- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3243
الاستفادة القصوى من مؤتمر برلين حول ليبيا
في 19 كانون الثاني/ يناير، سيجتمع القادة الدوليون في برلين لمناقشة السبيل للخروج من الحرب الأهلية المندلعة منذ تسعة أشهرٍ بين ما يسمّى بـ "الجيش الوطني الليبي" بقيادة اللواء خليفة حفتر و"حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دوليّاً بقيادة رئيس الوزراء فايز السرّاج. وترأس الألمان جهوداً تحضيرية امتدت على عدة أشهر بناءً على طلب مبعوث "الأمم المتحدة" غسّان سلامة، لكنّهم امتنعوا عن اختيار تاريخ محدد إلى أن تأكدوا من أنّ هذا الحدث يوفّر فرصةً منطقيةً لتحديد خطواتٍ عمليّة من أجل تحسين الوضع على الأرض وتحريك جهود التفاوض المتوقفة بين "الجيش الوطني الليبي" و"حكومة الوفاق الوطني". واتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيراً تلك الخطوة بعد أن انكشفت عدة تطورات أساسية في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، بما فيها اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقف إطلاق النار في 8 كانون الثاني/ يناير، ومحاولة بوتين الفاشلة لاحقاً للتوصل إلى توقيع كلّ جهة على اتفاقٍ أكثر استدامة لوقف إطلاق النار في موسكو في 13 كانون الثاني/ يناير (وقعت "حكومة الوفاق الوطني" عليه لكن حفتر رفض التوقيع، ولو أن معظم القتال توقف في الوقت الحالي).
كان وزير الخارجية مايك بومبيو معارضاً للتفاوض بالشأن الليبي في فترة ولايته، لكن يُتوقّع أن يحضر مؤتمر برلين إلى جانب مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين. وبناءً على ذلك، يعطي هذا الحدث فرصةً للولايات المتحدة لتلعب دوراً ضرورياً على جبهات متعددة، ويعني ذلك الضغط على الجهات الفاعلة الأجنبية التي جعلت الحرب تستمر وخرقت حظر توريد الأسلحة؛ والعمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا من أجل تنسيق قوانين وقف إطلاق النار في "مجلس الأمن الدولي"؛ ودعم جهود سلامة الرامية إلى تنشيط الحوار الوطني الليبي الذي أعاقه حفتر بعد الهجوم على طرابلس في نيسان/ أبريل الماضي رغم الدعم الأوروبي لسلامة.
منذ عام 2011، سعت ليبيا جاهدة إلى تشكيل حكومة انتقالية شرعية رغم إجراء ثلاث انتخابات وطنية وإنشاء أربع هيئات تشريعية على الأقل. وأدّى في النهاية الطعن في نتائج الانتخابات في عام 2014 إلى حكومتيْن متنافستيْن في الشرق والغرب، واشتدّ الانقسام حين بدأ حفتر الحرب الأهليّة الأولى بدعمٍ من حليفتيْه مصر والإمارات العربية المتحدة. وتوقفت تلك الحرب في عام 2015، لكن الجهود المحلية والدولية التي استغرقت عدة سنوات لم تنجح في توصّل السرّاج وحفتر إلى حلٍّ دائم.
في شباط/ فبراير 2019، اجتمع القائدان مع سلامة في الإمارات لكنّهما فشلا مرة أخرى في إيجاد حلٍّ لخلافاتهما. وبعد شهريْن، شنّ حفتر هجومه على طرابلس، الذي استمر منذ ذلك الحين. وببساطة، لم يشعر اللواء بالحاجة إلى تقديم تنازلات بشأن مطالبه الأساسية طالما يبقى موقعه العسكري أقوى من "حكومة الوفاق الوطني"، ويستمر داعموه الدوليون في مساندته، ويبقى السرّاج ضعيفاً نسبيّاً على الصعيديْن المحلّي والدولي.
تجدد الشعور بالإلحاح
تصوّرَ سلامة فكرة مؤتمر برلين لأنّ ألمانيا لم تؤدِّ دوراً ناشطاً في الحروب الليبية الأخيرة ويمكن بالتالي أن تُعتبر وسيطاً حيادياً لتحقيق السلام. وبدعمٍ من الموقف الأوروبي الموحّد، بدأت جهود ميركل الدبلوماسية قبل الخطوات العسكرية الأخيرة التي قامت بها روسيا وتركيا - إذ نشر بوتين مرتزقة مجموعة فاغنر على الخطوط الأمامية لدعم حفتر في أيلول/ سبتمبر، ونشر أردوغان القوّات التركية في ليبيا في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر بعد توقيع مذكّرة دفاع مع "حكومة الوفاق الوطني" في تشرين الثاني/ نوفمبر.
ويهدف مؤتمر برلين إلى تكوين موقفٍ دوليٍّ موحّد يمكن أن يساعد الأمين العام "للأمم المتحدة" وسلامة في تحقيق اتفاقٍ سياسي والتوصل أخيراً إلى إعادة توحيد ليبيا. ووفقاً للسلطات الألمانية، سيشمل هذا الحدث مسؤولين رفيعي المستوى من الجزائر وبريطانيا والصين ومصر وفرنسا وإيطاليا وجمهورية الكونغو وروسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. كما سيتم تمثيل "الأمم المتحدة" و "الاتحاد الأوروبي" و "الاتحاد الأفريقي" و "جامعة الدول العربية". ومن بين القادة المتوقع حضورهم بوتين وأردوغان، إلى جانب الرئيس الجزائري عبد المجيد طبون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي.
ويهدف المؤتمر إلى إقرار نصٍّ من أكثر من خمسين نقطة جرى التفاوض بشأنه مسبقاً ويعالج مجموعةً كبيرةً من المسائل هي: إنشاء مجلس عسكري من كل طرف ليبيّ من أجل التفاوض بشأن المسائل الأمنيّة، وتشكيل هيئة سياسية جديدة تمثّل الأطراف كافة، وإنشاء فريق اقتصادي للتعامل مع المسائل المثيرة للجدل مثل توزيع الموارد النفطيّة وتوحيد المؤسسات الاقتصادية وإصلاح الإعانات.
غير أنّ الخطوة الأولى ستتمثّل في تعزيز عملية وقف إطلاق النار الهشّة، وربما تصميم آليّة مراقبة. فمن الصعب تصوّر حدوث مفاوضات قابلة للاستمرار حول المستقبل السياسي والأمني والاقتصادي في ليبيا إذا استمرّ القتال بين الطرفيْن. وحتّى الآن، احتُرمت بشكلٍ عام محاولة وقف إطلاق النار التي يتوسّط فيها بوتين وأردوغان منذ دخولها حيّز التنفيذ في 12 كانون الثاني/ يناير. إلا أن كل طرف يشكّ في أن الطرف الآخر يستغلّ هذا الهدوء فقط لتعزيز خطوطه الأمامية - وذلك عبر إحضار المزيد من الأسلحة والمعدّات من الشرق في حالة "الجيش الوطني الليبي"؛ وعبر الحصول على الأسلحة والعناصر من أنقرة في حالة "حكومة الوفاق الوطني"، بما في ذلك المقاتلون المؤيدون لتركيا الذين حاربوا سابقاً في سوريا. وسيشكّل توطيد تركيبة الآلية الدائمة لوقف إطلاق النار وشروطها مسألةً أساسيةً في برلين وفي أي اجتماعات لاحقة.
الدور الموسّع للولايات المتحدة
مهما كانت نيّة الرئيس ترامب حين اتّصل بحفتر في نيسان/ أبريل الماضي، فإن التواصل معه أشار إلى دعم الهجوم الذي شنّه اللواء، رغم الدعوات اللاحقة التي وجّهتها الإدارة الأمريكية لوقف التصعيد. وأجرت واشنطن أيضاً مناقشات مهمة على الصعيد التقني حول الإصلاح الأمني والاقتصادي، إلا أن قيمة تلك الجهود تبقى محدودة في سياق الحرب الجارية. وبناءً على ذلك، يجب أن يركّز بومبيو وأوبراين بشدة على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في الأيام والأسابيع القادمة وهي:
الضغط على الداعمين الأجانب الأساسيين لكل طرف بهدف وقف دعمهم العسكري، ما يعطي المتفاوضين فرصةً لإضفاء طابعٍ رسمي على عملية وقف إطلاق النار. ويعني ذلك الإصرار على وقف استخدام الإمارات العربية المتحدة لطائراتها المسيّرة بدون طيّار وطائراتها الأخرى الداعمة لعمليات حفتر، وتوقّف تركيا عن تزويد "حكومة الوفاق الوطني" بالعناصر والأسلحة والتكنولوجيا. وعلى بومبيو أن يكون واضحاً مع كل المفاوضين حول جدّيّة واشنطن حيال هذه المسألة، وحول التأثير الذي سيخلّفه سلوكهم في ليبيا على علاقاتهم الثنائية مع الولايات المتحدة.
فتح قناة مع روسيا. بهدف ردع بوتين عن ترسيخ الوجود الروسي في جنوب البحر الأبيض المتوسط، على واشنطن التواصل مع موسكو بشأن ليبيا. ففي الأسبوعيْن الماضييْن، أظهر بوتين مرة أخرى أنه يريد أن يكون صاحب نفوذٍ في ليبيا، لكنه يبدو أيضاً أكثر استعداداً لضمان العلاقات مع طرفيْ النزاع بدلاً من دعم حفتر فحسب. ويمكن أن يستفيد بومبيو من هذا الاهتمام - فضلاً عن ازدراء حفتر لاتّفاق بوتين في موسكو - عبر عرض التفاوض بشأن قرارٍ "مجلس الأمن الدولي" الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وعبر دعم المفاوضات السياسية بقيادة "الأمم المتحدة".
التأييد الواضح لعملية "الأمم المتحدة" وتقديم الدعم الرقابي. يجب أن تُظهر الإدارة دعماً أمريكيّاً صريحاً للمفاوضات التي تقودها "الأمم المتحدة" على جميع المسارات الثلاثة (السياسية والاقتصادية والأمنية). كما عليها تقديم موارد أمريكية، لا سيّما المعلومات الاستخباراتية، من أجل مراقبة وقف إطلاق النار. ويشمل ذلك التهديد باستخدام صلاحيات العقوبات القائمة لمعاقبة الجهات الفاعلة التي تنتهك شروطها، سواء كان مقرّها في ليبيا أو خارجها.
يشكّل مؤتمر برلين فرصةً في غاية الأهمية للتوصل إلى وقف مؤقت للحرب الليبية على الأقل. وإذا أضاعتها واشنطن، قد لا تحظى بفرصة ثانية إلا بعد زهق مئات الأرواح وتشريد آلاف الأشخاص.
بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. تشارلز ثيبوت، هو دبلوماسي فرنسي وزميل زائر مقيم في معهد واشنطن، وقد عمل سابقاً في المؤسسات الدبلوماسية الأوروبية في سوريا والجزائر والعراق وفرنسا وبلجيكا وألمانيا.