- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3935
تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا قد يساعد في ردع إيران
لدى واشنطن وحلفائها وسائل متنوعة للرد على التحول الاستراتيجي الأخير في الحرب، بدءً من تسهيل إقامة منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا وإلى اعتراض نقل الصواريخ الإيرانية.
عندما أرسلت إيران صواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز "فاتح 360" إلى روسيا في وقت سابق من هذا الشهر، فقد وفرت لفلاديمير بوتين ميزة عسكرية محتملة على ساحة المعركة الأوكرانية في وقت كانت الكفة تميل بالفعل لصالحه - وهي الخطوة التي وصفها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بأنها "تصعيد دراماتيكي". ونقلت إيران هذه الأسلحة على الرغم من الجهود الدبلوماسية الأمريكية الكبيرة لمنعها، بما في ذلك التحذيرات المتكررة من "العواقب السريعة والشديدة" من واشنطن ومجموعة الدول السبع و"حلف شمال الأطلسي". والسؤال الآن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها سيتابعون تلك التحذيرات وكيف، خاصة وسط تقارير مفادها بأن منصات الإطلاق اللازمة لم تُنقل بعد. وإذا تم نشر الصواريخ في أوكرانيا في النهاية، فستحصل طهران على فرصة لمراقبة أدائها وتدرس كيف يحصل ذلك ضد الأنظمة الغربية على أرض المعركة.
وعلى نطاق أوسع، لم تقدم أي دولة مساعدة مباشرة لجهود روسيا الحربية بقدر ما فعلت إيران. ومع استمرار الصراع، فلدى كلا النظامين حافز إضافي لتعميق علاقاتهما الثنائية المتقلبة سابقاً. كما يستفيد القادة الإيرانيون من تحويل الحرب لانتباه الغرب بعيداً عن أنشطتهم في مناطق أخرى، مما يسلط الضوء على مدى تأثير التطورات في أوكرانيا على الأهداف السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ولمواجهة هذه التأثيرات الإقليمية - وتخفيف المعاناة المدنية في أوكرانيا وضمان فوز كييف بالحرب في الوقت نفسه - من الضروري أن تمضي الولايات المتحدة قدماً بخيارات تلغي المزايا التي تحققها روسيا على أرض المعركة. ولا ينبغي أن يقتصر الرد على التصعيد الأخير على إجراءات مضادة معادلة فحسب، بل يتطلب تحوّلاً استراتيجياً أوسع نطاقاً يشمل عناصر متعددة من القوة الأمريكية، بما في ذلك احتمال إقامة منطقة حظر طيران في أوكرانيا، إلى جانب خطوات أخرى تفرض تكاليف على موسكو وطهران في حين تدعم الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة.
فرض منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا من شأنه أن يفيد الشرق الأوسط أيضاً
إن أحد الدروس الرئيسية المستفادة من هجوم الطائرات بدون طيار والصواريخ الذي شنته إيران على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل هو أنه بإمكان الغرب القيام برد عسكري يؤثر على حسابات العدو. فقد استخدمت الولايات المتحدة وإسرائيل وشركاء آخرون الأصول الجوية بكثافة لتحييد معظم الذخائر الإيرانية قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية. وقد أدى ذلك الرد القوي إلى تغيير عملية صنع القرار اللاحقة لطهران من خلال الإظهار بأن أساليبها المختارة لمهاجمة إسرائيل مباشرة لن تنجح.
وعلى الرغم من أن عملية صنع القرار الروسية لا تتطابق تماماً مع نظيرتها الإيرانية، إلّا أن الغرب لا يزال قادراً على تطبيق هذا الدرس من نيسان/أبريل على أوكرانيا بهدف تغيير حسابات موسكو. إن تعزيز القوة الجوية الأوكرانية هو السبيل الوحيد لوقف الهجمات الروسية المستمرة على المدنيين والبنية الأساسية، والتي تشمل في بعض الأحيان أسلحة إيرانية. وعلى عكس إسرائيل، لا تمتلك أوكرانيا دفاعات جوية وصاروخية قوية. ومع ذلك، فكما أُشير أعلاه، كان جزء من سبب نجاح إسرائيل في عملية نيسان/أبريل هو الحاجز الجوي عالي الفعالية الذي أقامته واشنطن وشركاؤها قبل الهجوم الإيراني. ومن شأن الجهود المماثلة أن تساعد أوكرانيا على تحويل مسار الأمور ضد روسيا.
في بداية الحرب، رفض "حلف شمال الأطلسي" طلب كييف بإنشاء منطقة حظر طيران خوفاً من إشعال فتيل صراع مباشر مع روسيا - وهو مصدر قلق مشروع في ذلك الوقت. ولكن الواقع على الأرض قد تغير منذ ذلك الحين. فروسيا تنتهك باستمرار المجال الجوي لـ "حلف شمال الأطلسي" بإطلاقها الصواريخ والطائرات بدون طيار فوق أراضي الحلف، وهذا الخط الأحمر يعطي للحلف سبباً كافياً لاستئناف النقاش حول منطقة حظر الطيران في أجزاء من شرق ووسط أوكرانيا.
وقد سبق أن أشار الخبراء إلى أن الولايات المتحدة قد تكون في موقف قانوني قوي إذا اختارت دعم إقامة منطقة حظر طيران من أجل حماية المدنيين والبنية الأساسية الأوكرانية. ومن الناحية العملية، لدى "حلف شمال الأطلسي" القدرة والإمكانية لإنشاء هذه المنطقة والحفاظ عليها وفرضها. وقد قدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا قدراً كبيراً من الدفاعات الجوية الذي تستطيع تقديمه، ولكن منطقة حظر الطيران لن تعتمد على الدفاعات الجوية الأرضية، بل ستركز على القوات الجوية والطائرات البحرية والدفاعات الجوية البحرية مثل نظام "إيجيس". ويمكن لهذه الجهود أن تترافق مع عنصر معلوماتي لإظهار للجهات الفاعلة عبر الساحة الدولية أن تعزيز القوة الجوية لشريك ما يمكن أن يواجه بشكل فعال طيفاً واسعاً من العدوان الروسي، بدءً من استهداف المدنيين وإلى ضرب منشآت الطاقة النووية الهشة وحتى التهديد بحرب نووية.
وبطبيعة الحال، قد لا يزال الغرب غير راغب في إقامة منطقة حظر طيران بسبب المخاوف العسكرية والسياسية المستمرة. وفي هذه الحالة، بإمكانه تمكين الأوكرانيين من القيام بذلك بأنفسهم - وهو خيار تمت مناقشته علناً منذ أواخر عام 2022. وللتعويض ن افتقار أوكرانيا إلى أنظمة اعتراضية للدفاعات الجوية الأرضية، بإمكان الولايات المتحدة تسريع وزيادة عمليات نقل الطائرات إلى كييف. على سبيل المثال، يمكنها الاستفادة من فائض طائرات "إف-16" و"إف-18" و"جريبن" و"ميراج" في المخزونات الأمريكية والأوروبية. كما يمكن للقوات الغربية تقديم تدريب إضافي للطيارين الأوكرانيين - وهي مسألة أكثر إلحاحاً من الحصول على طائرات مقاتلة إضافية.
وإلى جانب القيمة الرمزية القوية المتمثلة في رؤية أوكرانيا وهي تتصدى لعدوان بمساعدة أمريكية كبيرة، فإن دول الشرق الأوسط ستستفيد بشكل مباشر من منطقة حظر الطيران في أوكرانيا. ونظراً للدور الطويل الأمد لكييف كأحد المصدرين الرئيسيين للقمح والمنتجات الزراعية الأخرى، فقد أدت الحرب إلى تفاقم أزمة غذائية عالمية، والتي تكون منطقة الشرق الأوسط معرضة لها بشكل خاص. ومن شأن فرض منطقة حظر جوي أن يساعد في حماية قدرة أوكرانيا على مواصلة هذه الصادرات الحيوية.
خطوات إضافية ضد روسيا وإيران
سواء ثبت أن فرض منطقة حظر الطيران أمر ممكن أم لا، ينبغي على واشنطن وحلفائها اتخاذ خطوات أخرى للإظهار لروسيا أنها ستجد نفسها في وضع غير مؤات بشكل متزايد إذا استمرت في الحرب. والأمر الأكثر أهمية هو أنه ينبغي على واشنطن وحلفائها أن يمنحوا حرية التحرك لشن ضربات في عمق روسيا. كما ينبغي أن يساعدوا أوكرانيا في تحديد وتدمير الصواريخ الإيرانية ومستودعات التخزين الموجودة على أراضيها، على غرار ما تم فعله مع مستودعات الأسلحة في كوريا الشمالية. ومن الممكن أن تنشر واشنطن هذه الإجراءات للتأكيد على أن الصواريخ الإيرانية ليست ذات فائدة استراتيجية.
أما بالنسبة لمنع المزيد من عمليات نقل الأسلحة الإيرانية، فإن الردع الفعّال ضد طهران يتطلب تركيزاً أكبر على نشر القدرات الهجومية في الشرق الأوسط، وليس الدفاعية فقط. كما ينبغي لواشنطن أن تواصل تعزيز دعمها الدبلوماسي والاستخباراتي لشركائها الإقليميين لتظهر لهم أن الولايات المتحدة قادرة على مواجهة التحديات في أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في الوقت نفسه.
ولتحقيق هذه الأهداف وغيرها ذات الصلة، يجب اتخاذ عدة خطوات على وجه السرعة على النحو التالي:
• زيادة التعاون مع إسرائيل لتعطيل جهود إيران في تسليح وكلائها الإقليميين.
• تزويد الشركاء في الشرق الأوسط بتحديثات عملياتية حول الصواريخ الإيرانية في أوكرانيا، وذلك جزئياً لمساعدتهم على الاستعداد للتطورات في التهديدات الجوية التي تشكلها طهران في وطنهم.
• البحث عن فرص لإضعاف سلاسل التوريد التي تستخدمها إيران لإنتاج هذه الصواريخ ونقلها إلى روسيا.
• طلب دعم ملموس من دول الخليج العربي للجهود الحربية الأوكرانية كجزء من المفاوضات الثنائية حول اتفاقيات الدفاع مع الولايات المتحدة.
• توسيع العقوبات الدولية وتطبيقها عسكرياً على أصحاب "أسطول الأشباح" الروسي الغامض، وهي مجموعة من ناقلات النفط القديمة التي تساعد موسكو على توليد الإيرادات لتمويل حربها على أوكرانيا.
• فرض العقوبات على مبيعات النفط الإيراني، وذلك جزئياً لتوفير نفوذ إضافي ضد المزيد من عمليات نقل الأسلحة إلى روسيا.
• الضغط من أجل تفتيش عمليات نقل الصواريخ الإيرانية المشتبه بها التي تمر عبر الأراضي الأمريكية أو الحليفة، سواء عن طريق البحر أو الجو.
• إذا استمرت عمليات نقل الصواريخ، فيجب التهديد بتفعيل آلية "إعادة فرض العقوبات" المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015.
الخاتمة
يشكل نقل إيران للصواريخ الباليستية قصيرة المدى إلى روسيا تهديداً قد يؤدي إلى تحوّل جذري في الحرب في أوكرانيا، ومن الضروري أن تتطور الاستراتيجية الغربية رداً على ذلك. وإذا فازت روسيا في الحرب، فقد تكون العواقب على الولايات المتحدة وخيمة، بما في ذلك في الشرق الأوسط. وستعاني مصداقية أمريكا ضربة أسوأ بكثير من الانسحاب الفوضوي من أفغانستان أو إخفاقات حرب العراق. وستواجه القوة الأمريكية تحديات متزايدة على جبهات متعددة في المنطقة وخارجها، مما يخلق السيناريو نفسه الذي سعت واشنطن إلى تجنبه من خلال تقليص دورها في أوكرانيا - أي الاضطرار إلى إرسال قوات أمريكية إلى صراعات خارجية جديدة والمخاطرة بمواجهة مباشرة مع روسيا. صحيح أن ثمن مساعدة أوكرانيا على تحقيق النصر مرتفع، ولكن الولايات المتحدة قد تدفع ثمناً أعلى بكثير إذا انتصرت روسيا.
وبناءً على ذلك، يجب على صناع القرار تزويد أوكرانيا بالقدرات التي تحتاج إليها لوضع روسيا في نقطة ضعف غير قابلة للإصلاح. وهذه هي الطريقة الوحيدة لإحضار موسكو إلى طاولة المفاوضات في وضع ملائم - أي بأقل قدر من النفوذ الذي يمكن لبوتين استغلاله لتحقيق مكاسب مستقبلية. كما أنها الطريقة الوحيدة لضمان عدم قيام روسيا بمهاجمة أوكرانيا مرة أخرى. ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تكون لها فائدة إضافية تتمثل في ردع الخصوم الآخرين، بما في ذلك إيران.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" التابع لمعهد واشنطن.