
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4017
قانون "الحشد الشعبي" في العراق لا يغني عن الإصلاح الأمني الحقيقي

لا ينبغي على إدارة ترامب أن تنخدع بـ "الإصلاحات" المزعومة التي يناقشها قادة الميليشيات في البرلمان، إذ إنها تهدف إلى تحويل الحشد الشعبي إلى نسخة أخرى من "الحرس الثوري" الإيراني، مع الإبقاء على شخصيات مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة في مناصب رئيسية.
في الحادي عشر من آذار/مارس، سحب مجلس النواب العراقي مشروع " الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي" من جدول المداولات، في خطوة جديدة - ولكنها بلا شك لن تكون الأخيرة - ضمن سلسلة من المناقشات المحتدمة حول هيكلية "الحشد الشعبي" وتمويله. فهذا القانون، الذي يبدو في ظاهره إصلاحًا للحشد الشعبي، لا يعدو كونه محاولة من قادة الميليشيات المتنافسة لتعزيز نفوذهم على حساب بعضهم البعض، بينما يسعون للاستحواذ على حصة أكبر من الميزانية الوطنية لهذه المنظمة شبه العسكرية الموالية لإيران.
ومنذ تشكيلها في عام 2014، شكلت "قوات الحشد الشعبي" معضلة لصانعي القرار في الولايات المتحدة. من جهة، نشأت هذه القوات، التي بدأت في البداية كقوة متطوعين بالكامل، بمباركة آية الله العظمى علي السيستاني، بهدف تنفيذ مهمة رئيسية تمثلت في استعادة الأراضي العراقية من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية". وفي وقت لاحق، تم إدراجها ضمن جدول رواتب الحكومة واعتُرف بها كفرع رسمي من قوات الأمن. ومن جهة أخرى، تورطت قواعد "الحشد الشعبي" ومعداته وأفراده مرارًا في قتل أمريكيين وعراقيين على حد سواء، دون أن تخضع للمساءلة. كما يتولى قيادة هذه القوات في الغالب قادة ينتمون إلى منظمات إرهابية أجنبية مدعومة من إيران، صنفتها الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب. ويشغل فالح الفياض حاليًا منصب رئيس "قوات الحشد الشعبي"، وهو مُدرج على القائمة الأمريكية للإرهاب بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. أما قائد عمليات القوات، عبد العزيز المحمداوي (المعروف أيضًا باسم أبو فدك)، فهو عضو بارز في منظمة "كتائب حزب الله"، التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، وكانت وراء عدة هجمات، من بينها هجوم في كانون الثاني/يناير 2024 أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين وإصابة عدد آخرين.
وبعد الانتكاسات الإقليمية التي لحقت بـ"محور المقاومة" الإيراني خلال الحروب الأخيرة في غزة ولبنان، ازدادت مخاوف "الحشد الشعبي" من خطر استهداف كبار مسؤوليه بهجمات أمريكية أو إسرائيلية. وبناءً على ذلك، سعى الحشد إلى إعطاء انطباع بأنه يجري "إصلاحات" في هيكله، شملت إحالة بعض القادة إلى التقاعد وتعيين شخصيات أقل إثارة للجدل. ومع ذلك، عند ممارسة الضغط على بغداد بشأن الإصلاح الأمني، يجب أن تميز واشنطن بين التغييرات الشكلية والتدابير الجذرية التي يمكن أن تساهم في تقليص التهديد الذي تشكله الجهات الفاعلة الخبيثة داخل "الحشد الشعبي".
معركة السيطرة على " قوات الحشد الشعبي"
تُنظم الميليشيات العراقية بموجب قانون هيئة "الحشد الشعبي" رقم 40 لعام 2016، وهو تشريع مقتضب يتألف من ثلاث مواد فقط، ولا يتضمن تفاصيل كافية بشأن شروط توظيف القوات أو هيكلها الإداري. وللتعامل مع هذه الثغرة، شرعت هيئة "الحشد الشعبي"، بقيادة فالح الفياض، في صياغة قانون جديد للخدمة والتقاعد في عام 2019 .ومع ذلك، شكّل تمرير هذا التشريع تحديًا كبيرًا، حيث سعت مختلف الميليشيات والجماعات السياسية الشيعية إلى صياغته بشكل يعزز نفوذها. وقد تم الإعلان عن مسودة أولية مؤلفة من 39 مادة في عام 2020، إلا أنها تضخمت لاحقًا لتشمل 113 مادة بحلول عام 2023، قبل أن تُعرض في البرلمان العام الماضي.
من الواضح أن "الحشد الشعبي"-الذي يُفترض أنه جزء من قوات الأمن العراقية- قد أمضى سنوات في صياغة قانون خاص به لتنظيم هذه المسائل، رغم أن العراق يمتلك بالفعل "قانون الخدمة والتقاعد العسكري" القانون رقم (3) لعام 2010. ويرفض قادة "الحشد الشعبي" الامتثال لهذا القانون القائم، انسجامًا مع المهمة غير الرسمية لهذه القوات، التي تتمثل في العمل كجيش موازٍ للجماعات العراقية المدعومة من قبل "الحرس الثوري الإسلامي الذي يُعد بدوره الجيش الموازي في إيران.
وصل مشروع قانون "الحشد الشعبي" حاليًا إلى طريق مسدود، ليس بسبب رفض الميليشيات للإصلاح الحقيقي، بل نتيجة الخلاف الدائر حول إمكانية تغيير القيادة. فقد دفعت بعض الكتل الشيعية في البرلمان، بما فيها تلك المرتبطة بالميليشيات، باتجاه فرض سن تقاعد إلزامي لأعضاء "الحشد الشعبي" عند سن الستين، حيث لا يوجد حاليًا حد إلزامي للتقاعد. ويتصدر هذا الجهد كل من حركة ”الصادقون“ (التي شكلتها منظمة "عصائب أهل الحق" المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة-وائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بدعم من "حركة حقوق"، التي أسستها "كتائب حزب الله". ويهدف هذا البند بوضوح إلى إجبار فالح الفياض، البالغ من العمر 68 عامًا، على التقاعد. وإذا تم تمرير القانون بصيغته الحالية، فإنه لن يؤدي فقط إلى تقاعد الفياض، بل سيشمل أيضًا ما يقرب من 180 من كبار موظفي "الحشد الشعبي"، بمن فيهم قادة مختلف الألوية والقيادات العملياتية في المناطق.
وفي الوقت الراهن، نجح فياض في حجب بعض نُسخ القانون الذي يتضمن هذه الأحكام، مستفيدًا من دعم كل من هادي العامري (رئيس منظمة بدر المدعومة من إيران)، وأبو آلاء الولائي (رئيس "كتائب سيد الشهداء “ المصنفة على لائحة الإرهاب الأمريكية)، وعمار الحكيم (رئيس تيار الحكمة). أما الحليف السياسي الأبرز لفياض، وهو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فهو "يقاتل بضراوة لمنع تمرير القانون" ، وفقاً لما صرّح به علي تركي، العضو البارز في تيار الصادقون. وفي 18 شباط/فبراير، سافر فياض إلى إيران في محاولة مفترضة لحشد دعم طهران لعرقلة التشريع؛ وبعد ثلاثة أسابيع، تم سحب مشروع القانون من التداول، على الأقل بشكله الحالي.
التداعيات على السياسة الأمريكية
للولايات المتحدة مصلحة وطنية واضحة في منع ترسيخ "حرس ثوري" آخر مدعوم من إيران في الشرق الأوسط. فالسماح باستمرار نمو "الحشد الشعبي" وفساده دون رادع تحت قيادة إرهابيين معينين يعد أسهل طريقة لخسارة العراق لصالح طهران.
وبالفعل، ازدادت مخصصات الدولة لميزانية "الحشد الشعبي" وأفراده بشكل كبير في السنوات الأخيرة. فوفقًا للجنة المالية البرلمانية، شهدت ميزانية عام 2023 زيادة في حجم قوات الحشد الرسمية بنسبة 95%، حيث ارتفع العدد من 122 ألف عنصر إلى 238 ألف عنصر.
ومن شبه المؤكد أن بعض هذه الوظائف وهمية، إذ أتاحتها سنوات من التعتيم المتعمد في القوام البشري المسجل للحشد الشعبي الذي يمكّن الميليشيات من استغلال أموال الدولة بشكل منهجي. وفي الوقت نفسه، تجاوزت ميزانية "الحشد الشعبي" 3.4 مليار دولار في عام 2024، بعد أن كانت 2.8 مليار دولار في عام 2023، و2.16 مليار دولار في عام 2022. ومن المرجح أن يؤدي سن قانون خدمة وتقاعد قوات "الحشد الشعبي" إلى زيادة هذه الميزانية بشكل أكبر، حيث سيتطلب من الحكومة تخصيص أموال للنفقات الجديدة.
والأهم من ذلك بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة، فإن استخدام القانون الجديد لإقالة الفياض دون فرض إصلاحات عميقة أخرى لن يؤدي سوى إلى فتح الباب أمام مجموعة أصغر سنًا من القادة الخاضعين لسيطرة إيران والمشمولين بعقوبات أمريكية من الفصائل الإرهابية المتنافسة. وعلى غرار مبادرات "إضفاء الطابع المهني" السابقة لـ "قوات الحشد الشعبي"، لا علاقة للقانون الحالي بإخضاع هذه القوات لسيطرة الدولة - بل هو مجرد لعبة قوة تمارسها الجماعات الإرهابية مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله". على سبيل المثال، صرّح زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي مؤخرًا أن رئيس "الحشد الشعبي" يجب أن يتم اختياره من الداخل وأن يجسد "قيم " و"ثقافة" الجماعة. وقد أجاز زميله علي تركي بخيار تعيين "ضباط من ذوي الخبرة من خارج "الحشد الشعبي"، على أن يكونوا "متقاربين أيديولوجيًا مع الحشد الشعبي". وهذا يشير إلى أن "عصائب أهل الحق" تمهد لاستبدال الفياض بقائد عسكري عراقي له تاريخ في دعم "محور المقاومة"- ولديه علاقات وثيقة مع "عصائب أهل الحق" بالطبع. لهذا السبب، لا تكفي إقالة الفياض لإحداث تغيير حقيقي. نعم، يجب أن يرحل، ولكن يجب أن يرحل أيضًا جميع الأشخاص الآخرين المصنفين من قبل الولايات المتحدة كإرهابيين ومنتهكي حقوق الإنسان من قيادة "الحشد الشعبي".
ومع استمرار بغداد في مناقشة تطهير قطاعها الأمني، على إدارة ترامب أن تتجاهل مبادرات "الإصلاح" الوهمية التي يتبناها "الحشد الشعبي" بما في ذلك قانون الخدمة والتقاعد ، وأن تركز بدلًا من ذلك على الخطوط التالية:
مواصلة سياسة "الضغط الأقصى"
يُعد طرح السياسيين العراقيين لقضية إصلاح "قوات الحشد الشعبي" في العلن اليوم مؤشرًا على تراجع نفوذ إيران خلال العام الماضي، إلى جانب تصاعد التهديدات بالعقوبات الأمريكية في عهد إدارة ترامب. وللحفاظ على هذا الزخم، يجب على واشنطن أن تنفذ بقوة المذكرة الرئاسية للأمن القومي 2الصادرة حديثًا والتي تتضمن أحكامًا لإعادة فرض "أقصى قدر من الضغط" على إيران ووكلائها.
فرض عقوبات على الذراع الاقتصادي لـ"لحشد الشعبي"
تُعد شركة المهندس العامةالنسخة المماثلة لذراع التشييد "خاتم الأنبياء" التابعة لـ "الحشد الشعبي" التابعة لـ "الحرس الثوري الإسلامي. وتعمل الشركة كواجهة لطهران ووكلائها الإرهابيين المحليين لسرقة عقود بمليارات الدولارات من الحكومة العراقية الغنية بالنفط. وقد أشارت مصادر إلى كاتبي المقال أن وزارة الخزانة الأمريكية تمتلك أدلة كثيرة على هذه الأنشطة، وينبغي استخدامها لفرض عقوبات على الشركة وشركاتها الوهمية. ومن ثم، يمكن أن يساعد ذلك في منع الجهات الفاعلة الخبيثة من الدخول في شراكة مع مستثمرين دوليين في عقود كبرى تتعلق بخدمات حقول النفط ومصادر الطاقة المتجددة، وهو ما بدأ يحدث بالفعل. كما يمكن للعقوبات الجديدة أن تحد من عدد العقود غير التنافسية التي تحصل عليها الشركة من الحكومة العراقية، مستفيدة من رغبة بغداد الشديدة في تجنب الاهتمام السلبي من واشنطن.
المطالبة بتغييرات في القيادة
بصرف النظر عما ينص عليه قانون التقاعد، يجب إعفاء كل من الفياض وأبو فدك من منصبيهما كقائد ورئيس لـ"الحشد الشعبي". ، ويجب أن يُتوقع من الشخص الذي سيحل محلهما كرئيس وقائد لـ "الحشد الشعبي" أن يلتزم بمبدأ إخضاع جميع الأسلحة العسكرية لسيطرة الدولة الحقيقية، كما دعم السيستاني وشخصيات بارزة أخرى هذا الأمر بشكل متكرر. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة ربط المساعدة والتعاون الأمني في المستقبل باتخاذ تدابير عراقية ملموسة لدعم احتكار الدولة لاستخدام القوة. ويشمل ذلك الضغط من أجل تعيين قادة جدد لـ "قوات الحشد الشعبي" لديهم القدرة والاستعداد على الحد تدريجيًا من نفوذ الجماعات الموالية لإيران والخاضعة للتصنيفات الإرهابية الأمريكية.
تحديد دور "قوات الحشد الشعبي" ومهامها
تكرر "قوات الحشد الشعبي" بشكل أساسي (أو “تٌضاعف ثلاث مرات") الأدوار التي يؤديها بالفعل الجيش العراقي والشرطة الاتحادية . وتعد صياغة تعريف وطني لمهام كل فرع من فروع الخدمة خطوة أساسية للقضاء على تكرار الجهود المهدرة. ومن شأن ذلك أن يساهم أيضًا في منع "قوات الحشد الشعبي" من التوسع التدريجي داخل المساحات العملياتية لفروع الخدمات الرئيسية، مما يحد من هيمنتها المتزايدة.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في زمالة "برنشتاين" في معهد واشنطن، حيث يعمل حمدي مالك زميلًا مشاركًا. وتشمل مشاريعهما المشتركة منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"التابعة للمعهد.