- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3193
مساعدة العراق على استلام زمام القيادة والتحكم
تحت وطأة الضغوط التي تعرّض لها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لحثّه على إحكام السيطرة على القطاع العسكري في العراق، قام خلال الأسبوعين الماضيين بإصدار أمرين تنفيذيين يُحتمل أن يكونا على قدر كبير من الأهمية. ويُشار إلى أن الإصلاحات جاءت في وقتٍ تتسبب فيه الأعمال غير المشروعة التي ترتكبها مختلف الفصائل المسلحة بخطرٍ متعاظم على الدولة. فالميليشيات المنضوية ضمن قوات "الحشد الشعبي"، التي يُفترض أن تكون تحت إمرة الدولة، تعتدي منذ شهر أيار/مايو على أهداف محلية في مضمار الدبلوماسية والطاقة، ناهيك عن شنّها هجمات بالطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية، وساهمت أيضا، وفقاً لبعض التقارير، في انتشار الصواريخ الإيرانية إلى درجة دفعت إسرائيل إلى توجيه ضربات متكررة ضدها. وفي الوقت نفسه، لم يتوانَ القائد الفعلي وشبه المستقل لقوات "الحشد الشعبي" وآمر تنظيم "كتائب حزب الله" المدعوم من إيران والمصنّف على قائمة الإرهاب الأمريكية، المدعو أبو مهدي المهندس، عن تهديد أمريكا والإعلان عن تشكيل قوة جوية تابعة "للحشد الشعبي" خارج إطار القانون، فضلاً عن إرسال تعزيزات من الدبابات إلى الميليشيا نفسها التي أمرها عبد المهدي – بدون جدوى – بالخروج من سهل نينوى.
وردًّا على هذه الأعمال وغيرها من التصرفات المخادعة، أطلقت الحكومة مسعىً حذر لإعادة إرساء آلية شاملة للقيادة والتحكم هدفها النهائي هو وضع كل الميليشيات والفروع العسكرية تحت إمرة الدولة. ولكن حظوظ هذا المسعى ليست مضمونة على الإطلاق، خصوصًا بغياب المشورة والدبلوماسية المنسقة من جانب واشنطن.
توحيد نظامٍ متشعّب
بموجب المادة 78 من الدستور العراقي، يُعتبر رئيس الوزراء القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة، وتُعهد مهام الإدارة اليومية إلى قيادة العمليات المشتركة في بغداد التي يرأسها حاليًا معاون رئيس أركان الجيش للعمليات الفريق الركن عبد الأمير يار الله. وتُصدر قيادة العمليات المشتركة بدورها الأوامر لقيادات العمليات بالمحافظات التي تمارس سيطرة تكتيكية على الوحدات المتمركزة في الميدان.
منذ حزيران/يونيو 2014، تتم إدارة الميليشيات بموجب نظام موازٍ خاضع لإشراف هيئة "الحشد الشعبي". ومع أن مستشار الأمن الوطني فالح الفياض يرأس الهيئة المذكورة، فالمسؤول عمليًا عن قيادتها هو نائب رئيسها أبو مهدي المهندس. بمعنىً آخر، بات لأحد المصنّفين على قائمة الإرهاب الأمريكية سيطرةٌ مباشرة على كل مديرية تقريبًا من مديريات هيئة "الحشد الشعبي"، وبالتالي على الوظائف الحيوية كالمالية والاستخبارات والشؤون الداخلية والتجهيز. كما أن المهندس يدير قيادات العمليات التابعة لقوات "الحشد الشعبي" في المحافظات، وهذه الأخيرة تعمل بموازاة قيادات العمليات المشتركة التي تحمل الاسم نفسه، ما يزيد من تشتت وحدة القيادة في كل محافظة.
وفي 12 أيلول/سبتمبر، أعربت المؤسسة الدينية الشيعية التي تتمتع بنفوذ سياسي مهم عن نفاذ صبرها أكثر فأكثر من ضعف التقدم الذي تحرزه الحكومة لدمج قوات "الحشد الشعبي" في القوات المسلحة ككل. وفي هذا السياق، أشار مدير مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني في لبنان، حامد الخفاف، إلى أن السلطات الدينية "تنتظر تطبيق هذا الأمر التنفيذي". ويُذكر أن البرلمان أقرّ هذا الدمج للمرة الأولى في قانون صادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، ثم كرره رئيس الوزراء عبد المهدي خلال شهر تموز/يوليو من هذا العام بموجب الأمر الديواني رقم 237.
ويبدو أن رسالة الخفاف لقيت آذانًا صاغية – فبعد مرور يومين على تصريحه، أصدر مكتب رئيس الوزراء الأمر الديواني رقم 328 القاضي بإعادة هيكلة قيادة العمليات المشتركة. والأهم من ذلك هو أن عبد المهدي عهد إلى نفسه رئاسة قيادة العمليات الخاصة مباشرةً بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، موجّهًا بذلك رسالة مهمة عن اهتمامه العميق بهذه المسألة وعن استعداده لوضع ثقله السياسي في إصلاح "الحشد الشعبي". وينص الأمر المذكور أيضًا على أن عبد المهدي أو من ينوب عنه، أي الفريق يار الله، سيتولى إدارة كافة التشكيلات التابعة لقيادة العمليات المشتركة على المستوى العملياتي، علمًا بأن هذه التشكيلات باتت تشمل اليوم قوات "الحشد الشعبي". أما الأجهزة الأمنية فتحتفظ بسيطرتها الإدارية (أي التجنيد والتدريب والتجهيز) على الوحدات المنفصلة التابعة لها. وأخيرًا يمنح الأمر قيادة العمليات المشتركة صلاحية السيطرة الحصرية على كافة التعيينات في الجيش و"الحشد الشعبي" من رتبة آمر لواء أو أعلى.
الخطوات التالية في مسيرة إصلاح "الحشد الشعبي"
حدثت تغيرات جوهرية أخرى في 17 أيلول/سبتمبر مع صدور الأمر الديواني رقم 331. فقد قرر رئيس الوزراء عبد المهدي بموجبه المصادقة على الهيكلية التنظيمية الخاصة بهيئة "الحشد الشعبي"، مستندًا إلى "مقتضيات المصلحة العامة" و"الصلاحيات الممنوحة لنا بموجب الدستور". ومن شأن هذه التغيرات، وفقًا لكيفية تنفيذها، أن تؤول إلى تقليص الصلاحيات التي يمارسها حاليًا المهندس. ومصيرها رهنٌ بثلاثة مناصب، هي:
- رئيس هيئة "الحشد الشعبي": ينص الأمر الديواني على فصل بعض المهام عن منصب نائب الرئيس الذي يشغله المهندس ويضعها تحت إمرة رئيس "الحشد الشعبي" ضمن منصب يحمل اليوم تسمية "رئيس هيئة الحشد". وتشمل هذه المهام الإشراف على مديريات المالية والإدارة والشؤون القانونية والأمن والرقابة/التدقيق والتوجيه المعنوي والتخطيط/التجهيز والمعلومات. وكذلك يقضي الأمر الديواني بإلحاق المفتش العام للحشد بمكتب الرئاسة المذكور على افتراض أن يتمتع بدرجة استقلالية معينة.
- الأمين العام التابع لرئاسة الحشد: ينص الأمر المذكور على منصب يحمل اسم "أمير السر العام" ويتبع مكتب رئيس الهيئة. ولهذا اللقب تاريخٌ عريق في العراق، فهو يعود لمفوضٍ بالغ الأهمية ينوب عن صانع قرار رفيع المستوى ويتحدث بكامل الصلاحية المنوطة بهذا الأخير.
- رئيس الأركان: أصبحت كل المديريات غير الخاضعة لإمرة رئيس الهيئة تابعةً لرئيس أركان "الحشد الشعبي"، مع العلم بأن هذا المنصب شاغر منذ العام 2017. ولرئيس الأركان خمسة معاونين (يتولون شوؤن الاستخبارات واللوجستيات والإدارة والرعاية والعمليات)، ويتولى مسؤولية الإشراف المباشر على ثمانيةٍ من قيادات العمليات. وينص الأمر الديواني على ضم 23 لواء من ألوية "الحشد الشعبي" إلى هذه القيادات، ما يدل على توحيد الألوية التي يفوق عددها اليوم 61 لواء.
من المفترض أن توضَع هذه التغيرات موضع التنفيذ في الأشهر المقبلة، على أن تُسند إلى قيادة العمليات المشتركة (وربما أيضًا البرلمان) مهمة المصادقة على التعيينات الجديدة في "الحشد الشعبي". لكن السؤال الأهم هنا هو مكانة أبو مهدي المهندس. فإيران والميليشيات الوكيلة عنها تفضّل أن يتولى المهندس منصب رئيس أركان الهيئة الذي أعيد إحياؤه، وبذلك تصبح معظم القرارات اليومية المتعلقة بـ"الحشد الشعبي" بيده. والحل البديل هو أن يتولى هو أو عنصر آخر من الميليشيات الموالية لإيران (أمثال أبو زينب اللامي أو أبو منتظر الحسيني أو صلاح حنتوش) منصب أمين السر العام الجديد.
التداعيات المترتبة على السياسة الأمريكية
بوسع الأوامر الديوانية الأخيرة أن تقوّي الدولة العراقية وتقلّص نفوذ الأطراف السلبية المدعومة من إيران وعناصر "الحشد الشعبي" المصنفين على قائمة الإرهاب. ولكن هذه التغيرات قد تؤتي بنتائج عكسية إذا ما تصرفت الدولة بتذلل وسمحت لتلك الأطراف بالتحكم بآلية التنفيذ. من هذا المنطلق، ينبغي على صانعي السياسات في الولايات المتحدة أن يقوموا بالآتي:
- الانتباه: في ما يتعلق بالقيادة والتحكم، تكمن المشكلة في تفاصيل التنفيذ. فإذا بدا مرجّحًا أن يصبح المهندس رئيس أركان "الحشد الشعبي"، وإذا تم تعيين شخصية أخرى من الميليشيات الموالية لإيران أمينًا عامًا، لن تتغير الأمور للأحسن في "الحشد الشعبي". وإذا حدث هذا السيناريو، يجب على واشنطن أن تُفهم القيادات السياسية والدينية في العراق أنها فوتت على نفسها فرصةً كبيرة لإصلاح القوات المسلحة.
- الحذر من الردود غير المباشرة: إذا خسر المهندس شيئًا من نفوذه في "الحشد الشعبي"، قد يحاول وكلاء إيران السيطرة على المؤسسات الأخرى. ففي 28 أيلول/سبتمبر، أُجبر القائد العسكري الأكثر وقارًا في العراق، وهو الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، على التنحي عن منصبه كرئيس جهاز مكافحة الإرهاب الذي يعتبر أهم شركاء واشنطن بين القوى الأمنية – وقد حققت هذه الخطوة هدفًا تطمح إليه الميليشيات المدعومة من إيران وحلفاؤها في شبكات الفساد منذ زمن بعيد. أضف إلى أن "منظمة بدر" المدعومة من إيران أدخلت آمر لواء في "الحشد الشعبي" ويدعى زياد التميمي بوظيفة مفتش عام في وزارة الدفاع بالرغم من افتقاره إلى المؤهلات اللازمة لتبوؤ هذا المنصب، فيما لا يزال أبو زينب اللامي يسعى للحصول على منصب نافذ في نيابة وزارة الداخلية بالرغم من إمكانية تعرّضه للعقوبات الأمريكية. وكذلك من المرجح أن تحاول التنظيمات الأخرى تغيير طاقم القيادة في جهاز المخابرات الوطنية وجهاز الأمن الوطني في العراق.
- دعم تحول "الحشد الشعبي" نحو الاحترافية: إذا أراد العراق تحويل "الحشد الشعبي" ذي النمو المتخلف إلى مؤسسة رسمية، عليه تعيين رئيس أركان يتمتع بخبرة عسكرية نظامية. وصحيحٌ أن هذا المركز وغيره من مراكز القيادة العليا مخصصة اسميًا لخريجي كلية الأركان، إلا أن القانون العراقي يجيز لرئيس الوزراء القيام ببعض الاستثناءات في هذا الخصوص. فضلاً عن ذلك، يتوجب أن توافق قيادة العمليات المشتركة على كافة التعيينات في أي رتبة أعلى من رتبة عميد، على أن يصادق البرلمان على التعيينات في رتبة لواء أو أعلى (أو ما يعادلها من الرتب المدنية). والواقع أن هذه الآليات تمنح القيادات العراقية فرصًا وافرة للتدقيق بعناية في أي مرشح لمنصب رئيس الأركان أو منصب الأمين العام. ولا بد من تشجيع بغداد على عدم التسرع في شغل أيٍّ من المنصبَين بل تركهما بعهدة أشخاص مكلفين تحت إمرة رئيس وزراء مطلق الصلاحيات، وقيادة العمليات المشتركة ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" – بما أن هذه الوظيفة يجب المصادقة عليها سريعًا بخلاف المناصب الأخرى.
- التشجيع على وحدة القيادة: تخلّف الإصلاحات المنصوص عليها حاليًا في العراق مجموعةً غير ضرورية من قيادات العمليات التابعة "للحشد الشعبي"، ما يؤدي إلى وضعٍ تستطيع فيه هذه الأخيرة تقويض قيادات العمليات القائمة منذ زمن طويل ضمن قيادة العمليات المشتركة في الجيش (أو بأفضل الحالات تكوين قيادات مزدوجة لها). ولذا يجب على قيادة العمليات المشتركة حلّ قيادات "الحشد الشعبي"، سيما وأن هذا القرار سيصب في خدمة الحرب على الإرهاب، من جملة منافع أخرى.
مايكل نايتس، هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ومنذ عام 2003، أجرى أبحاثاً مكثفة على الأرض افي العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية.