- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3811
تصاعد نشاط "حماس" في الضفة الغربية
بدأت "حماس" في وضع الأساس لانتفاضة في الضفة الغربية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وزادت أنشطتها هناك بشكل مطرد، مما يدل على الخطر الذي تشكله خارج قطاع غزة.
عندما شنت قوات "حماس" في غزة هجومها الشامل على إسرائيل في الشهر الماضي، سارع قادة الحركة إلى دعوة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى حذو حذوها. وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، حذر القائد السياسي البارز إسماعيل هنية من أن العنف في غزة "سوف يمتد إلى الضفة الغربية"، في حين دعا محمد ضيف، قائد "كتائب عز الدين القسام" التابعة لـ "حماس"، جميع الفلسطينيين إلى تنفيذ هجمات ضد الإسرائيليين. ومنذ ذلك الحين، أصدرت "حماس" عدة بيانات تدعو إلى الاحتجاجات والاشتباكات وتصعيد العنف ضد المصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد وقع أكثر من تسعين هجوماً إرهابياً كبيراً هناك في الأسبوعين الأولين فقط بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتصاعدت التوترات المحلية تبعاً لذلك. ورداً على ذلك، نفّذ الجيش الإسرائيلي وسلطات أخرى مداهمات وحملات اعتقال واسعة النطاق، وحتى اتخذ خطوة نادراً ما يلجأ إليها وهي استخدام الغارات الجوية لاستهداف عناصر "حماس" والجماعات الأخرى. وقد خلقت هذه الأحداث مجتمعة بيئة مناسبة لمزيد من التصعيد.
"حماس" تُمهد الطريق قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر
يبدو أن "حماس" ازدادت جرأة في الأشهر التي سبقت حرب غزة، حيث أعلنت مسؤوليتها عن ست هجمات إرهابية في إسرائيل والضفة الغربية من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس، مقارنةً بهجوم واحد فقط من كانون الثاني/يناير إلى أيار/مايو. وقد خرج هذا العدد الكبير من الهجمات التي تبنتها الحركة عن النمط الذي تتبعه والمتمثل في الإشادة بالهجمات الإرهابية ضد الإسرائيليين دون نسب الفضل إليها.
في 6 تموز/يوليو، أصدر المتحدث العسكري باسم "حماس"، أبو عبيدة، بياناً نادراً ادّعى فيه وقوع ثلاث هجمات: إطلاق نار في 20 حزيران/يونيو أدى إلى مقتل أربعة إسرائيليين بالقرب من مستوطنة "إيلي" بالضفة الغربية، وهجوم دهس وطعن في تل أبيب في 4 تموز/يوليو أدى إلى إصابة سبعة أشخاص، وإطلاق نار بالقرب من مستوطنة "كدوميم" في 6 تموز/يوليو أدى إلى مقتل جندي إسرائيلي. وادّعى أن هجومَي 4 و 6 تموز/يوليو كانا رداً على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مخيم جنين للاجئين في 3 تموز/يوليو والتي أسفرت عن مقتل ثمانية فلسطينيين على الأقل. واستمر تصاعد الحوادث طوال فصل الصيف: ففي 25 تموز/يوليو، قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة من نشطاء "حماس" بعد أن أطلقوا النار باتجاه نقطة تفتيش إسرائيلية في شمال الضفة الغربية، وأعلنت الحركة مسؤوليتها عن هجومين آخرين في آب/أغسطس.
وفي الواقع، حتى قبل اندلاع الصراع الحالي بين "حماس" وإسرائيل، كان عام 2023 هو الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عقود. فقد نفذت القوات الإسرائيلية عمليات متعددة لمكافحة الإرهاب في المناطق الخاضعة لسيطرة محدودة "للسلطة الفلسطينية"، شملت غارات على مخيمي نابلس وجنين أسفرت عن سقوط ضحايا إسرائيليين وفلسطينيين.
وكشفت هذه العمليات أيضاً عن تطلعات "حماس" إلى شن هجمات أكثر تعقيداً ضد إسرائيل من الضفة الغربية. وفي نيسان/إبريل، أحبط جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ("الشاباك") محاولة تفجير حافلة في الخضيرة كان قد خططت له الحركة. وفي آب/أغسطس، ألقى الجيش الإسرائيلي القبض على خلية تابعة لـ"حماس" مكونة من تسعة رجال كانت تخطط لاختطاف جندي إسرائيلي في الضفة الغربية. وفي 24 أيلول/سبتمبر، اعتقلت القوات الإسرائيلية ثمانية طلاب من "الكتلة الإسلامية" التابعة لـ"حماس" في جامعة بيرزيت، والذين قامت الحركة بتجنيدهم لتنفيذ هجوم إرهابي في "الإطار الزمني القريب جداً". كما برزت مؤامرات وهجمات مختلفة خططت لها فصائل فلسطينية أخرى في الضفة الغربية في أوائل عام 2023، من بينها "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" و"عرين الأسود".
التصعيد في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر
لم تؤدِ حرب غزة إلّا إلى تفاقم موجة العنف التي تجتاح الضفة الغربية. وقد أفاد مراقبو الأمم المتحدة أن أسبوع 7 تشرين الأول/أكتوبر كان الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ما يقرب من عشرين عاماً؛ وإجمالاً، قُتل هناك أكثر من 140 شخصاً منذ بدء الحرب.
وقد نتج العدد الأكبر من هذه الوفيات عن المواجهات المباشرة بين قوات الأمن الإسرائيلية والنشطاء الفلسطينيين، بما في ذلك نشطاء "حماس" ومسلحين آخرين مجهولي الهوية. وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت شرطة الحدود الإسرائيلية النار وقتلت أربعة فلسطينيين حاولوا اختراق الجدار الأمني في الضفة الغربية بالمتفجرات. وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر، قتلت القوات الإسرائيلية أربعة عناصر من خلية إرهابية في طولكرم كانوا يعملون، وفقاً "للشاباك" ومسؤولين في الشرطة الإسرائيلية، "بتوجيه وتمويل" من حركة "حماس" وكانت لديهم خطط لإطلاق صواريخ من الضفة الغربية. وقُتل نشطاء آخرون خلال تنفيذهم عشرات عمليات إطلاق النار ضد القوات الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، اعتقلت إسرائيل أكثر من 1350 مطلوباً من الإرهابيين المشتبه بهم في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، من بينهم 850 شخصاً يُعتقد أنهم مرتبطون بـ "حماس". وتم استهداف بعض كبار أعضاء الحركة في هذه المداهمات. وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر، اعتقل الجيش الإسرائيلي في رام الله أحد مؤسسي حركة "حماس"، حسن يوسف. وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، تم اعتقال ناشطَيْن آخرَيْن رفيعَي المستوى خلال مداهمة في مخيم قلنديا للاجئين. وفي 31 تشرين الأول/أكتوبر، هدمت القوات الإسرائيلية منزلاً يملكه صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الذي لعب دوراً مؤسساً في أنشطتها العسكرية في الضفة الغربية. كما فككت إسرائيل عدداً من العبوات الناسفة التي كانت تهدف إلى إلحاق الضرر بقواتها، وصادرت معدات عسكرية وأسلحة وأموال تابعة لـ"حماس" وفصائل أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم القوة الجوية في عمليات متعددة في الضفة الغربية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وبعده، منحرفاً عن تكتيكاته السابقة هناك. ووقعت حالتان من هذا القبيل في حزيران/يونيو وتموز/يوليو وهي المرة الأولى التي شوهدت فيها عمليات جوية في الضفة الغربية منذ عام 2006. وتم الإبلاغ عن العديد من العمليات الأخرى خلال الحرب:
• غارة جوية بطائرة بدون طيار في 19 تشرين الأول/أكتوبر على مخيم نور شمس للاجئين بالقرب من طولكرم.
• غارة جوية في 22 تشرين الأول/أكتوبر على مسجد الأنصار في جنين، استهدفت نشطاء "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين" الذين اتهمهما "جيش الدفاع الإسرائيلي" باستخدام المناطق الموجودة أسفل الموقع لتنظيم "هجوم إرهابي وشيك".
• غارة جوية بطائرة بدون طيار في 25 تشرين الأول/أكتوبر على مخيم جنين، استهدفت نشطاء "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين" الذيْن اتهمهما "جيش الدفاع الإسرائيلي" باستخدام المناطق الموجودة أسفل الموقع لتنظيم "هجوم إرهابي وشيك".
• غارة جوية بطائرة بدون طيار في 30 تشرين الأول/أكتوبر استهدفت نشطاء في مخيم جنين خلال غارة إسرائيلية.
• غارة جوية في 1 تشرين الثاني/نوفمبر على مخيم جنين، أدت إلى مقتل فلسطينيَيْن اثنَيْن على الأقل بعد تعرض القوات الإسرائيلية لإطلاق النار خلال عملية اعتقال.
وبالإضافة إلى تزايد النشاط الإرهابي، شعرت الضفة الغربية بتداعيات حرب غزة على المستوى الشعبي أيضاً. ففي 18 تشرين الأول/أكتوبر، تجمع مئات المتظاهرين في نابلس ورام الله وطوباس وجنين رداً على تفجير المستشفى الأهلي في غزة. ورفع بعض المتظاهرين في نابلس لافتات مؤيدة لـ"حماس" وهتفوا بشعارات ضد إسرائيل والولايات المتحدة، بينما دعا آخرون إلى الإطاحة برئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس؛ وفي رام الله، هتف بعض المتظاهرين بشعارات دعماً لـ "حماس" وضد التنسيق الأمني مع إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، استمرت المظاهرات الواسعة النطاق في جميع أنحاء الضفة الغربية، مدفوعةً بمزيج من دعوات "حماس" المستمرة للوحدة والاحتجاج، وزيادة الإحباط العام بشأن الحرب، والقمع الإسرائيلي الذي أدى إلى مزيد من تقييد الحركة المحلية. وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر، نظم آلاف الفلسطينيين احتجاجات جماهيرية إضافية في رام الله ونابلس، مع ظهور الهتافات والأعلام المؤيدة لـ "حماس" مجدداً.
الخاتمة
على الرغم من تزايد الهجمات والاحتجاجات في الضفة الغربية، لم يرقَ العنف إلى المستوى الذي تريده "حماس"، الأمر الذي دفع بعض قادتها إلى التعبير عن استيائهم من "تقاعس" القطاع. وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، صرح المسؤول الكبير موسى أبو مرزوق أن أعضاء "حماس" يتوقعون الكثير من "إخوانهم" في الضفة الغربية، ووصف موقف "السلطة الفلسطينية" من الصراع بأنه "مخز". وبغض النظر عن خيبة أمل "حماس"، فإن الوضع الأمني في المنطقة لا يزال متقلباً ويجب مراقبته بعناية لحرمان جميع الفصائل الإرهابية والمتشددة من فرصة فتح جبهة جديدة في الحرب.
كميل جابلونسكي هي مساعدة باحثة في "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع لمعهد واشنطن.