لم يسبق أن حظي قاآني بمثل هذا الثناء الشديد من جانب "المقاومة" العراقية، لكن ذلك قد يكون تغطية للإحراج الناتج عن زيارته المخيبة للآمال إلى العراق.
كانت تغطية وسائل إعلام "المقاومة" للزيارة الأخيرة التي قام بها إسماعيل قاآني (15-17 كانون الثاني/يناير 2022) للعراق أكثر شمولاً من المناسبات السابقة. وتقدّر منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أنّ هذا الجهد يبدو جزءاً من حملة «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني لتعزيز نفوذ قاآني باعتباره الوريث الشرعي لقاسم سليماني، مما يكمّل عملية مشابهة لتعزيز نفوذ أبو فدك وأكرم الكعبي كخليفين لأبو مهدي المهندس.
وكانت شبكة "صابرين نيوز" الأولى من بين وسائل الإعلام الاجتماعية لـ "المقاومة" التي نقلت زيارة قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري»، وربما تؤكد على المركزية المتزايدة للمحتوى المتميز في "صابرين نيوز". ونشرت هذه القناة سبعة منشورات تضمنت 15 صورة ومقطع فيديو قصير، تظهر جميعها قاآني وهو يزور أضرحة الأئمة الشيعة في النجف وكربلاء، وقبرَي كل من السيد محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، وأبو مهدي المهندس، وكلاهما يقع في مدينة النجف (الشكل 1).
الصورة الرمزية الجديدة لقاآني
من الواضح أن مكتب قاآني زوّد هذه الصور للترويج لزيارته، وأن ماكنة نسج المعلومات الخاصة بقاآني كَلّفت مهمة تضخيم الصور لـ"صابرين نيوز" ووسائل إعلام أخرى تابعة لـ "المقاومة". فالتقوى هي سمة مهمة لأي قائد في «الحرس الثوري» الإيراني. كما أن وسائل الإعلام في المنطقة مليئة بالقصص عن تقوى قاسم سليماني وتفانيه. ويحاول قاآني أيضاً أن يرسم صورة عن نفسه كمؤمن حقيقي بالإسلام والمذهب الشيعي. ويبدو أن ذلك يشكل أحد أسباب توزيع صوره في الأضرحة الشيعية المقدسة، وقيام مواقع التواصل الاجتماعي العراقية التابعة لـ "المقاومة" بتضخيمها. على سبيل المثال، نشرت "الوحدة 10000 التابعة لكتائب حزب الله" إحدى صور قاآني من داخل ضريح الإمام علي في النجف، وأضافت عليها تعليقاً باستخدام مصطلح "إيثار" (الشكل 2).
ونشر الصورة نفسها "فريق الولاية الإعلامي" مع تعليق آخر يمجّد قاآني على الشكل التالي: "... الحاج إسماعيل قاآني وقفة عند ضريح أمير المؤمنين "عليه السلام" [الإمام علي] كأنه ذلك المزمجر في الصعاب حيدرةً" (الشكل 3).
وتحمل هذه العبارة التمجيدية أيضاً دلالات دينية مهمة. فالمنشور يستخدم مصطلح "حيدرة" بدلاً من مصطلح الأسد (الأكثر شيوعاً). وحيدرة هو لقب يُطلق على الإمام علي، الذي اشتهر بكونه محارباً شجاعاً وقوياً جداً. وتقول بعض النصوص الإسلامية إنه وقف أمام العدو في معركة واحدة في أوائل العصر الإسلامي وصرخ: "أنا الذي سمتني أمي حيدرة... أضرب بالسيف رقاب الكفرة".
قاآني كمبعوث لخامنئي
إن الواقع بأن قاآني كان يحمل بشكل شبه مؤكد رسائل من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، استُخدمت أيضاً لرفع مكانته ضمن أوساط "المقاومة"، تذكيراً بأن هيبته مرتبطة بهيبة خامنئي. واستخدم حساب آخر تابع لـ "المقاومة" على منصة "تلغرام" باسم "أبو مزيعل" آية قرآنية لقول إنه يحمل رسالة من خامنئي. وتضمّن المنشور صورة لقاآني مع التعليق الآتي: "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم"(الشكل 4).
وهذه آية من سورة النمل القرآنية، التي على أساسها يبعث النبي سليمان رسالته إلى ملكة سبأ عبر الهدهد الذي كان مرساله. وفي منشور "أبو مزيعل"، تم تصوير قاآني على أنه مرسال خامنئي، وهو مقام يحظى باحترام كبير في أوساط "المقاومة"، حيث يشير إلى ثقة خامنئي به.
وأشارت قناة رئيسية مقرّبة من «كتائب حزب الله» على "تلغرام" ضمنياً أيضاً إلى أن قاآني هو حامل رسالة خامنئي. وجاء في منشور القناة ما يلي: "السلام على حامل رسالة السيد الولي [خامنئي]" (الشكل 5).
وفي منشور آخر، أطلقت قناة «كتائب حزب الله» على قاآني لقب "ثقة الشهيد قاسم سليماني" (الشكل 6). وهذه محاولة لترسيخ مكانته كخليفة شرعي لسليماني.
وتاريخياً، كانت زيارات قاآني للعراق عرضة للهفوات ومخيبة للآمال، حيث استقبلت "عصائب أهل الحق" الزيارات السابقة في أواخر عام 2020 بهجمات صاروخية خرقت الهدنة. وقد تُعتبر الجهود المبذولة لتعظيم قاآني وتشجيع احترام توجيهاته كجزء من جهد أوسع نطاقاً يبذله «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» لإعادة مركزية قيادة المقاومة العراقية وسيطرتها بعد فترة من التشرذم. وقد يكون الدافع وراء هذا الجهد أيضاً هو الحاجة إلى تعويض الانطباع الضار بأن قاآني لا يحظى باحترام القادة العراقيين - إذ يبدو أنه حاول في هذه الزيارة ضمان عقد اجتماع مع آية الله العظمى علي السيستاني ومقتدى الصدر لكنه فشل. وتلت زيارته على الفور مقابلة لاذعة لقيس الخزعلي مع "بي بي سي فارسي" (بُثت في 18 كانون الثاني/يناير) انتقدت استعداد إيران لدعم التشدد المناهض للولايات المتحدة في العراق خلال عهد قاآني.