- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3725
تعليق التعديلات القضائية مؤقتاً في إسرائيل: هل تتجه الأمور نحو تسوية أم نحو تعميق الأزمة؟
يناقش مسؤول استخبارات إسرائيلي سابق وخبيران آخران الكيفية التي قد تؤثر فيها خطة التعديلات القضائية في إسرائيل على الآفاق السياسية الداخلية لحكومتها، وعلاقاتها مع واشنطن، وقدرتها على مواجهة التهديدات الأمنية الخارجية.
"في 30 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع ديفيد ماكوفسكي، و تمار هيرمان، و زوهار بالتي. وماكوفسكي هو "زميل زيغلر المميز" في المعهد ومدير "مشروع كوريت" حول العلاقات العربية الإسرائيلية. وهيرمان هي زميلة أبحاث بارزة في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" والمديرة الأكاديمية لـ "مركز عائلة فيتربي للرأي العام وبحوث السياسة". وبالتي هو "زميل دولي" في معهد واشنطن والرئيس السابق لـ "مديرية استخبارات الموساد". وفيما يلي ملخص المقررَيْن لملاحظاتهم".
ديفيد ماكوفسكي
في بداية الأسبوع الأخير من آذار/مارس، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تعليق خطة التعديلات القضائية الحكومية المثيرة للجدل بصورة مؤقتة. وسيستغل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ هذا التعليق لمواصلة عقد محادثات للتوصل إلى حل وسط بين أعضاء الائتلاف الحاكم والمعارضة.
وتُعتبر الحركة الاحتجاجية الشعبية غير العنيفة التي تُنظَم اعتراضاً على خطة الإصلاحات الشاملة هي الأقوى في تاريخ البلاد، وقد يرجع إليها الفضل في التعليق المؤقت للخطة وليس للمعارضة السياسية الرسمية في إسرائيل. وتتمتع الحركة بجاذبية في صفوف الناخبين من الطبقة المتوسطة في جميع أنحاء البلاد فضلاً بين أفراد الأمن القومي والعاملين في مجال التقنية الفائقة من منطقة تل أبيب؛ كما اجتذبت اهتماماً عالمياً أيضاً. وكان لتهديدات جنود الاحتياط في "جيش الدفاع الإسرائيلي" بعدم الالتحاق بالخدمة تأثيراً على صانعي القرار أيضاً، فضلاً عن التحذيرات المتكررة من العواقب الاقتصادية الوخيمة. واستمرت التظاهرات في التوسع بمرور الوقت، حيث جمعت المتظاهرين من خلفيات سياسية مختلفة حول قضية واضحة، وهي: الحفاظ على الطابع الديمقراطي التأسيسي للدولة.
وأدت إقالة نتنياهو لوزير الدفاع يوآف غالانت إلى تصعيد الاحتجاجات منذ الأسبوع الأخير من آذار/مارس. ورغم أن التهديدات الأمنية الخارجية وحّدت الإسرائيليين في السابق، إلّا أن الاعتقاد السائد بأن نتنياهو يبدّي السياسة على الأمن الوطني ساعد في جذب الإسرائيليين الشباب إلى حركة الاحتجاجات وكَسَب دعم النقابة القوية لعمال "الهستدروت" للمرة الأولى.
وتعكس الاحتجاجات أيضاً تغيّر نظرة الرأي العام تجاه نتنياهو. على سبيل المثال، بينما يحظى بشعبية طويلة الأمد بفضل النمو الاقتصادي القائم على التقنية المتطورة الذي حققته إسرائيل، إلا أن الكثيرين يعتبرونه الآن بأنه يشكل تهديداً لهذا النمو. علاوةً على ذلك، عندما استلمت حكومته الحالية مهامها، صرح بوضوح أن أهدافه كانت وقف برنامج إيران النووي، وتحقيق انفراجة دبلوماسية مع السعودية، ومحاربة التضخم. ولم تكن الإصلاحات القضائية من بينها، كما أنه لم يشرح كيف ستساهم خطته الإصلاحية في الحفاظ على استقلالية القضاء، الأمر الذي يفسره البعض كدليل على أنه لا يستطيع تبرير موقفه. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو قد يخسر ستة إلى سبعة من مقاعده الحالية في الكنيست البالغ عددها اثنين وثلاثين مقعداً إذا تم إجراء انتخابات أخرى، مما يعكس شعور عام بعدم الرضا. ويتساءل العديد من الإسرائيليين عما إذا كان نتنياهو يتحكم بالفعل في ائتلافه، أو إذا كانت الشخصيات الأكثر تطرفاً مثل وزير العدل ياريف ليفين أو سيمحا روثمان من "لجنة الدستور والقانون والعدل" هي التي تتولى زمام الأمور.
وخلال الشهر المقبل، من المرجح أن يحدد الرأي العام ما إذا كان نتنياهو يواصل متابعة خطة الإصلاح الشامل خلال الجلسة الصيفية للكنيست. وفي غضون ذلك، أصبح وزير الدفاع السابق بيني غانتس نقطة محورية لأولئك الذين يسعون إلى الوحدة والحوار، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن الناس يقدرون تركيزه على التوصل إلى حل وسط. ومع ذلك، أوضح غانتس أنه لن يشارك في هذه الحكومة، مما زاد من الضغط على نتنياهو لمعالجة هذه الحلقة المفرغة مع شركائه اليمينيين في الائتلاف.
وكان للتعليقات العلنية للرئيس بايدن حول الأزمة تأثير كبير. فقد دعا الرئيس الأمريكي نتنياهو إلى "الابتعاد" عن التشريع الحالي وألمح إلى أنه لن يدعو رئيس الوزراء إلى البيت الأبيض إلى أن يحدث التغيير. وكانت هذه الملاحظات مفاجئة للكثيرين، لكنها بدت وكأنها تعكس إحباطه الحقيقي. فلطالما اعتقد الرئيس الأمريكي أن إسرائيل والولايات المتحدة تشاركان قيم ومصالح مشتركة، وكان يفضل حل الأمور وراء الأبواب المغلقة وتجنب التأثير علناً على السياسة الإسرائيلية. ومع ذلك، فشلت الجهود السرية السابقة للإدارة الأمريكية، لذلك من المرجح أن يواصل بايدن ممارسة الضغط العلني ضد خطة الإصلاح الشامل.
ويبدو أن بايدن يفترض أن نتنياهو لن يقدم تنازلات إلا إذا كان يعتقد أنه يستطيع الحفاظ على تحالفه كما هو. ومن المفارقات، أن نتائج الاستطلاعات الضعيفة تمنح نتنياهو ذخيرة سياسية، لأنه يستطيع أن يخبر حلفائه من اليمين المتطرف أن الحكومة لا تستطيع تحمل المضي قدماً في الإصلاح في الوقت الحالي. على أي حال، يريد بايدن التأكد من أن نتنياهو يأخذ في حساباته مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.
تمار هيرمان
في الفترة 2020-2021، واجهت إسرائيل ثلاث أزمات، هي: جائحة "كوفيد -19"، وأزمة اقتصادية، وأزمة سياسية بعد إجراء أربع انتخابات غير حاسمة. وكان من المفترض أن تكون الحكومة الحالية مستقرة نسبياً، بأغلبية أربعة وستين مقعداً. ومع ذلك، فإن جهودها لدفع هذه المبادرات القضائية في وقت مبكر من ولايتها صدمت المعارضة وهيمنت على جدول الأعمال. ومن غير الواضح كيف يمكن لإسرائيل الخروج من الوضع الحالي.
وكانت حركة الاحتجاج متحدة في البداية بسبب شعور من الإلحاح الشديد. ثم ظهر شعور بالثقة، حيث تحوّل المتظاهرون من اليأس من نتائج الانتخابات إلى الدفاع عن المؤسسات الديمقراطية. ويعود نمو حركة الاحتجاجات إلى حد كبير من بضعة آلاف إلى مئات آلاف المشاركين إلى المهارات الإدارية الرائعة لقادتها، الذين فهموا أهمية اللاعنف والتمويل. وفي وقت قصير، رسخوا أنفسهم ككتلة معارضة أكثر فاعلية من المعارضة البرلمانية الرسمية. وقد تطلب الأمر جهود الكثيرين في الأوساط الأكاديمية والصحافة ومراكز الفكر لتوحيد الجهود والمساعدة في شرح أهمية الموقف للرأي العام.
كما سلّطت الأزمة الضوء على الفجوات بين "القبيلتين" المتناحرتين في إسرائيل، حيث تركز أحدهما على الهوية الديمقراطية بينما تركز الأخرى على الهوية اليهودية. ومن شأن هذا التعارض بينهما أن يقوض مكانة إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية. أما بالنسبة لتركيبة وذهنية كل معسكر، فيبدو أن معارضي الإصلاح القضائي يميلون إلى أن يكونوا أكثر ثراءً ويعيشون في المناطق الحضرية؛ ويعمل الكثيرون في مجال التقنية العالية ولديهم اتصالات خارج إسرائيل. وخلال الأزمة، اتخذوا عموماً مقاربة غير عنيفة. ومع ذلك، يُظهر المحتجون الموالون للحكومة ميلاً أكبر لاستعمال العنف أو غيره من الوسائل غير المشروعة وغير القانونية للتأثير على النقاش. وبالفعل، شجع نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الاحتجاجات المضادة وقد يستمران في القيام بذلك. وعلى الرغم من أن معظم الإسرائيليين في يسار الوسط يبدون غير مستعدين حالياً لاستخدام العنف، إلا أنهم قد يغيّرون رأيهم إذا تعرضوا لهجوم.
لذلك فإن الحوار أمر بالغ الأهمية. وهناك أكثر من 70 في المائة من الإسرائيليين الذي يريدون رؤية الحوار والتوصل إلى حل وسط - وبالنظر إلى أن 64 في المائة من اليهود الإسرائيليين يُعتبرون يمينيين، فإن هذه النسبة تشمل بالضرورة عدداً كبيراً من اليمينيين. ومع ذلك، فإن قلة من الناس يعتقدون أن عملية التفاوض الحالية ستؤدي إلى حلول جادة. ولا يعتبر معظم الإسرائيليين الرئيس هرتسوغ حكماً محايداً. عليه أن يعتمد على الخبراء الذين يمكنهم الجمع بين القيادتين السياسيتين.
زوهار بالتي
لم تواجه إسرائيل قط مثل هذا الصراع الداخلي العميق. فهذه هي الأزمة السياسية الأولى التي تغلغلت في قوات الاحتياط، ومن بينها "سلاح الجو"، و"جيش الدفاع الإسرائيلي" الأوسع نطاقاً، وأجهزة المخابرات. وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك تهديدات أمنية خارجية خطيرة، مع ملاحظة حلفاء إسرائيل وأعدائها على حد سواء بالانقسامات داخل البلاد.
وفي ظل هذه الخلفية، من الضروري إجراء أي إصلاحات قضائية بطريقة مسؤولة وتدريجية بدلاً من التعجيل بها في بيئة أمنية صعبة. فالمحكمة العليا أساسية للديمقراطية الإسرائيلية، ولحرية التعبير، ولقبول الأقليات وحمايتها، ولحماية الأجهزة الأمنية.
أما "الحرس الوطني" المقترح الذي طالب به الوزير بن غفير في إطار موافقته على البقاء في الائتلاف، فهذه القوة الجديدة غير ضرورية وخطيرة. والجهاز الأمني الوحيد المجهز للتعامل مع الأزمات الكبرى هو الجيش الإسرائيلي. إن إنشاء قوة عسكرية منفصلة من شأنه أن يفسد تراتب القيادة، وقد يعارض الإسرائيليون قيام أي ميليشيا أيديولوجية من هذا القبيل.
وفيما يتعلق بالعلاقات الثنائية، لا تزال العلاقة الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة عميقة. فعلى الرغم من التصريحات غير المسؤولة والجاهلة التي وجهها بعض أعضاء الإئتلاف الإسرائيلي إلى واشنطن، إلّا أن المسؤولين الأمريكيين يدركون أن العناصر المسؤولة لا تزال متواجدة في الأجهزة الأمنية. ومع ذلك، إذا انفصلت إسرائيل عن القيم التي تشاركها مع الولايات المتحدة، فقد يؤثر ذلك على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. وقد تضررت العلاقات أساساً مع "الحزب الديمقراطي" الأمريكي والعديد من اليهود الأمريكيين.
وليس هناك شك بأن الإسرائيليين سيواصلون الاحتجاج حتى مع تصادف "عيد الفصح" ورمضان في الأيام المقبلة. وستكون أولويتهم الأولى هي التحديات الداخلية التي تواجهها إسرائيل، وليس التهديدات الفلسطينية أو الإيرانية أو تهديدات «حزب الله» التي تظهر غالباً خلال هذا الموسم السنوي. ومع ذلك، إذا وقعت هجمات إرهابية أو عمل عدواني جديد تقوم به «حماس» خلال شهر رمضان، فستعرف إسرائيل كيف تتصدى لمثل هذه المشاكل وستوقف مؤقتاً نقاشها الداخلي.
أعد هذا الملخص غابرييل إبستين و ديفيد باتكين.