- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
العطلة النووية في إيران: محاولة أخيرة لثني ترامب
يُعرف يوم العشرين من شهر الحَمَل [الشهر الأوَّل في التقويم الهجري الشمسي] أو فَروَردین في إيران الذي يصادف عادةً يوم 8 أو 9 نيسان/أبريل بـ"اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية". وقد بدأ الاحتفال غير المألوف في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي أعلنه يوم عطلة رسمية عام 2006 بعد أن حققت إيران معلماً هاماً في مساعيها لتخصيب اليورانيوم. ومنذ ذلك الحين، مثّل هذا اليوم فرصةً للنظام لتسليط الضوء على وضع برنامجه النووي من خلال الإعلان عن إحراز تقدم وإنجازات جديدة مبالغاً فيها في بعض الأحيان.
من التهديدات إلى الاحتفال
خلال عهد أحمدي نجاد، كانت العطلة تُستخدم عادةً لتهديد الغرب من خلال كشف النقاب عن منشآت نووية جديدة والإعلان أن إيران قد انضمت إلى "نادي الدول النووية". ففي عام 2007، على سبيل المثال، أعلنَ الرئيس الإيراني أن إيران قد أتقنت تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي. وفي عام 2009، افتتح مصنعاً لإنتاج الوقود النووي بالقرب من أصفهان. وفي عام 2010، بينما كان الغرب يناقش مجموعةً جديدة من العقوبات، كشف أحمدي نجاد عن "جهاز طرد مركزي من الجيل الثالث".
واستمر هذا الاحتفال الاعتيادي إلى حين إبرام الاتفاق النووي عام 2015. وفي أعقاب الموافقة على «خطة العمل المشتركة الشاملة» في صيف ذلك العام، تبدّلت رواية العطلة لتُركّز على المساهمات التي وفرتها الصناعة النووية إلى الشعب الإيراني. وفي محاولة لإبعاد الانتقادات المتشددة لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، حاولت حكومة الرئيس حسن روحاني تصوير الاتفاق على أنه خطوةً ناجحة. كما سعى روحاني إلى إثبات أن البرنامج النووي لا يزال ناشطاً رغم الاتفاق، مع فوائد تعود على الأمة الإيرانية على غرار الأبحاث في مجال الأدوية المشعة.
والعودة ثانية إلى التهديدات
لكن هذا العام، يبدو أن عدداً كبيراً من المسؤولين الإيرانيين يعتقدون أن الرئيس ترامب سيبطل "خطة العمل المشتركة الشاملة" في أيار/مايو، وهو الموعد النهائي الذي أعلنه لاتخاذ القرار حول ما إذا كان سيتم تجديد العقوبات الكبرى. من هنا، أصبح "اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية" مجدداً منصةً للتهديدات. وقد كشف النظام في 9 نيسان/أبريل عمّا لا يقل عن ثلاثة وثمانين مشروعاً نووياً جديداً، وهو ضعف عدد مشاريع العام الماضي، ومن بينها عملية النقل الأولى لكعكة اليورانيوم الصفراء [اليورانيوم المخصب] المنتجة في مناجم إيران الجديدة، والتحسينات التي أجريت على برنامج النظام للتخصيب ومفاعلاته.
وعلى الرغم من أن أياً من الإنجازات المعلنة لا ينتهك على ما يبدو «خطة العمل المشتركة الشاملة» أو يشير إلى تحسين ملحوظ في البرنامج النووي، إلّا أنّ خطاب النظام سعى بوضوح إلى خلق جو من التهديد. وقد حذر روحاني قائلاً: "في حال فسخ الاتفاق، سوف يشهدون التداعيات في أقل من أسبوع"، زاعماً أن إيران ستكون الرابحة في محكمة الرأي العام الدولي. كما ردّ على النقد المتشدد والمستمر من خلال تأكيده على أن البرنامج النووي لم يتوقف خلال فترة ولايته، ولكنه في الواقع يتحرك بشكل أسرع.
وبالمثل، حذّر رئيس "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" علي أكبر صالحي مراراً في الأيام الأخيرة من أن طهران تعدّ "مفاجأةً مميزة" للولايات المتحدة إذا انسحب ترامب من «خطة العمل المشتركة الشاملة». بل إنه وعد باستئناف التخصيب بنسبة تصل إلى 20 بالمائة - وهي مرحلة مهمة لإنتاج اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة - في غضون أربعة أيام من الانسحاب الأمريكي. وقد شرح المتحدث باسم "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" تصريحات صالحي بشئ من التفصيل حيث أكّد أن محطة "فوردو" الإيرانية تحتوي على 1600 جهاز طرد مركزي عامل لا تحتاج سوى إلى ضخ الغاز لبدء التخصيب، "مثل سيارة جاهزة للتحرك ولكنها تحتاج إلى الوقود فقط" (وهو ادعاء يتعارض مع استنتاجات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في شباط/فبراير بأن محطة "فوردو" لا تضم أكثر من 1044 جهاز طرد مركزي، في ما يتوافق مع أحكام «خطة العمل المشتركة الشاملة»).
التداعيات السياسية
على الرغم من أن الخطب المتشددة التي تحيط بعطلة هذا العام تعكس على ما يبدو الرغبة في ثني واشنطن عن الانسحاب من «خطة العمل المشتركة الشاملة»، إلا أن طهران ما زالت تمارس ضبط النفس إلى حدّ كبير فيما يتعلق بقرار ترامب الوشيك في أيار/مايو. وألمح المسؤولون الإيرانيون إلى أنهم لن يهرعوا إلى الرد، لأن ذلك قد يعرّض شرعيتهم الدولية للخطر ويجعل من السهل تشكيل تحالف غربي ضد طهران.
ومن جانبهم، قد يشعر المعسكر المحافظ والجهاز العسكري الإيراني بالارتياح من إعادة إحياء البرنامج النووي المعلنة، رغم أن هذه المقاربة قد تثبت قريباً أنها سيف ذو حدين. وفي ظل استمرار انحدار سعر صرف الريال، فقد يعتبر عدد كبير من الإيرانيين بأن هذه الاحتفالات النووية هي بمثابة مهزلة، حيث يُحتفل بمشاريع جديدة مكلفة لا تحقق فائدة تذكر لهم أو للاقتصاد الإيراني.
عومير كرمي هو مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل". وكان زميلاً عسكرياً في معهد واشنطن عام 2017، وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط وساحات الأمن القومي.