- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2460
مخاوف إيران الأمنية والجدل القانوني حول الاتفاق النووي
بينما تناقش واشنطن التدابير الخاصة بالكونغرس حول الاتفاق النووي والخطوات التالية المحتملة من ناحية العلاقات الأمريكية -الإيرانية، تواجه إيران بعض المسائل القانونية والسياسية والاستراتيجية المماثلة.
مراجعة برلمانية؟
تستمر المناقشات بين المسؤولين الإيرانيين حول الهيئة السياسية التي يجب أن تراجع "خطة العمل المشتركة الشاملة" التي وُضعت بوساطة أمريكية، وتوافق عليها: «مجلس الشورى»] «المجلس» [أو «المجلس الأعلى للأمن القومي». ففي 15 تموز/يوليو، رداً على رسالة الرئيس الإيراني حسن روحاني حول الاتفاق النهائي، تجنب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أي إشارة إلى موافقة صريحة وتعمد عدم تسمية النتيجة بـ"الاتفاق"، كما أشار إلى أنه "لا بد من دراسة النص بتأنٍّ وإخضاعه للمسار القانوني المرتقب" (راجع المرصد السياسي 2454،"خامنئي مقابل روحاني: استعراض وجهات نظر متباينة جداً حول الاتفاق النووي").
ويصر المتشددون على أن يتبنى «المجلس» الاتفاق، وتنص المادة 77 من الدستور الإيراني على وجوب "استحصال المعاهدات والبروتوكولات والعقود والاتفاقات الدولية على موافقة «مجلس الشوؤى الإسلامي»". ولكن فريق روحاني يعتبر أن الموافقة البرلمانية غير ضرورية لأن الاتفاق ليس معاهدة أو أي وثيقة أخرى ملزمة قانوناً، إذ يشبّهونه بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 598، الذي نص على وقف إطلاق النار بين إيران والعراق عام 1988 من دون تصويت «المجلس». وهناك سبب مؤسساتي قوي وراء تفضيل روحاني عدم تدخل «مجلس الشورى»، ففي حين يملك الرئيس الأمريكي السلطة لاستخدام حق النقض ضد الكونغرس إذا رفض هذا الأخير الاتفاق، إلا أن الرئيس الإيراني غير مخول للقيام بذلك.
أما البديل فيتمثل بالحصول على موافقة أولية من قبل «المجلس الأعلى للأمن القومي» (الذي يترأسه الرئيس الإيراني)، لتُرسل بعدها الوثيقة إلى المرشد الأعلى فيتم تبنيها رسمياً. وقد وافق أعضاء «مجلس الشورى» في 21 تموز/يوليو على إنشاء لجنة خاصة لدراسة "خطة العمل المشتركة الشاملة"، بموجب المادة 44 من التنظيمات الداخلية للبرلمان. إلا أن ذلك لا يخول «المجلس» التصويت على الاتفاق بل مراجعته فقط.
أين يقف خامنئي؟
لغاية اليوم، كان رد فعل المرشد الأعلى منسجماً مع استراتيجيته التقليدية القائمة على تجنب الاضطلاع بالمسؤولية العلنية فيما يتعلق بالقرارات الكبرى. فبين عامي 2003 و2004، لم يتبنَّ خامنئي بشكل صريح الاقتراحات النووية التي قدمتها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي الثلاث، بالرغم من تعذر حصول المفاوضات من دون موافقته. بالإضافة إلى ذلك، وجه خامنئي انتقادات صريحة بشأن تلك المفاوضات بعد بضع سنوات. وقد اليوم يفضل أن يراجع «مجلس الشورى» "خطة العمل المشتركة الشاملة"، وهكذا يستطيع إرغام البرلمان بطريقة غير مباشرة على رفض الاتفاق إذا لم يرق له. هذا وقد مارس خامنئي سابقاً ضغوطاً على «المجلس» حول قرارات هامة. وعلى سبيل المثال، كشف بعض المشرعين أن إدارة المرشد الأعلى قد طلبت من البرلمان الموافقة على الحكومة المقترحة عام 2009 من قبل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.
وفي النهاية، من غير الواضح ما هو الموقف الذي سيتخده خامنئي بشأن الاتفاق. فعلى الرغم من أنه لم يبدِ حتى الآن رأيه الصريح بالاتفاق، إلا أنه اعترض على إخضاع إيران لضغوط متعلقة بالموعد النهائي. وقد أفاد في 9 نيسان/إبريل، على سبيل المثال: "قد تقول لنا [«مجموعة الخمسة زائد واحد» [أنه ليس أمامنا سوى ثلاثة أشهر، ولكن ماذا لو مددنا هذه المهلة إلى أربعة أشهر؟ لا ضرر في ذلك. فقد سبق أن مددوها بأنفسهم لسبعة أشهر... ... وحتى إذا تم تأجيل الموعد النهائي للقرار، لن يحدث شيء". وفي معرض خطاب ألقاه في 23 آذار/مارس في مدينة مشهد، قال: "إن أمريكا بحاجة للمفاوضات النووية... وذلك ينطبق على الكونغرس والإدارة على حد سواء". وتُظهر هذه التصريحات أن إيران قد لا تعترض على تمديد المفاوضات إذا ما فشل الاتفاق في العاصمتين، سيما وأنه لا يمكن استبعاد احتمال رفض خامنئي لشروط الاتفاق الحالية.
أما في ما يتعلق بالتوقيت، فلم يحدَد بعد موعد لجلسة مراجعة الاتفاق من قبل «مجلس الشورى»، وبالتالي من المرجح أن يصوت الكونغرس الأمريكي عليه قبل إصدار المشرعين الإيرانيين قراراً بشأنه. وقد يشكل رفض الكونغرس للاتفاق سيناريو أفضل بالنسبة إلى خامنئي لأنه سيقدم له مبرراً لإطالة الفترة من دون أن يوجه اللوم. إلى إيران. ففي 2 آب/أغسطس، صرح نائب كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي للمسؤولين عن الإذاعة والتلفزيون الرسميين في إيران بما يلي: "يجب أن نعلن قرارنا عما قريب. لذا، فإذا قرر الكونغرس الأمريكي رفض الاتفاق، سيكون هو الملام على فشل المفاوضات. فليس لدينا ما نخسره في هذه الحالة، إذ سنتمكن من متابعة برنامجنا من دون أن توجَه إلينا انتقادات دولية".
التداعيات على السياسة الإقليمية الإيرانية
لطالما كرر خامنئي أن سياسات النظام الإيراني في الشرق الأوسط لن تتأثر بالاتفاق النووي وبأن المفاوضات ستكون محصورة بالقضايا النووية. فقد قال في 9 نيسان/إبريل: "في الوقت الراهن، لا نجري أي مفاوضات مع أمريكا حول قضايا أخرى، لا شيء. يجب أن يكون ذلك واضحاً للجميع، فنحن لا نتفاوض على قضايا إقليمية أو محلية أو دولية... إذا أوقف الفريق الآخر تصرفاته السيئة المعهودة، سيشكل ذلك سابقة بالنسبة إلينا، ويمكننا عندها أن نقول: "حسناً، يمكننا التفاوض معهم على القضايا الأخرى". ولكن إذا لم نر ]تغييراً في السلوك الأمريكي[، سنواصل بطبيعة الحال نهجنا المعتاد انطلاقاً من تجربتنا الماضية".
ومع ذلك، يعتبر نقاد إيرانيون أن الاتفاق من شأنه تقويض دور الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ. ففي افتتاحية صحيفة "كيهان" الصادرة في 3 آب/أغسطس تحت عنوان "ما بعد اتفاق فيينا"، ادعى أحد المقربين لخامنئي حسين شريعتمداري أن "الحركات الإسلامية ومحور المقاومة هي من ركائز السلطة الأساسية في جمهورية إيران الإسلامية، بحيث أن العدو يدعوها 'العمق الاستراتيجي' لإيران. وبالطبع، إذا تم تقويض دور إيران البارز، سيتعرض محور المقاومة الذي يتبع نموذجها لأضرار جسيمة". وتابع: "يتضمن نظام الدفاع العسكري المتطور الخاص بإيران صواريخ باليستية متوسطة المدى وإن شاء الله في المستقبل صواريخ باليستية بعيدة المدى أيضاً، وهو يشكل إحدى ركائز سلطة الجمهورية الإسلامية... ولكن القرار 2231 [قرار مجلس الأمن الدولي الذي صادق على "خطة العمل الشاملة المشتركة"] قد يحرم الدولة بشكل صريح من هذا السلاح الفعال والمتطور... وبالتالي، سيؤدي تبني اتفاق فيينا إلى تراجع قدرات إيران العسكرية والدفاعية إلى مستوى دولة ضعيفة للغاية".
فضلاً عن ذلك، إن المتشددين الإيرانيين غير مقتنعين بأن "خطة العمل المشتركة الشاملة" هي مجرد صفقة تعامل، ويخشون أن تكون الولايات المتحدة قد سعت إلى إبرام اتفاق كغطاء لجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية التي ستمكنها من مهاجمة إيران بطريقة أفضل. ففي تقرير صادر في 9 تموز/يوليو تحت عنوان "اتفاق فيينا: زعزعة الأمن في إيران"، اعتبرت صحيفة "كيهان"، المعروفة على نطاق واسع كناطقة باسم خامنئي، أنه "بالرغم مما أصبح متعارف عليه بديهياً ومن البيئة التي خلقتها وسائل الإعلام الغربية والإيرانيون اللمتحمسون للاتفاق، فالاتفاق النووي... لن يقلل من احتمال نشوب حرب والمواجهة، بل يصب في الاتجاه المعاكس". ووفقاً التقرير، فبعد إبرام الاتفاق، سيصبح الخيار العسكري أكثر ترجيحاً لأن الولايات المتحدة ستستخدم مرحلة التنفيذ للحصول على معلومات تفتقر إليها حالياً: "لسوء الحظ، سيملأ الاتفاق على الأرجح الثغرات في اللعبة الاستخباراتية الأمريكية ويضمن نجاح هجوم ]عسكري[... وقد يؤدي هذا الهجوم إلى انقطاع البرنامج النووي الإيراني لأكثر من عقد، في حين سيقتصر الانقطاع على سنتين كحد أقصى إذا لم تحصل الولايات المتحدة على معلومات استخباراتية جديدة".
وفي 2 آب/أغسطس، ادعى عراقجي أن إيران سبق أن نظرت بجدية في احتمال شن ضربة عسكرية أمريكية ضدها، قائلاً: "قد لا يكون الناس مطلعين على التفاصيل ولكن أصدقاءنا في المؤسسة العسكرية و«فيلق الحرس الثوري الإسلامي» يعلمون أنه... ما بين العامين 2006 و2007، كنا نخشى كل ليلة أن يضعوا [الولايات المتحدة وغيرها] المعدات الضرورية لمهاجمة إيران على كامل أراضيها في صباح اليوم التالي... وفي لقاءات عقدناها مع أصدقائنا في المؤسسة العسكرية، كشفوا لنا القواعد العسكرية على الخارطة وأشاروا إلى الطائرات التي كانت في حالة تأهب وإلى قواعد تمركزها، وكانت إرادة السيد أوباما السياسية كافية آنذاك لمهاجمة إيران... فقد شددت الولايات المتحدة العقوبات على إيران لدرجة أن استمرار الوضع كما كان عليه كان ليؤدي إلى مواجهة".
تنفيذ الاتفاق
إن إحدى نقاط الاختلاف الأساسية بين المفاوضين الإيرانيين ومفاوضي "مجموعة الخمسة زائد واحد" هي أن المفاوضين الإيرانيين لا يملكون سلطة كافية لتطبيق الاتفاق الذين سعوا إليه على أرض الواقع. فالمرشد الأعلى هو من يشرف على إدارة البرنامج النووي، وليس الرئيس. كما أن مخاوف «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» بشأن التداعيات الأمنية لـ"خطة العمل المشتركة الشاملة" توسع الفجوة بين فريق روحاني والجهات المفترض أن تُنفذ الاتفاق. ويمكن لهذه الفجوة أن تشكل تحديات من ناحية ضمان التعاون الإيراني المستمر لإنجاح الاتفاق.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.