- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3291
رهان غانتس
في 26 آذار/مارس، اختتم زعيم المعارضة الإسرائيلية بيني غانتس عدة أسابيع من المناورات السياسية واتخذ خطوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وبموجب الاتفاق، سيستمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في منصبه حتى أيلول/سبتمبر 2021 عندما سيستلم غانتس المنصب لفترة مماثلة أمدها ثمانية عشر شهراً - وهذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى مبدأ الرئاسة الدورية منذ انتخابات عام 1984.
وتأتي خطوة غانتس بتكلفة سياسية كبيرة. فحزبه "أزرق أبيض" انقسم الآن بشأن ما إذا كان يمكن الوثوق بنتنياهو فيما يتعلق باحترام مثل هذا الاتفاق. فالفصيل الذي يتزعمه - والذي سيعمل الآن باسمه الأصلي "حصانة إسرائيل" - يشغل 14 مقعداً فقط من أصل المقاعد الثلاثة والثلاثين التي فاز بها حزب "أزرق أبيض" في الانتخابات الأخيرة (مع إمكانية إضافة مقعدين أو أكثر، اعتماداً على التطورات القادمة). وفي المقابل، يبقى تكتل اليمين المتجانس برئاسة نتنياهو والذي لديه 58 مقعداً، دون تغيير. وبالتالي فإن حكومة الوحدة الوطنية الجديدة مضمونة بأغلبية 72 مقعداً على الأقل في الكنيست المكوّن من 120 عضواً.
ومن حيث المبدأ، وعد نتنياهو بتشكيل حكومة تقوم على المساواة رغم التفاوت الصارخ في عدد المقاعد. ومع ذلك، فإن فوزه في التناوب الأول، وسجله السابق في رئاسة الوزراء، وعدم الثقة الكبير في دوافعه، أثارت جميعاً تساؤلات حول ما إذا كان سيهمّش غانتس وحلفاءه على مدى الأشهر الثمانية عشر المقبلة.
وكان نتنياهو على استعداد للتنازل عن حقيبتين مهمتين لصالح حزب "حصانة إسرائيل": وزارة الخارجية التي من المرجح أن يشغلها غانتس ووزارة الدفاع التي من المحتمل أن يتولاها رئيس أركان الجيش السابق الآخر، غابي أشكنازي. غير أن هذين المنصبين أصبحا أقل أهمية الآن بعد أن أن أدّى تفشي فيروس كورونا إلى تقليص تركيز إسرائيل الدائم على الأمن الخارجي والسياسة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، وفيما يخص القضايا الإقليمية مثل إيران و«حزب الله»، لا توجد اختلافات سياسية كبيرة بين نتنياهو وفصيل غانتس.
وثمة أمر معبّر أن الحقيبتين اللتين خصصهما نتنياهو لتكتله هما وزارة المالية ورئاسة الكنيست. فعلى سبيل المثال، يمكن لرئيس البرلمان منع فعلياً تمرير تشريع في الكنيست، بما في ذلك الاقتراح الأخير لحزب "أزرق أبيض" بمنع المسؤولين الذين صدرت بحقهم لوائح اتهام من تولي رئاسة الوزراء. وهذه صلاحية حاسمة عند التفكير في أنه لا يزال من المقرر أن يَمْثل نتنياهو أمام المحكمة حول ثلاث لوائح اتهام بالفساد - على الأقل عندما تعود المحاكم فتح أبوابها بعد القرار الظاهري لحكومته بإغلاقها بسبب الفيروس التاجي.
الخيارات السيئة لغانتس
في تصريحاته حول إعلان الاتفاق، صرّح غانتس بأن "هذه ليست أوقاتاً طبيعية، وتتطلب قرارات غير تقليدية. وبالتالي، كما قلتُ، أعتزم التفكير في خيار تشكيل حكومة طوارئ وطنية... فالانقسام بين الناس هو التهديد الوجودي الأكبر لدولة إسرائيل. سنهزم الإيرانيين، وسنهزم السوريين، وسنتغلب على الإرهاب، لكننا لم نتمكن من قهر الانقسام الداخلي وكراهية الناس لإخوانهم. إنه خط أحمر لامع وسميك لجميع المسؤولين المنتخبين، القدامى والجدد".
وبالفعل، يبدو أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية دفعته لاتخاذ هذا القرار. أولاً، رأى أن الوباء كان يحدّ المجال المتاح أمامه للمناورة، حيث فقد الشعب صبره تجاه الشؤون السياسية في زمن الأزمة. وقد ترسّخ هذا الانطباع عندما وجه رئيس الدولة رؤوفين ريفلين في وقت سابق من هذا الأسبوع نداء عام نادر ومثير إلى الشعب للتوحد. وبما أن غانتس جندي محترف أمضى ما يقرب من أربعة عقود في الجيش، فلا يمكنه رفض هذه الدعوة. بالإضافة إلى ذلك، تُفيد بعض التقارير أن فريقه كان لديه نتائج استطلاعات تُظهِر أن ناخبي حزب "أزرق أبيض" يريدون اتفاق لحكومة وحدة إذا لم يكن لدى غانتس حكومة بديلة فاعلة جاهزة للعمل.
ثانياً، تلاشت فكرة تشكيل حكومة أقلية من يسار الوسط في الأسبوعين الماضيين وسط معارضة ثلاثة سياسيين على الأقل الذين رفضوا الموافقة على الاعتماد الضمني على الأحزاب العربية الإسرائيلية. ونتيجةً لذلك، وعوضاً عن تمكن غانتس من الاعتماد على تصويت المقاعد الـ 62 لصالح أجندته البرلمانية (أو، على الأقل، عدم إعاقتها)، لكان قد بقي له 59 مقعداً، أي أقل من الـ 61 مقعداً الضرورية للحصول على أغلبية. وبما أن الأحزاب العربية كانت ستوفر شبكة أمان لهذا التحالف المفترض، يمكن للمرء أن يتوقع تواصل غانتس معها في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ثالثاً، بما أن غانتس لم يفز بأية مقاعد في الجولة الثالثة من التصويت في وقت سابق من آذار/مارس، فقد أصبح عرضة للاستبدال إذا أُجريت فعلاً انتخابات رابعة. وإذا ما تم إجراء انتخابات جديدة في أواخر هذا العام، فذلك يعني أن نتنياهو وحكومته اليمينية قد يواصلان تصريف الأعمال لأشهر عديدة قادمة.
لقد تساءل الكثيرون عن سبب عدم ضغط غانتس بشكل أكبر لتمرير التشريع المقترح الرامي إلى منع تولي مسؤولين صدرت بحقهم لوائح اتهام، مناصب عليا، ولو كان ذلك فقط كأداة للضغط على نتنياهو من أجل منحه التناوب الأول. تكمن الإجابة في الانقسامات الداخلية العميقة في حزب "أزرق أبيض". فمن بين كبار مسؤولي الكتل الأربع المعروفين باسم "قمرة القيادة"، فضّل غانتس وأشكنازي حكومة وحدة بينما رفض كل من يائير لبيد وموشيه يعالون رفضاً قاطعاً الجلوس مع نتنياهو. وهكذا، وفي حين يَعتبر غانتس أن التشريع هو مجرد تكتيك للضغط، أراد لابيد ويعالون المضي قدماً وتنفيذه. ونظراً إلى هذا التباين الصارخ، خشي غانتس على ما يبدو من أنه لن يتمكن من منع تمرير التشريع في الوقت المناسب تماماً، من أجل تشكيل حكومة الوحدة الضرورية بشروط أكثر ملاءمة. وفي مفارقة عجيبة، أرغم قرار حزبه بإشراك المحكمة العليا في النزاع الأخير حول رئاسة الكنيست كلاً من غانتس ولابيد على اتخاذ مواقف متباينة ونهائية فيما يتعلق بالشراكة مع نتنياهو.
التداعيات على السياسة الأمريكية
من شأن قيام حكومة إسرائيلية أوسع تشكيلاً من سابقتها أن تساعد (تدريجياً) على إصلاح النسيج البالي للحزبين الأمريكيين فيما يتعلّق بإسرائيل، لا سيما في الوقت الحالي، حيث أصبحت المرحلة الأكثر إثارة للجدل لعملية الانتخابات الأولية الأمريكية في مرآة الرؤية الخلفية. وسوف يواجه هذا الاحتمال أقوى اختبار له حول قضايا ضمّ الأراضي والنشاط الاستيطاني.
على سبيل المثال، إذا كان نتنياهو يريد تجنب ضمّ غور الأردن بسبب التعقيدات التي قد تسببها هذه الخطوة مع عمّان والجهات الفاعلة الأخرى، فإن وجود غانتس في ائتلافه يمنحه الآن المبرر الضروري لإخبار مناصريه في اليمين بأنه عاجز عن الوفاء بالوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان نتنياهو يريد فعلاً تجنب الضم - فهو يميل إلى النظر إلى مجئ الإدارة الأمريكية الحالية إلى الحكم كفرصة واحدة في العمر يمكن من خلالها تحقيق البعض من أكبر أهداف كتلته، مما يضع العبء على غانتس لتجنب مثل هذه الخطوات. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب تجنب الاتصال بنتنياهو بعد الانتخابات الثلاثة غير الحاسمة، لكنه اتصل معه في السابع والعشرين من آذار/مارس لتهنئته على [اختياره] لتشكيل الحكومة المقبلة.
ومن جهة، أوضح غانتس أنه لا يريد ضمّ غور الأردن إلا إذا كان هناك اتفاق دولي أو إقليمي على مثل هذه الخطوة (وهو بالتأكيد غير قائم). وقد بدا أكثر دعماً لضمّ مستوطنات رئيسية خلال حملته الانتخابية، ولكن ذلك كان إلى حدّ كبير محاولة لاستمالة الناخبين في اليمين وربما لا يعكس موقفه الحقيقي.
ومهما كان الأمر، قد تكون هذه القضايا اختباراً صعباً للشراكة بين نتنياهو وغانتس، وخاصةٍ إذا برزت في وقت قريب. ومن أجل تجنب تعرّض العلاقة للكثير من الضغط في وقت مبكر - ومنع أي صدامات مع مناصريه من اليمين - فبالتالي قد يرجئ نتنياهو [البحث في] هذه القضايا وسط الأزمة الطبية التي تشهدها البلاد في الوقت الحالي.
أما قضية التوسع الاستيطاني ذات الصلة، فيمكن التعامل معه بهدوء أكبر بدلاً من اعتباره قراراً علنياً مثيراً بشأن ضمّ الأراضي. ويمكن أن يتوقّع المرء بأن أشكنازي كوزير الدفاع الجديد (أو حتى غانتس نفسه) قد يحث على تقليص وتيرة بناء المستوطنات في الأماكن الأكثر خلافاً في الضفة الغربية، وبالتالي تقويض المقاربة المفضلة منذ عام 2015 - إن لم يكن تجميدها. ويمكن لنتنياهو الموافقة بهدوء على هذه المقاربة أو الإذعان لضغوط اليمين ورفضها. وفيما يتعلق بذلك وبمسائل السياسة الأخرى، يمكن أن تكون التحوّلات السياسية الأمريكية قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر أو بعدها متغيراً رئيسياً في حسابات نتنياهو.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك مع دينس روس للكتاب، "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها"