- تحليل السياسات
- شهادة أمام الكونغرس
تداعيات "خطة العمل المشتركة الشاملة" على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
فيما يلي مقتطفات من الشهادة المُعدة سلفاً التي أدلى بها المدير الإداري لمعهد واشنطن مايكل سينغ أمام "لجنة العلاقات الخارجية" في "مجلس الشيوخ الأمريكي". لقراءة الشهادة بأكملها، بإمكانك تحميل ملف الـ "پي.دي.إف" باللغة الانكليزية. وقد قُدمت هذه الشهادة أيضاً إلى جلسة أخرى في اليوم نفسه، أمام "لجنة الخدمات المسلحة" في "مجلس الشيوخ".
هناك ثلاث خطوات تستوجب تطوير أسلحة نووية وهي: صنع الوقود، والتسليح، وتطوير ناقلة أسلحة. ويُفترض أن ذلك يتطلب السرية أيضاً، لأن الكشف عن هذه الخطوات أثناء القيام بعمليات التطوير قد ينطوي على مخاطر رد عسكري.
عندما يتعلق الأمر بصنع الوقود، فإن الاتفاق النووي يتيح لإيران الإبقاء على سلسلة إمدادات نووية كاملة بدءً من تعدين اليورانيوم حتى تخصيبه، كما يترك مفاعل الماء الثقيل في آراك على ما هو عليه أيضاً. وتخضع هذه العناصر لقيود مؤقتة متنوعة، إذ توافق إيران على وضع سقف لعدد أجهزة الطرد المركزي المركّبة ونوعها، ولمستوى التخصيب، وكمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي تخزنها، وعلى تحويل مفاعل الماء الثقيل في آراك لتجنب إنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة. كما توافق أيضاً على عدم بناء منشآت جديدة للتخصيب والماء الثقيل وإعادة المعالجة.
ولكن هناك نقطتان مثيرتان للقلق بشكل خاص: أولاً، يُسمح لإيران بمواصلة أعمال البحث والتطوير المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي المتطورة والبدء بنشر هذه الأجهزة بعد فترة لا تتجاوز ثماني سنوات ونصف. وبما أن أجهزة الطرد المركزي موضع البحث مصممة لتخصيب اليورانيوم بفعالية أكثر بكثير من أجهزة الطرد المركزي الحالية من طراز IR-1، فهي مناسبة أكثر بكثير لصنع الأسلحة بشكل سري، ويمكن استخدام عدد أقل بكثير منها ولوقت أقل من أجل إنتاج وقود مخصص لصنع السلاح. ثانياً، تتضاءل القيود المذكورة أعلاه بعد 10 إلى 15 عاماً من الآن، ويعني ذلك أن إيران لن تواجه في ذلك الوقت سوى بعض العوائق الفنية التي تحد من فترة تجاوزها للعتبة النووية بشكل ملحوظ.
وعندما يتعلق الأمر بالتسليح، فإن الاتفاق النووي يلزم إيران بعدم "الانخراط في أنشطة، بما فيها أعمال البحث والتطوير، التي قد تساهم في تطوير جهاز انفجاري نووي". ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو التالي: كيف يمكن التحقق من تقيد إيران بهذا الالتزام، لا سيما وأن هذه الأنشطة تكون عادةً سرية بطبيعتها؟ وفي الواقع، تفيد تقارير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن إيران منخرطة بالفعل في عدة "أنشطة متعلقة بتطوير جهاز انفجاري نووي"، وهذه الأنشطة هي جزء مما تسميه «الوكالة الدولية» "الأبعاد العسكرية المحتملة" لبرنامج إيران النووي.
لقد حث عدد من المحللين بأن أي جزء من أي اتفاق يجب أن يتضمن ضرورة قيام إيران بالإفصاح عن نطاق تسلحها في الماضي (وربما في الوقت الحاضر أيضاً) والجهود النووية السرية الأخرى، لكي يتمكن المفتشون من قياس التقدم الذي أحرزته إيران، والسماح لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بالنفاذ الضروري لضمان عدم استئناف هذه الجهود. إلا أن الاتفاق الراهن لا يلبّي هذه المعايير على ما يبدو. فهو لا يُحدد وجوب نفاذ المفتشين إلى المواقع المرتبطة بالأسلحة وطاقم عملها، أو ضرورة الإفصاح الكامل عن جهود التسليح الماضية وغيرها من الأعمال النووية السرية الأخرى من أجل دخول الاتفاق حيز التنفيذ. ومن دون هذه الأحكام، لا أعتقد أنه يمكننا أن نضمن عدم استئناف إيران لعملها المتعلق بالأسلحة النووية (ربما على يد عناصر من جهاز الأمن الإيراني، وربما حتى من دون علم المسؤولين المدنيين الذين يتعامل معهم المفتشون) أو حتى عدم توقفه.
وفي مجال ناقلات الأسلحة، لا يحدد الاتفاق أي قيود على الإطلاق، وفقاً لما أعرفه. فليس مطلوباً من إيران الحد من تطوير صواريخها الباليستية واختبارها. بالإضافة إلى ذلك، لم ترد أي إشارة عن المراكب العائدة الصاروخية في قائمة "الأنشطة التي قد تساهم في تصميم جهاز انفجاري نووي وتطويره" والتي وافقت إيران على الامتناع عنها في الملحق الأول من الاتفاق، بالرغم من إدراج هذه المراكب في "الأبعاد العسكرية المحتملة" التي حددتها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية". وفي الواقع، إن الحظر الملزم على إيران بشأن "القيام بأي نشاط مرتبط بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، بما فيها عمليات الإطلاق التي تستخدم تقنية الصواريخ الباليستية"، والذي ينص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1929، تم استبداله بلغة تحذيرية غير ملزمة في قرار مجلس الأمن رقم 2231.
ونتيجة لهذا التحول، فلن يكون محظوراً على إيران، في "يوم دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ"، القيام بعمليات إطلاق صواريخ باليستية أو تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، والتي هي عناصر أساسية من أي برنامج معاصر للأسلحة النووية. حتى أن مسؤولين روس سبق أن عبّروا عن قلقهم من هذا الاحتمال. ففي عام 2008، على إثر اختبار صاروخ إيراني فاشل، قال نائب وزير الخارجية الروسي في ذلك الحين ألكسندر لوزيوكوف إن الاختبار قد عزز "الشكوك العامة فيما يتعلق برغبة إيران المحتملة بصنع أسلحة نووية". وعند رفع العقوبات عن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني بعد ثماني سنوات، ستتمكن إيران أيضاً من تلقي المساعدة الخارجية، والتي اعتبرها مسؤولون أمريكيون في الماضي أساسية لقدرتها على إنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات. وفي حين أن بعض العقوبات الثانوية الأمريكية المفروضة على التعاون مع إيران في مجال الصواريخ سوف تبقى قائمة، إلا أنها غير قوية بما يكفي لردع شركاء إيران المحتملين.
بصورة عامة، تبيّن نقاط الضعف المذكورة بأن الاتفاق سيسمح لإيران بالإبقاء على خيار إنتاج سلاح نووي في المستقبل. وفي الواقع، يُعتبر الاتفاق وسيلة مماطلة تمكّن إيران، بمساعدة دولية في بعض الحالات، من تطوير التقنيات الضرورية لإنتاج سلاح نووي في المستقبل، مثل أجهزة الطرد المركزي المتطورة والتسليح والصواريخ الباليستية طويلة المدى. ومن وجهة نظري، ليس ذلك وليد صدفة، إذ يبدو أن "الخطوط الحمراء" المفروضة على إيران قد صُممت لتحقيق هذه النتيجة، الأمر الذي يعني مرة أخرى أن هدف إيران من المحادثات هو تخفيف العقوبات مع الاحتفاظ بقدرتها على صنع أسلحة نووية أو حتى تحسينها.
وبالتالي، من الضروري أن يضمن الاتفاق قدرة الولايات المتحدة على رصد أي جهد يهدف إلى تطوير أسلحة نووية وردعه، سواء أكان سرياً أم علنياً. إلا أن آلية التفتيش المذكورة في الاتفاق لا تفي على ما يبدو بالغرض. ففي حين سيتم رصد المواقع المعلنة بشكل محكّم، أفاد مجتمع الاستخبارات الأمريكي في عام 2007 أن إيران "ستستخدم على الأرجح منشآت سرية، بدلاً من منشآتها النووية المعلنة، لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب من أجل صنع سلاح". بالرغم من ذلك، لا يتيح الاتفاق للمفتشين النفاذ غير المشروط إلى المواقع المشتبه بها لا من قريب ولا من بعيد...
"لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي"