
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4019
تخطي مرحلة "الانتظار والترقب" في جنوب لبنان: الدور الأمريكي الفرنسي

يأتي الإعلان عن تشكيل "فرق عمل" بين إسرائيل ولبنان في مرحلة حاسمة من اتفاق وقف إطلاق النار، ويمكن أن يُسهم هذا الإجراء التكميلي الذي تقوده الولايات المتحدة وفرنسا في تيسير التنفيذ الكامل للاتفاق.
في الحادي عشر من آذار/مارس، صرحت نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، بأن الولايات المتحدة تعتزم "جمع لبنان وإسرائيل على طاولة الحوار لحل قضايا عالقة بالطرق الدبلوماسية"، وذلك من خلال تشكيل "فرق عمل" مختلفة تركز على معالجة قضية "إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، والمسائل المتعلقة بالنقاط الحدودية المتبقية المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، بالإضافة إلى المواقع الخمسة التي لا تزال القوات الإسرائيلية منتشرة فيها". وقد جاء هذا البيان في أعقاب الاجتماع السادس بين القيادات العسكرية في مقر قيادة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الناقورة، والذي ضم ممثلين عن إسرائيل، ولبنان، والولايات المتحدة، وفرنسا.
وقد تضع هذه المحادثات حداً لحالة الانتظار والترقب التي سادت منذ انقضاء الموعد النهائي للانسحاب الإسرائيلي الكامل في 18 شباط/فبراير. وعلى الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار أكد التزام إسرائيل ولبنان باتخاذ خطوات نحو التنفيذ الكامل، فإن البلدين يختلفان في تفسيرهما للمرحلة الأولى – سواء كانت تتعلق بنزع السلاح، أو الانسحاب الكامل، أو إعادة الانتشار – وكذلك بشأن الطرف الذي ينبغي عليه أن يبدأ التنفيذ أولاً. وقد تتيح المبادرة الأمريكية إتمام التنفيذ الكامل للاتفاق من خلال استكمال انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان وترسيم الحدود البرية. وكبادرة أولية لحسن النية، أعادت إسرائيل خمسة أسرى لبنانيين استجابةً لطلب الولايات المتحدة.
من وقف إطلاق النار إلى طريق مسدود
في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، توصلت إسرائيل ولبنان، بوساطة أميركية وفرنسية، إلى اتفاق وقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً لإنهاء أكثر من عام من الأعمال العدائية. ومع اقتراب الموعد النهائي، ألمحت إسرائيل إلى نيتها تأجيل انسحابها، وفي 26 كانون الثاني/يناير، أعلن البيت الأبيض تمديد المهلة حتى 18 شباط/فبراير.
وعشية الموعد الجديد، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، المقدم نداف شوشاني، أن عدداً محدوداً من القوات سيبقى مؤقتاً في خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود، بهدف حماية الإسرائيليين العائدين إلى منازلهم في الشمال. وتمتد هذه النقاط من الغرب إلى الشرق، وتقع على بعد مئات الأمتار داخل الأراضي اللبنانية، وهي: بالقرب من تلة حماميس (المطلة على الجانب الإسرائيلي)، ووادي السلوقي (مرغليوت على الجانب الإسرائيلي)، وبليدا، وبنت جبيل، ومارون الراس (أفيفيم والمالكية على الجانب الإسرائيلي)، وجبل بلاط (شتولا على الجانب الإسرائيلي)، واللبونة (شلومي على الجانب الإسرائيلي). وفي المقابل، أعادت القوات المسلحة اللبنانية، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، انتشارها في المواقع التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي.
كما حددت إسرائيل أيضاً "مناطق عازلة" بالقرب من الضهيرة وكفركلا، مشيرةً إلى أنها ضرورية بسبب تأخر انتشار الجيش اللبناني بالسرعة الكافية في الجنوب. غير أن الجيش اللبناني نفى ذلك، مؤكداً استعداده التام للانتشار، كما فعل في بقية مناطق الجنوب. من جانبه، أعلن الرئيس جوزيف عون " أن حجة الإسرائيليين بالبقاء في بعض التلال الاستراتيجية لا تصمد أمام معايير الحرب الحديثة والتقدم التقني الذي حلّ محل الأساليب التقليدية ".
ومع ذلك، يبقى صحيحاً أن الجيش اللبناني لم يتمكن من نشر 10 آلاف جندي في الجنوب، وهو ما يُعد هدفاً رئيسياً لاتفاق وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من استمرار إسرائيل في قصف المواقع التي تُنسب إلى "حزب الله"، فإن رد الحكومة اللبنانية ظل محدوداً إلى حد كبير. ومع ذلك، يبدو واضحاً أن إسرائيل تسعى إلى الحصول على ضمانات أمنية قوية قبل إخلاء مواقعها الأمامية الخمسة المتبقية، لضمان عودة سكان الشمال إلى منازلهم. ولم تقدم إسرائيل أي جدول زمني لانسحابها النهائي، في حين لم يحدد لبنان من جهته جدولاً زمنياً لتفكيك منشآت "حزب الله" غير المصرح بها.
موقف الولايات المتحدة من المواقع الأمامية غير واضح، والعرض الفرنسي يعتبر غير كافٍ
وفي حين صرح كاتس في 27 شباط/فبراير أن إسرائيل "ستبقى في المنطقة العازلة في لبنان إلى أجل غير مسمى" وأنها "تلقت الضوء الأخضر من الولايات المتحدة"، لم يؤكد أي مسؤول أمريكي هذه النقطة أو ينفيها. ومع استمرار إدارة ترامب في تجميد المساعدات الخارجية لمدة تسعين يوماً، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على استثناء لبنان من هذا التجميد، حيث ألغت تعليق 95 مليون دولار من تمويل الجيش اللبناني. وكان ذلك دليلاً على ثقة واشنطن بالرئيس عون ورئيس الوزراء نواف سلام، فضلاً عن دعمها الفعلي لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
من جانبها، اقترحت فرنسا آلية لتقديم ضمانات أمنية قوية لإسرائيل مع احترام السيادة اللبنانية في الوقت نفسه، حيث عرضت نشر وحدة فرنسية تابعة لـ"ليونيفيل" إلى جانب القوات المسلحة اللبنانية في المواقع الأمامية الخمسة التي تسيطر عليها إسرائيل حالياً، وهو خيار وافق عليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. ولكن في حين لم يرد أي مسؤول إسرائيلي علناً على الاقتراح، يبدو واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية تعتبره غير كافٍ لضمان عدم عودة "حزب الله" إلى تلك التلال الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن تسارع الأحداث في سوريا منذ كانون الأول/ديسمبر قد أدى إلى تعطيل عملية إعادة الانتشار اللبناني في الجنوب، إلا أن الجيش اللبناني يعتزم مع ذلك مواصلة تفكيك جميع منشآت "حزب الله" وبنيته التحتية ومواقعه العسكرية تماشياً مع التزاماته. ويجب أن تمنع البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في لبنان هذا التقدم بأي شكل من الأشكال. كما ينبغي أن يشمل التزام الجيش اللبناني أيضاً السماح لقوات "اليونيفيل" بالوصول إلى جميع المواقع ذات الأهمية وجميع أجزاء الخط الأزرق.
تجنب روايات "الاحتلال" و"المقاومة "
من المنظور السياسي، تم تحقيق الكثير من الإنجازات. فللمرة الأولى منذ الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، لم يأتِ البيان الوزاري الافتتاحي الذي يصوغ السياسات المستهدفة للحكومة الجديدة على ذكر "الشعب والجيش والمقاومة"، وهو الشعار الذي لطالما اعتُبر محاولة لإضفاء الشرعية على القوة العسكرية لـ"حزب الله" واستقلاليته العملياتية. ولكن، في حين أن هذه الخطوة ترسل رسالة إيجابية، فإنها لن تكون كافية وحدها. وفي هذا السياق، قد يشير التطوران الأخيران – منع الحكومة الرحلات الجوية الإيرانية من الهبوط في بيروت، ومنع الجيش اللبناني المتظاهرين الموالين لـ"حزب الله" من دخول المطار – إلى أن الجيش قادر على تنفيذ هذه المهمة، شريطة أن يحصل على توجيهات سياسية قوية وواضحة.
لكن في ظل غياب الضمانات الإسرائيلية، ثمة خطر كبير من أن يؤدي ما تسميه القيادة اللبنانية "احتلالاً جديداً إلى تعزيز رواية "المقاومة". لقد فقد "حزب الله" الكثير من شرعيته نتيجة الدمار الهائل الذي لحق بلبنان خلال الحرب. وقد أظهرت جنازة الزعيم الراحل للحزب، حسن نصر الله، أن الحزب لا يزال موجوداً، ولكن مكانته الداخلية تأثرت بشكل كبير، حيث حضر عدد قليل جداً من القادة السياسيين اللبنانيين. ومع ذلك، إذا واصلت إسرائيل الحفاظ على وجودها في لبنان، فقد يمنح ذلك حزب الله فرصة لاستعادة شرعيته المفقودة. وعلى الرغم من أن هذا الوجود يتركز خارج المراكز السكانية، إلا أنه أدى إلى تصاعد التوترات مع الجمهور اللبناني. وقد أثارت مقاطع الفيديو التي تُظهر مئات الإسرائيليين الذين دخلوا جنوب لبنان في 7 آذار/مارس، ربما برفقة قوات الأمن الإسرائيلية، موجة جديدة من الانتقادات بشأن عدم قدرة بيروت على حماية سيادتها.
التوصيات السياسية
من الضروري أن تتخذ الولايات المتحدة وفرنسا، بصفتهم الدولتين الضامنتين لاتفاق وقف إطلاق النار، إجراءات إضافية لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل كامل. وقد تكون الأفكار التالية مفيد:
- مواصلة جهود إعادة إعمار لبنان، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاحات الاقتصادية. أبدت فرنسا استعدادها لتنظيم مؤتمر مع المملكة العربية السعودية عندما يحين الوقت المناسب. فبعد عدة سنوات من سياسة الحياد تجاه لبنان، أظهرت الزيارات الأخيرة رفيعة المستوى عزم الرياض على التدخل. ومع ذلك، لم يصدر أي إعلان بارز، مما يشير إلى أن الرياض تنتظر خطوات قوية في المجال الاقتصادي قبل تقديم دعم كبير، أكثر من أي وقت مضى. وقد يكون توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي إحدى هذه الخطوات.
- تشكيل فرق عمل موجهة نحو تحقيق نتائج ملموسة. تعالج فرق العمل التي وصفها نائب المبعوث الخاص أورتاغوس قضايا متنوعة تختلف من حيث الأولوية والأهمية. فبعضها، مثل النشر الكامل للقوات المسلحة اللبنانية والانسحاب الكامل لقوات الدفاع الإسرائيلية، يُعد أكثر إلحاحاً، في حين أن البعض الآخر يتطلب مناقشات قد تستغرق وقتاً، مثل الاتفاق على ترسيم الحدود. ولتجنب تقويض الديناميكية بأكملها، لا ينبغي ربط هذه المهام ببعضها البعض.
اختبار "اليونيفيل" من خلال تنفيذ الاقتراح الفرنسي في أحد المواقع الأمامية، مع أخذ التجديد المقبل لتفويض "اليونيفيل" في الاعتبار. سيتعين على الولايات المتحدة في آب/أغسطس تبني موقف بشأن التجديد في مجلس الأمن الدولي، بالتعاون الوثيق مع فرنسا، المُفاوض الرئيسي. وفي هذا السياق، يمكن إعادة طرح الاقتراح الفرنسي لتسهيل الانتشار الكامل للقوات المسلحة اللبنانية والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي لإجراء اختبار لـ"ليونيفيل" وتقييم مصداقية موقفها المعزز في جنوب لبنان.
سهير مديني هي زميلة زائرة في معهد واشنطن للفترة 2024-2025، ومقيمة حالياً من "الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية".