- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2415
شكل تحالف نتنياهو الناشئ
بدأت الخطوط الأولية للائتلاف الرابع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تتبلور قبل الموعد النهائي لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة المحدد في 7 أيار/مايو. وفي حين أنّ الاتفاقات الائتلافية النهائية مع كل طرف على حدة لم توقّع بعد، إلا أنه من المرجح أن تتألف حكومة يمين الوسط من 67 عضواً من بين 120 عضواً في البرلمان، ويقدّم تكوّنها المتوقّع مؤشرات أوّليّة عن أولويات إسرائيل واتجاهها على المدى القريب.
ومن المحتمل أن يشمل الإئتلاف بقيادة حزب "الليكود" الذي يترأسه نتنياهو (والذي حصل على 30 مقعداً في انتخابات آذار/مارس)، من الأحزاب التالية: "كولّانو [كلّنا]" (10 مقاعد)، "هبّايت هيهودي [البيت اليهودي]" (8)، "شاس" (7)، "يهدوت هتوراه [يهودية التوراة المتحد]" (6)، و "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)" (6). ومن المتوقع أن تكون الحكومة الناتجة عن هذا الإئتلاف أكثر تشددّاً في السياسة الخارجية، وتشمل يهوداً أكثر تديناً في تكوينها، وأكثر شعبية في توجهها الاقتصادي. وستشكّل هذه الأبعاد تحديات لنتنياهو، الذي يدرك جيداً أنه عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الخارجية، فمن الأسهل الحكم من الوسط من الحكم من اليمين.
دور اليمين
كَمَنَ هدف نتنياهو في حملاته الانتخابية الماضية في فوز اليمين في الانتخابات ثم التقرّب من الوسط لتشكيل ائتلافه. ولكن، خلال الحملة الانتخابية في الشهر الماضي، تراجع التأييد الشعبي له ممّا دفعه إلى الاعتقاد بأنّه مضطر إلى تقليص خياراته لحشد ما يكفي من الأصوات. ووفقاً لذلك، أوضح أنّه لا يريد أن يشكّل حكومة وحدة وطنية مع "حزب العمل" المنافس، زاعماً أنّ الفجوات السياسية واسعة جدّاً. ورغم أنّ ذلك الإعلان قد أكسبه بعض المناصرين من اليمين، إلا أنه لن يستطيع كسب الأصوات اليساريّة الأساسيّة لائتلافة الحاكم.
لقد حرص نتنياهو في حكومتيه الماضيتين على تضمين قيادي وحزب بارزان من يسار الوسط، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. ففي عام 2009، كان هذا الفصيل مؤلف من 15 عضواً وعلى رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي من حزب العمل إيهود باراك. وفي عام 2013، ضمن الحصول على خمسة وعشرين مقعداً ائتلافيّاً من خلال تسمية وزيرة العدل الإسرائيليّة السابقة تسيبي ليفني لتكون كبيرة المفاوضين في عملية السلام، بالإضافة إلى وزير الماليّة الإسرائيلي يائير لابيد كصوت آخر في الاستشارات المعتدلة. لكن هذه المرة، أوضح زعيم "حزب العمل" يتسحاق هرتسوغ أنّ حزبه لن يكون الطرف الذي لا قيمة له في حكومة تميل نحو اليمين، وقد عارض هذه الفكرة أيضاً خلال الحكومة السابقة.
بيد أنّ انتصار اليمين الواضح قد لا يكون كاملاً كما يعتقد البعض. فعلى سبيل المثال، لن يتولّى أعضاء حزب "البيت اليهودي" المؤيد للإستيطان بعد الآن، وزارة الإسكان كما حصل في الحكومة السابقة، عندما خلقوا فوراً حالة من التوتر مع واشنطن بسبب سياسة الاستيطان. وكانت مسألة تأمين المساكن بأسعار معقولة داخل إسرائيل السيادية محورية في حملة الانتخابات الحالية ولذلك، فإن حزب "كولانو" - بزعامة موشيه كحلون - وهو أكثر الأحزاب الساعية إلى خفض تكاليف المعيشة، يسعى بشدة إلى تولّي حقيبة الإسكان. ووفقاً لذلك، من المتوقع أن يتولّى عضو "كولانو" يوآف غالانت تلك الوزارة. وخلال الانتخابات، أكد موشيه كحلون اعتقاده بأنّه يجب على الإسرائيليين ألّا يقوموا ببناء المستوطنات خارج الكتل الكبرى المتاخمة للحاجز الأمني في الضفة الغربية. ويبقى السؤال: هل ستعكس مقاربة الإئتلاف الجديد حول المستوطنات وجهة النظر هذه، من الناحية العملية إن لم يكن في السياسة المعلنة. ويقال أنّ وزير الإسكان السابق وأحد قادة حركة الإستيطان أوري أريئيل، سيتولى حقيبة الاستيطان في وزارة الزراعة، وتعدّ هذه الخطوة تراجعاً له إذ إنّه من غير الواضح ما هي الموارد التي ستوضع تحت تصرفه.
وفي الواقع، إنخفض تمثيل "البيت اليهودي" في الإئتلاف من إثني عشر مَقعداً إلى ثمانية مقاعد، في الوقت الذي يكون فيه الفريقان اليهوديان الشديدي التدين، منهمكان إلى حد كبير في المشاكل الاقتصادية والأجندات الدينية ليتمكنوا من التركيز على القضايا الأخرى مثل المستوطنات. وعندما توسّل نتنياهو إلى اليمين للتصويت له من أجل تفادي انتصار "حزب العمل"، ارتفع دعم "الليكود" بشكل حاد على حساب حزب "البيت اليهودي". وتجدر الإشارة إلى أنّ عشرة برلمانيين على الأقلّ من بين ثلاثين برلمانيّاً من "الليكود" مدينون شخصيّاً بمقاعدهم لهذه المحاولة الأخيرة التي قام بها نتنياهو في الحملة، وبالتالي يجدر به أن يسيطر على جزء كبير من لائحته عندما يتعلق الأمر بسياسة الاستيطان.
أما بالنسبة لعملية السلام، فمن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن أحداً لم يحتج عندما رفع نتنياهو مؤخراً الحجز المفروض على مئات ملايين الدولارات من عائدات الضرائب الفلسطينية، التي كانت قد جُمِّدت عندما انضمت السلطة الفلسطينية لـ "المحكمة الجنائية الدولية" في وقت سابق من هذا الشهر. ومن غير الواضح ما إذا كان الصمت يعود إلى تأثير نتنياهو المتزايد أو إدراكه بأنّ إبقاء بعض الغسق بين حكومتين، مثاليّاً لصناعة السياسات، إذ إنّ منافسيه لا يريدون إثارة المشاكل بانتظار أن يتمّ تعيينهم.
وعند النظر إلى المستقبل يبقى السؤال حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتمكّن من ملاءمة سياستها الاستيطانية من خلال التوضيح الذي قدّمه نتنياهو بعد الانتخابات، حيث أكّد أنّه لا يزال ملتزماً بحل الدولتين. وفي هذا السياق، يشكّك الرئيس الأمريكي باراك أوباما في هذا التوضيح، وبالتالي يمكن لتعهد إسرائيلي بتجنب بناء المستوطنات ما وراء الكتل المتاخمة للحاجز الأمني أن يخفّف من التوتّر مع البيت الأبيض. بيد، وفيما يتخطى ذلك، تبقى التوقعات منخفضة حول إطلاق مبادرة سلام جديدة ، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى عدم الثقة المتبادلة بين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وقد تتّخذ الحكومات الأوروبيّة خطوات بنفسها، إذ يعتقد بعض المسؤولين أنّ الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل قد تعني أن جميع المفاوضات المباشرة غير مجدية. بالإضافة إلى ذلك، هم يعترفون من وراء الكواليس بتواطؤ عبّاس في الجمود الحالي، ولذا ستحثّهم واشنطن على عدم الضغط لفرض حل في مجلس الأمن الدولي - على الأقل إلى أن تتمكّن حكومة نتنياهو الجديدة من تقديم مبادرتها الخاصّة بالسلام.
ومن المحتمل أن لا تتأثر مسألة إيران بازدياد سيطرة اليمين في الحكومة الإسرائيلية الجديدة. فوفقاً لآراء نتنياهو الفطرية حول هذا الموضوع - حيث وجّه شخصيّاً السياسة الإسرائيلية تجاه إيران - فمن المرجح أن تبقى الأمور على ما هي، نظراً إلى أن موشيه يعلون وأفيغدور ليبرمان سيبقيان في منصبي وزير الدفاع ووزير الخارجية، على التوالي. وفي البداية كان زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينيت قد وضع نصب عينيه على وزارة الخارجية، ولكن تراجع الحزب في المقاعد أدى به إلى السعي للحصول على حقيبة التعليم بدلاً من ذلك.
خطوط الصدع في الحكومة الجديدة
برزت ثلاث نقاط ضعف على الأقلّ في الحكومة الناشئة. وتكمن الأولى في دعم قياديان أساسيّان في حزب "الليكود"، هما زئيف آلكين وياريف ليفين، "مشروع القوميات" المثير للجدل الذي ينصّ أساساً على أنّه في حال وجود خلاف بين القيم اليهودية والديمقراطية لدولة إسرائيل حول قضية معينة، يجب ترجيح كفّة الطابع اليهودي للبلاد - وهو موقف أثار مخاوف داخل إسرائيل وخارجها نظراً لتداعياته المحتملة على الأقليات غير اليهودية. ويقول كحلون إنه سيعارض تشريعاً كهذا، مشيراً إلى أن مؤسس حزب "الليكود" مناحيم بيغن نفسه كان يعطي أولوية للحريات المدنية .
وبرزت المشكلة الثانية بين وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان والأحزاب اليهودية الشديدة التدين التي يمكنها أن تستخدم مكانتها الجديدة في الحكومة لمنع سن تشريعات من شأنها أن تخفف من قواعد تغيير ديانة مئات الآلاف من غير اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من روسيا. وقد عجّلّت الحاخامية الكبرى هذه التحوّلات في سبعينيات القرن الماضي عندما كانت قيادتها أكثر اعتدالاً ولكنّها تقع اليوم تحت تأثير كبير من اليهود الشديدي التدين. وبالتالي، تقلق هذه المسألة ليبرمان إلى حد كبير لأن قائمته "إسرائيل بيتنا" هي الحزب الأساسي للمهاجرين الروس العلمانيين. ولكن حتى إذا ترك فصيل ليبرمان الحكومة، فسوف يحافظ نتنياهو على أغلبية بسيطة في الكنيست.
أمّا المشكلة الثالثة فتتعلّق بالمواجهة بين وزير المالية القادم موشيه كحلون ونتنياهو لأنّ كحلون يؤمن بأنّ سياسات رئيس الوزراء قد أفادت المصالح التجارية على حساب الشعب الذي يكافح لدخول الطبقة المتوسطة. فإذا تمكن الزعيمان من العمل معاً على خلق منافسة اقتصادية أكبر (على سبيل المثال، عن طريق الابتعاد عن النظام القائم في إسرائيل والذي لا يوجد فيه سوى عدد قليل من المصارف)، فقد يتمكنان من المساعدة في معالجة المخاوف بشأن الاحتكارات الوطنية ورأسمالية المحسوبيات. وقد نجح كحلون حتى الآن في إقامة علاقات بيروقراطية رئيسية في مجال التمويل والإسكان، معتبرها ضرورية لتحقيق النجاح.
المحصلة
قد تواجه الحكومة الإسرائيلية المقبلة بداية مضطربة بسبب الغياب النسبي للمعتدلين السياسيين، ناهيك عن التوتر المستمر بين نتنياهو وإدارة أوباما بشأن إيران. وفي النهاية، سيحكم العالم الحكومة الجديدة على سياساتها - ونظراً إلى نفوذ نتنياهو المتزايد وخياراته التحالفية نحو يمين الوسط، سينسب الناس هذه السياسات إلى تصريحاته الشخصيّة وليس إلى قيود الإئتلاف.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.