- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
صحيفة واشنطن بوست لا تعترف للأسف بوجود أي خطأ في القصة التي روتها المليئة بالأخطاء
Also published in "تايمز أوف إسرائيل"
يبدو أن محرري الصحيفة اختاروا سلوك الطريق الأسهل لأنهم لم يعالجوا أياً من الأسئلة الجادة التي أثيرت بشأن قصة صحيفتهم حول "الأطفال المتحللين".
خرجت صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post) عن صمتها. فردَّاً على مقالتي النقدية التي تزيد عن 5000 كلمة في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" (Times of Israel) والتي جاءت كردّ للقصة التي نشرتها تلك الصحيفة في 2 كانون الأول/ديسمبر، حيث ذكرت أن "الهجوم الإسرائيلي أجبر ممرضاً على ترك أطفال رضّع لمصيرهم، ليتم العثور لاحقاً على جثثهم المتحللة"، أرسلت رئيسة التحرير التنفيذية للصحيفة، سالي بوزبي، المذكرة التالية لي ولمحرري صحيفة "تايمز أوف إسرائيل":
"قمنا بدراسة المقال المنشور في 2 كانون الأول/ديسمبر على ضوء الأسئلة التي أثرتموها. ولم نعثر على أي أخطاء أو انتهاكات للممارسات الصحفية. فنحن لا نتراجع عما سردناه في القصة التي نعتبرها دقيقة ومتوافقة تماماً مع معايير صحيفتنا.
نحن نرحب بعملية التدقيق ونلتزم بتصحيح أي أخطاء. لكننا ملتزمون أيضاً بالدفاع عن صحافتنا وصحفيينا عند الاقتضاء. فسعياً إلى تحقيق هذه الغاية، إننا نعترض بشدة على تأكيداتكم التي لا أساس لها من الصحة والتي نشرتموها في مقالكم بتاريخ 3 آذار/مارس، حيث ذُكر أن مراسلنا حازم بعلوشة قد «أخفى الحقيقة عن المحررين» أو كان متواطئاً في ما وصفتموه بـ «إمكانية التلفيق" في تغطية المقال.
"هذه الادعاءات غير دقيقة وغير مسؤولة ومجحفة جداً بحق السيد بعلوشة وعمله الممتاز. فيجب حذفها من مقالكم المنشور في 3 آذار/مارس، ويجب تحديثها لتشمل الرد الذي أرسلته صحيفة «واشنطن بوست»".
لسوء الحظ، كما تُظهر هذه المذكرة، يبدو أن محرري صحيفة "واشنطن بوست" قرروا إعطاء الأولوية لـ"الدفاع عن صحافتنا" على حساب مواجهة أي انتهاك من الانتهاكات التي ارتكبتها الصحيفة لمعاييرها الصحفية المهنية الخاصة، والتي حددتُها في مقالي النقدي. فسأذكر فيما يلي ثلاثة منها:
- في القصة غير المؤكدة حول الممرض الذي أُجبِر على اختيار مَن سيُنقذ من الرضع الخمسة عند الإخلاء العاجل لوحدة العناية المركزة التي تحوي أطفالاً حديثي الولادة في أحد مستشفيات غزة في زمن الحرب، استند مراسلو صحيفة "واشنطن بوست" إلى شهادة مصدر واحد مجهول، من دون أن يأخذوا في الاعتبار النسختين الأخريين المنتشرتين على نطاقٍ واسعٍ عن الحادث نفسه، وهما تتعارضان مع ما رواه المصدر المجهول الذي لجأت إليه الصحيفة. فبحسب الشهادة المذكورة في إحدى النسختين، زعم ممرض اسمه فادي أبو ريالة أنه كان يتواجد في وحدة العناية المركزة المخصصة لحديثي الولادة، وقال في مقطع فيديو إنه لم يتم إنقاذ أي أطفال رضع.
- تجاهل مراسلو صحيفة "واشنطن بوست" عن عمد الفروقات وأوجه التناقض والتضارب في ما تم سرده عما حدث في وحدة العناية المركزة المخصصة لحديثي الولادة في المستشفى في ذلك اليوم المشؤوم، مثلاً إذا ما كان الأطفال الرضع على قيد الحياة عندما جرى الإخلاء، وإذا ما كان تدفق الأكسجين لا يزال مستمراً، وحتى عدد الأطفال الرضع الذين تم العثور على جثثهم في ما بعد. وما ينفي حقيقة ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" هو أن بعض وسائل الإعلام الأخرى الذائعة الصيت، مثل "سي أن أن" (CNN)، نظرت في الأدلة نفسها وخلصت إلى أن كل المزاعم المؤكدة التي قدّمتها "واشنطن بوست" على أنها حقائق "ليست واضحة".
- تجاهلت صحيفة "واشنطن بوست" "السياسات والمعايير" الخاصة بها، حيث تعهدت "بتجنب تضارب المصالح أو «أي مظهر من مظاهر تضارب المصالح حيثما وكلما أمكن ذلك»"، وذلك من خلال عدم إبلاغ القرّاء بأن أحد مراسليها وأحد المصادر الرئيسية المذكورة في القصة تربطهما علاقات شخصية وعائلية. وقد اعترف محررو "واشنطن بوست" بأنهم لم يكونوا على علمٍ بهذه الحقيقة عندما كان المراسل والمصدر، أي حازم ومحمد بعلوشة على التوالي، يعملان معاً على هذه القصة.
بما أن محرري "واشنطن بوست" لم يردّوا بموضوعية على أيٍ من هذه الانتقادات ولم يقدّموا أي تأكيد على أيٍ من المزاعم ذات المصدر الوحيد أو المجهول التي وردت في المقال الأصلي، ليس هناك سببٍ مقنعٍ يدعو إلى استبعاد الاتهام اللاذع الذي وجّهتُه، وهو أن أجزاءً رئيسيةً من قصة "واشنطن بوست" قد تكون ملفّقة.
لا بد من الإشارة إلى أن رفض صحيفة "واشنطن بوست" لمواجهة أيٍ من هذه الانتقادات يتناقض بشكلٍ ملحوظٍ مع الطريقة التي تعاملت بها تلك الصحيفة مع حادثة مماثلة جرت في أواخر العام الماضي، عندما أشرتُ إلى وجود سلسلة من الأخطاء في مقالٍ نُشر على الصفحة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وزعم ذلك المقال أنه يتم تنفيذ سياسة إسرائيلية مقصودة تتمثل في فصل الأمهات الفلسطينيات من غزة عن أطفالهن الحديثي الولادة في المستشفيات الإسرائيلية. فقد تعاملتْ صحيفة "واشنطن بوست" مع ذلك الموقف من خلال إعادة نقل القصة بمسؤولية واحتراف، ونشرت النسخة المحدَّثة بعد ستة أسابيع حيث أقرّت في ملاحظة التحرير بأن النسخة الأصلية "لم تستوفِ معايير الإنصاف التي تعتمدها الصحيفة".
في هذه الحالة، لا أزال متمسكاً بانتقاداتي المتعلقة بقصة "الأطفال المتحللين"، وسأبقى مستعداً في أي وقتٍ للتواصل علناً أو سراً مع محرري "واشنطن بوست" بشأن الأساس الذي تقوم عليه مقالتي النقدية. ويستطيع القرّاء أن يحكموا بأنفسهم على كيفية تفسير رفض محرري الصحيفة لتناول أيٍ من القضايا التي أثرتُها بطريقة جادة. فأعتقد شخصياً أن التعامل مع الأخطاء المتعددة في الوقائع والإجراءات في هذه الحالة كان سيكشف مشاكل كثيرة جداً، لدرجة أن الطريق الأسهل تَمثّلَ في التخلص منها تحت ستار "الدفاع عن صحافتنا". يا للأسف.
روبرت ساتلوف هو "المدير التنفيذي - زمالة سيغال" و "رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش» لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل "على موقع تايمز أوف إسرائيل".