- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3036
التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية (الجزء الأول): وضع الشروط على صفقات الأسلحة لتعزيز النفوذ
"هذا المرصد السياسي هو الأول في سلسلة مكوّنة من جزئين حول التعديلات المحتملة على العلاقة الأمنية الثنائية. وسوف يبحث الجزء الثاني الدعم العملياتي الأمريكي للقوات السعودية، خاصة في حرب اليمن."
تقوم العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على فرضية بسيطة مفادها أن واشنطن تضمن أمن الدولة السعودية على المستوى المادي، بينما تؤدي الرياض دور الشريك المتعاون في مكافحة الإرهاب والمورّد المتجاوب وغير السياسي إلى أسواق الطاقة العالمية. وتشكل مبيعات الأسلحة جزءاً لا يتجزأ من هذه العلاقة: فمهمة الحفاظ على الجيش السعودي الكبير تربط واشنطن بالرياض بشكل وثيق، في حين أن المشتريات الضخمة للمملكة من الأسلحة الأمريكية والخدمات ذات الصلة تقوّي قطاع الدفاع والاقتصاد العام في الولايات المتحدة.
ولطالما استندت العلاقة أيضاً على توقّعٍ مفاده أن الولايات المتحدة ستأخذ زمام المبادرة في السياسات الخارجية والأمنية لحماية السعودية. ولكن مع ذلك، فخلال فترة إدارة أوباما، تم استبدال هذه الصيغة بنهجٍ قائم على الشراكة والذي تم من خلاله تشجيع المملكة على تطوير قوات إضافية قادرة على توفير الأمن بنفسها. وفي أعقاب ذلك بدأت الرياض في اتخاذ إجراء غير متوقع أحادي الجانب لحماية ما تعتبره مصالحها الأمنية الذاتية، مما أدى إلى قيام أزمات مثل الحرب الوحشية في اليمن، وعزل قطر، واختطاف رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقد دفعت هذه التطورات إلى زيادة الشعور داخل الكونغرس الأمريكي بأنه يجب إعادة النظر في التعاون الأمني الأمريكي مع السعودية - وهو موقف من المرجح أن يزداد تأييداً بعد الانتخابات النصفية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر. وسوف يزداد الضغط لإعادة النظر في هذا التعاون ويصبح أكثر إلحاحاً إذا فشلت الأطراف المشاركة في حرب اليمن في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار الذي دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس الأسبوع الماضي.
تقييم أكبر زبون للأسلحة الأمريكية
منذ أيار/مايو 2017، صرّح الرئيس ترامب مراراً وتكراراً بأن السعودية تنوي شراء أسلحة وخدمات ذات صلة من الولايات المتحدة بقيمة 110 مليارات دولار، ويبدو أن هذا المبلغ يشمل مبيعات الأسلحة الجارية ومذكرات إعلان النوايا للمبيعات المستقبلية. لكن مهما بلغت قيمة المبلغ الفعلية في نهاية الأمر، فإن صفقات الشراء التي تخطط لها الرياض تبقى هائلة بلا شك. ففي السنوات العشر الماضية، التزمت المملكة بشراء المزيد من الأسلحة وقطع الغيار وخدمات التدريب والصيانة ذات الصلة مقارنة بأي زبون خارجي آخر، مع استلام الكونغرس إشعاراً بصفقات بيع محتملة تصل قيمتها إلى 138,9 مليار دولار، منها 90,09 مليار دولار خلال السنوات الثمانية من إدارة أوباما، و48,81 مليار دولار في غضون عامين من فترة ولاية ترامب. وتشمل صفقات الشراء التي أبلغت عنها "خدمة أبحاث الكونغرس" الأمريكي ما يلي:
- أنظمة طائرات ثابتة الجناحين بقيمة 63 مليار دولار، تشمل طائرات قتالية وغير قتالية، وذخائر، وتحديثات إلكترونية.
- أنظمة حربية برية بقيمة 49,2 مليار دولار، من بينها مركبات مدرعة ومدفعية وذخائر.
- أنظمة مروحيات بقيمة 49,1 مليار دولار، تشمل مروحيات مسلحة من نوع أباتشي ومروحيات نقل [متعددة الأغراض].
- أنظمة دفاع صاروخية بقيمة 24,3 مليار دولار، من بينها صواريخ باتريوت ونظم "الدفاع الجوي للارتفاعات الشاهقة" ("ثاد") مقترحة بقيمة 15 مليار دولار.
- أنظمة بحرية بقيمة 12 مليار دولار، تشمل سفناً قتالية ساحلية متنوعة مقترحة بقيمة 11,5 مليار دولار.
مشتريات الحرب البرية وحرب اليمن
لم يكن الاستثمار السعودي الضخم في أنظمة الحرب البرية والمروحيات والقوة الجوية خلال العقد الماضي محض صدفة. فقد بدأ مع سلسلة الهزائم المفاجئة التي ألحقها الثوار الحوثيون بقوات الحدود السعودية خلال الفترة 2009-2010. ومنذ ذلك الحين، عملت الولايات المتحدة على بناء القدرات الهجومية لـ "الحرس الوطني السعودي" و"القوات البرية الملكية السعودية"، وهي العناصر التي قادت الحملات البرية التي شنّتها السعودية في اليمن بمجرد اندلاع الحرب الراهنة في عام 2015. وشملت هذه المشتريات:
- التجديد الفوري بعد عام 2010: ركّزت الاستثمارات السعودية الأوّلية في الفترة 2010-2013 على علاج حالات النقص التي شهدتها خلال المعركة ضد الحوثيين، وعلى الأخص الحاجة إلى حاملات جنود مدرعة ومقاومة للألغام، ومروحيات هجومية مصفّحة قادرة على تسديد ضربات عقابية كثيفة - والصمود بوجه ضربات مماثلة. وقد اشترت الرياض أيضاً أسلحة جو-أرض، وأجهزة استشعار، وحزمات تدريب بهدف تهيئة "القوات الجوية الملكية السعودية" لدعم العمليات البرية الجديدة في اليمن.
- إعادة الإمدادات خلال الحرب الراهنة: بالإضافة إلى الأنظمة الدفاعية الواضحة (على سبيل المثال، بالونات مراقبة الحدود، ورادارات مضادة للبطارية)، التمس الجيش السعودي من الولايات المتحدة إعادة تزويد قواته البرية أثناء انتقالها من حماية الحدود إلى التقدم داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شمالي اليمن. لكن عملية البيع المقترحة لشراء 115 دبابة قتالية رئيسية من نوع "أم1-أ2 أس" (M1A2S) وآليات دعم لم تنجح في الحصول على موافقة الكونغرس في أيلول/سبتمبر 2016 ولكنها تشهد تقدماً في ظل إدارة ترامب. وفي الفترة بين آذار/مارس ونيسان/أبريل 2018 تم إخطار الكونغرس بالمبيعات المقترحة التي تشمل ذخائر بقيمة 2,28 مليار دولار وأنظمة مدافع مصفحة ذاتية الدفع عيار 155 ملم للقوات البرية. ورغم أنه بإمكان استخدام أنظمة الدبابات والمدفعية لأغراض دفاعية، ينبغي على الأرجح أن يُنظر إليها على أنها أنظمة هجومية نظراً لازدياد الحملات السعودية القصيرة المدى التي تمتد على مسافة 10 إلى 15 ميلاً داخل شمال اليمن.
الذخائر الموجّهة بدقة
فيما يتعلق بالعلاقة الأمنية الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، تُعتبر مبيعات الذخائر الدقيقة التوجيه والمزودة جواً مسألة أخرى تحرف الانتباه. ففي أعقاب جولة الأعمال العدائية مع الحوثيين في الفترة 2009-2010، سعت المملكة إلى تجديد مخزونها من القنابل المضادة للأفراد بواسطة طلب كمية كبيرة تضم 1300 سلاح أمريكي الصنع قائم على دمج البيانات الاستشعارية من نوع "سي بي يو-105" (CBU-105) (وهي ذخيرة فرعية [صغيرة]عالية الموثوقية يقول المصنّعون أن صفة القنبلة العنقودية لا تنطبق عليها بسبب انخفاض معدل العطل). ولكن بحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أي بعد مرور ثمانية أشهر على بدء الحرب الراهنة، كانت السعودية قد استهلكت نحو 2600 ذخيرة من الذخائر الدقيقة التوجيه، وفقاً لإحصائيات الضربات التي أعدّها معهد واشنطن.
وإزاء هذا الوضع، طلبت السعودية حزمةً بقيمة 1,29 مليار دولار تشمل حوالي 19 ألف ذخيرة دقيقة التوجيه ومزودة جواً، وبدأ تسليمها في تموز/يوليو 2017. بالإضافة إلى تلك الحزمة، وافق الكونغرس الأمريكي في حزيران/يونيو 2017 وبفارق ضئيل على صفقة بيع تجارية جديدة لتزويد الرياض بذخائر مماثلة بقيمة 500 مليون دولار - وكانت هذه الدفعة الأولى من سلسلة ضخمة من صفقات بيع الذخائر المطلقة جوّاً بقيمة 4,46 مليار دولار، والتي يستلم السعوديون بموجبها 104 آلاف ذخيرة دقيقة التوجيه أمريكية الصنع خلال نصف العقد المقبل. وقد تُسرِّع الرياض مشترياتها تحسباً لخوض حرب طويلة في اليمن وإمكانية فقدان المبيعات الأمريكية بمرور الوقت.
وفقاً لبيانات معهد واشنطن التي تم جمعها في السعودية واليمن، استخدمت قوات المملكة حوالي 14,500 قطعة ذخيرة منذ آذار/مارس 2015، وجميعها تقريباً ذخائر دقيقة التوجيه، مع انخفاض المعدل المتوسط تدريجياً من 333 ذخيرة دقيقة التوجيه في الشهر عام 2015 إلى 270 ذخيرة من هذا النوع شهرياً هذا العام. وتم طلب الذخائر الأمريكية، التي تصل حالياً إلى السعودية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عندما أدركت الرياض أنها قد تحتاج إلى كمية جديدة من الذخائر الدقيقة التوجيه بحلول عام 2019، ولكن السنوات التي مرّت منذ ذلك الحين لم تشهد سوى دلائل قليلة على وجود نقص في الذخائر الدقيقة التوجيه.
واستناداً إلى تقدير تقريبي للكميات المخزونة قبل اندلاع الحرب ومن السيل الثابت في عمليات الاستبدال، نجد أن الرياض قد تستطيع على الأرجح الحفاظ على مستوى القصف نفسه لعدة سنوات حتى لو تم رفض جميع صفقات البيع الجديدة للذخائر الدقيقة التوجيه. وبالتالي، فبينما قد يكون وقف هذه المبيعات وسيلة جيّدة للإعراب عن استياء الولايات المتحدة أو نأي واشنطن علنياً عن الحرب، إلا أن المعطيات تشير إلى أنه لن يؤدي فعلياً إلى إبطاء الحملة الجوية في أي وقت قريب.
تعديل المبيعات الأمريكية
في الوقت الذي تم فيه استخدام القنابل المزوّدة من قبل الولايات المتحدة في العديد من حوادث قتل المدنيين الأكثر دموية في الحرب، لدى الكونغرس المبررات الكافية لمنع أي مبيعات أسلحة مستقبلية إلى السعودية أو تأخيرها أو فرض الشروط عليها. وبناءً على نتائج الانتخابات الأمريكية في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، فإن المعارضة التي تواجهها هذه المبيعات من 47 عضواً من مجلس الشيوخ قد تصبح أغلبية. كما أن التعنّت السعودي في قضية خاشقجي أو في محادثات السلام اليمنية قد يغيّر موقف المزيد من أعضاء مجلس الشيوخ ويدفعهم إلى دعم قرار مشترك ضد أي حزمات جديدة من الأسلحة. وعلى الأرجح، سيستخدم الرئيس الأمريكي حق النقض ضد أي قرار مماثل ما لم يثبت الكونغرس أنه درس التكاليف بعناية - من حيث إهمال الاحتياجات الأمنية المشروعة لشريك قديم وإلحاق الضرر بمكانة أمريكا كحليف أمني وبائع سلاح على حدٍّ سواء.
ولمعالجة هذه المخاوف، يجب على الحكومة الأمريكية تطبيق بعض المبادئ المنطقية، وهي:
- التخطيط المسبق ومراجعة تفاصيل مبيعات الأسلحة: خلال فترة ولاية إدارة أوباما، اكتسبت السعودية قدرات عسكرية أكبر بكثير وجرى تمكينها للعمل من أجل تحقيق أمنها الخاص. وتم إخفاء هذا الواقع بسبب غياب مراجعة تفصيلية وتطلّعية مصممة من أعلى المستويات إلى أدناها لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الرياض. لذلك، فقبل النظر في المبيعات الجديدة ينبغي على الكونغرس الأمريكي أن يصرّ على وزارة الخارجية والبنتاغون تقديم تقييم معمّق وشامل حول الإمكانيات العسكرية للمملكة، وتنظيم قطاعها الأمني، وخططها المستقبلية، واحتياجاتها الشرائية ذات الصلة، والمورّدين البديلين، مع تحديد تأثيرات هذه النتائج على أمن الولايات المتحدة. يجب أن تنطلق مبيعات الأسلحة من تقييمٍ واضح وبعيد المدى للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وليس من انتهازية اقتصادية بسيطة أو أولويات محددة من قبل القادة السعوديين بصورة ذاتية.
- عدم حظر الأنظمة التي هي في معظمها دفاعية بطبيعتها: تُمثل بعض الإمكانيات السعودية مشاركة مُرحَّب بها في تقاسم أعباء القوات الأمريكية في الدفاع عن منطقة الخليج العربي واحتواء إيران. إن رغبة واشنطن في محاسبة القادة السعوديين على التصرفات المثيرة للمشاكل أمر مفهوم، ولكن لا ينبغي استخدامها لصياغة سياسات تنطوي على مكافآت لطهران. ولدى الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية كبيرة في مواصلة توفير الأنظمة البحرية والدفاعات الصاروخية (من بينها نظام "الدفاع الجوي للارتفاعات الشاهقة")، والدعم اللازم للدفاع عن الحدود وحماية القوات (على سبيل المثال، أنظمة مكافحة الألغام ومكافحة الحرائق غير المباشرة). وتُمثل هذه الأنظمة 54 في المائة (أو 26.5 مليار دولار) من مبيعات الأسلحة إلى السعودية البالغة 48,81 مليار دولار التي اقترحتها إدارة ترامب حتى الآن، أضف إلى ذلك أنها تعود بربح كبير على الاقتصاد الأمريكي.
- إبطاء تسليم الأنظمة الهجومية في معظمها ووضع الشروط لذلك: كما هو موضح أعلاه، بإمكان المملكة استخدام أنظمة معيّنة للغوص بصورة أعمق في الحرب داخل اليمن، بما فيها دبابات "أم1 إي2 أس"، والمدفعية الذاتية الدفع، والذخائر الدقيقة التوجيه. وبالتالي فإن تأخير عملية تسليمها أو إخضاعها للشروط أمر مبرَّر، ربما بشرط عدم استعمالها في اليمن إلا أذا أثبت الحوثيون عدم استعدادهم للمشاركة في محادثات السلام. بإمكان واشنطن أيضاً ربط المبيعات بوقف الضربات التي تستهدف المدن وتنطوي على مخاطر عالية، كما اقترح الوزير بومبيو في 30 تشرين الأول/أكتوبر.
مايكل نايتس، هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقام بزيارة اليمن ودول «مجلس التعاون الخليجي» أربع مرات هذا العام لمراقبة العمليات العسكرية على جبهات متعددة.