- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مستقبل كردستان
كردستان هي عبارة عن خليط من الأراضي عابر للحدود ينتشر في تركيا وإيران وسوريا والعراق. وعلى الرغم من أن ستة ملايين كردي فقط من أصل ما مجموعه 32 مليون كردي يعيشون داخل الحدود الإقليمية الحالية للعراق، إلا أن هؤلاء الأكراد حققوا أكبر قدر من الحكم الذاتي من أي من إخوانهم. فهزيمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في "حرب الخليج" عام 1991 جعلته يسحب قواته من مناطق كثيرة مما يُعرف في الوقت الحاضر بكردستان العراق. ولأكثر من عقد من الزمن قبل غزو العراق عام 2003، أدار الأكراد العراقيون دويلة خاصة بهم حمتها الأمم المتحدة، وسهر على أمنها المقاتلون الأكراد المعروفون بقوات "البيشمركة"، وقوة التحالف الجوية، ومولتها حصة تديرها الأمم المتحدة من صادرات نفط صدام حسين. حتى إن «حكومة إقليم كردستان» استخدمت عملة مختلفة عن العملة العراقية أثناء حكم صدام حسين، واعتمدت بشكل رئيسي على دينار عراقي قديم مطبوع في سويسرا خارج نطاق التداول وعلى الدولار الأمريكي.
ولفهم ما حدث في «إقليم كردستان» منذ عام 2003 وما الذي سيحدث بعد ذلك، من المهم أن ندرك أن كردستان العراق حقق مستوى عالياً من الحكم الذاتي خلال الفترة بين عامي 1991 و 2003، وأن نعتبر فترة ما بعد عام 2003 على أنها فرصة تجريبية حول إعادة الدمج الوطني. ووسط تحفيز من الولايات المتحدة، دخل الأكراد من جديد عجلة الاقتصاد العراقي وتلقوا حصة من عائدات النفط العراقي من خلال اتفاق متبادل مع بغداد بدلاً من تفويض الأمم المتحدة. هذا وكان العديد من المناطق التي يطالب بها الأكراد يُدار بالاشتراك مع الحكومة الاتحادية. على سبيل المثال، كانت «حكومة إقليم كردستان» تقوم بتعيين بعض المعلمين ورجال الشرطة ودفع رواتبهم بينما كانت بغداد تقوم بذلك للبعض الآخر. وكان الأكراد ممثلين في الحكومة العراقية الاتحادية والبرلمان والجيش.
ومنذ انهيار الجيش العراقي في حزيران/ يونيو 2014 ومرور عام من المعارك المتأرجحة مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وسّع الأكراد من سيطرتهم العسكرية لتشمل تقريباً جميع الأراضي التي تهمهم. ويمكن القول إن تجربة إعادة الدمج الاقتصادي على وشك أن تشرف على نهايتها. فكردستان العراق تظهر قدرة على تصدير نحو 650 ألف برميل من النفط يومياً، وعلى توليد إيرادات كافية بالكاد لتغطية الأجور في القطاع الحكومي المتضخم في المنطقة الكردية. وبالتالي، تنشأ في الوقت الحالي سيطرة فعلية على أرض الواقع واستقلال اقتصادي فعلي للأكراد عن بغداد.
إن الخطوات المنطقية التالية نحو الوصول إلى تقرير المصير بشكل كامل ستكون أكثر صعوبة ووتيرتها أكثر بطئاً. ويأمل «إقليم كردستان» في إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها التي يطالب بها كل من الأكراد وبغداد، ومنح السكان المحليين حق الاختيار، وهم الذين غالباً ما يجمعون ديموغرافياً لصالح الأكراد، في الانضمام رسمياً إلى «حكومة إقليم كردستان». ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تشحذ الانقسامات العرقية في بعض المناطق، وتفتح المجال أمام تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومن الممكن أن تضع الأحزاب السياسية الراسخة في «حكومة إقليم كردستان» في مواجهة بعضها البعض. فإذا انضمت مدينة كركوك متعددة الأعراق إلى «حكومة إقليم كردستان» من خلال أغلبية ضئيلة من الناخبين، قد تكون النتيجة سنوات أو عقود من عدم الاستقرار المتزايد. وبالمثل، إذا انضمت كركوك إلى «حكومة إقليم كردستان»، فإن «الاتحاد الوطني الكردستاني» المهيمن في كركوك، قد يكسب الكفة الراجحة في البرلمان الكردي على منافسه الرئيسي، «الحزب الديمقراطي الكردستاني».
وقد تبرز أيضاً مضاعفات حول أي استفتاء على الاستقلال يطلقه الأكراد في النهاية لتقرير ما إذا كانت «حكومة إقليم كردستان» ستبقى منطقة من العراق، أو تتحول إلى كيان كونفدرالي على قدم المساواة مع الدولة الاتحادية العراقية، أو تنفصل كدولة طموحة مستقلة تماماً وقادرة على الاقتراض وشراء الأسلحة وإصدار جوازات السفر والتحكم بالمجال الجوي مثل أي بلد آخر. يُذكر أن العديد من العناصر من خارج «الحزب الديمقراطي الكردستاني» يريدون العلاقة الإدارية القائمة مع العراق ولكن بصورة أكثر مرونة، كما أن العديد من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد لا تزال تعتمد في الغالب على الرواتب الحكومية التي تقدمها بغداد. ولا يزال الأكراد يحاولون معرفة الطريقة التي ينبغي من خلالها أن يحكموا منطقتهم، ويختلفون بشكل حاد حول تقسيم السلطات بين الرئاسة ومجلس الوزراء والبرلمان في «إقليم كردستان». وعلى الرغم من أن أي دولة لا تكون مستعدة بالكامل للاستقلال، إلا أن كردستان العراق ما زالت بحاجة إلى حل بعض القضايا الأساسية كمجتمع. وسيكون الاعتراف الدولي باستقلالية كردستان أكثر ترجيحاً إذا كان الأكراد متحدون ويعملون وفق الاتفاق مع بغداد بشأن القضايا الرئيسية التي يهتم بها العالم الخارجي، وعلى رأسها حملة مكافحة تنظيم «داعش».
وإذا ما أصبحت كردستان أمة بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون، فسيتوجب عليها في النهاية مواجهة التحديات التي تواجهها جميع الدول التي تعتمد على النفط ألا وهي: الحاجة إلى تنويع اقتصادها وخلق وظائف جيدة، والعيش في حدود إمكانياتها كوسيلة لحماية نفسها من تقلبات أسعار النفط. إن هذه المعركة من أجل النضوج الاقتصادي والانضباط والشفافية ستكون نضال يخوضه جيل بكامله على قدم المساواة من حيث الصعوبة مع الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن فقط عن طريق تخطي التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية في وقت واحد يمكن لكردستان العراق أن تكون قوية ومستقلة وتتخذ الخطوة التالية [لنجاح] تنميتها الوطنية.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن.
"ذي سايفر بريف"