- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3653
مرافق الاعتقال في سوريا والعراق لا تزال عرضة لهجمات تنظيم «الدولة الإسلامية»
تسلط محاولة انتحارية استهدفت مخيم الهول للنازحين في شمال سوريا الضوء على المخاطر المستمرة التي يشكلها الاحتجاز لأجل غير مسمى للأجانب المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية».
في 20 أيلول/سبتمبر، حاولت خلية تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» تنفيذ هجوم انتحاري استهدف مخيم الهول للنازحين في شمال شرق سوريا. وعلى الرغم من الخسائر الإقليمية التي تكبدها هذا التنظيم، لا يزال يملك طموحات كبيرة للعودة إلى السلطة في جميع أنحاء سوريا والعراق. ويستلزم تحقيق جزء من هذا الهدف حث الأعضاء والجهات التابعة مراراً وتكراراً على مهاجمة السجون والمخيمات في أنحاء المنطقة كافة من أجل تحرير الرجال والنساء والأطفال المرتبطين بالتنظيم. ويُعتبَر هؤلاء المعتقلون في غاية الأهمية فيما يتعلق بنشر أيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتحسين نجاحه العملياتي، وتسهيل عودته في المستقبل.
الوضع الحالي لمرافق الاعتقال
يقيم في مخيم الهول نحو 55000 شخص، وهو يكمن في صلب المجادلات المتعلقة بسياسة الاحتجاز لأجل غير مسمى التي طُبقت على مرافق مماثلة ضمنياً. وقد شددت هذه النقاشات على وجه التحديد على دور النساء والقاصرين المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية» - حيث تشكل النساء غالبية السكان البالغين في المخيم، وتقدر الحكومة الأمريكية أن ما يقرب من نصف جميع الأفراد المحتجزين هناك تقل أعمارهم عن اثني عشر عاماً.
وفيما يتعلق بدولة المنشأ، تشكل النساء والأطفال العراقيون أكبر مجموعة من الأجانب المحتجزين في المخيم، ويُقدَّر عددهم بنحو 25000 شخص. كما يضم مخيم الهول حوالي 2000 إمرأة و 8000 قاصر من 57 دولة أخرى. ويأتي باقي المعتقلين من سوريا.
وتأوي المخيمات والسجون الأخرى المنتشرة في سوريا والعراق ما يُقدَّر بنحو 10000 أجنبي. وإذا أُضيف إليها مخيم الهول، يعني ذلك أن حوالى 43000 أجنبي من المنتسبين لتنظيم «الدولة الإسلامية» لا يزالون قابعين في هذه المرافق، حيث ينتمون إلى ما يقرب من ستين دولة من بينها العراق. وغالبية هؤلاء الأفراد هم من النساء والقاصرين.
في أوائل عام 2022، هاجمت عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية» سجن غويران في شمال شرق سوريا لإطلاق سراح أفراد مرتبطين بالتنظيم. وكما أشار مسؤول مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، يان موس، في تموز/يوليو، "أوضح الهجوم أننا لا نستطيع أن نفصل بشكل مصطنع قلقنا بشأن قضايا التشرد والاعتقال عن السياق السياسي الأوسع نطاقاً في شمال شرق سوريا، وذلك بسبب واقع بسيط هو أنه كلما زادت الموارد المالية ومجالات النشاط التي يتمتع بها [تنظيم «الدولة الإسلامية»]، كلما زاد تعقيد جهوده و/أو تكرارها لإطلاق سراح المحتجزين والتجنيد في مخيمات النازحين". وأظهرت أدلة مقاطع الفيديو التي التُقطت أثناء الهجوم أن قاصرين أجانب من الذكور كانوا محتجزين في مناطق من السجن إلى جانب رجال بالغين، مما زاد من فرص التجنيد والتلقين والاستغلال.
وتتجلى قدرة التنظيم على العمل داخل مرافق الاعتقال على أفضل نحو من خلال الوضع السائد في مخيم الهول. فقد أصبح هذا المخيم مرتعاً لنشاط تنظيم «الدولة الإسلامية»، حيث يدير التنظيم محاكم دينية، ويراقب النساء والأطفال، وينقل أيديولوجيته إلى الجيل القادم. كما يتفشى النشاط الإجرامي، حيث أحصت "منظمة الصحة العالمية" 85 حالة وفاة في الهول العام الماضي بسبب الجرائم وحدها.
ولمعالجة هذه المشاكل، نفذت «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد عملية أمنية استمرت أسبوعين في آذار/مارس 2021، واعتقلت 125 فرداً تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية". لكن بينما تسبب هذا الجهد في تراجع فوري في نشاط تنظيم «الدولة الإسلامية» داخل المخيم، تمكّن التنظيم منذ ذلك الحين من استعادة موطئ قدمه هناك. ووفقاً لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، قتلت عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات التابعة له أربعة وأربعين شخصاً من السكان والعاملين في المجال الإنساني هذا العام وحده، من بينهم أربع عشرة إمرأة وطفلين.
وخلال الشهر الماضي، سعت «قوات سوريا الديمقراطية» إلى كبح عودة التنظيم مجدداً من خلال تنفيذ "عملية الإنسانية والأمن" بدعم من الولايات المتحدة. وفي 18 أيلول/سبتمبر، أصدرت "القيادة المركزية الأمريكية" بياناً يشيد بـ"شركائها في «قوات سوريا الديمقراطية»" لإنجازهم المهمة الأمنية التي استمرت أربعة وعشرين يوماً. فابتداءً من 25 آب/أغسطس وحتى 17 أيلول/سبتمبر، قامت الوحدات المشاركة في العملية بتفكيك العديد من شبكات تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في المخيم، واعتقلت ما يقرب من 300 شخص مرتبطين بالتنظيم (بينهم 36 امرأة)، وصادرت أسلحة ومتفجرات. كما أطلقت سراح ست نساء (بينهن إيزيديتان) تعرضن للاحتجاز والتعذيب على أيدي عناصر تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية». وعند إطلاع أفراد من «قوات سوريا الديمقراطية» بشأن المهمة، شدد هؤلاء على الدور البارز الذي لعبته النساء في الحفاظ على شبكات تنظيم «الدولة الإسلامية» وعرقلة العملية عند تنفيذها.
آخر الهجمات على الهول
من المرجح أن يكون تنظيم «الدولة الإسلامية» قد اعتبر العملية التي قادتها «قوات سوريا الديمقراطية» بمثابة تهديد مباشر لقاعدة دعمه، الأمر الذي يستلزم الرد. ونظراً لأن ديناميات النوع الاجتماعي (الخاصة بالجنسين) تؤدي دوراً رئيسياً في الخطاب التحفيزي الذي يعتمده التنظيم، فسيُنظَر إلى هذه العملية على أنها تستهدف النساء والأطفال في تنظيم «الدولة الإسلامية»، مما يتطلب انتقاماً من المقاتلين الذكور الذين يشعرون أنهم مضطرين إلى الظهور كحماة لهم.
ومن غير المستغرب أن يكون تنظيم «الدولة الإسلامية» قد حاول مهاجمة الهول بعد أيام قليلة من انتهاء المهمة التي قادتها «قوات سوريا الديمقراطية». ففي 20 أيلول/سبتمبر، حاول سبعة عناصر من هذا التنظيم تجهيز مركبتين بالمتفجرات، ولكن إحداهما انفجرت قبل الأوان على بُعد حوالي عشرة كيلومترات من الهدف المفترض، أي الهول. وعند وصول عناصر «قوات سوريا الديمقراطية» إلى مكان الحادث، خرج مهاجمان من المركبة الثانية يرتديان سترتين ناسفتين، ففجّر أحدهما نفسه، بينما قُتل الآخر قبل أن يتمكن من القيام بخطوة مماثلة. ووفقاً لـ "القيادة المركزية الأمريكية"، جُهّزت المركبة المفخخة الثانية بما لا يقل عن خمسين كيلوغراماً من المتفجرات. وفي المجموع، قُتل أربعة عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية» واعتُقل واحد، من دون الإبلاغ عن أي إصابات أو وفيات ضمن صفوف «قوات سوريا الديمقراطية».
وبعد أربعة أيام، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» عبر إحدى قنواته على "تلغرام" مسؤوليته عن العملية الانتحارية. وخلافاً لبيانات «قوات سوريا الديمقراطية»، زعم التنظيم أن الهجوم أسفر عن مقتل أو إصابة 13 شخصاً. كما وصف الحادثة بأنها جزء من "انتقامه المستمر للسجينات" في الهول، تماشياً مع الخطاب السابق الذي وصف إطلاق سراح المعتقلين بأنه في صلب شعور التنظيم بالظلم واستراتيجيته داخل سوريا والعراق.
التداعيات على السياسة الأمريكية
كانت الحكومة الأمريكية صريحة في عهد إدارات متعددة في دعوتها إلى إعادة الأشخاص المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى بلدانهم الأصلية. وقد أعادت الولايات المتحدة ذاتها 39 فرداً إلى وطنهم اعتباراً من تموز/يوليو. واعترفت فرنسا بخطورة الوضع الحالي هذا الصيف عندما أعادت 51 إمرأة وقُصر، وهو أكبر إجراء يُتخَذ من هذا القبيل منذ عام 2019. ولكن بشكل عام، كانت باريس وشركاء أوروبيون آخرون مترددين في إعادة مواطنيهم، كما أن إقناعهم بتسريع العملية لا يزال يمثل تحدياً مستمراً إلى حد كبير.
إن التردد الأوروبي ليس سوى جزء من المشكلة - الغالبية العظمى من الأفراد الباقين في الهول هم من السوريين والعراقيين. ففي ظل استمرار غياب أي إجابة على المسألة السورية وسط المأزق السياسي في البلاد، سعت الحكومة العراقية بنشاط إلى إعادة مواطنيها منذ أيار/مايو 2021. وحتى حزيران/يونيو 2022، كانت قد أعادت حوالي 2500 عراقي من الهول، بوتيرة تبلغ نحو 150 أسرة كل شهر. ومع ذلك، ففي 12 أيلول/سبتمبر، أشار قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال مايكل كوريلا إلى أن الوتيرة الحالية للعودة إلى الوطن بطيئة للغاية وأن إتمام العملية سيستغرق أربع سنوات. وتحاول بغداد تكثيف جهودها، غير أن العقبات ما زالت قائمة، من بينها المخاوف الأمنية، ومشاكل التوثيق، وقضايا التماسك الاجتماعي.
وبالإضافة إلى تقديم الدعم من الولايات المتحدة إلى العراق والدول الأخرى التي تتعامل مع قضية الإعادة إلى الوطن على نطاق أوسع، يجب أن تُضاعِف واشنطن جهودها لحشد التعاون الدولي في هذا الشأن، وأن تعيد التأكيد على العواقب الوخيمة المترتبة على الدول الحليفة. وفي 28 أيلول/سبتمبر، أشادت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان، بالقرار الذي اتخذته مؤخراً "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" والذي قضى بتعيين منسق خاص جديد لشمال شرق سوريا، مشيرةً إلى أن "هذا المنسق سيؤدي دوراً مهماً في تحسين الأوضاع في مخيم [الهول] ومراكز الاعتقال هناك". وفي الواقع، يشكل القرار خطوة ضرورية جداً في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، بينما تركز الحجج الداعية إلى العودة إلى الوطن على الجانب الإنساني في أغلب الأحيان، إلّا أن جولة الهجمات التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية» والعمليات التي نفذتها «قوات سوريا الديمقراطية» تؤكد هذا العام على إمكانية حدوث تداعيات أمنية محفوفة بالمخاطر إذا لم يتم ضبط الوضع. وسوف يستمر تنظيم «الدولة الإسلامية» في استهداف مرافق الاعتقال في جميع أنحاء سوريا والعراق، طالما يبقى تحرير المنتمين إليه محورياً لتنفيذ خططه من أجل الظهور مجدداً.
باختصار، من الضروري أن تُشدد واشنطن على أن الوقائع الموجودة على الأرض تُظهِر بلا شك ما كان النشطاء والعاملون في المجال الإنساني والأكاديميون يحذّرون منه منذ سنوات: فسياسة الأمر الواقع المتمثلة في الاعتقال لأجل غير مسمى تتسبب في تهديد أمني كبير على الولايات المتحدة والدول الأخرى حول العالم، وهو تهديد لم يواجهه شركاء التحالف منذ أن فقدَ تنظيم «الدولة الإسلامية» الجزء الأخير من أراضيه في عام 2019. وقد تعتبر حكومات شريكة أن عملية إعادة أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية» ومناصريه إلى أوطانهم من شأنها أن تشكل مخاطر أمنية داخلية كبيرة خاصة بها، لكن المسؤولين الأمريكيين يحتاجون فقط إلى تذكيرها بأن ما يُدعى "خلافة" تنظيم «الدولة الإسلامية» كانت بمثابة منصة إطلاق، ومركز تخطيط، ومصنع تحريض لبعض من أسوأ الهجمات الإرهابية التي واجهتها على الإطلاق والتي تسببت في سقوط ضحايا بشكل جماعي. بالإضافة إلى ذلك، سيساعد اعتماد استراتيجية استباقية ومخططة جيداً في التخفيف من المخاطر المتعلقة بالعودة إلى الوطن، وتمكين البلدان من رصد التهديدات المحتملة بدلاً من تركها تتسلل عبر حدودها دون الكشف عنها. وللابتعاد عن المسار الذي يبدو أن المجتمع الدولي مصمم على اتباعه مجدداً، على واشنطن أن تحث شركاءها على السماح للأدلة - وليس للأمور السياسة - بتوجيه سياستهم.
ديفورا مارغولين هي زميلة أقدم في معهد واشنطن. وسابقاً، ساعدت في قيادة دراسة ممولة من "وزارة الأمن الداخلي" الأمريكية حول أفضل الممارسات لبرامج إعادة الإدماج التي تهدف إلى عودة الأزواج والقصر.