- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تحديات القتال في المناطق الحضرية في الحديدة
منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في مدينة الحديدة المرفئية على البحر الأحمر يمكن القول أنه بالكاد يصمد [أمام التطورات]. فمنذ بدء وقف إطلاق النار في 18 كانون الأول/ديسمبر وحتى 8 كانون الثاني/يناير، قدمت الحكومة اليمنية أدلة إلى الأمم المتحدة عن قيام الحوثيين بشن 681 هجومٍاً في محافظة الحديدة الشمالية، من بينها 84 هجوماً في مدينة الحديدة، مدعيةً بأن تلك الجبهة تكبّدت 17 قتيلاً و198 مصاباً. بالإضافة إلى ذلك، رفض الحوثيون الالتزام بالمهلة النهائية التي حددتها الأمم المتحدة لإخلاء ميناء الحديدة بحلول الأول من كانون الثاني/يناير أو مدينة الحديدة بحلول السابع من كانون الثاني/يناير. وعلى الرغم من عدم قيام قوات التحالف الخليجي بعمليات انتقامية حتى الآن، إلّا أن القوات اليمنية بدأت بالرد على هذه الهجمات. وإذا ما انهار اتفاق وقف إطلاق النار، فمن المرجح حدوث معركة كبيرة لتحرير المدينة.
ومع استمرار الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتعزيز وقف إطلاق النار، يواصل الحوثيون تعزيز دفاعات المدينة في انتهاكٍ مباشر لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2451 الذي يتطلب من المقاتلين وقف كل أعمال التحصين الجديدة والبدء بتفكيك الدفاعات القائمة. بيد أن [المعلومات التي يوفرها] التصوير من أعلى تُظهر أن الحوثيين قاموا بحفر ما معدّله 25 خندقاً جديداً وإقامة 51 حاجزاً وحقل ألغام كل أسبوع منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. ويبدو أنهم يحفرون تمهيداً لمعركة مطوّلة وليس استعداداً لانسحاب وشيك. ويطرح ذلك السؤال التالي: ما مدى الصعوبة [التي قد يواجهها] الجيش اليمني والتحالف الخليجي الداعم له في تحرير مدينة الحديدة؟
ويسيطر الحوثيون حالياً على مساحة محيطها 35 كيلومتراً، تشمل 20 كيلومتراً من الخطوط الأمامية و 15 كيلومتراً من الساحل. أما مساحة جبهتهم الدفاعية في المناطق الحضرية فتبلغ 15 كيلومتراً طولاً و 15 كيلومتراً عرضاً، علماً بأن قوات التحالف تحيط بالضواحي الشمالية الشرقية وتنتشر على مسافة 6 كليومترات فقط من الميناء. ومن غير المعروف عدد مقاتلي الحوثيين الذين يتولون الدفاع عن هذه الجبهة الداخلية، ولكن من المرجح أن عددهم يتراوح بين 2000 و 5000 مقاتل، من ضمنهم أبناء العشائر الحوثية من شمال اليمن إلى جانب مجنّدين محلّيين قد يثبتون أنهم أقل موثوقية.
وتتوزع دفاعات الحوثيين على ثلاثة خطوط هي:
الأول هو خطٌ دفاعي مواجهٌ للبحر ويحرس الطريق الساحلي المؤدي إلى الميناء. ويتم دعم الطرف الجنوبي الشرقي من الطريق الساحلي بالمنطقة الجامعية المحصّنة. ويتمكّن الحوثيون من تغطية الفسحة المفتوحة بين المدينة والمطار انطلاقاً من أوكارٍ محصّنة متواجدة عند الأطراف الجنوبية الشرقية للمدينة.
ويقع الخط الثاني بمواجهة الشرق، وتمتد جبهته الأمامية بين ما يسمّى "مثلث كيلو 8" والدفاعات الحوثية في أحياء الصالح ومنذر. وفي أعقاب التقدم الكبير الذي أحرزه التحالف في تلك المنطقة خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بذل الحوثيون معظم جهودهم لتحصين هذه الجبهة الأمامية خلال فترة وقف إطلاق النار. فقد نصبوا متاهةً من الحواجز الجديدة - وخاصة حاويات شحن - لتوفير مزيد من العمق للدفاعات الشرقية لوسط المدينة. ويستهدف الحوثيون في معظم قصفهم المناطق المحررة من "مثلث كيلو 8" مثل مركز "سيتي ماكس" التجاري، ومصنع "العصير ومنتجات الألبان في الحديدة"، ومستشفى "22 مايو".
أما الجبهة الثالثة فتغطي الجزء الشمالي من المدينة، بينما يواجه التحالف خنادق الحوثيين عند الطرف الشمالي من الامتداد العمراني. ويستخدم الحوثيون المجمعات السكنية الشاهقة كمعاقل لهم، كما أنهم أقاموا خط ثانٍ من الحواجز على بُعد ثلاثة كيلومترات داخل المدينة من أماكن تواجد الخنادق الخارجية للحوثييين. ويتواجد المرفأ عند هذه الجبهة على مقربة مستفزّة من الطريق الأخير المؤدي إلى معاقل الحوثيين شمالي اليمن، حيث لا يفصل بينهما سوى ستة كيلومترات، ويمكن رؤيتهما بوضوح.
وقد لا يكون التحدي المتمثل في تحرير ميناء الحديدة شديداً لأن رصيف الميناء الممتد على طول 1.5 كيلومتر يقع في منطقة مكشوفة خارج حدود المدينة تماماً، ويمكن الوصول إليه عبر أرضٍ مكشوفة تستطيع فيها القوة الجوية والأسلحة الثقيلة التابعة للتحالف تحقيق فعاليةً كبيرة إذا ما استُخدمت بدقة. بيد أن التحدي الأكبر لطالما تمثّل بالمدينة نفسها، ولذلك ينبغي تطهير بعض مناطقها الشمالية على الأقل للسماح بتشغيل الميناء بشكل آمن.
ويشار أيضاً إلى أن الحوثيين يتوزعون بشكل متفرق ومعقول على امتداد محيط دفاعاتهم الطويل، على الرغم من أنهم يجيدون تعزيز النقاط المهددة باستخدامهم شبكات من الخنادق المغطاة وأبنية حُفرت جدرانها لـ "وصل الغرف"، وذلك من أجل تجنب المراقبة الجوية. كما تتمتع دفاعاتهم بالكثير من العمق، ولديهم إمكانية التراجع إلى أحياء ذات كثافة سكانية أكبر بالقرب من وسط المدينة، على الرغم من أنهم كلما تعمّقوا في المناطق التي تراجعوا إليها داخل المدينة، كلما ازدادت سهولة عزلهم واحتوائهم. وعلى غرار مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» الذين كانوا يتولون الدفاع عن الموصل، سيستخدم الحوثيون قذائف الهاون والصواريخ والطائرات بدون طيار لقصف المناطق المحررة حديثاً - كما فعلوا منذ عام 2015.
وقد تعلّم التحالف بعض الخدع أيضاً. ففي القتال الذي حقق نجاحاً كبيراً لـ "مثلث كيلو 8"، قدّمت الإمارات العربية المتحدة دعماً نيرانياً دقيقاً للغاية في المناطق الحضرية يشمل ذخائر ذات رؤوس صغيرة أدت إلى تدمير مواقع الحوثيين الفردية دون التسبب في وفيات بين المدنيين أو حتى إلحاق أضرار هيكلية تتجاوز الجزء المحدد من غرفة مستهدفة. وأظهر مقاتلو "ألوية العمالقة" اليمنيين مهارة حقيقية وتصميم في القتال في المناطق الحضرية. وقد تكون قدرة التحالف على القيام بعمليات تطهير ناجحة في المناطق الحضرية أقل من تقديرات معظم المراقبين.
ويشير التحليل أعلاه إلى أنه إذا انهار وقف إطلاق النار، فقد تكون معركة الحديدة بطيئة، ولكنها لن تكون بالضرورة ضارية أو شديدة التدمير. فقد لا يكون هناك سبب معين يدعو إلى الإسراع في القتال، وهناك احتمال بأن يتخللها عدة اتفاقات إضافية لوقف إطلاق النار في إطار محاولات الوساطة الدولية. فنشاط المرفأ استمر حتى الآن طوال فترة المعركة، شأنه شأن الطريق الشمالي المؤدي إلى خارج الميناء، والذي يسمح بتدفّق الواردات إلى شمال اليمن بنفس المعدل تقريباً الذي شهده الطريق المغلق الذي يمر عبر الجبهة الشرقية عند تقاطع الصالح و"كيلو 8". وقد تستمر هذه التدفقات أيضاً، سواء عاد الميناء إلى سيطرة الحكومة اليمنية، أو أصبح خاضعاً للأمم المتحدة، أو بقي تحت سيطرة الحوثيين خلال جولات أخرى من المعارك.
وبغض النظر عن وقائع العمليات، سيتعيّن على التحالف والحكومة اليمنية التعامل مع مناخ دولي لا يرحم إذا ما استؤنفت المعركة. ورغم سعي الحوثيين عمداً على ما يبدو إلى انهيار وقف إطلاق النار، وشنّهم ضربات استفزازية مثل التفجير الانتحاري القاتل الذي نُفّذ بواسطة طائرة بدون طيار في 10 كانون الثاني/يناير واستهدف قاعدة عسكرية يمنية في محافظة لحج، إلا أنه من المرجح أن يقع اللوم على التحالف إذا ما تقدم في الحديدة. ولا يزال مجلس النواب الأمريكي الذي سيطر عليه الديمقراطيون مؤخراً ومجلس الشيوخ الأمريكي المتوازن بشكل جيد متلهفان لفرض عقوبات قد تهدد قدرة التحالف على الوصول إلى الأسلحة والدعم الأمريكيين. وربما يشكل ذلك سبباً إضافياً يدعو التحالف إلى الحد من الوجود الحوثي في الحديدة بطريقة تدريجية وبشكل غير ظاهر.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "ذي بريف".
"ذي بريف"