- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3101
توقيت تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني منظمة إرهابية هو الأسوأ بالنسبة لإيران
في الثامن من نيسان/أبريل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه ستتم إضافة «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بوزارة الخارجية الأمريكية - وهي المرة الأولى التي تطبق فيها واشنطن هذا التصنيف على مؤسسات حكومية رسمية لدولة أخرى. فخلال السنوات الأخيرة، هدّد المتشددون والمعتدلون على السواء في طهران بأن تصنيف «الحرس الثوري الإسلامي» كمنظمة إرهابية سيسفر عن ردّ فعل قاسٍ تجاه القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة، وهو تهديد تكرّر في خطابهم هذا الأسبوع. لكن هل ستنفذ إيران حقاً هذه التهديدات وتردّ بعنف على العقوبات الجديدة؟
التحدث بقسوة وحمل عصا صغيرة
إن فكرة تصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية أجنبية كانت متداولة من قبل، وكان ردّ فعل إيران مثيراً للاهتمام. وحين ظهرت تقارير في عام 2017 مفادها بأن الرئيس ترامب المنتخب حديثاً قد يأمر بمثل هذا التصنيف، هدّدت طهران بإدراج الجيش الأمريكي كجماعة إرهابية "على غرار تنظيم «داعش»". وقد ذهب قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري إلى أبعد من ذلك بإشارته إلى أن إيران ستستهدف القوات الأمريكية ووعده بمقاومة الضغط الأمريكي من خلال تطوير "البرامج الدفاعية والصاروخية والإقليمية التقليدية" للنظام.
وقد تطرّق خطاب طهران خلال الأيام الأخيرة إلى هذه المواضيع. فقد حذّر وزير الخارجية محمد جواد ظريف من أن الولايات المتحدة ستدخل في "مأزق وكارثة" إذا صنّفت «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية، في حين زعم اللواء جعفري أن مثل هذه الخطوة ستجعل القوات الأمريكية في المنطقة "تخسر راحتها وطمأنينتها".
ومع ذلك، تضمنت تصريحات جعفري معلومة مهمة، وهي: أن ردّ إيران سيكون "متبادلاً"، مما يشير إلى أن أي انتقام سيكون متناسباً مع خطوة واشنطن. وأوضح أيضاً أن ردّ الفعل الإيراني سيكون "قائماً على سياسات تأسيس الجمهورية الإسلامية" - وهو الرمز التقليدي الذي تستخدمه طهران للإشارة إلى أنها سوف تمتنع عن اتخاذ تدابير قاسية مراعيةً "مصالح النظام" (على سبيل المثال، استخدم ظريف هذه اللغة في كانون الأول/ ديسمبر لإطلاق تهديدات فارغة في النهاية ضد أوروبا فيما يتعلق بتأخير الإغاثة المالية).
ولا يعتبر التخفيف الذي شهدناه في حدة خطاب إيران مفاجئاً إلى حدّ كبير نظراً إلى الظروف الداخلية الحالية في البلاد. فالنظام يعاني من ناحية مواجهة الفيضانات الهائلة التي تجتاح العديد من المحافظات، وقد تعرّض لانتقادات شعبية قاسية بسبب سوء إدارته للأزمة. فالحشود الغاضبة هدّدت ولَعنت كبار ضباط «الحرس الثوري» الذين زاروا المناطق المنكوبة بالفيضانات؛ وبعد أن شهد قائد القوات البرية التابعة لـ «الحرس الثوري» محمد باكبور هذه المعاملة السيئة بنفسه، أوصى المسؤولين العسكريين بالامتناع عن القيام بزيارات أخرى. ومع ذلك، ترزح طهران تحت وطأة ضغوط كبيرة لدرجة دفعتها إلى إرسال قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» قاسم سليماني في زيارة لمدة شهر إلى المحافظات التي غمرتها الفيضانات، على أمل أن يتمكن اللواء الذي يتمتع بشعبية من حشد التأييد الجماهيري للنظام.
وحتى عندما كان وضعها الداخلي أكثر هدوءاً بكثير، امتنعت إيران عن الانتقام بقوة من العقوبات الأمريكية. وكان هذا هو الحال عندما هددت باستهداف القواعد والقوات الأمريكية المتواجدة ضمن "مسافة تبعد 1000 كيلومتر عن إيران" إذا أقر الكونغرس الأمريكي "قانون مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات". وقد أصبح مشروع القانون الواسع النطاق قانوناً في عام 2017، لكن تهديد طهران لم يتحقق قط. وامتنع النظام أيضاً عن اتخاذ أي خطوة عندما فرضت الحكومة الأمريكية سابقاً عقوبات على «الحرس الثوري» الإسلامي تحت إطار انتشار الأسلحة (2007)، وانتهاكات حقوق الإنسان (2011)، ودعم الإرهاب (2017). ولسنوات قبل إعلان ترامب عن تصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية أجنبية، منعت هذه العقوبات بشكل أساسي المواطنين الأمريكيين من التعامل بأي شكل من الأشكال مع «الحرس الثوري» والجهات التابعة له، وحظرت استعمال الدولار الأمريكي في المعاملات الأجنبية معهم.
ومع ذلك، يُعتبر تصنيف «الحرس الثوري» خطوة مهمة، من حيث رمزيتها وكونها سابقة قانونية على حد سواء. لكن نظراً إلى الدرجة التي فًرضت فيها العقوبات والأوامر التنفيذية السابقة قيوداً فعلية على التعاملات الأجنبية مع هذه المنظمة، فمن المرجح أن تكون الآثار الاقتصادية لتصنيف ا«الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية أجنبية محدودة، ومن المحتمل أن يعتبرها النظام خطوة سياسية بحتة - أي جزء من سياسة "الضغط الأقصى" التي تنتهجها واشنطن ضد إيران. فخلال الأشهر القليلة الماضية، ناقش المرشد الأعلى علي خامنئي مراراً وتكراراً ضرورة التصدي لـ"الحرب الاقتصادية" الأمريكية، لكنه كان حريصاً على إيضاح أن التدابير المضادة الضرورية هي ذات طابع اقتصادي ونفسي وليس عسكري. وعلى نحو مماثل، كان الخطاب الذي أدلى به بمناسبة "يوم «الحرس الثوري»" في 9 نيسان/أبريل مليئاً بالشعارات حول الصمود في مواجهة الضغوط، دون أي تحذيرات من انتقام عسكري مباشر.
الخطوات الإيرانية القادمة المحتملة
على غرار تصريحات جعفري وغيره من المسؤولين الإيرانيين، حثّ رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي وزارة الخارجية و "المجلس الأعلى للأمن القومي" الإيراني على اتخاذ خطوات مماثلة إذا صنّفت واشنطن «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية أجنبية. وحتى الآن، أدرج المجلس رسمياً القيادة المركزية الأمريكية ككيان إرهابي (وهي خطوة لا تترتب عليها تداعيات حقيقية)، في حين أعلن المجلس أنه سيقترح استراتيجية مشتركة بين الوزارات تتضمن إدراج الجيش الأمريكي في قائمة الجماعات الإرهابية ومعاملة القوات الأمريكية كما لو أنها من إرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن المرجح أن تتْبع هذه التحركات سلسلة من الخطوات والإشارات الرمزية الصادرة عن طهران في الأيام القادمة، إلى جانب حملة لحشد الشعب حول «الحرس الثوري» وتحويل أنظار المواطنين عن أزمة الفيضانات.
وعلى الصعيد العسكري، قد تطلق إيران صواريخ وتنفذ مناورات لتُظهر قدرة «الحرس الثوري» على الصمود في وجه الضغوط الأمريكية. ومن المرجح أيضاً أن تزيد وتيرة مضايقة القوات البحرية الأمريكية في الخليج العربي، وربما تحاول حتى الاستيلاء على قوارب صغيرة إذا دخلت المياه الإيرانية (كما فعلت في كانون الثاني/يناير 2016). وفي كانون الأول/ديسمبر، عرضت إيران لقطات سجلتها طائرة بدون طيار لتعرّض مجموعة حاملات الطائرات "يو أس أس ستينيس" لمضايقة من قبل سفن «الحرس الثوري» الإيراني، زاعمةً أن "30 قارباً قد تبع الناقلة الأمريكية بعد دخولها مياه الخليج". وفي تشرين الأول/أكتوبر، اقترب قاربان هجوميان إيرانيان إلى حدّ مئات الأمتار من السفينة الهجومية البرمائية "يو إس إس إسيكس" في الخليج في وقت كان فيه قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال جوزيف فوتيل على متنها.
وقد تحتجز إيران أيضاً المزيد من المواطنين الأجانب بتهم "التجسس" كورقة مساومة مع الولايات المتحدة. فقد استخدمت هذا التكتيك ضدّ مواطنين أمريكيين على نحو متكرر خلال السنوات القليلة الماضية؛ وفي الفترة القادمة، قد تركّز على اعتقال أفراد تربطهم صلات مباشرة أو غير مباشرة بالجيش الأمريكي، على أمل توجيه تهم "الإرهاب" إليهم.
السيناريو الأقل صعوبة على الأرجح
على الرغم من أن أي تصعيد إيراني أوسع نطاقاً يبدو أقل ترجيحاً في الوقت الراهن، إلا أن النظام يملك أدوات وكالة متنوعة تحت تصرفه للانتقام من القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة. ويُعتبر بعض عناصر الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا مرشحين محتملين لتنفيذ هجمات بواسطة قذائف هاون أو عبوات ناسفة، في حين يمكن تكليف الثوار الحوثيين في اليمن بتوجيه ضربات صاروخية. وسيتيح هذا النوع من الانتقام لطهران تنفيذ تهديداتها مع الحفاظ في الوقت نفسه على قدر من الإنكار، لكنه قد يزيد من احتمال التصعيد مع الولايات المتحدة.
ومهما يكن الأمر، فمن غير المرجح أن يتصرف «الحرس الثوري» من دون موافقة المرشد الأعلى الذي يسيطر على محفظة الأمن القومي الإيرانية. وخامنئي معروف بنهجه المدروس والحذر في اتخاذ القرارات. وعلى الرغم من أن بعض عناصر النظام سيحثونه على التصعيد، إلا أن آية الله المخضرم يدرك حتماً أن القيام بذلك قد يكون سبباً جاهزاً لإعلان الحرب من قبل واشنطن.
عومير كرمي هو نائب مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل" وزميل عسكري سابق في معهد واشنطن. وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط.