعات عبر شبكة دولية معقدة من الوسطاء ومكاتب الصرافة إلى الحوثيين". واستمر فرض العقوبات ذات الصلة خلال هذا العام، وكان آخرها في 27 شباط/فبراير و18 تموز/يوليو، عندما تم تصنيف شركات واجهة وكيانات أخرى مرتبطة بالحوثيين و"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، لتورّطها في أنشطة تهريب النفط.
يُظهر حتى بحث سريع عن السفن التي تزور الحديدة ورأس عيسى أن طهران لا يهمها إخفاء جهودها لناحية تمويل الإرهاب. ففي فترة أسبوع واحد فقط درسها المؤلف كعينة في شهر آذار/مارس (الشهر الأخير الذي تتوفر عنه سجلات الأمم المتحدة)، كان لدى أربع سفن على الأقل من أصل أربع عشرة سفينة تقوم بتوصيل المنتجات الهيدروكربونية إلى هذه الموانئ علاقة واضحة بجهات إيرانية خاضعة للعقوبات (أو سيتم فرض عقوبات عليها قريبًا):
• تم ذكر إحدى ناقلات الديزل بشكل بارز في تسريب ضخم لرسائل البريد الإلكتروني التابعة لشركة "صحارى ثاندر" على خلفية تهريبها زيت الوقود الإيراني من بندر عباس، ومن المرجح أن يتم فرض عقوبات عليها في الأشهر المقبلة.
• تم نقل شحنتين ضخمتين من الغاز النفطي المسال (الذي يستخدم عادة للطهي) على متن سفن مرتبطة بشركات إدارة خاضعة لعقوبات أمريكية.
• كانت سفينة أخرى تحمل زيت الوقود تدار من قبل شركة يحفل سجلها بما يسمى بـ"التردد الغامض" إلى إيران (أي مع إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال بشكل غير قانوني) وعمليات النقل من سفينة إلى سفينة مع سفن خاضعة لعقوبات أمريكية.
بصورة إجمالية، كانت السفن المشبوهة التي تم تحديدها خلال فترة دراسة العينة هذه تحمل 102854 طنًا متريًا من المنتجات الهيدروكربونية (أي ما يعادل 869107 براميل من النفط) بقيمة محلية تقديرية تزيد قليلًا عن 8 ملايين دولار، وعلى وجه التحديد، 6.4 ملايين دولار من الديزل، ومليون دولار من الغاز النفطي المسال و650000 دولار من زيت الوقود.
استنادًا إلى صور الهجوم الإسرائيلي، يمكن الاستنتاج أن ثمانية فقط من خزانات النفط في الحديدة كانت ممتلئة في ذلك الوقت (ثمانية منها ظهرت وهي تحترق، ومع أن عددًا أكبرًا قد انفجر، فقد كان ربما مليئًا بالبخار القابل للاحتراق بدلًا من المنتجات النفطية). وفي هذه الحالة، يكون الحوثيون قد خسروا ما تصل قيمته إلى 60 مليون دولار من المنتجات.
ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم وضع إشارة على أي من السفن في فترة دراسة العينة هذه لتخضع للتفتيش من قبل آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة ومقرها جيبوتي، والتي انتهت صلاحيتها فعليًا هذا الربيع بسبب نقص الموظفين (بما في ذلك تحويل مسار عمل بعض المفتشين إلى الجهود الإنسانية في غزة). وفي 14 آذار/مارس، في الوقت ذاته تقريبًا الذي أوقفت فيه آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة تقاريرها العامة، أخبر نائب الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة جيمس كاريوكي مجلس الأمن عن تقارير "مثيرة جدًا للقلق" عن "تحايل السفن الإيرانية على عمليات تفتيش آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة" ورسوها في الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون. وفي أيار/مايو، حذرت الممثلة الدائمة للمملكة المتحدة باربرا وودوارد من "زيادة ملحوظة" في حالات التحايل الإيرانية على آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة، مع دخول ما يقدر بنحو 500 شاحنة محملة بالمواد غير الخاضعة للتفتيش إلى الحديدة منذ تشرين الأول/أكتوبر. وفي 9 تموز/يوليو، دعت السفيرة الأمريكية ستيفاني سوليفان إلى تعزيز قدرة آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة على تفتيش مجموعة واسعة من السفن المتجهة إلى اليمن.
التداعيات الإنسانية
تبقى الحديدة نقطة دخول أساسية للغذاء، إذ تعالج ما يقارب ضعف عمليات رأس عيسى والصليف مجتمعين، بما في ذلك جميع المواد الغذائية والأدوية المعبأة في حاويات المرسلة إلى موانئ الحوثيين. لكن لا ينبغي أن تؤثر الضربة الإسرائيلية في قدرة التفريغ هذه، على الرغم من فقدان رافعتين جسريتين. فقد كانت هاتان الرافعتان أصلًا غير صالحتين للعمل قبل الغارة. ومنذ عام 2015، كانت جميع عمليات تفريغ الحاويات في الحديدة تتم بواسطة سفن تضم على متنها رافعاتها الخاصة (كانت أربع رافعات متحركة قدمتها المملكة العربية السعودية في عام 2018 مخصصة لتفريغ البضائع السائبة، وليس حاويات). ولا يزال من الممكن أيضًا جلب المواد الغذائية غير المعبأة في حاويات عبر أرصفة الشحن الأربعة الأخرى في الحديدة وعبر الصليف. والأهم من ذلك أن ميناء الحديدة كان يعمل بأقل بكثير من قدرته على التفريغ منذ فترة طويلة قبل حرب غزة وحملة الهجمات التضامنية للحوثيين، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى أن الكثير من شركات الشحن لا تريد التعرض للبيئة البطيئة والخطيرة والفاسدة في الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون. وبالتالي لن تؤدي الضربة الإسرائيلية وحدها إلى دفع الوضع الإنساني نحو المجاعة، على الرغم من أن الحوثيين سيظهّرونها على هذا النحو.
ومن المرجح أن يكون انقطاع الوقود أكثر خطورة، مع عواقب إنسانية محتملة غير مقصودة (مثل عدم القدرة على تشغيل مولدات الطاقة ومضخات المياه). وستكون هذه العواقب أسوأ إذا أعطى الحوثيون الأولوية لاحتياجات نظامهم واحتياجاتهم العسكرية على حساب احتياجات المدنيين، كما يفعلون عادةً. فأسعار الوقود في اليمن تشهد ارتفاعًا بالفعل، ولكن من المحتمل أن يفيد ذلك الحوثيين إلى حد ما بما أنهم يسيطرون على السوق. ولا يزال من الممكن استيراد الوقود عبر أرصفة غير متضررة في الحديدة، ولكن تم تدمير جميع مخازن النفط العاملة في الميناء تقريبًا، وقد تضررت ربما خطوط الأنابيب المحلية أيضًا. ولم تتأثر القدرة على استيراد الوقود في رأس عيسى، الذي يتعامل مع جميع شحنات الغاز النفطي المسال وبعض البنزين والديزل.
الآثار المترتبة على سياسة الولايات المتحدة
من شبه المؤكد أن الحوثيين والمجتمع الإنساني الدولي سيركزون اهتمامهم على خيارات الاستهداف الإسرائيلية المثيرة للجدل. فقد أدانت واشنطن من جانبها ضمن دوائر خاصة الضربات السعودية على الحديدة في عام 2015 كما حثت الإمارات العربية المتحدة بشدة على ممارسة ضبط النفس مع اقتراب القتال من الميناء في عام 2018، ولكن من غير الواضح ما إذا كان المسؤولون الأمريكيون قد حاولوا التأثير على حسابات إسرائيل في نهاية هذا الأسبوع.
على أي حال، يجب على الحكومة الأمريكية ألا تسمح للحوثيين بتصوير نفسهم كضحية في خطاباتهم. يعني ذلك وضع الأمور في نصابها الصحيح عبر مجلس الأمن، وتذكير المجتمع الدولي بأن الحوثيين ما زالوا هم المعتدين في اليمن ومنطقة البحر الأحمر بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال بإمكان الحوثيين استيراد مستويات مماثلة من الغذاء والوقود عبر وسائل مختلفة، ويمكنهم الحصول حتى على المزيد إذا توقفوا عن التدخل في الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية والتوصيل البري إلى أراضي الحوثيين.
يتعين على واضعي السياسات في الولايات المتحدة أن يطلبوا من إسرائيل عدم إلحاق المزيد من الضرر بالبنية التحتية نظرًا للوضع الإنساني الهش للغاية في اليمن. لكن أفضل طريقة لكبح جماح إسرائيل تتمثل بالحد بشكل كبير من استغلال إيران للموانئ. فشحنات الوقود الإيرانية يتم تسليمها إلى الحوثيين باستخدام قنوات شحن واضحة إلى حد ما يمكن للولايات المتحدة تمييزها بسهولة. وينبغي تعطيل هذه الجهود من خلال جهود التفتيش المعززة التي يتصورها ممثلو الولايات المتحدة وبريطانيا لدى الأمم المتحدة، وسلطات الحجر الصحي البحري المعتمدة. لن يؤدي ذلك إلى حرمان اليمن الذي يحتله الحوثيون من الوقود، بما أن معظم شحنات الوقود تبقى شحنات تجارية، ولن يقضي بالكامل على قدرة الحوثيين على الاستفادة من سوق الوقود. لكنه سيزيل بعض الحوافز لدى إسرائيل لضرب أهداف الوقود. وقد تؤدي جهود التفتيش الدولية الأكثر فعالية أيضًا إلى إحياء آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة، ما يقلل بشكل أكبر من وصول الحوثيين ليس فقط إلى النفط الإيراني، بل أيضًا إلى الأنظمة المضادة للسفن وأنظمة الضرب بعيدة المدى الإيرانية.
الدكتور مايكل نايتس هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "جيل وجاي برنشتاين" في معهد واشنطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربي وهو أحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، التي تقدم تحليلاً متعمقاً للتطورات المتعلقة بالميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وألَّف الدكتور نايتس دراسة نشرها المعهد في عام 2023 بعنوان "وريث وبديل؟ كيف يمكن لـ "حزب الله الجنوبي" في اليمن أن يغير حسابات الردع الإيرانية؟"