- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
سجل أداء الأمير السعودي في "الرؤية" الجديدة يبدو جيداً - مع بعض المحاذير
قبل ثلاث سنوات، أعلنت المملكة العربية السعودية عن «رؤية السعودية 2030»، وهي خطة طموحة لتحويل اقتصاد المملكة. فكيف تسير الأمور منذ ذلك الحين؟ إنّ الجواب رهنٌ بالشخص الذي تطرح عليه هذا السؤال.
أفادت مؤخراً صحيفة "فايننشال تايمز" أنّ شركتَي "بلاك روك" و"أتش أس بي سي" البارزتين في مجال إدارة الأصول المالية أطلقتا أموالاً مخصصة للاستثمار في السعودية. ومثل هذه الخطواتٍ تشير إلى أن المملكة تُعتبر مكاناً مناسباً لكسب المال وأن الحذر الذي ساد، بالنسبة لبعض الناس على الأقل، منذ جريمة القتل المروعة التي أودت بحياة المنشق السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لا تشكّل عائقاً كبيراً أمام إقامة أعمال تجارية جديدة.
ولكن في نهاية الشهر الماضي أقدمت المملكة أيضاً على قطع رؤوس 37 شخصاً، معظمهم من الأقلية الشيعية في البلاد، أي من الطائفة نفسها التي تنتمي إليها إيران. وربما اعتبر البعض أن التوقيت ضربٌ من الحماقة إلى حدٍّ كبير على مستوى العلاقات العامة: فقد حدث الإعدام بالتزامن مع افتتاح مؤتمر دولي للمستثمرين في الرياض (وفي تطوّر إضافي، لا سيما بالنظر إلى حدوث ذلك بعد عيد الفصح مباشرةً، تم إعدام أحد الضحايا صلباً، مما يعني في السعودية استعراض جسم الميت ورأسه على مرأى من عامة الشعب).
ويعود أساس التفاؤل التجاري، على الأقل عددياً، إلى "صندوق النقد الدولي". فقد أفاد مديره لمنطقة الشرق الأوسط لوكالة "رويترز" في 29 نيسان/أبريل أن الصندوق يتوقع معدل نمو أعلى قليلاً في عام 2019 لأن القطاع غير النفطي في السعودية يتوسع بوتيرة أسرع من الاقتصاد ككل. وبالنظر إلى أن خام برنت - المقياس المرجعي لأسعار النفط - تجاوز مؤخراً سعراً سليماً بلغ سبعين دولاراً للبرميل، فيجب أن تزيد معدلات الرضا.
وصحيحٌ أن «رؤية السعودية 2030»، على الأقل كما كان متوقعاً لها في الأصل، كانت حول المدى البعيد وتقوم أيضاً على تقليص دور النفط في الاقتصاد السعودي. ولكن الحكمة السائدة بعد ثلاث سنوات هي إن المملكة ستحتاج إلى وقتٍ أطول لإحداث التغيرات المنشودة وسيظل النفط محور ازدهارها لعقود من الزمن.
وفي الوقت الحالي تترسخ مكانة النفط في الاقتصاد السعودي. وفي الواقع، إنها آخذةٌ في التوسّع. فشركة النفط الوطنية السعودية "أرامكو" اشترت للتو شركة "سابك" السعودية للبتروكيماويات بقيمة 69 مليار دولار وجمعت 12 مليار دولار في سوق السندات للمساعدة في دفع ثمنها. وبالأحرى يبدو ذلك أن المملكة، إلى جانب العديد من شركات النفط، تتوقع ارتفاع الطلب على النفط في العقود المقبلة. (إنّ تزايد الطلب على النفط في دول العالم الثالث، حيث ستشتري عائلاتٌ كثيرة السيارات للمرة الأولى، سيعوّض وأكثر عن تراجع الطلب على النفط في دول العالم الأول، والذي يُعزى إلى اعتبارات متعلقة بالفعالية والمخاوف البيئية).
وسواء نجحت «الرؤية 2030» أم فشلت، ستبقى مسؤوليتها على عاتق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأمير شديد النشاط البالغ من العمر 34 عاماً والذي يحاول تغيير المملكة العربية السعودية.
في تحليل كتبتُهُ قبل عامين بعنوان "عام واحد على «رؤية السعودية 2030»"، ذكرتُ أن هناك أربع عقبات تقف في طريق التقدم، وهي: سعر النفط المنخفض؛ تكاليف الحرب في اليمن؛ المقاومة المحتملة للمؤسسة الدينية السعودية؛ وما إذا كان ولي العهد آنذاك، ابن العم الأكبر لمحمد بن سلمان، يؤيد المشروع.
وبالفعل، يبدو أن أداء الأمير محمد بن سلمان جيداً، فقد ارتفع سعر النفط، وتم تهميش رجال الدين السعوديين، بالإضافة إلى إرغام ولي العهد السعودي السابق على الاستقالة لصالح محمد بن سلمان. إلّا أن الحرب المستمرة في اليمن هي وحدها التي تشكل مصدر إلهاء. وقد أُطلِق سراح بعض الناشطات السعوديات المسجونات بكفالة في 3 أيار/مايو. ولكن يمكن القول أنه برزت تحديات أخرى. فقد ازدادت التوترات مع إيران، وفي الأسابيع القليلة الماضية، بدأت الرياض تدعم مغامرات خارجية إضافية في السودان وليبيا.
وتُضاف إلى ذلك مسألة العلاقة بين واشنطن والرياض، التي كانت مزدهرة حتى الآونة الأخيرة بفضل التقارب بين الأمير محمد بن سلمان وكبير مستشاري البيت الأبيض وصهر الرئيس الأمريكي جارد كوشنر. ولكن ارتفاع أسعار النفط دفع الرئيس ترامب إلى انتقاد العاهل السعودي الملك سلمان على موقع "تويتر" بأسلوب تواصل ربما يلائم ولاية تكساس ولكنه يترك صدىً سلبياً في الصحراء.
من المؤكد أن التغيير يحصل في المملكة، ولكنه لم يحصل بسلاسة، ولا يبدو أنه سيتّسم بالسلاسة في المستقبل أيضاً.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.
"ذي هيل"