- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3310
مسؤولو الصحة العرب يناقشون محاربة مرض "كوفيد-19"
"في 29 نيسان/أبريل، خاطب جعفر علاوي، سعد جابر وعبدالله القويزاني منتدى سياسي افتراضي في معهد واشنطن. والدكتور علاوي، الذي أصبح وزير الصحة العراقي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أُعيد ترشيحه لهذا المنصب في الحكومة المرتقبة لرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي. والدكتور جابر، وزير الصحة الأردني، شغل منصب مدير "معهد الملكة علياء للقلب" ورئيس "جمعية القلب الأردنية". أما الدكتور القويزاني فهو المدير التنفيذي لـ "المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها" في السعودية، المعروف أيضاً باسم "وقاية". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
جعفر علاوي
يعني وصول وباء "كوفيد-19" إلى العراق، تعامُل البلاد مع العديد من المشاكل في الوقت نفسه. وتعتمد العراق بشكل كبير على النفط، وقد انخفضت الأسعار بشكلٍ ملحوظ. كما تشهد البلاد احتجاجات مناهضة للحكومة في الشوارع في وقت لا تزال فيه حكومة تصريف الأعمال في السلطة.
وفيما يتعلق بالوباء، عانى العراق من 1927 حالة من مرض الـ "كوفيد-19" حتى 28 نيسان/أبريل، من بينها 1319 حالة شفاء. وبعبارة أخرى، تبلغ نسبة الأشخاص الذين تمّ شفاؤهم 68 في المائة من المصابين. وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك بعض النقص في الإبلاغ عن الإصابات بسبب محدودية الفحوصات والقلق بشأن وصمة العار الاجتماعية، إلّا أنه لا يوجد نقص في الإبلاغ عن الوفيات، حيث يمكن للحكومة التحقق من هذه الأعداد من خلال مراسم الدفن وشهادات الوفاة. وتدّعي بعض وسائل الإعلام أنّ عدد الحالات في العراق وصل إلى عشرات الآلاف، لكن هذا غير صحيح. وترصد سلطات "منظمة الصحة العالمية" في بغداد التقارير الحكومية [حول انتشار الوباء]. وبدأ المنحنى يوقف تصاعده حالياً، على الرغم من أن عدد كبير من العراقيين في الخارج الذين يتطلّعون إلى العودة إلى البلاد قد يثيرون بعض المشاكل.
والتحدي الآخر الذي تواجهه البلاد هو قُرب العراق الجغرافي والثقافي من إيران، الدولة التي شهدت عدداً كبيراً من الحالات في وقت مبكر، لا سيّما في مدينة قُم. فكان من الصعب جدّاً إغلاق الحدود بين البلدين التي يبلغ طولها 1000 ميلٍ بسبب عدة عوامل، من بينها المعدل المرتفع من التزاوج بين العراقيين والإيرانيين، والعدد الكبير من السكّان الشيعة في العراق، والحجم الكبير من التجارة الثنائية بين البلديْن.
ومع ذلك، ساعد إقفال جميع الحدود العراقية، وإغلاق المدارس، وتنفيذ حظر التجول على تخفيض عدد الحالات المحلية بشكلٍ كبير. وفي وقتٍ مبكرٍ من الأزمة، شنّت الحكومة حملة إعلامية عالية المستوى، أعلمت فيها الناس بأهمية التباعد الاجتماعي والوقاية وغسل اليديْن وارتداء القفازات والأقنعة. وازداد الالتزام بهذه القيود تدريجيّاً، على الرغم من أنه لا يزال هناك مجال للتحسين. ووقفَ كبار رجال الدين السنة والشيعة إلى جانب وزارة الصحة لمنع التجمعات الكبيرة في الجوامع ورحلات الحج. وتم الإبلاغ عن بعض الخروقات، إلا أن عدد الزيارات الإجمالية إلى مواقع الأئمة والجوامع تراجع إلى حوالي 5-10 في المائة.
وفي بداية الوباء، كان العراق قادراً على فحص الأفراد الذين يصلون إلى البلاد وأولئك الذين كانوا يعانون من الأعراض. واليوم بإمكانه إجراء فحص عام في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وتلقت الحكومة دعماً دولياً من الصين والكويت و"جامعة لندن" و"منظمة الصحة العالمية"، في حين وفّرت القوات العسكرية الأمريكية المعدات. وساهمت هذه المساعدة في معالجة الشكاوى الأولية للناس حول نقص معدات الحماية الشخصية. وبدأت الحكومة بتوفير الأقنعة للناس مجّاناً، وبالتالي خفّفت من مشكلة التلاعب بالأسعار.
وعلى الصعيد المالي، قدّم "البنك المركزي" والمصارف الخاصة مساعدات كبيرة للبلاد، مما عزز الآمال في [تقوية] الاقتصاد العام. وتتفاوض الحكومة حالياً بشأن [الحصول على] المزيد من الدعم المالي من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يتم إنتاج كميات كبيرة من الأرز والخضروات، وقد أفاد وزير الزراعة بأن العراق مستعد لتصدير الأرز والقمح.
أما الواقع بأن العراق والأردن يشهدان عدداً من الإصابات والوفيات أقل بكثير مما تواجهه الأنظمة الصحية المتفوقة في الولايات المتحدة وأوروبا، فيتمثّل أحد التفسيرات المحتملة في وجود أنواع متعددة من فيروس كورونا. وأشار زميل في "كلية لندن الإمبراطورية" إلى احتمال وجود ثلاثة أنواع ("أ" و"ب" و"ج") - أحدها خفيفٌ، وثاني له تأثيرات متوسطة، وثالث يعرض الخطر للموت بنسبة مرتفعة. وأفاد بعض العلماء الصينيين في صحيفة حسنة السمعة بوجود نوعيْن مختلفيْن، أطلقوا عليهما "إل" (L) و"إس" (S). وأحد هذيْن النوعيْن عدواني وأصاب 70 بالمائة من الناس في الصين، والنوع الآخر أقل خطورةً ويُسبب أعراضاً طفيفة. وقد يكون هذا التفاوت مبنيّاً أيضاً على الطقس، أو على عدد الأشخاص الذين تم تطعيمهم ضد الأمراض الأخرى للجهاز التنفسي، أو واقع تنفيد إجراءات الإغلاق الشديدة في العراق في وقتٍ مبكر قبل أن يتم اتخاذها في أوروبا والولايات المتحدة. ومن المستحيل تحديد سببٍ واحدٍ معيّنٍ في الوقت الحالي. وعلى أي حال، يتكيّف العراق حاليّاً مع الوضع، ولكن إذا ازدادت الحالات بشكلٍ كبير، فقد تكون النتائج كارثية.
سعد جابر
إن الوضع في الأردن تحت السيطرة. فمعظم الحالات التي تم الإبلاغ عنها مؤخراً هي عن سائقي الشاحنات القادمين من الخارج، ويتم فحصهم جميعاً عند دخولهم البلاد. ولم تتوقف التجارة، على الرغم من إغلاق الحدود أمام رحلات السفر العادية. وبدأت الحكومة في فتح القطاع التجاري، الذي كان مغلقاً في الأيام الأربعين الماضية. كما أبلى الأردن بلاءً حسناً في الحملة الإعلامية التي أطلقها في أواخر كانون الثاني/يناير، والتي بنت الثقة مع الناس وسهّلت الالتزام بإجراءات الإغلاق. أما المهمة التالية فهي حجر الطلّاب العائدين إلى الأردن من الخارج؛ وتتمثل الخطة في إخضاعهم لفحصيْن، الأول في المطار والثاني بعد أربعة عشر يوماً من الحجر الصحي.
وتتعدد على الأرجح العوامل الكامنة وراء الاختلاف في حجم الحالات بين مختلف البلدان، ولكن من غير المحتمل أن تختلف ضراوة العدوى من مكانٍ إلى آخر. وعندما قامت الحكومة الأردنية بِسَلْسَلة الفيروسات وراثياً بمساعدة أحد المراكز في سان دييغو، وجدت أن معظم تلك التي دخلت الأردن جاءت من الولايات المتحدة وبلجيكا وأستراليا وبريطانيا وإيطاليا. ولم يأتِ أيٌّ منها من الصين.
والجدير بالذكر أن هناك عدد كبير من السكّان اللاجئين في الأردن المنتشرين في ثمانية مخيمات، أكبرها يضم 80,000 شخصٍ. وقد طبّقت الحكومة في هذه المخيمات المعايير نفسها التي طبّقتها في بقية أنحاء البلاد، بما فيها عمليات الإغلاق والمراقبة وحملات التوعية. كما قيّدت الحركة داخل المخيمات وخارجها. وبفضل هذه الإجراءات الصارمة، لم تُسجَّل أي حالة في أيٍّ من المخيمات. والأردن الآن بصدد بناء مستشفيات متنقّلة، وكل ذلك بينما تنسّق البلاد النهج الذي تعتمده في المخيمات مع "منظمة الصحة العالمية" و "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
ولا يشكّل النقص في الإبلاغ عن الحالات مشكلةً. فعدد الحالات في الأردن أقل من الغرب بسبب إجراءات الإغلاق الصارمة. وقد شددت الحكومة على الشفافية والصدق طوال الأزمة؛ فالمشكلة كبيرة جدّاً ولا يمكن إخفاؤها عن الشعب. وستتمكن البلاد قريباً من فحص 10,000 شخصٍ يومياً، وهو عددٌ يمكن مقارنته مع الفحوصات التي تجري في الولايات المتحدة.
وفي غضون ذلك، يعمل الأردن مع النظام الدولي ويتاجر في السلع الأساسية. ويشمل ذلك إنتاج الهيدروكسي كلوروكين، وفي غضون الأسبوع المقبل، سيعمل على تصدير الأقنعة والمآزر. ويقوم "البنك المركزي" بتخفيف العبء الاقتصادي من خلال توفير قروض دون فوائد تساعد الشركات على إبقاء الموظفين على جدول الرواتب. وعلى النحو نفسه، تمكّنت حملة التبرع الحكومية الضخمة من دعم أكثر من 150,000 أسرة.
وبالفعل، سلّط الوباء الضوء على الترابط بين الصحة العامة والاقتصاد. وسيكون العالَم ما بعد وباء "كوفيد" مختلفاً تماماً، وسيتذكّر الناس تقدير أهمية التواصل الاجتماعي والحرية والوحدة.
عبدالله القويزاني
إن التجربة السعودية الماضية في التعامل مع "متلازمة الشرق الأوسط التنفسية" لا تُقدَّر بثمن عند محاربة وباء "كوفيد-19". وقد أصدر الملك سلمان مرسوماً يسمح للجميع في البلاد، من بينهم المقيمين الذين لا يملكون أي مستندات، بالعلاج المجّاني من المرض. بالإضافة إلى ذلك، أوقفت المملكة العمرة، وقيّدت السفر الدولي، وأغلقت المدارس والجوامع، وحظرَت التنقّل بين المدن السعودية. وتم تحديد الحالة الأولى في المملكة في مدينة صغيرة في المنطقة الشرقية. ومنذ ذلك الحين، ساعد تعقّب مخالطي المصابين والتزام الحجر الصحي على إبقاء عدد الحالات منخفضاً ليبلغ حوالي 20,000 حالة في آخر إحصاء، مع 150 حالة وفاة.
وتعهّدت المملكة بدفع مبلغ 500 مليون دولار لمكافحة وباء "كوفيد-19" على الصعيد العالمي، على أمل أن يسرّع ذلك عملية إيجاد اللقاح. أما "المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها" في السعودية الذي أُنشئ حديثاً فهو صغير، لكنّ الحكومة ملتزمة بتوسيع نطاق اختباراتها وعملها مع المجتمع الدولي. وهي تقترب الآن من تحقيق القدرة على فحص 22,000 شخصٍ يومياً وما يصل إلى 9 ملايين شخص سنوياً. كما خصصت خمسةً وعشرين مستشفًى لتلبية الطلب المتوقَّع. بالإضافة إلى ذلك، قامت المملكة بتلقيح 4.5 مليون شخصٍ ضد الإنفلونزا - وهو إجراء مهم مع اقتراب فصل الشتاء وتداخُل الإصابة بوباء "كوفيد-19" مع الأمراض الموسمية للجهاز التنفسي .
وهناك الكثير من الأمور المجهولة عن الفيروس، مثل سبب اختلافه من بلدٍ لآخر. غير أنه علّمنا العديد من الدروس حتى الآن وهي: أنه يمكن القيام بقدر كبير من العمل عن بُعد؛ وأنّ القضايا الصحّيّة تؤثّر على القطاعيْن الاقتصادي والاجتماعي على حدٍّ سواء؛ وأنّ هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التأهب لمواجهة الأوبئة نظراً إلى خطر الإصابة بالأمراض المستقبلية. ومن الضروري اتباع نهج "الصحة الواحدة"، الذي يشمل التعاون متعدد القطاعات والتعاون الحكومي الدولي في تحديد الأمراض الجديدة.
أعدت هذا الملخص إليز بور. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".