- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3040
الشخص الثاني في السلطة في اليمن قد يتولى مجدداً قيادة البلاد
من المحتمل أن تكون مساعي واشنطن الأخيرة لبدء المحادثات في اليمن نتيجة ضغوط على عدة أصعدة، هي: الشعور المتزايد بالضرورة الملحة لإنهاء الحرب المدمرة؛ والمشاكل الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية؛ وتصاعد الدعوات من قبل الكونغرس الأمريكي لوقف الدعم العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية؛ واحتمال وقوع مجاعة كارثية بحلول نهاية هذا العام. وهناك عامل آخر يستحق المزيد من التدقيق وهو: تدهور صحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي يبلغ من العمر ثلاثة وسبعين عاماً ويعاني من مشاكل قلبية مزمنة. فقد تم علاجه في مستشفى في مدينة كليفلاند الأمريكية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد أسابيع فقط من علاجه السابق في إحدى المستشفيات. ويشير بعض المراقبين إلى أن نائب الرئيس اليمني اللواء علي محسن الأحمر، الذي مثّل الحكومة في "حوار المنامة" الأخير الذي نظمه "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في البحرين، هو المسؤول [حالياً عن إدارة الأمور] في الوقت الذي يتعافى فيه الرئيس اليمني.
وكان علي محسن، الذي عُيّن نائباً للرئيس في نيسان/أبريل 2016، القائد العسكري البارز خلال حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي استمر ثلاثة عقود. وفي ذلك المنصب، دَعَم المجاهدين اليمنيين في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ثم جنّد الكثير منهم في اليمن لخوض حرب أهلية ضد الجنوب في عام 1994. وخلال تلك العمليات، قام ببناء علاقات مع بعض من رجال الدين المتطرفين والمقاتلين الذين تم ربطهم فيما بعد بأنشطة إرهابية داخل اليمن. كما قاد الحرب ضد الحوثيين في الفترة 2004-2010.
ومن الناحية السياسة، فإن علي محسن هو حليف لحزب "الإصلاح"، الحركة التي ضمّت في فترات سابقة «الإخوان المسلمين» والسلفيين وبعض العائلات القبلية الشمالية. وتم تعيينه نائباً للرئيس، لأسباب تعود جزئياً إلى توقُّع مساعدة علاقاته القبلية وخبرته العسكرية في شمال البلاد في جهود التحالف في الحرب. وحالياً، يقضي وقته بين المملكة العربية السعودية، التي تربطه بها علاقة عمل جيدة، ومحافظة مأرب اليمنية، حيث يتمركز الآن العديد من مقاتلي حزب "الإصلاح".
ونظراً لقربه للإسلاميين ودوره القيادي في الحروب الماضية ضد الجنوب والحركة الحوثية، يلقى علي محسن استياءً في أنحاء كثيرة من اليمن، ويواجه معارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة على حد سواء. وقد يؤدي استلامه السلطة - ولو مؤقتاً - إلى تعميق الانقسامات القائمة في اليمن، وإثارة أزمة داخل الائتلاف، وربما تعطيل محادثات السلام المستقبلية.
علي محسن والجنوب
إذا أصبح علي محسن رئيساً للجمهورية، سيؤدي ذلك إلى تعميق الشعور الانفصالي بين الجنوبيين الذين يرونه كواجهة للحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي اندلعت عام 1994 وأسفرت عن هزيمة الجنوبيين واستمرار توحيد البلاد. فبعد خسارتهم أمام جيشه في ساحة المعركة، تعرض الجنوبيون للمزيد من الإذلال بسبب الاستيلاء على أراضيهم، وتهميشهم الاقتصادي، والتقاعد القسري للعديد من قادتهم العسكريين وموظفيهم في مجال الخدمة المدنية في فترة ما بعد الحرب. وانطلاقاً من تلك التجربة، نشأت مجموعة من الجماعات الانفصالية، تدّعي كل منها أنها تمثل أفضل مصالح الجنوب. وأدّى عدم قدرتها على التوحّد إلى إحباط جهود الانفصال الماضية، ولكن وصول علي محسن إلى السلطة قد يوحد أطراف هذه الحركات المتفرقة ضد عدو مشترك.
وفي المقابل، هناك بعض الجنوبيين الذين هم أقل استعداداً لمواجهة الرئيس هادي مباشرة. ففي عام 1986، أدى انقلاب فاشل في جنوب اليمن السابق إلى اندلاع حرب قصيرة ولكن دموية بين الجنوبيين قبل سنوات من التوحيد مع الشمال، وما زالت ذكريات ذلك الصراع الداخلي تؤثر اليوم على حساباتهم. فقد كان هادي، وهو جنوبي، طرفاً في ذلك النزاع، وهرب في النهاية إلى صنعاء، حيث انحاز لاحقاً إلى الشمال ووقف إلى جانبهم في الحرب الأهلية. وفي حين أن معظم سكان الجنوب لا يكنّون له المودّة، فقد اقترح أحد الانفصاليين البارزين على الأقل أن يفكر الجنوبيون مليّاً قبل محاربة هادي خوفاً من التوترات المشابهة لتلك التي أُثيرت عام 1986 على حساب الوحدة. وكون علي محسن من الشمال، فلن يحفز على مثل هذا التردد - وعلى الأرجح، سيؤدي التحالف ضده إلى تعزيز وحدة الهدف بين نظام سياسي جنوبي قد يتحطم خلاف ذلك، وربما يخلق نوعاً جديداً من الحرب في خضم الحرب الحالية.
تهديد تماسك التحالف
إن سجل [أفعال] علي محسن يجعله غير مستساغ أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة والإمارات، لذلك فإن توليه الحكم يمكن أن يسبب إشكالاً داخل الائتلاف إذا لم يتم إدراكه بجدارة. وبالنسبة لواشنطن، يمثل اللواء محسن جزءاً من المؤسسة اليمنية التي لطالما كانت قريبة جداً من عناصر تنظيم «القاعدة». وبالنسبة لأبوظبي، فإن علاقاته مع «الإخوان المسلمين» تجعله خارج المعادلة، إذ تعارض الإمارات بشدة جماعة «الإخوان» وصنّفتها قانونياً كمجموعة إرهابية في عام 2014؛ وحذت السعودية حذوها ولكنها استوعبت بشكل عام المتغيرات المحلية للحركة بطريقة لم تلقَ قبولاً لدى الإمارات.
ويقال إن علاقة علي محسن مع جماعة «الإخوان» تنبع من فترته الدراسية في القاهرة في الثمانينيات. فقد حافظ على صلاته معها بعد عودته إلى اليمن، حيث أقام علاقة وثيقة مع [أحد كبار مؤسسي] جماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن، هو عبد المجيد الزنداني، الذي أدرجته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب في عام 2004. ونظراً للارتباط الطويل الأمد دون خجل لعلي محسن مع هؤلاء المتطرفين، أفادت بعض التقارير أن واشنطن والإمارات كانتا غاضبتين عندما تم تعيينه نائباً للرئيس.
تعريض محادثات السلام للخطر
إذا كان التاريخ هو أي دليل، سيكون وفد السلام بقيادة علي محسن نقطة خلاف مع الحوثيين. فقد قام هادي بترقيته إلى منصب نائب الرئيس قبل أسبوع واحد من الموعد المقرر لقيام الكويت باستضافة جولة المفاوضات السابقة في عام 2016 - وهي خطوة أعاقت المحادثات التي فشلت في النهاية.
ويرى الحوثيون أن علي محسن هو مرتكب الجرائم الرئيسي وراء حروب صعدة في الفترة 2004-2010، التي اشتدت بعد أن قتلت قوات الزعيم الديني والسياسي الذي يتمتع بشعبية [واسعة] حسين الحوثي، وهو الاسم نفسه الذي أطلقته الحركة على نفسها في النهاية. كما أنهم يكرهون ميوله السلفية. ففي بداية السبعينيات من القرن الماضي، موّلت السعودية رجال الدين الوهابيين السلفيين في شمال اليمن، وهي خطوة اعتبرها الزيديون المتعصبون انتهاكاً لأسلوب حياتهم. وأرست حركة النهضة الزيدية الأساس لجماعة التمرد الحوثية التي تشكلت بعد عقود، وحاربت السلفيين بشكل منتظم. وقبل استيلائهم على صنعاء في عام 2014، حارب الحوثيون كل من السلفيين والإصلاحيين بكل قوة، وكان العديد من هؤلاء الأخيرين مقرّبين من علي محسن منذ فترة طويلة. ولعل الأكثر دلالة على ذلك، كانت محطتهم الأولى بعد دخولهم صنعاء هي المقر الرئيسي لـ "الفرقة المدرعة الأولى" المفضلة لديه، على الرغم من أن علي محسن نفسه سبق وأن فرّ إلى السعودية.
ويجدر بالذكر أن اللواء محسن يمقت الحوثيين بقدر ما يمقتونه. وأصبح هذا الشعور يتسم بطابع شخصي بصورة أكثركأكث في وقت سابق من هذا العام، عندما اعتقلت القوات الحوثية ابنه محسن علي محسن، ووضعته قيد الإقامة الجبرية في صنعاء.
توصيات في مجال السياسة العامة
على الولايات المتحدة أن تتوقع بأن علي محسن قد يصبح القائد الفعلي في اليمن خلال مفاوضات السلام، حتى لو كان ذلك على أساس مؤقت فقط. فإذا تدهورت صحة هادي وأصبح عاجزاً عن القيام بمهامه، يدعو الدستور اليمني إلى ترقية نائب الرئيس لفترة قد تصل إلى ستين يوماً (يجب أن تُجرى بعدها انتخابات، إلّا أن هذا الموضوع الشائك يفوق نطاق هذا المرصد السياسي). وعلى الرغم من أن لدى واشنطن والإمارات شكوك قوية بشأن علي محسن، إلّا أن الائتلاف أكّد مراراً وتكراراً دعمه للحكومة اليمنية "الشرعية"، لذا سيتعرض لضغوط شديدة من أجل رفض حقه الدستوري في القيادة المؤقتة.
وفي الحالة المثالية، سيقوم صناع السياسات في الولايات المتحدة بفك هذه المعضلة المحتملة قبل حدوثها، ومعالجتها مع شركائهم في الائتلاف ومباشرة مع هادي وعلي محسن. وفي البدايةً، ينبغي على واشنطن أن تشجع المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث على إحياء المقترحات التي نوقشت في محادثات السلام السابقة - التي وافق عليها الحوثيون نظرياً - والتي تُصوّر مجلساً رئاسياً يقود اليمن خلال فترة انتقالية بدلاً من حكم الرجل الواحد. أمّا مسألة إدراج هادي وعلي محسن في هذا المجلس فستكون حتماً جزءاً صعباً من المفاوضات، كما كان عليه الحال في الجولات السابقة عندما تمت مناقشة هذه الخطة.
ولكن قد يكون هناك جانباً مضيئاً لظروف القيادة غير الواضحة: فأولئك الذين يعرفون علي محسن يشيرون إلى أنه واقعياً، غير متشدد عقائدياً، ومستعد للإصغاء إلى السعودية. ووفقاً لأحد المراقبين، يفهم اللواء محسن أنه من غير المحتمل أن يكون جزءاً من اتفاقية مستقبلية في اليمن مع تقدمه في السن (فعلى غرار الرئيس هادي، هو في الثالثة والسبعين من عمره)، لذا فإنه لن يلعب دوراً هداماً. ويجادل آخرون بأنه لا يستطيع أن يعكّر صفو العملية حتى لو أراد ذلك لأن سلطته تضاءلت بشكل كبير. ومع ذلك، تتمثل إحدى السمات الثابتة في مشهد ما بعد "الربيع العربي" في الشرق الأوسط في عدم رغبة الحكام المتقدمين في السن في التنحي، وقدرتهم المدهشة في كثير من الأحيان على لعب دور هدام بعد انتهاء الفترة التي كانوا فيها في أوج نشاطهم. وعلى هذا النحو، على الائتلاف التصرف بحذر، واختبار الواقعية التي اتبعها علي محسن لضمان عدم خروج محادثات السلام مرة أخرى عن مسارها بسبب القضايا الانتقالية للقيادة.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.