من هم "النجباء" ولماذا وجهت إليهم الولايات المتحدة ضربة مؤخراً؟
تُعد كوادر "حزب الله النجباء" الأكثر تهوراً بين الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق، وكانت السبب المباشر لجميع الضربات الأمريكية تقريباً ضد هذه الميليشيات منذ تشرين الأول/أكتوبر.
في 4 كانون الثاني/يناير، أدت غارة أمريكية إلى مقتل قائد كبير واحد على الأقل من "حركة حزب الله النجباء"، وهي منظمة مُدرجة على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب في العراق. ووقعت العملية في بغداد بعد ساعاتٍ من الاحتفال بذكرى قيام الولايات المتحدة باغتيال اللّواء الإيراني قاسم سليماني وزعيم الميليشيا العراقي أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني/يناير 2020. فما الذي دفع واشنطن إلى اتخاذ هذه الخطوة الجريئة، ولماذا تم استهداف "حركة حزب الله النجباء"؟
كما توضح اللمحة العامة عن "الحركة" ضمن سلسلة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، ربما تكون "حركة حزب الله النجباء" الميليشيا الأكثر عدوانية من بين الميليشيات المناهضة للولايات المتحدة والمدعومة من إيران في العراق. ويَعتبر زعيمها أكرم الكعبي نفسه "وجه المقاومة" المسلحة للوجود الأمريكي هناك. علاوةً على ذلك، قام "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، الذي كان يقوده الراحل سليماني سابقاً، برفع شأن الكعبي مراراً وتكراراً في المناسبات العامة، بينما تعامل معه علناً مسؤولون روس رفيعو المستوى في موسكو.
وعلى عكس الجماعات الأخرى التي صنفتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب في العراق، مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء"، لم تُشكل حركة الكعبي حزباً سياسياً. ووفقاً لتصريحات "حركة حزب الله النجباء" وأفعالها، فليس لديها الكثير لتخسره من إثارة غضب الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تتوخى الميليشيات العراقية الأخرى الحيطة والحذر، لا سيما "عصائب أهل الحق" وقائداها قيس وليث الخزعلي، اللذين سخرت منهما "حركة حزب الله النجباء" علناً ووصفتهما بالجبناء لعدم مهاجمتهما القوات الأمريكية.
وتشير تقديرات "الأضواء الكاشفة للميليشيات" إلى أن "حركة حزب الله النجباء" مسؤولة عن معظم الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا شمال الفرات (كونوكو والعمر والشدادي وخراب الجير/الرميلان وتل بيدر والمالكية)، فضلاً عن الهجمات على المواقع الأمريكية في "كردستان العراق" (أربيل وحرير). ومنذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، عندما بدأت الميليشيات موجة ضرباتها الأخيرة رداً على العملية البرية الإسرائيلية في غزة، نفذت "حركة حزب الله النجباء" ما لا يقل عن 95 من إجمالي 136 هجوماً ضد القوات الأمريكية (69%). وفي حين أن الجماعات الإرهابية المناهضة علناً للولايات المتحدة، مثل "كتائب حزب الله"، اكتفت بتقديم الحد الأدنى فقط من الدعم لحركة "حماس" و"محور المقاومة"، إلّا أن "حركة حزب الله النجباء" بذلت كل ما في وسعها على هذا الصعيد.
وتُشكل أيضاً أعمال "النجباء" السبب المباشر لِشن ست من أصل سبع جولات من الضربات الأمريكية التي تم تنفيذها رداً على هجمات الميليشيات منذ 27 تشرين الأول/أكتوبر. وفي هذه الحالات الست، قام عناصر "حركة حزب الله النجباء" إما بإطلاق وابل طائش من الصواريخ غير الموجهة نجا منها الأفراد الأمريكيون بأعجوبة، وإما بشن هجمات أكثر دقة تسببت عمداً في وقوع إصابات (على سبيل المثال، أدت غارة بطائرة مسيّرة في 25 كانون الأول/ديسمبر في أربيل إلى إصابة أحد أفراد الخدمة الأمريكية بجروح خطيرة). ويتماشى هذا السلوك مع الأعمال التي نفذتها الحركة سابقاً - ففي آذار/مارس 2023، على سبيل المثال، أسفر هجوم نفذته "حركة حزب الله النجباء" بطائرة مسيّرة متطورة في "خراب الجير"/الرميلان عن مقتل أمريكي واحد.
وفي المقابل، كانت "كتائب حزب الله" السبب المباشر لضربة أمريكية واحدة فقط، وهي عملية نُفذت في 20 كانون الأول/ديسمبر بعد أن أطلقت الميليشيا صاروخين من طراز "الأقصى 1" ضد "قاعدة عين الأسد الجوية". ولم تكن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها "كتائب حزب الله" هذه الصواريخ، لذلك كانت الضربة الأمريكية بمثابة رد "احتياطي" أو استباقي يهدف إلى تحذير الجماعة لوقف هجماتها، وهي رسالة سرعان ما فهمتها "كتائب حزب الله".
وكان عنصر "حركة النجباء" الذي قُتل في الغارة الأمريكية هذا الأسبوع، مشتاق طالب السعيدي (المعروف أيضاً باسم أبو تقوى السعيدي)، معاون قائد "عمليات حزام بغداد" في "الحشد الشعبي"، كما أدى دوراً في "اللواء 12" من "قوات الحشد الشعبي" الذي تديره "حركة حزب الله النجباء". وكان يُعرف بأنه يوزع أسلحة تقليدية إيرانية متطورة (طائرات مسيّرة وصواريخ) تم تخزينها في مناطق "أحزمة بغداد". وبالإضافة إلى الوفاة المؤكدة لأحد المساعدين، وهو علي نايف عرف (أبو سجاد)، تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن شخصاً ثالثاً كان مع السعيدي في ذلك الوقت وأصيب في الغارة، وقد يكون نائب رئيس الاستخبارات في "الحشد الشعبي" أبو امتحان الحلفي.
ومن خلال قتل شخص مهم من "حركة حزب الله النجباء" بعد تعقب سيارته، ترسل الولايات المتحدة إشارة قوية توضح فيها استعدادها للذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي الواقع، تستحق "حركة النجباء" بشكلٍ ملحٍ هذا النوع من الاستهداف المميت أكثر من أي جماعة أخرى، على الأقل استناداً إلى نشاطها الأخير. ومن المحتمل أن يكون لدى الجهات الفاعلة الأخرى في الميليشيات ردود فعل متباينة: فهي تشعر بالغيرة إلى حدٍ ما من سجل الحركة وقربها من "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري الإيراني"، لذلك قد يؤدي كبح جماح "حركة حزب الله النجباء" إلى إسعاد بعض هذه الجهات بصمتٍ، ولكنها قد تشعر أيضاً بالغيرة من الدعاية المحتملة التي ستكتسبها الحركة بفضل "شهدائها" البارزين. وعلى أي حال، يتعين على "حركة حزب الله النجباء" الآن اتخاذ قرار مهم: إما أن تتبع غريزتها الطبيعية وتصعّد عملياتها، وإما أن تحوّل هذه العمليات إلى هجمات رمزية واضحة تتجنب فيها وقوع إصابات من أجل وقف التصعيد مع الولايات المتحدة.