- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
طهران تسعى إلى إحكام سيطرتها في العراق في عام 2018
ُزيل عدو إيران اللدود في المنطقة عندما أطاحت الولايات المتحدة بنظام صدام حسين في عام 2003. وسرعان ما سقط العراق الجديد تحت قيادة أحزاب إسلامية شيعية قوية، ومعظمها كانت محتمية في إيران لتجنب اضطهاد صدام. ومن الأمثلة على ذلك «حزب الدعوة الإسلامية» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والذي قدّم رؤساء الوزراء الذين استلموا قيادة العراق على مدى إثني عشر عاماً من الأعوام الأربعة عشرة التي أعقبت سقوط صدام. ومن الأحزاب الكبرى أيضاً «المجلس الأعلى الإسلامي في العراق»، وهو تكتّل تمّ تشكيله في إيران من قبل الحكومة الإيرانية خلال الحرب الإيرانية-العراقية. وبما أنّ «حزب الدعوة الإسلامية» و«المجلس الأعلى الإسلامي في العراق» كانا مستعدّين للعمل مع الأمريكيين، فقد اكتسبا بعض الميزات في النظام السياسي الجديد. ومع الدعم الإعلامي والتمويل السياسي من إيران، تمكّنا من السيطرة على البرلمان ومجلس الوزراء ومجالس المحافظات في المحافظات الشيعية.
وكان بعض الأحزاب الإسلامية الشيعية على مقربةٍ أكبر من إيران. فقد تمّ تأسيس «منظمة بدر» بقيادة هادي العامري كقوة عسكرية على يد «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني لمحاربة صدام في الحرب الإيرانية-العراقية. وبعد عام 2003، وضعت «منظمة بدر» مقاتليها في قوات الأمن العراقية الجديدة، مستغلة بذلك الحاجة الماسة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى إعادة بناء الجيش العراقي. ونتيجةً لذلك، تمّ وضع المئات من رجال المخابرات المدربين على يد إيران في قلب قوات الأمن العراقية الجديدة التي بنتها الولايات المتحدة في عمليةٍ تُعرف باسم "الإدماج".
بيد أنّ بعض أعضاء «منظمة بدر» الأكثر تطرفاً الموالين لإيران لم يتحملوا حتى العمل مع الولايات المتحدة لمنافع تكتيكية، فشكّلوا ما يسمّى بـ"الجماعات الخاصة" التي هاجمت التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بشكلٍ مباشر بعد عام 2003. ومن الأمثلة على ذلك أبو مهدي المهندس المصنّف من قبل الولايات المتحدة كإرهابي على المستوى العالمي والمطلوب بتهمة شنّ عددٍ من الهجمات الإرهابية على أفراد أمريكيين وكويتيين ولانخراطه في مقتل عددٍ من عسكريي التحالف في العراق. وقد أسس المهندس حركة «كتائب حزب الله» المدرجة من قبل الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب والتي تقع تحت السيطرة المباشرة لـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، المُصنف من قبل الولايات المتحدة ككيان إرهابي على المستوى العالمي والذي يقوده الجنرال سيئ السمعة قاسم سليماني.
ولكن هنا المفاجأة: يتولى المهندس اليوم منصب القائد العملياتي للجنة رئيس الوزراء لشؤون «الحشد الشعبي» [نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي»]، وهذه الأخيرة هي وحدات المتطوعين التي أُنشئت في عام 2014 لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». ونال ميزانيةً من الدولة بقيمة 1.96 مليار دولار في عام 2017. ووفقاً لاستطلاعات موثوقة، فإن هادي العامري هو حالياً القائد الشيعي الأكثر شعبيةً في العراق. ويشغل قاسم الأعرجي، وهو قائد آخر في «منظمة بدر»، منصب وزير الداخلية، ليدير بذلك الوزارة الأكبر في العراق على الرغم من أنه ارتدى اللباس البرتقالي في مراكز الاحتجاز الأمريكية طوال 26 شهراً خلال فترة الاحتلال قبل عام 2011، بسبب ارتباطه بهجمات ضد الولايات المتحدة. ويفخر العديد من الشيعة العراقيين بالسجل الطويل من أنشطة المقاومة المناهضة لنظام صدام الذي يملكه هؤلاء الرجال، ويظهرون الالتباس أو الدعم إزاء ممارساتهم المناهضة للاحتلال الأمريكي. ومنذ انتصارات تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2014، عزز المقاتلون الشيعة المرتبطون بإيران هذه الميزات من خلال قيادة «قوات الحشد الشعبي» على ساحات القتال في العراق وسوريا.
ومع تراجع عدد المدن العراقية الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، أصبح أمام إيران عدد من الأهداف الواضحة في العراق للمستقبل القريب. وتسعى إيران، على أقل تقدير، إلى أن يحكم العراق تكتلٌ من الأحزاب السياسية الشيعية بعد الانتخابات العراقية العامة في أيار/مايو 2018، وتريد من هذه الأحزاب أن تعمل معاً لتشكيل الحكومة. إنّ وجود الأكثرية الشيعية في صميم الحكومة العراقية تُطمئن إيران بأنّ العراق لن يشكل مرة أخرى تهديداً لإيران ذات الأغلبية الشيعية. وما لا تريده إيران هو أن تقسّم التكتلات الشيعية دعمها وتبني تحالفات فردية مع الكتل العربية السنّية والكردية والعلمانية لتشكيل حكومةً جديدة عابرة للطوائف، وهي فكرةٌ واردة لدى رئيس الوزراء العبادي والزعيم القومي الشيعي مقتدى الصدر. وترغب إيران أيضاً أن يكون الوجود العسكري الأمريكي في العراق غير مرحبٍ به لدى رئيس الوزراء المقبل. ومن الناحية المثالية، تريد إيران أن ترى قادة «قوات الحشد الشعبي» مثل المهندس وهادي العامري يحكمون العراق، ربما من وراء الكواليس، ويتعاونون بشكل كامل مع «حزب الله» اللبناني ونظام الأسد على مدى سلسلةٍ من الأراضي الخاضعة للسيطرة الإيرانية والممتدة من آسيا الوسطى إلى البحر الأبيض المتوسط. [وفي هذا الصدد،] قال لي أحد كبار المسؤولين في الحكومة العراقية: "إيران جارتنا، ولا يمكنكم أن تتوقّعوا منّا أن نعتمد سياسةً أمريكية تجاهها".
إنّ السبيل الأفضل لتفادي هذه النتيجة هو دعم [عناصر] القوى التي تسعى إلى بناء العراق كدولة مستقلة قوية، ومنهم عدد من كبار الشركاء الشيعة مثل العبادي وآية الله العظمى السيد علي السيستاني، المرجع الشيعي الأكبر للشيعة في العالم. ومع أن الأمر قد يبدو غريباً، يشكل مقتدى الصدر أحد [عناصر] هذه القوى. فهناك عددٌ من القادة العراقيين الشيعة الذين يرغبون في سياسةٍ خارجية محايدة للعراق، كما يتضح من زيارات العبادي والصدر إلى المملكة العربية السعودية هذا الصيف، ورفض السيستاني لقاء المبعوثين الإيرانيين. إن الجمع بين الشيعة المعتدلين والسنّة والأكراد يشكّل الضمانة المنطقية لوضع العبادي أو أي قائد معتدل آخر على رأس الحكومة العراقية القادمة. لذلك، فإن التوصل إلى حل فيما يخص فوضى الاستفتاء حول الاستقلال الكردي يشكّل أولويةً قبل الانتخابات العراقية.
إن التدخل الأمريكي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العامين الماضيين قد برهن للقادة العراقيين أن هناك صيغة للعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق تربط بشكل مريح بين احتلال البلاد أثناء فترة إدارة بوش ومحاولة الاختفاء الخاصة بأوباما في عام 2011. بإمكان الولايات المتحدة منع الهيمنة الإيرانية في العراق من خلال الإبقاء فقط على انخراطها السياسي والعسكري في العراق على المدى الطويل، لتؤمّن بذلك للقادة العراقيين حليفاً قوياً من أجل معادلة النفوذ الإيراني. وقد اعتادت إيران ملء الفراغات، فدعونا لا نكرر الخطأ الذي ارتكبناه عام 2011 ونخلق فراغاً جديداً.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن.
"ذي سيافر بريف"