- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3621
تنظيم «القاعدة» و«هيئة تحرير الشام» ومستقبل الحركة الجهادية
تناقش لجنة من كبار الباحثين والممارسين في مجال مكافحة الإرهاب الوجه المتطور للحركة الجهادية العالمية وسط التغيرات في موقف واشنطن تجاه مكافحة الإرهاب.
"في 9 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع أناستازيا سميث وهارون زيلين وماثيو ليفيت. وسميث هي نائبة مسؤول المخابرات الوطنية الأمريكية لشؤون الإرهاب والجريمة العابرة للحدود في "مجلس الاستخبارات الوطني". وزيلين هو "زميل ريتشارد بورو" في المعهد ومؤلف دراسته الأخيرة "عصر الجهاد السياسي: دراسة في «هيئة تحرير الشام»". وليفيت هو "زميل فرومر ويكسلر" في المعهد ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
أناستازيا سميث
منذ عام 2001، واصلَ تنظيم «القاعدة» تطوره من جماعة لها قاعدتها في أفغانستان وباكستان إلى شبكة عالمية من الجهات التابعة له وذات القواعد الإقليمية. وبالمثل، انتقلت سلطة التخطيط المركزية التي يتمتع بها "مركز تنظيم «القاعدة»" إلى فروعه الإقليمية، التي تستمر في الاستفادة من المساحات غير الخاضعة للحكم الكلي، لإحداث الفوضى وزيادة قوتها التنظيمية.
ولم يبقَ في "مركز التنظيم" سوى عدد قليل من أعضاء القيادة القديمة في تنظيم «القاعدة»، حيث تم استهداف العديد من زعمائها من قبل تدابير مكافحة الإرهاب الدولية. ولا يزال أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن كـ "أمير" التنظيم، متواجداً في جنوب آسيا وظهرَ عدة مرات في مصادر إعلامية عام 2021. ويقبع في إيران كل من سيف العدل، نائب أمير الجماعة، وعبد الرحمن المغربي، مديرها الإعلامي. ويواصل هؤلاء وغيرهم من القادة إظهار الوحدة التي يتسم بها هيكل القيادة في تنظيم «القاعدة» من خلال استخدام وسائل الإعلام والدعاية، مما يزيد من قوة التجنيد التي تتمتع بها الجماعة ويحافظ على صورتها. ويتعاون كبار القادة أيضاً مع زعماء إقليميين جُدد لا تُعرف أسماؤهم جيداً ولكنهم يتمتعون بسلطة كبيرة ضمن التسلسل الهرمي المركزي في التنظيم.
وتسمح هيكلية الفروع بصمود تنظيم «القاعدة» أمام التحديات المختلفة. فبينما تحقق الفروع الأقوى مثل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في منطقة الساحل و"حركة الشباب" في الصومال المكاسب، إلّا أنها تعوّض عن الخسائر الكبيرة التي تلحق بالفروع الأضعف في سوريا واليمن وجنوب شرق آسيا. ويواصل قادة تنظيم «القاعدة» أيضاً إشادتهم بقيادة حركة "طالبان" وهم مهتمون بشدة بالحفاظ على ملاذ آمن في أفغانستان. حتى أن تنظيم «القاعدة» صرّح علناً أنه لن يشن هجمات من داخل حدود البلاد من أجل الحفاظ على هذه العلاقة وتجنُّب النزاع مع الحكومة الجديدة.
وبشكلٍ عام، يواجه التنظيم نوعاً من المفاضلة بين الاعتراف الذي يحظى به بسبب نشاطه العابر للحدود، والذي يمكن أن يجذب انتباهاً وتهديداتٍ غير مرغوب فيها على صعيد مكافحة الإرهاب، وبين عملياته المحلية، التي تتجنب إلى حدٍ كبيرٍ التدقيق الدولي. ويأتي التهديد الأشد وقعاً الذي يشكله تنظيم «القاعدة» من فروعه الأقوى في غرب أفريقيا وشرقها، ذات القدرات المتفاوتة. وبالنظر إلى المستقبل، ستظل المنظمات الإرهابية العالمية تشكل تهديداً مترابطاً. إلا أن العوامل التي ستُساعد تنظيم «القاعدة» على الاستمرار في عملياته لفترة أطول من سواه - أي الوحدة بين قيادته، وجهاز إعلامي متماسك وجذاب - قد تصبح أكثر صعوبة مع استمرار السلطة المركزية لهذه الجماعة في تنويع خبراتها.
هارون واي زيلين
توفر حالة «هيئة تحرير الشام» - الفرع السابق لتنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية في العراق» - التي تركز محلياً بشكل واضح على محافظة إدلب في شمال سوريا، عدسة جيدة يمكن من خلالها رؤية الاتجاه المستقبلي المحتمل للمنظمات الجهادية. ففي حزيران/يونيو 2018، بدأ قائد الجماعة أبو محمد الجولاني حملة عامة للتواصل مع المجتمعات المحلية في إدلب. ومنذ ذلك الحين، تحولت «هيئة تحرير الشام» من منظمة جهادية بحتة إلى هيكل حكم أولي يسيطر بنشاط على الأراضي ويحافظ عليها من أجل الاحتفاظ بالسلطة السياسية.
وعلى هذا النحو، وسّعت «هيئة تحرير الشام» حملات الدعوة التي أطلقتها في المنطقة، مما يعني التواصل على مستوى القاعدة الشعبية وتوفير الخدمات للسكان المحليين. وفي حين وسّعت المنظمات الجهادية الأخرى، مثل حركة "طالبان" و«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، أنشطتها لتشمل الدبلوماسية الدولية والمفاوضات مع القوى الخارجية، إلّا أ، «هيئة تحرير الشام» ربما تكون قد قطعت شوطاً بعيداً في الانتقال من النزعة الجهادية السلفية التي تهيمن عليها النظرة الدينية إلى النزعة التي تتخذ اتجاهاً سياسياً أكبر. وبالتالي، لم يَعُد الجولاني زعيم لجماعة إرهابية أو فصيل متمرّد فحسب، بل أصبح رئيساً لنظام حكمٍ غير مكتمل أيضاً.
ويبدو أن هذا النهج يشمل التواصل مع الولايات المتحدة. فوفقاً للسفير جيمس جيفري، المبعوث الخاص السابق لواشنطن في كل من عملية التدخل في سوريا و"التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش»"، يُزعَم أن «هيئة تحرير الشام» استخدمت الاتصالات السرية من أجل بعث الرسالة التالية إلى المسؤولين الأمريكيين: "نريد أن نكون أصدقاءكم. نحن لسنا إرهابيين. نحارب الأسد فقط... لا نشكل تهديداً لكم".
ويمكن لهذه التغييرات وغيرها أن تمهد الطريق لتعديل واقع تصنيف هذه الجماعة كتنظيم إرهابي بموجب القانونين الأمريكي والدولي. إلا أن هذه الخطوة لن تتحقق على الأرجح على المدى القريب بالنظر إلى أن «هيئة تحرير الشام» ما زالت تستوفي الشروط القانونية التي تستدعي تصنيفها كإرهابية. وما زال أعضاؤها متورطين في الاغتيالات، وعمليات إطلاق القذائف في المناطق المدنية (وإن كانت هذه العمليات أقل بكثير مما كانت تقوم به الجماعة في الماضي)، وقمع المتظاهرين، ودعم المنظمات الإرهابية الأخرى (مثل «حماس»)، والترويج للرسائل التاريخية لقيادة تنظيم «القاعدة» على الإنترنت.
ومع ذلك، أصبحت الآن قضية تصنيف «هيئة تحرير الشام» كمنظمة إرهابية أضعف بكثير من السابق حين كانت هذه الجماعة تشكل جزءاً من تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية في العراق». وإذا استمرت في تقليل نشاطها العنيف والتوجه نحو الاعتدال بدلاً من ذلك، فقد يُعاد النظر في تصنيفها (تتم مراجعة الكيانات المدرجة في قائمة وزارة الخارجية الأمريكية لـ "المنظمات الإرهابية الأجنبية" بمعدل مرة واحدة كل خمس سنوات). ويقيناً، قد تستمر هذه الجماعة في مواجهة عقوبات أخرى بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان. ومع ذلك، يمكن للحكومة الأمريكية التفكير في استخدام اتصالاتها السرية مع تركيا لإشراك «هيئة تحرير الشام» في القضايا الأمنية والإنسانية - على افتراض أن الجماعة تفي بالشروط الرئيسية مثل تحسين وضعها في مجال حقوق الإنسان وفتح انتخابات مجالس الشورى المحلية لجميع السكان، بما في ذلك النساء.
وعلى نطاقٍ أوسع، قد تتم محاكاة تَحوّل «هيئة تحرير الشام» من منظمة جهادية بحتة إلى كيان سياسي، في أماكن أخرى ضمن الحركة الجهادية العالمية. فإذا كانت هذه الجماعات مستعدة للانخراط في الدبلوماسية والحكم بالإضافة إلى عمليات التمرد والإرهاب التي تقوم بها، فسيشكل ذلك تحدياً فريداً للحكومات والجهات الفاعلة الأخرى التي تسعى إلى عزلها، أو ردعها، أو تدميرها. لذلك، قد يكون تطوير سياسة من أجل التعاطي مع هذه المنظمات مفيداً، حتى إذا قررت الولايات المتحدة في النهاية الحفاظ على نهج أمني كلي تجاهها.
ماثيو ليفيت
في أحدث تقييم سنوي للتهديدات أجراه مجتمع الاستخبارات الأمريكية، خلص إلى أن المنظمات الجهادية تمثّل تهديداً مستمراً في الشرق الأوسط وحول العالم. ومع أن الضغط المتواصل لمكافحة الإرهاب قد أضعف قدرات الهجوم الخارجية لتنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، فلا يزال كلاهما يطمح إلى توجيه هجمات ضد الولايات المتحدة.
ويأتي التهديد الأساسي الذي يشكله تنظيم «القاعدة» من العمليات التي تقوم بها الجهات التابعة له، إلا أن التهديد الذي يشكله هذا التنظيم إلى حد بعيد لا يزال كبيراً. ويؤدي الانتشار الجغرافي لهذا التهديد بطرقٍ ما إلى صعوبة مواجهته. ويسمح التفويض المستمر للسلطة الحكومية في مناطق حول العالم، ولا سيما في أفغانستان وشرق أفريقيا وغرب أفريقيا، بتوسيع نفوذ بعض المنظمات مثل تنظيم «القاعدة» وبنائها ملاذات آمنة في الأماكن غير الخاضعة للحكم الكلي.
وتَحدث هذه التطورات في وقت يخضع فيه موقف الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب لعملية إصلاح من أجل استيعاب حدوث تحول استراتيجي باتجاه المنافسة بين القوى العظمى. فبدلاً من اعتماد النموذج الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يمكّنه الشركاء لمكافحة الإرهاب في العالم، تركّز واشنطن حالياً بشكل أساسي على التهديدات التي تشكل خطراً على الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية في الخارج. وتُعتبَر الآن مواجهة التهديدات الإقليمية الناشئة من مسؤولية الشركاء المحليين في المقام الأول، حيث تؤدي الولايات المتحدة دوراً تمكينياً عند الضرورة. ومع ذلك، لا يزال يُطلَب من مجتمع الاستخبارات الأمريكي تطوير مؤشرات وأنظمة تحذير كافية بالتوازي حتى مع إعادة توزيع ميزانياته وموارده على أولويات استراتيجية أخرى.
لذلك، من الضروري أن تواصل الولايات المتحدة تحسين نهجها العام من خلال إعادة تحقيق التوازن بين العمليات التكتيكية لمكافحة الإرهاب وجهودها الاستراتيجية لمنع التطرف العنيف ومكافحته. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، أنشأت واشنطن بيروقراطية لمكافحة الإرهاب من أجل إدارة استجابتها للتهديد الذي يشكله تنظيم «القاعدة» وأمثاله، وتزويد هذه الاستجابة بالموارد وتفعيل نشاطها. وكان هذا الجهد ناجحاً بشكل ملحوظ من وجهة النظر التكتيكية، حيث تم إحباط الهجمات وتعطيل الشبكات الإرهابية. لكنه كان أقل نجاحاً بكثير من وجهة النظر الاستراتيجية، بالنظر إلى أن المزيد من الأشخاص الذين يتورطون حالياً في التطرف العنيف أصبح أكبر مما كان عليه في عام 2001، مما يشكل تهديداً إرهابياً أكثر تنوعاً وانتشاراً على الصعيد العالمي. ولمعالجة هذا التناقض، يجب أن لا تركز السياسة الأمريكية فقط على القضايا التكتيكية مثل مكافحة تنظيم «القاعدة» و«هيئة تحرير الشام»، بل أيضاً على الضرورة الاستراتيجية المتمثلة في الاستثمار بشكلٍ أكبر (وبسرعة أكبر بكثير) في الحكم الرشيد، وتدابير مكافحة الفساد، وغيرها من الجهود الرامية إلى منع ممارسة العنف.
أعدت هذا الملخص سارة كان.