- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
صيغة جديدة في معركة الفلوجة
في 22 أيار/ مايو، أعلنت الحكومة العراقية إطلاق معركة الفلوجة التي طال انتظارها، في المدينة التي لا تبعد سوى 30 ميلاً إلى الغرب عن بغداد والتي كانت بكاملها تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») خلال الأشهر الـ 29 الماضية. وكانت الفلوجة تشكل مركزاً بالغ الأهمية لـ تنظيم «القاعدة في العراق» ولـ تنظيم «الدولة الإسلامية» فيما بعد في العقد الذي سبق استيلاء هذا الأخير على المدينة في كانون الثاني/ يناير 2014.
ومن جهة، قد يبدو من المستغرب عدم تحرير الفلوجة في وقت أبكر - ففي النتيجة كانت هي المدينة الأقرب إلى بغداد من بين المدن التي وقعت تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ أكثر من عامين. ويُعزى السبب الرئيسي لذلك هو استمرار بروز أمور أكثر إلحاحاً الأمر الذي اضطر قوات الأمن العراقية إلى التركيز على هذه الأخيرة.
وفي كانون الثاني/ يناير 2014، ركزت قوات الأمن العراقية جهودها على منع استيلاء تنظيم «داعش» على مدينة الرمادي المجاورة. وقد اعتُبرت الجهود لاستعادة السيطرة على الفلوجة بمثابة عملية تتطلب تخطيطاً مفصّلاً، كما أن شن هجوم مضاد ومتسرع بدا كخطر لا طائل منه.
وعند النظر إلى الوراء، ربما كان الأمر يستحق محاولة مبكرة للقضاء على سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على المدينة في الوقت الذي كانت فيه هذه القبضة غير مكتملة.
حصار غير حاسم على الفلوجة
بعد ذلك جاء سقوط الموصل ووقعت المعارك في حديثة وسامراء وتكريت وبيجي. وقد تم خوض معركة تحرير الرمادي طوال فترة الحرب إلى أن تم تحريرها في الآونة الأخيرة.
وقد علقت قوات الأمن العراقية، وخاصة العناصر الشيعية التابعة لـ "قوات الحشد الشعبي"، في حصار طويل وغير حاسم على الفلوجة.
وبالنسبة إلى "قوات الحشد الشعبي" التي شهدت نتائج مخيبة للآمال على أرض المعركة منذ ربيع 2015 فصاعداً، أصبحت الفلوجة وسيلة لإعطاء الانطباع بأنها لا تزال تشكل لاعباً رئيسياً في ساحات المعارك العراقية.
وقد تسبب هذا الحصار بوقوع أضرار مادية جسيمة في الفلوجة، التي لم يُعاد بناؤها بالكامل على الإطلاق بعد المعارك الكبيرة التي شهدتها عام 2004، عندما أخلت مشاة البحرية الأمريكية المدينة في قتال مدمر جداً دار من شارع لشارع.
وبنفس القدر من الأهمية، بقي في المدينة حوالي 70 ألف مدنياً من أصل 350 ألف من السكان الأصليين، سواء باختيارهم أو لخوفهم الشديد من محاولة الهرب.
وقد تسبب النقص في المواد الغذائية والأدوية داخل جيب الفلوجة بوقوع أمراض وحدوث وفيات في صفوف المدنيين، وكان من الممكن تفادي الخسائر في الأرواح في ظروف عادية.
ويبدو أن الهجوم الحالي لتحرير الفلوجة يُعزى إلى مجموعة من العوامل المتضافرة وهي: التفجيرات التي أوقعت إصابات جماعية في بغداد خلال شهر أيار/ مايو، والضغط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإظهار نتائج إيجابية في أي مجال كان، والهوة بين نهاية معركة الرمادي والبداية المحتملة لمعركة الموصل في أواخر الصيف أو في الخريف.
الدروس المستفادة من المعارك السابقة
من الناحية النظرية، هناك مجال لعملية سريعة في الفلوجة قبل أن يبدأ العراق بعزل الموصل من الجنوب والغرب في الخريف ومن ثم شن هجوم على مدينة الموصل نفسها في فصل الشتاء. ولكن هل سيكون ذلك سريعاً؟
إن بداية عملية الموصل الأوسع التي حظيت بدعاية كبيرة وأُطلقت في آذار/ مارس 2016 قد أعطت الانطباع بأن المدينة نفسها كانت على وشك أن تُحرر: وفي الواقع، كان القتال يدور على بعد أكثر من 100 كلم من مدينة الموصل.
وفي الفلوجة، باتت القوات المشاركة في القتال أكثر قرباً من المدينة، وهي في كثير من الأحيان على بعد 5-10كلم من حافاتها، ولكن الدعاية المحيطة بهذه العملية في الأيام الأولى من الهجوم أثارت توقعات عالية جداً إلى حدٍّ ما حول دخول فوري إلى الفلوجة.
وقد استهدف الأسبوع الأول من عمليات القوات العراقية دحر سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على المناطق النائية الواقعة شمال الفلوجة في مدينة الكرمة، وإلى الشرق والجنوب من الفلوجة.
هذا وقد شنت "القوة الجوية العراقية" أكثر عملياتها المكثفة في الحرب لضرب أهداف تنظيم «داعش» في الفلوجة بشكل انتقائي باستعمالها طائرات "إف-16" و "إي سي 208" العالية الدقة التي زودتها الولايات المتحدة، ومروحيات صينية مسلحة من طراز "سي إتش 4"، ومروحيات الهجوم التي زودتها روسيا وطائرات "إل 159" المقدمة حديثاً من تشيكيا.
وتبيّن العملية بشكل واضح أن الحكومة العراقية و"قوات الحشد الشعبي" والتحالف قد تعلموا دروساً هامة في القيادة والسيطرة من المعارك السابقة.
فالحكومة العراقية، بدعم من قوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة، تنسق المعركة على الفلوجة، وتختار أهداف الضربات الجوية وتقود الإطار الواسع للعملية.
أما "قوات الحشد الشعبي"، والتي تشمل "قوات الحشد الشعبي" السنّية من المناطق الريفية المحيطة بالفلوجة، فهي تحارب في معركة غير مترابطة جداً تركز على المشارف الريفية للمدينة.
كما أن بعض عناصر "قوات الحشد الشعبي"، مثل «كتائب حزب الله» أو «عصائب أهل الحق»، لن تتلقى الدعم الجوي الأمريكي، ولكن الطائرات العراقية ستكون تحت الطلب لتقديم المساعدة. والأهم من ذلك، أن هادي العامري، أمين عام «منظمة بدر»، قال في 24 أيار/ مايو إن وحدات "قوات الحشد الشعبي" لن تدخل مدينة الفلوجة.
إن هذا التقسيم للعمل هو نتاج الدروس المستفادة من معارك تكريت وبيجي والرمادي. إذ لا يمكن لـ "قوات الحشد الشعبي" أن "تخوض مثل هذه المعارك وحدها" كما لا تستطيع أن تحقق نتائج جيدة في القتال العنيف في المناطق الحضرية حيث أن استخبارات التحالف وقدرات شن الهجمات تُعتبر ذات أهمية حاسمة.
بيد، أدركت قوات الأمن العراقية وقوات التحالف أن "قوات الحشد الشعبي" جيدة جداً في تطهير المناطق الريفية حول المدن المتنازع عليها واحتلالها ومنع تعزيزات تنظيم «داعش» من الوصول إليها، وهو أمر ضروري في أي جهد يُبذل لتحرير أي مدينة.
إلى جانب ذلك، أدركت الحكومة العراقية أن استبعاد "قوات الحشد الشعبي" تماماً، كما هو الحال في الرمادي، يمكن أن يسبب شعوراً بالاستياء. وسنعرف مع مرور الزمن مدى سرعة التغلب على مقاومة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الفلوجة ومدى فعالية ذلك، ولكن الصيغة المستخدمة في الفلوجة تمثل تطوراً إيجابياً للحرب في العراق.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن. وقد عمل في كل محافظة عراقية وفي معظم الـ 100 منطقة في البلاد، من بينها فترات كان خلالها ملحقاً مع قوات الأمن العراقية. وهو عضو في "فريق العمل في المجلس الأطلسي" حول مستقبل العراق.
"الجزيرة"