- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
تقييم عملية تسليم منظومة "بانتسير" المُبلغ عنها إلى "حزب الله"
يشكل النظام المضاد للطائرات خطراً (يمكن التحكم به) على العمليات الإسرائيلية على طول حدودها الشمالية. على واشنطن أن تُظهر لموسكو وشركائها أن أي فوائد لمثل هذا التصعيد لا تستحق التكاليف.
في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، ظهرت تقارير حول احتمال نقل منظومة "بانتسير إس-1" (المعروفة لدى حلف "الناتو" باسم "إس إيه 22") المضادة للطائرات والروسية الصنع من القوات شبه العسكرية التابعة لمجموعة "فاغنر" في سوريا إلى "حزب الله" في لبنان. وأشار تقرير لاحق أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على عملية النقل، وهذا تطور ينفيه الكرملين. وعسكرياً، فإن نقل مدفع مضاد للطائرات ونظام صواريخ قصير المدى إلى "حزب الله" لا يهدد سوى بتعقيد حرية المناورة الإسرائيلية على ارتفاعات منخفضة (طائرات بدون طيار طويلة المدى وأسلحة جو-أرض) فوق حدودها الشمالية وسط تصاعد التوترات التي تفاقمها أزمة قطاع غزة. ومع ذلك، فمن الناحية السياسية، يشير الإدخال المحتمل لمنظومة "بانتسير" إلى لبنان إلى أحدث تقارب بين السياستين الروسية والإيرانية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، فضلاً عن دور سوريا كمركز أسلحة إيراني وساحة معركة ناشئة بين الولايات المتحدة والجماعات المدعومة من إيران مع تكشّف أزمة غزة.
إن نقل أنظمة أسلحة متطورة من سوريا إلى "حزب الله" ليس بالأمر الجديد، كما يتضح من التراكم المستمر لمخزونات الصواريخ والقذائف الخاصة بالوكيل الإيراني، والتي يبلغ عددها الآن بالآلاف. وفي الواقع، في آذار/مارس 2010، زود الرئيس الأسد حزب الله بصواريخ "سكود"، وهي أسلحة استراتيجية كان والده حافظ الأسد قد احتفظ بها لفترة طويلة في إطار سياسة حافة الهاوية المدروسة التي انتهجها بشأن لبنان والتي قيدت القدرة القتالية لـ "حزب الله" وجعلت من الزعيم السوري الحَكم الذي لا غنى عنه في الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار في المشرق العربي.
ومع انزلاق سوريا إلى الحرب والتقسيم الفعلي، أدت مساعدة الوكلاء المدعومين من إيران للأسد في اللحظات الحاسمة إلى تعميق علاقته مع "حزب الله". لكن في حين أدى التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 إلى وقف الخسائر في الأراضي التي تكبدها نظام الأسد ومؤيديه من "حزب الله" والميليشيات الإيرانية، كان لهذه المساعدة ثمن. فقد سمحت العلاقة العملية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع إسرائيل بتحليق الطائرات الإسرائيلية دون عوائق نسبياً فوق الأراضي السورية واللبنانية لاستهداف شحنات الأسلحة الإيرانية. واكتست حرية المناورة هذه أهمية متزايدة منذ اندلاع أزمة غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، مما دفع إسرائيل إلى تنفيذ عدة ضربات بارزة على الأراضي السورية. وقد أدت هذه الضربات بشكل ملحوظ إلى إغلاق أكبر المطارات في البلاد، أي مطارَي حلب ودمشق، اللذين غالباً ما تستخدمها إيران لنقل الأسلحة إلى البلاد.
وتواجه مجموعة "فاغنر" مستقبلاً مجهولاً بعد تمرد زعيمها يفغيني بريغوجين ووفاته في صيف عام 2023، لكن المجموعة شبه العسكرية تواصل العمل في سوريا، تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية وفقاً لبعض التقارير. وتشير التقارير الروسية الأخيرة إلى أن المجموعة استأنفت التجنيد داخل روسيا. أما بالنسبة إلى عملية نقل منظومة "بانتسير" - سواء كان ذلك من قبل مجموعة "فاغنر" أو فصيل آخر مرتبط بوزارة الدفاع الروسية - فهي تشير، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عنها، إلى أن الكرملين يشعر بأن لديه حرية غير مقيدة بشكل متزايد للتصعيد مع الولايات المتحدة وحلفائها في سياق الحرب بين إسرائيل و"حماس"، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلاء.
وعلى المستوى الجيوسياسي، تُظهر عملية النقل التي أبْلغت عنها بعض التقارير أن موسكو تسعى إلى استغلال الفوضى في زمن الحرب بينما تزرع الشقاق داخل الولايات المتحدة والغرب. ولا تعتبر هذه الخطوة مفاجِئة نظراً للخسائر الروسية الفادحة خلال الصراع الطويل في أوكرانيا واصطفاف الكرملين المتزايد مع "الجنوب العالمي"، ولا سيما إيران. ومن المرجح أن إقرار مجلس النواب الأمريكي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر لمشروع قانون منفصل بشأن تقديم مساعدات لإسرائيل والذي حذف المساعدات لأوكرانيا على الرغم من نية الرئيس بايدن الجمع بين الاثنين، لم يؤدِ إلا إلى تعزيز تصور الانقسامات الأمريكية والغربية بشأن السياسة الخارجية.
وقدّرت موسكو على ما يبدو أن فوائد التصعيد تفوق تكاليف تدهور العلاقات مع إسرائيل. وخلال العام الماضي، كما أشار بوتين والخطاب الرسمي الروسي، ترى موسكو أنها تخوض معركة وجودية مع الغرب لا تشكل فيها سوريا سوى مسرح واحد في السباق الرامي إلى استبدال النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بنظام متعدد الأقطاب. وبغض النظر عن نتيجة عمليات النقل المحتملة لمنظومات الدفاع الجوي إلى "حزب الله"، سيستمر الكرملين - الذي يتبنى منظوراً استراتيجياً عالمياً - في إيجاد سبل لترهيب أو مضايقة أو صرف انتباه الولايات المتحدة وحلفائها. وبالتالي، من الضروري أن تُظهر واشنطن لموسكو أن فوائد التصعيد لا تستحق العناء، أي أن هذه المعركة لن تكون مستدامة في الواقع.
ولإظهار هذه التكاليف بوضوح، يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل محاسبة الأسد، التي ترعاه روسيا، علناً وعسكرياً. وتجدر الإشارة إلى أن إدخال صواريخ "بانتسير إس-1" لا يغير قواعد اللعبة بقدر ما يشكل رمزاً بارزاً للدعم الروسي لـ"حزب الله" وإيران في مواجهة إسرائيل. ومن الممكن إدارته بسهولة إلى حد ما في هذه المرحلة المبكرة من الصراع في غزة.
ومن الناحية العملية، تُعتبر التقارير الصحفية التي تحدد التحركات المحتملة للأسد و"حزب الله" مهمة لحشد الدعم الدبلوماسي والسياسي ضد عمليات النقل، ولكن من غير المرجح أن تردع الرئيس السوري عن السماح بها. وبالتالي فإن رد فعل واشنطن يجب أن يكون على شقين. أولاً، ينبغي عليها أن تختبر علاقات حلفائها الإقليميين مع الأسد والتي أعيد إحياؤها مؤخراً من خلال توجيه رسائل مباشرة ليس عبر الإمارات العربية المتحدة فحسب، ولكن عبر المملكة العربية السعودية أيضاً لوقف عمليات النقل الحالية والمستقبلية. ثانياً، يتعين على الولايات المتحدة أن تنسق مع إسرائيل بشأن العمل العسكري لشل المنظومة من دون إلحاق إصابات في صفوف الجنود الروس، ربما في المنطقة التي يسيطر عليها "حزب الله" على طول الحدود الشرقية للبنان مع سوريا. فمن شأن هذا الإجراء الحاسم والمدروس أن يُظهر لبوتين والأسد و"حزب الله" وشركائهم أن عمليات النقل العسكرية هذه على طول الحدود الشمالية لإسرائيل لن تمر مرور الكرام.
أندرو تابلر هو "زميل مارتن ج. غروس الأقدم" في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون سوريا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" التابع للمعهد.