- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
نشر حاملة طائرات أمريكية يوفر فرصة استراتيجية في البحر الأبيض المتوسط
بعد ثلاثة أيام من هجمات باريس، غادرت حاملة الطائرات الأمريكية الضاربة "يو. إس. إس. هاري ترومان" Harry S Truman)) ميناء نورفولك في ولاية فرجينيا متوجهة إلى مياه الشرق الأوسط لإغلاق ما يسمى بالهوة في [غياب] حاملة طائرات. وعلى الرغم من التوقيت الجدير بالملاحظة، كان هذا الانتشار مقرراً سابقاً وليس رداً على الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في مصر ولبنان ومالي وفرنسا. وعند وصول السفينة إلى المنطقة، سوف يزيد جناحها الجوي بصورة كبيرة من قدرة التحالف على ضرب أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا - ويضم هذا الجناح نحو خمسين طائرة هجوم. وإذا ما أبحرت حاملة الطائرات وفقاً للنمط المتبع في السنوات القليلة الماضية، فستتوجه مباشرة إلى الخليج العربي، إلا أنه بإمكانها الإستفادة استراتيجياً بصورة أفضل من الوضع الحالي من خلال شنها ضربات من شرق البحر الأبيض المتوسط قبل استمرارها في مسارها إلى الخليج.
إن الآثار العملياتية لقصف أهداف تنظيم «داعش» من أي جسم مائي متشابهة جداً. بيد، تقوم حالياً حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" بشن عمليات هجومية من البحر الأبيض المتوسط. وإذا ما أخّرت "ترومان" من وصولها إلى الخليج العربي لفترة قصيرة، وانضمت إلى حاملة الطائرات "ديغول"، وأطلقت طائراتها كجزء من الضربات التي تقودها فرنسا، فإن ذلك سيبعث رسالة واضحة حول التضامن مع حليف وثيق ويشير أيضاً إلى التزام الولايات المتحدة بمساعدة حلفاء آخرين في "منظمة حلف شمال الأطلسي" ("الناتو") في المنطقة. ووفقاً لذلك، يجب على الحكومتين أن تفكرا في الإعلان عن هذه النية في أقرب وقت ممكن، ومن المفضَّل أن يكون ذلك أخلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى واشنطن هذا الأسبوع، وبالتأكيد قبل زيارته اللاحقة إلى موسكو. ومن شأن مرور حاملة الطائرات "ترومان" في إحدى موانئ إسرائيل أو قبرص أن يزيد من تعزيز هذه الرسالة.
إن اتخاذ شرقي البحر الأبيض المتوسط مسرحاً للعمليات يرسل في الوقت نفسه إشارة مختلفة جداً لروسيا ولنظام الأسد الذي تدعمه. فمنذ أن خرجت حاملة الطائرات الأمريكية الأخيرة مؤقتاً من المنطقة، عمل الروس على استعراض عضلاتهم العسكرية. وخلال الشهرين الماضيين، قامت ثمانية وعشرين طائرة هجوم روسية تتمركز في اللاذقية بقصف أهداف سورية من الجو - وخاصة عناصر المعارضة بدلاً من [مقاتلي] تنظيم «الدولة الإسلامية» - في حين ساعدت الشحنات الأخيرة من العربات المدرعة والأسلحة والطائرات العمودية والمستشارين على تقوية قوات النظام. وبالإضافة إلى ذلك، قامت السفن الحربية والقاذفات الاستراتيجية بشن هجمات في سوريا من على بعد آلاف الأميال. وفي 20 تشرين الثاني/نوفمبر، طلبت موسكو من لبنان غلق مجالها الجوي، بما في ذلك مطار بيروت الدولي، لمدة إثنتين وسبعين ساعة لكي تستطيع القوات الروسية إجراء تمارين عسكرية. وكان هذا التصعيد التدريجي للقوة العسكرية بمثابة رسالة استراتيجية واضحة تشير إلى رغبة فلاديمير بوتين في التأثير على الشؤون الإقليمية.
إن قيام حاملة الطائرات "ترومان" بشن ضربات لعدة أيام من شرق البحر الأبيض المتوسط سيكون رداً مناسباً. وقد تعمل مجموعة حاملة الطائرات الضاربة (التي تشمل أربع من سفن السطح الأخرى) في نفس المياه التي يعمل فيها أسطول روسي مكوّن من أربع سفن حربية كانت قد أطلقت صواريخ كروز على أهداف سورية الأسبوع الماضي. ان الطرق المؤدية إلى أهداف تنظيم «داعش» من البحر الأبيض المتوسط قد تمر عبر المجال الجوي التركي إلى الشمال مباشرة من المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، وبالتالي ضمن مدى أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة الروسية المتطورة جداً، لذلك فإن موجهي حاملة الطائرات "ترومان" وطياري البحرية لا بد أن يكونوا حذرين جداً بينما يعملون على تخفيف خطر الاحتكاك مع أقرانهم الروس، وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه في أواخر أيلول/سبتمبر. ومع ذلك، ينبغي أن لا يكون هناك أي تنسيق مع الروس بما يتخطى تخفيف خطر الاحتكاك، وبالتأكيد عدم القيام بعمليات مشتركة. كما يجب أن لا تكون الرسالة إلى بوتين تصعيدية أو استقطابية، بل مؤشراً فقط على أن القوات الأمريكية تعمل في الأماكن والأوقات التي تراها مناسبة لها، سعياً لتحقيق مصالح الولايات المتحدة.
وفي حين سيدرك بوتين بسهولة هذا الاستخدام للقوة العسكرية، إلا أن البعض الآخر قد لا يفهم ذلك. على سبيل المثال، قد يستنتج أهل السنة في سوريا وأماكن أخرى في المنطقة أن القوات الأمريكية تعمل الآن مع روسيا والأسد في حملتهما الواضحة المعادية للسنة. وللتقليل من هذه المخاطر، يجب أن يكون بقاء حاملة الطائرات "ترومان" في البحر المتوسط لفترة وجيزة، ويليه على الفور انتقالها المباشر إلى الخليج العربي. إن العودة السريعة إلى الخليج مهمة أيضاً لإعادة طمأنة الشركاء التقليديين هناك حول التزام واشنطن تجاه المنطقة، ولتذكير إيران بأن هناك قوات كبيرة تتمركز مرة أخرى على مقربة منها لمواجهة أي تهديدات لحرية الملاحة أو للمصالح الأمريكية الأوسع. ولزيادة أهمية هذه النقطة، يجب على واشنطن أن ترد على أي رد فعل سلبي من قبل الروس حول الوجود الأمريكي على مقربة من قواتهم من خلال الإعلان بوضوح عن هدف تمركز حاملة الطائرات هناك أي: إعادة تأكيد الدور القيادي الذي تلعبه الولايات المتحدة كجزء من الرغبة القائمة منذ فترة طويلة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
إن ضرب عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» من البحر الأبيض المتوسط بينما يجري القيام بعمليات [عسكرية] على مقربة من القوات الروسية سيساعد واشنطن على استعادة المبادرة الاستراتيجية - ويبعث برسالة إلى بوتين بلغة يفهمها. وفي ظل أزمة تضم عدد قليل من الخيارات المرضية، يوفر وصول حاملة الطائرات "ترومان" فرصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
الرائد البحري راين تيويل (البحرية الأمريكية) هو زميل زائر للشؤون العسكرية في معهد واشنطن. الآراء المُعرب عنها هنا هي آراء الكاتب ولا تعكس السياسة الرسمية أو موقف البحرية الأمريكية، أو وزارة الدفاع، أو حكومة الولايات المتحدة.