- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
نجاح دبلوماسية بايدن النفطية في الشرق الأوسط أو فشلها يتوقف على ليبيا
Also published in "المصلحة الوطنية" (National Interest)
لن تَعني زيادة الإنتاج السعودي من النفط الكثير بالنسبة للاحتياجات الدولية إذا ظل الإنتاج الليبي غير موثوق به، لذا فقد حان الوقت لاستخدام الأساليب الصعبة مع اللواء المنشق خليفة حفتر.
من الواضح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ليس متحمساً للسفر إلى المملكة العربية السعودية. ويصر على أن وجهات نظره بشأن حقوق الإنسان لم تتغير، وقال إنه لن يلتقي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على انفراد. وبدلاً من ذلك، ركز الرئيس الأمريكي على "صنع السلام"، في إشارة واضحة إلى إقناع السعودية بتوقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل. ويواصل بايدن ومستشاروه التقليل من أهمية الأولوية المباشرة للرحلة، وهو: الضغط على السعودية لزيادة إنتاج النفط. ونجح مساعدوه في إقناع "منظمة الدول المصدّرة للنفط" ("أوبك") بزيادة أهداف إنتاج النفط ببضع مئات الآلاف من البراميل في اليوم لشهري تموز/يوليو وآب/أغسطس. ولكن زيادة الإنتاج السعودي (حيث يتناقش الخبراء حول مقدار ما يمكن أن تزيده السعودية فعلياً على أساس مستدام) لن تعني الكثير إذا بقي الاعتماد على إنتاج النفط الليبي غير ممكن.
إمكانات ليبيا
قد يكون لتنشيط العلاقات الأمريكية السعودية أهمية استراتيجية أكبر، ولكن تكثيف التعامل الأمريكي مع ليبيا طال انتظاره. كما أنه لا يتطلب تنازلات أخلاقية. ويمكن أن يؤدي تحقيق الاستقرار في ليبيا إلى عودة ما بين 500 ألف ومليون برميل في اليوم إلى السوق بسرعة. كما سيوجه ذلك ضربة إستراتيجية لروسيا، التي نشرت مرتزقة "مجموعة فاغنر" في ليبيا لفترة دامت ثلاث سنوات على الأقل.
وبالتأكيد، لدى ليبيا تحدياتها الخاصة، لكن ضخ النفط لا ينبغي أن يكون أحدها. فبعد ثورة 2011، انتعش إنتاج النفط بشكل غير متوقع إلى مستوى ما قبل الحرب والذي بلغ 1.3 مليون برميل يومياً. ومنذ ذلك الحين، وصل إلى 1.4-1.5 مليون برميل في اليوم، لكنه انخفض أيضاً إلى لا شيء تقريباً خلال الحرب الأهلية في الفترتين 2014-2015 و 2019-2020. وتحتاج الحقول ومحطات التصدير إلى ترقيات واستثمار. لكن الأهم من ذلك هو الاستيلاء المنتظم على المرافق من أجل ابتزاز الحكومة المؤقتة لدفع مبالغ أو، في حالة الجنرال المنشق خليفة حفتر، احتلال الحقول والمحطات في المناطق التي يسيطر عليها من أجل الإيرادات. وفي وقت ترتفع فيه الأسعار، كلف حفتر ليبيا أكثر من 3 مليارات دولار من عائدات النفط المفقودة. كما أنه يكلف الأمريكيين في المضخة.
ولا يشكّل حل الاضطرابات السياسية في ليبيا مهمةً سهلة. ومع ذلك، هناك عناصر استراتيجية لم تتم متابعتها بشكل فعال. وفي الوقت الحالي، تتوسط "الأمم المتحدة" في المفاوضات الجارية بين المجلسين البرلمانيين المتنافسين في ليبيا (كلاهما تجاوز فترة ولايتهما منذ مدة طويلة) لتحديد "أساس دستوري" لإجراء انتخاباتٍ تشتدّ الحاجة إليها والتي تم تأجيلها منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي. [وبالطبع] أن الانتخابات ضرورية لوضع البلاد على أساس أكثر استقراراً. وقد أحرز الطرفان تقدماً كبيراً في الجولة الأخيرة من المحادثات، ولكنّ نقطة خلافية بقيت قائمة بشأن شروط الترشح، والتي تُعد أساساً مفتاحاً لإمكانية ترشُّح حفتر أو الشخصيات الإشكالية الأخرى، مثل نجل القذافي سيف الإسلام، للرئاسة مجدداً. ويُعتبَر اتضاح المسار المؤدي إلى الانتخابات أهم من الخلاف القائم حول شرعية الحكومة المؤقتة الحالية. وينفذ صبر الشعب الليبي بشكل متزايد مع انتشار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد الطبقة القيادية المتعصبة بسبب الجمود السياسي وندرة الخدمات الأساسية.
لقد دعمت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون جهود "الأمم المتحدة"، ولكن ليس بشكل كافٍ. ففي مراحل مختلفة، عقدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرات للضغط [على الأطراف المعنية] من أجل التوصل إلى تسوية سلمية. لكن تلك الجهود لم تستمر وسرعان ما وقع على عاتق الدبلوماسيين من المستوى الأدنى العمل سويّة على مجادلة الليبيين. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الجهات الفاعلة الأكثر نشاطاً في المنطقة على تقويض التقدم المحتمل بشكل روتيني.
تنشيط الدبلوماسية الأمريكية
ركّزت الولايات المتحدة، من جانبها، مؤخراً على آلية اقتصادية من أجل دفع "مصرف ليبيا المركزي" و"المؤسسة الوطنية للنفط" إلى معالجة الشكوى الأساسية للّيبيين الشرقيين، وهي عدم توزيع عائدات النفط بشكل عادل وشفاف. وأقرّ فتحي باشاغا، رئيس الوزراء المعيّن من قبل مجلس النواب الليبي، والذي سيحل محل "حكومة الوحدة الوطنية" المعترف بها دولياً، بأن استراتيجية حصار النفط ستنتهي بمجرد تمويل ميزانيته. وأدت عمليات إغلاق المنشآت الأخيرة إلى انخفاض الإنتاج الليبي بنحو 600 ألف برميل في اليوم منذ بداية عام 2022، وهو ما يعادل انخفاضاً يزيد عن ضعف زيادة "أوبك" التي تعهدت بها السعودية والإمارات.
إن الولايات المتحدة محقة في أنه يجب أن تكون هناك آلية محايدة لتوزيع عائدات النفط إلى حين إجراء الانتخابات. لكن هذا يضع العربة أمام الحصان. فمثل هذا الامتياز المالي من شأنه أن يمنح حفتر وحلفاءه مثل باشاغا ما يريدون - أي السيطرة على عائدات النفط - دون ضمان تسوية سياسية. وإذا حصلوا على الإيرادات، فلن يعود لديهم حافز لدعم الانتخابات.
لقد حان الوقت لاستخدام الأساليب الصعبة مع حفتر، وهو ما لم تكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على استعداد للقيام به. يجب إخباره بشكل لا لبس فيه بأن عليه رفع أي إغلاق لمنشآت نفطية قبل قبوله في أي عملية سياسية. وبصفته مواطناً أمريكياً، يمكن تجميد أصوله ويمكن توسيع دعوى قضائية مدنية ضده مؤخراً في ولاية فرجينيا، حيث يُتهم بممارسة التعذيب. يجب إبلاغ مصر، المدافع الرئيسي عن حفتر، بأن دعمها له يضرّ بالمصالح الأمريكية. وعلى الرئيس بايدن أن يوضح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة يوجهها خلال القمة السعودية المقبلة، أن مصر مسؤولة أيضاً عن إعادة إنتاج النفط الليبي إلى الخط. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتوقف الاشتباكات بين الجماعات المسلحة الموالية لكل جانب. بإمكان مصر وتركيا، وهما الداعمان الرئيسيان لطرابلس، الضغط من أجل هذا الشرط لأن أياً من الدولتين ليس لديها مصلحة في رؤية العودة إلى الحرب الأهلية. ومن الصعب تصوّر حدوث مثل هذا التنسيق الدبلوماسي دون قيام تنسيق نشط من قبل الولايات المتحدة.
في أيلول/سبتمبر من هذا العام تصادف الذكرى السنوية العاشرة لجرائم القتل المأساوية التي تعرض لها السفير الأمريكي كريس ستيفنز وثلاثة أمريكيين في بنغازي. وقبل أن تصبح تلك الأحداث "كرة قدم" سياسية لا معنى لها في الولايات المتحدة، ألقى نائب الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن كلمة ثناء مؤثرة حول ستيفنز وزملائه [من موظفي السفارة الأمريكية في بنغازي]، في بهو وزارة الخارجية الأمريكية عندما أُضيفت أسماؤهم إلى اللوحة التذكارية للدبلوماسيين الذين قتلوا أثناء أداء مهامهم في الخارج. وكان هدف السفير ستيفنز هو رؤية ليبيا كدولة مستقرة ومزدهرة بعد معاناتها لسنوات في ظل دكتاتورية قاسية. ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية إلا خلال هذه اللحظة المحفوفة بالمخاطر التي تمر بها ليبيا من خلال المشاركة النشطة للولايات المتحدة، والتي يصادف تزامنها مع دفعة لسوق الطاقة العالمي هو في أمس الحاجة إليها.
بين فيشمان هو زميل أقدم في "برنامج جيدولد" في معهد واشنطن ومدير سابق لشؤون شمال إفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي.