- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3464
صانِعا ملوكٍ في مركز الدراما الائتلافية في إسرائيل
أعلن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أن بنيامين نتنياهو هو اختياره حالياً لتشكيل حكومة بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة. وقال وفقاً للمحكمة والقانون، يمكن لرئيس وزراء متهم أن يستمر في منصبه، وأن الرئيس .لا يمكن أن يكون بديلاً للمحكمة ويتخذ قراراً لن يفعله القاضي، في إشارة إلى مشاكل نتنياهو القانونية
في 6 نيسان/أبريل، سيقرر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين مَن هو المرشّح الذي سيُكلَّف بتشكيل الحكومة القادمة بعد الانتخابات النيابية غير الحاسمة التي جرت في 23 آذار/مارس. ويبرز في صميم هذه الدراما صانِعا ملوكٍ محتملان على جانبي الطيف السياسي وهما: رئيس حزب "يمينا" اليميني، نفتالي بينيت، والسياسي العربي الإسرائيلي ورئيس "القائمة العربية الموحدة" المنشقة، منصور عبّاس. وقد تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يحقق فيها حزبٌ عربيٌّ توازن القوى في الكنيست الذي يتألف من 120 عضواً، حيث يحتاج كل جانب إلى المساعدة للوصول إلى أغلبية ضئيلة تبلغ 61 مقعداً. ورغم أنّ بينيت وعبّاس قد ينهيان الفترة الطويلة الأمد لحكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من خلال إتاحة إنشاء ائتلاف غير تقليدي، إلّا أنه لا يمكن إخراج نتنياهو الذي يتمتع بالدهاء السياسي من المعادلة، نظراً إلى سجلّه الحافل بالتفوق على المنافسين.
وفي الوقت الحالي، تستطيع القوى الموالية لنتنياهو جمع 52 مقعداً [في الكنيست] في حين تسيطر القوى المعارضة له على 57 مقعداً - وهو الوضع الذي قد يدفع بينيت (7 مقاعد) إلى التحالف مع السياسي الوسطي يائير لبيد (17 مقعداً) والانتقال إلى مقدمة المناهضين لـ نتنياهو الذي يمثلون "كتلة التغيير". وفي الثاني من نيسان/أبريل، أعاد حلفاء رئيس الوزراء الذين ينتمون إلى اليمين الأكثر تطرّفاً التأكيد على أنهم لن ينضموا إلى أي ائتلافٍ مرتبطٍ بـ "القائمة العربية الموحدة"، مما يزيد من تعقيد فرص نتنياهو.
ضعف أداء نتنياهو
على الرغم من تعدُّد نقاط القوة التي تمتع بها نتنياهو عند بدء الحملة الانتخابية الأخيرة، إلّا أنه خَسِرَ ما يقرب من 300,000 صوت مقارنةً بالانتخابات السابقة، وتراجع عدد مقاعد حزب "الليكود" الذي يترأسه من 36 مقعداً في العام الماضي إلى 30 مقعداً حاليّاً. وحدث بعض هذا التراجع في المعاقل التقليدية لـ "الليكود". كما خسر هذا الحزب ثلاثة مقاعد لصالح العضو السابق في حزب "الليكود" جدعون ساعر، ومقعدَين إضافيَين لصالح بينيت بهوامش بسيطة. وبالإضافة إلى ذلك، اضطر نتنياهو إلى تحويل بعض الأصوات إلى اليمين المتطرف الذي يقوده بتسلئيل سموتريش (6 مقاعد) خوفاً من عدم تجاوزه العتبة الانتخابية.
وقد يكون نتنياهو نادماً على كيفية تعامله مع اثنين من المقرّبين اللذين تحوّلا إلى خصمَين، لأن مقاعد بينيت السبعة ومقاعد ساعر الستة ستكفي لإبقائه في السلطة. وقد تُحدِث العلاقات الشخصية السيئة فرقاً وستحدد ما إذا كان رهانه الانتخابي يستحق العناء.
وعلى أي حال، تشير تصرّفاته منذ أن اتضحت النتائج إلى أنه لن يمانع خوض جولة خامسة من الانتخابات. على سبيل المثال، في الأيام التي سبقت الاقتراع، نفى علناً الاعتماد على "القائمة العربية الموحدة" إما كشريك في الائتلاف أو كشبكة أمان ضد تصويت الكنيست بحجب الثقة، إلّا أن لهجته تغيرت الآن. فقد أخبر مستشاروه المراسلين بصورة غير علنية أنه يرغب في إقامة علاقات مع "القائمة العربية الموحدة"، وقد منع نتنياهو أعضاء "الليكود" من إجراء أي مقابلات أخرى عندما تنازع البعض علناً حول ما إذا كان ينبغي ضم الحزب العربي. وفي الوقت الحالي، ما زال يتمتع بالنفوذ في أي مفاوضات ائتلافية، وإذا ثبت أن انتخابات أخرى هي أمراً حتمياً، فسييقى رئيس الوزراء في مهمة مؤقتة لتصريف أعمال الحكومة لعدة أشهر أخرى على الأقل. كما رفض نتنياهو الحجة القائلة بأن بيني غانتس يجب أن يبقى وزير العدل المؤقت خلال أي فترة انتقالية - وهي قضية حاسمة حيث تدخل محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد مرحلتها الأكثر جوهرية اعتباراً من 5 نيسان/أبريل.
هل يستطيع بينيت ولبيد قيادة كتلة التغيير؟
بسبب الضغط الذي مارسته الحملة الانتخابية لنتنياهو ضد بينيت، تعهّد هذا الأخير في البداية بعدم شغل منصب ضمن ائتلافٍ مع حزب "ييش عتيد" ("هناك مستقبل") بزعامة لبيد لأسباب إيديولوجية. ولكن فور انتهاء الانتخابات، ألقى بينيت خطاباً شدد فيه على بعض العبارات مثل "إنهاء الفوضى" و"عدم خوض جولة خامسة من الانتخابات" و"التعافي الوطني"، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه لن ينضم إلى نتنياهو. وبالفعل، يبدو أنه ينوي الانضمام إلى "كتلة التغيير" - طالما يتم تعيينه رئيساً للوزراء.
قد يبدو ذلك غريباً نظراً لعدد المقاعد القليلة التي فاز بها. ومع ذلك، ظهرت بوادر اتفاق بينه وبين لبيد طالما يتناوبان على رئاسة الوزراء في منتصف ولاية الحكومة المقبلة، مع تولّي بينيت مقاليد الحُكم أوّلاً. وأعلن ريفلين هذا الأسبوع أنه سيتم توجيه قراره وفقاً للذي يتمتع بالفرصة الأفضل لتشكيل حكومة، مما يعني أنه قد لا يختار بالضرورة زعيم الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد. ومع ذلك، لا يزال مستوى الثقة بين معسكرَيْ لبيد وبينيت متدنياً. ويصرّ المقرّبون من لبيد على تكليفه رسمياً، ويُعزى السبب في ذلك جزئياً إلى رغبتهم في أن يتولى قيادة المفاوضات الائتلافية اللاحقة، ولكن أيضاً لأنهم يخشون أن ينخرط بينيت في مجاملات مع نتنياهو، مما قد يأخذ الدينامية السياسية في الاتجاه المعاكس.
في خطاب نتنياهو العلني الوحيد منذ الانتخابات، دعا بينيت وساعر إلى "العودة إلى الديار" اليمينية. ورفض ساعر على الفور هذا الطلب، لكن نتنياهو استمر في استمالة بينيت من خلال عرضه على حزب "يمينا" سدس جميع المقاعد في مؤسسات حزب "الليكود" - وهي درجة من الاندماج كان بينيت يسعى إليها منذ فترة طويلة. وقد فشل رئيس الوزراء في الوفاء بالتناوب الموعود به مع غانتس في الحكومة الحالية، لذلك قد لا يكون لدى بينيت ميل كبير لتصديق مثل هذه الوعود. لكن في الوقت نفسه، لا يزال بينيت يأمل في أن يصبح زعيماً لليمين يوما ما - وهي مهمة صعبة إذا أغضب الكثير من اليمين من خلال الإطاحة بنتنياهو.
منصور عباس على المسرح
في خطابٍ ألقاه منصور عباس باللغة العبرية في الأول من نيسان/أبريل في فترة الذروة في المتابعة [على وسائل الإعلام]، وجّهَ نداءً عمليّاً بينما عرّف نفسه بشكلٍ أساسيٍّ للجمهورَ الإسرائيليَّ الأوسع نطاقاً. وسعياً منه إلى تبديد النظرة المحلية التقليدية إزاء الأحزاب الإسلامية، شدّد على أهمية "الحياة المشتركة" في إسرائيل، وأفاد بأنه "يمقت" جميع أشكال العنف. وأعلن أن "ما يوحدنا جميعاً أكبر مما يفرّق بيننا"، بقوله بأن عدم التعاون سيخلق "مستقبلاً مستحيلاً" للجيل القادم. كما أشار إلى نيته في تأمين المزيد من الخدمات الأساسية لعرب إسرائيل، وهو اقتراح يحظى بدعم واسع في جميع أنحاء البلاد.
وحرصَ عبّاس على عدم الإفصاح عن شركائه في الائتلاف، ولكن بعض مستشاريه أخبروا المراسلين أنّ دعم حكومة من الجناح اليميني قد يكون له تداعيات دائمة على الأحزاب العربية الإسرائيلية الرئيسية فيما يتعلق بسياسة الدولة الأوسع نطاقاً. ومهما كانت الجهة التي يختارها، فقد أشار إلى أنه يفضّل ألّا يكون عضواً رسميّاً في ائتلاف، بل أن يدعمه من الخارج لكي يتمكّن من الصمود أمام تصويت الكنيست بحجب الثقة.
ويُعيد هذا الترتيب المحتمل إلى الأذهان الحكومات السابقة برئاسة يتسحاق رابين وشمعون بيريس وإيهود باراك خلال التسعينيات، عندما أسقطت الخلافات حول المفاوضات مع الفلسطينيين الأغلبية الحاكمة وأسفرت عن ائتلافات أدارت السلطة كـ "حكومات أقلية". وعلى الرغم من أن تلك الائتلافات المُقلصة حصلت على أقل من 61 مقعداً، إلا أنها تمكنت من البقاء في السلطة بفضل شبكات الأمان البرلمانية التي قدمتها الأحزاب العربية التي تجنبت أيضاً عضوية رسمية في الائتلاف.
التداعيات على السياسة الأمريكية
بغضّ النظر عمّن سيشكّل الحكومة المقبلة، يجب أن يفهم المسؤولون الأمريكيون أنّ الائتلاف الناتج سيكون على الأرجح هشّاً للغاية وغير متجانس سياسيّاً، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة تجاه الفلسطينيين. وبالنسبة للقرارات المتعلقة بالنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقضايا الأخرى الشديدة الحساسية، سيتعيّن على "كتلة التغيير" إدارة الخلافات بين الأحزاب اليمينية (بقيادة بينيت، ساعر، وأفيغدور ليبرمان) وأعضاء الجناح اليساري (حزب العمل وميرتس). ولطالما كان رئيس الوزراء المحتمل بينيت مؤيداً للاستيطان ومؤيداً لضم الأراضي [من الضفة الغربية]، بينما يعارض أعضاء آخرون بشدة مثل هذه الآراء.
وفي حال فوز نتنياهو، فسيحتاج إلى إقناع اليمين المتطرف الذي لديه عدد قليل من المقاعد لكنه نشط بزعامة سموتريتش - ويضم كاهانيين (من مؤيدي كاهانا) جدد - بقبول الدعم البرلماني الخارجي من "القائمة العربية الموحدة". ورفض سموتريتش المشاركة مع عباس، وشجب خطاب زعيم "القائمة العربية الموحدة" من الأول من نيسان/أبريل ووصفه بأنه "دمية دب لطيفة" تهدف إلى التستر على الآراء الإسلامية لقائمته.
وعلى الرغم من أن هذه العوامل وغيرها تجعل من غير المرجح أن تسعى إدارة بايدن إلى العمل على مبادرة فلسطينية هامة، إلّا أن قضايا السياسة الخارجية الأخرى يمكن التحكم فيها سياسياً بشكل أكبر. إن المزيد من التطبيع مع الدول العربية هو قضية إجماع في إسرائيل، وهو الأمر بالنسبة لمنع إيران من أن تصبح دولة على حافة العتبة النووية. وغالباً ما يرتبط نتنياهو شخصياً بمقاربة "الضغط الأقصى" [التي اتبعتها إدارة ترامب]، إلّا أن جميع المرشحين الإسرائيليين الآخرين قد يحثون واشنطن بالمثل على الحفاظ على نفوذ اقتصادي قوي ضد طهران في أي مفاوضات نووية. ومن جانبها، حرصت الإدارة الأمريكية على البقاء خارج الحملة الانتخابية الإسرائيلية، لكنها بلا شك قد تشعر بارتياح أكبر في التعامل مع حكومة لا تتقبّل الكاهانيين الجدد أو تشوّه سمعة المؤسسات القضائية المحترمة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في معهد واشنطن، ومبتكر البودكاست "نقاط القرار"، ومؤلف الورقة الانتقالية الرئاسية التي صدرت مؤخراً بعنوان "بناء الجسور من أجل السلام: سياسة الولايات المتحدة تجاه الدول العربية والفلسطينيين وإسرائيل".