- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
وضع الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي في إطاره الصحيح
السؤال: ما هو الشيء الذي يكون في الوقت نفسه أكبر وأصغر مما يبدو عليه للوهلة الأولى؟
الجواب: الإعلان في آب/أغسطس عن تطبيع كامل للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل، والذي تم ترتيبه من خلال المساعي الحميدة للولايات المتحدة.
أنا من أشد المعجَبين بالاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، الذي سيفتح فرصاً للتعاون والشراكة والتآزر بين الاقتصادات الأكثر ديناميكية وتطلعية في الشرق الأوسط. لست من أشد المعجَبين بالتوصيفات الخاطئة التي ملأت موجات الأثير وصفحات الافتتاح في الأيام التي تلت الإعلان عن هذا الخبر. لذا لا بدّ من التحقق مما يعنيه - ومما لا يعنيه - فعلياً الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي.
من جهة، أعتقد أن الاتفاق هو "أكبر" مما يقر به الكثيرون. فهو يشكّل تغيّر كبير وصادم في العلاقات العربية-الإسرائيلية وجاء ليضع حداً لـ 72 عاماً من رفض الدول العربية التي لا تتشارك حدوداً مع إسرائيل التصالح مع الدولة اليهودية. فمن المغرب وصولاً إلى عُمان، حافظت هذه الدول على درجات متفاوتة من الابتعاد بحجة الولاء للقضية الفلسطينية. وفي الواقع، تمكنت الكثير منها من الحفاظ على عزلتها، وعلى وجه التحديد لأن إسرائيل وفّرت الكثير من الفوائد الاقتصادية والزراعية والهيدرولوجية والأمنية والاستخباراتية للعلاقات الثنائية عبر قنوات سرية، دون أن يضطر الجانب العربي إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية معها مقابل ذلك.
والآن، وبعد أن مهّدت الإمارات الطريق، سيتم ممارسة الضغوط في اتجاهين. أولاً، سترزح الدول العربية الثماني عشرة الممانعة تحت الضغوط لشرح ما الذي يمنعها على وجه التحديد، في إطار التزامها تجاه القضية الفلسطينية، من الاستمتاع بالفوائد الإضافية التي توفرها العلاقات الطبيعية الكاملة مع إسرائيل والتي من الواضح أن الإمارات تعتقد أنها ستترافق مع تطبيع كامل. ثانياً، سيكون هناك ضغط على إسرائيل لحرمان الدول العربية الصديقة لها من الاستفادة من اللقاءات الودية السرية بعد حصول سابقة إضفاء الشرعية على علاقاتها.
ولا يزال الجدل دائراً حول جانب آخر من الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي الذي قد يجعله "أكبر" حتى مما يبدو عليه - أي حقيقة أن الاتفاق يشكّل "صلة وصل" لتحقيق السلام العربي-الإسرائيلي. وصلة الوصل هي مفهوم كان القادة الإسرائيليون يحاربونه منذ ولادة "عملية السلام" الحديثة قبل ما يقرب من خمسين عاماً. وفي الواقع، إن إحدى المفارقات الكبرى في الاتفاق مع الإمارات هو أن بنيامين نتنياهو - وارث الزعيمين المتشدّدين من الحركة التصحيحية زئيف جابوتنسكي ومناحيم بيغن، ومخطِّط فكرة الضم الإسرائيلية الأحادية الجانب لأراضي محتلة في حرب حزيران/يونيو 1967 - هو الزعيم الإسرائيلي المسؤول عن إعادة إدخال "صلة الوصل" إلى معادلة عملية السلام.
ومنذ اتفاقية فك الاشتباك الأولى بين مصر وإسرائيل بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، أراد القادة الإسرائيليون فصل علاقاتهم الناشئة على مستوى الدول مع العواصم العربية عن صراعهم الداخلي الطائفي مع الفلسطينيين. ففي عهد "حزب العمل"، استفادت غولدا مائير ومن ثم استفاد إسحاق رابين من اتفاقهما على مضض للتنازل عن الأراضي لمصر وسوريا مقابل التزامات الولايات المتحدة بعدم التعامل مع "منظمة التحرير الفلسطينية"، إلا بموجب شروط قاسية. وفي عام 1979، نجح بيغن فعلياً في التوصل إلى سلام منفصل تماماً مع الرئيس المصري أنور السادات، وفك ارتباط السلام رسمياً مع دولة رئيسية والصراع مع الفلسطينيين. وبعد "اتفاقيات أوسلو" عام 1993، أحيى شمعون بيرس ما يمكن تسميته بـ "الارتباط الناعم" من خلال تخطيط "عملية الدار البيضاء" للعلاقات الاقتصادية مع الدول العربية للبناء على النوايا الحسنة للاتفاق بين إسرائيل و"منظمة التحرير الفلسطينية"، لكن ذلك الجهد فشل عندما فقدت "اتفاقيات أوسلو" بريقها. ولكن من خلال الموافقة على وجه التحديد على تعليق الخطوات نحو ضم الضفة الغربية كجزء من اتفاق التطبيع مع الإمارات، كان نتنياهو هو الذي أدخل مرة أخرى الارتباط مباشرة في اتفاقية ثنائية مع دولة عربية.
ومن الناحية النظرية، فإن الفكرة القائلة بأن إسرائيل ستجني ثمار العلاقات الإقليمية من التنازلات التي قدمتها للفلسطينيين، كانت مطروحة على الطاولة منذ أن اقترح السعوديون "مبادرة السلام العربية" في عام 2002، والتي وعدت بإقامة علاقات كاملة مع جميع الدول العربية (وبالتالي، الدول الإسلامية) مقابل وهم انسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود عام 1967. لكن الاتفاق مع الإمارات وضع الأمر في حجمه الحقيقي، فحوّل احتمالاً افتراضياً إلى واقع ملموس.
مطالب إضافية؟
الآن بعد أن أيّد رئيس الوزراء من "حزب الليكود" مبدأ موافقة إسرائيل على مطالب الدول العربية البعيدة عنها بشأن الأمور المتعلقة بالفلسطينيين مقابل إقامة علاقات كاملة معها، فليس من غير المعقول توقّع مطالب إضافية من الدول العربية الأخرى التي تنظر في تطبيع العلاقات مع القدس. ويثير ذلك سلسلة من الأسئلة الاستفزازية.
هل تفكر إسرائيل، على سبيل المثال، في تقييد نمو المستوطنات في الضفة الغربية أو نقل أراضي إضافية إلى السيطرة الفلسطينية مقابل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع دول عربية رئيسية أخرى، مثل المغرب، أو مجموعات الدول، مثل دول الخليج الأصغر حجماً؟ وليس أقل أهمية، هل ستتخلى القيادة الفلسطينية عن معارضتها للموجة الناشئة من التطبيع العربي مع إسرائيل التي تنعكس سلباً عليها وتتعاون مع العواصم العربية لزيادة الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها من هذا التطور الجديد؟ بدلاً من ذلك، قد تحاول إسرائيل استغلال إحجامها عن الضمّ لتطبيع العلاقات مع دول عربية أخرى. وفي هذه الحالة، سيكون القرار بيد الدول العربية التي ترغب في التقرب من القدس - فهل توفر "صلة الوصل" هذه "المعاد تدويرها" غطاءً كافياً للاستفادة من ثمار العلاقات الثنائية العلنية؟ وعلى وجه التحديد، يُعتبر احتمال وكيفية تطور صلة الوصل في العلاقات الناشئة بين إسرائيل والدول العربية أحد الأسئلة الأكثر أهمية - وبالتأكيد أحد الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام - والمترتبة على الإنجاز الذي حققته الإمارات.
وبغض النظر عن أهمية الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، فهو من جوانب معينة أصغر مما يبدو عليه أيضاً. ولكن هذا لا يقلص من أهمية جوهر هذا الإنجاز أو نية طرفي الاتفاق - سواء الزعيم الرائد للإمارات ولي العهد محمد بن زايد، أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي جنى مكاسب كبيرة من الجهود خلال فترة رئاسته لعدة حكومات لتوسيع نطاق الوصول العالمي لإسرائيل. وبدلاً من ذلك، يجب إدراك ما يجب أن يكون واضحاً - أن إقامة علاقات طبيعية كاملة هي، بالنسبة لكليهما، خياراً وليس ضرورة. واعتماداً على الظروف، يمكن لكليهما الابتعاد عن هذا الخيار دون التعرض لتغيير استراتيجي كبير.
وفي هذا الصدد، تختلف الإمارات عن مصر أو الأردن اللتين كانتا بحاجة إلى سلام مع إسرائيل لمواجهة التحديات الوجودية الأساسية - بالنسبة لأنور السادات، الحاجة إلى استعادة الأراضي، ومن خلال السلام، إعادة توجيه مصر إلى الغرب؛ وبالنسبة للملك حسين، الحاجة لحماية الحقوق الهاشمية في أعقاب الاتفاق المفاجئ بين إسرائيل و"منظمة التحرير الفلسطينية" في أوسلو. وبالمثل، فإن إسرائيل اليوم - القوية، النابضة بالحياة، الواثقة من نفسها - ليست هي نفسها إسرائيل التي أعادت على مضض كل شبر من سيناء من أجل إخراج مصر من تحالف الحرب العربي أو التي قدمت للمملكة الهاشمية ضمانة تعاقدية لدورها في القدس من أجل تقييد الأردن باتفاق طويل الأمد لحماية حدودها الأمنية عند نهر الأردن. ولا توجد حدود مشتركة بين إسرائيل والإمارات ولا نزاع إقليمي ولا تحد وجودي أو أيديولوجي يغطي المصالحة العلنية. وكلتاهما ستجنيان بلا شك فوائد كبيرة من اتفاق التطبيع بينهما، لكن أي من هذه الفوائد لن تقترب من الأهمية الاستراتيجية التي كسبتها مصر والأردن من خلال معاهدات السلام مع الدولة اليهودية - والعكس صحيح.
إن القاسم المشترك للإمارات مع مصر والأردن هو الحقيقة بأن الإمارات ستكسب فوائد كبيرة من اتفاقها مع إسرائيل فيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن. ففي مجال التكنولوجيا، ستكتسب الإمارات إمكانية الوصول إلى أسلحة عالية التقنية، والتي خلاف ذلك تكون مقيّدة بسبب مخاوف من أن يؤدي تسليمها إلى زعزعة التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. وفيما يتعلق بالسياسة، تكتسب الإمارات قدراً من الحصانة من السياسة الأكثر صرامة تجاه الأنظمة الاستبدادية العربية التي من المرجح أن يتبناها الديمقراطيون، إذا فاز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر - وليس الحصانة الكاملة، بالطبع، لكن الزعماء العرب الذين هم في سلام مع إسرائيل يتمتعون بمكانة مختلفة عن الزعماء العرب الذين ليسوا في سلام مع إسرائيل. وحول هاتين المسألتين الرئيسيتين - الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والحماية من انتقاد تدخلات الإمارات في اليمن وليبيا - فإن مجرد انتهاج سياسة الانفتاح في علاقات الإمارات مع إسرائيل قد لا يكون كافياً؛ وبدلاً من ذلك، وكما هو الحال في كثير من الأحيان مع القاهرة وعمّان، قد يتطلب الأمر الدعوة المستمرة من جانب الممثلين الإسرائيليين، والموالين لإسرائيل في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين لتوفير الحماية السياسية للإماراتيين، الذين يعتقدون على الأرجح أنهم حصلوا عليها من التطبيع.
ولكن هناك فرق مهم يمثل نتيجة طبيعية أساسية لكل هذا: وعلى وجه التحديد بما أن الرهانات الاستراتيجية أقل بكثير بالنسبة لطرفي الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي مقارنةً بشركاء إسرائيل العرب الآخرين في السلام، فإن التكلفة المترتبة على أي من الطرفين في حال انقطاع العلاقات ستكون أقل بكثير من الثمن المترتب على قطع مصر أو الأردن علاقاتهما مع إسرائيل. وليس من الصعب تصوّر سيناريو يقوم فيه الإماراتيون بتجميد بعض جوانب التطبيع أو عكسها - رداً على بعض الخطوات الإسرائيلية المرفوضة بشكل خاص تجاه الفلسطينيين، على سبيل المثال، أو في حال قررت إسرائيل وتركيا ما بعد أردوغان إبرام اتفاق مصالحة. لكن المسافة الجغرافية التي تفصل بين إسرائيل والإمارات مهمة. فبإمكان الإمارات أن تُخفّض علاقاتها وتسحب سفيرها وتفرض قيوداً على السياح الإسرائيليين، ومع ذلك ستتمكن الدولتان من التعامل مع التداعيات؛ أما مصر والأردن - اللتان قامتا بذلك في بعض الأحيان طوال الفترة التي حافظا خلالها على السلام مع إسرائيل - فلديهما المزيد من الرهانات في العلاقات مع جارتهما إسرائيل وربما تواجهان تداعيات أكثر خطورةً (ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الظاهرة تعمل في كلا الاتجاهين).
الفوائد والمخاطر
ستتمتع إسرائيل، من جانبها، بفوائد كبيرة من علاقاتها الطبيعية مع الإمارات، سواء من حيث الفرص الثنائية التي يمكن أن تطوّرها مع رواد الأعمال المُرحِّبين في دولة خليجية مؤثرة أثبتت، تماماً كإسرائيل، حضورها على الساحة الدولية، ومن حيث التأثير الذي قد يترتب على توسيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية الأخرى. لكن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع الإمارات لا يبدد أو حتى يغيّر بشكل أساسي أي من التحديات الاستراتيجية الأخرى التي تواجهها إسرائيل - سواء كان ذلك التهديد النووي من إيران، أو التهديد الصاروخي من الجهات الفاعلة شبه الحكومية على حدودها، أو التهديد الثنائي القومية من الصراع الذي لم يتم حله مع الفلسطينيين. فكما هو الحال مع الإمارات، فبالنسبة لإسرائيل أيضاً، إن مخاطر العلاقات الطبيعية أقل من تلك القائمة مع شركاء السلام السابقين.
وستشكل المعارضة التي يحدثها الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي في أوساط أعدائه إحدى المجالات التي سيحدد فيها الآخرون تأثير الاتفاق. يجب أن يتذكر المرء أن مصر عانت من نبذ ومقاطعة العالم العربي لها طيلة عقد من الزمن بسبب معاهدة السلام التي أبرمتها بمفردها مع إسرائيل، ولكن في نهاية المطاف تصالحت تلك الدول مع القاهرة وفق الشروط التي وضعتها القاهرة وليس الدول الأخرى. ومنذ ذلك الحين، استضافت العديد من الدول العربية كبار الوزراء الإسرائيليين، وبعثات تجارية وفرق رياضية إسرائيلية، من دون مواجهة مقاومة تذكر حتى من المتطرفين في المنطقة. وفي هذا الصدد، فإن الزمن قد تغيّر بالفعل.
وكانت تركيا وإيران من أشد منتقدي الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي - ومن المفارقات إنهما دولتان مسلمتان غير عربيتين كانتا أقرب شريكين لإسرائيل في المنطقة في بداية عملية السلام، لكن من الواضح أنهما غيّرتا نهجهما بشكل جذري منذ ذلك الحين. والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان استياؤهما من الاتفاق سيتخذ شكلاً أكثر جوهرية ولن يبقى مجرد انتقادات على قنواتهما الفضائية المفضلة. وبالنظر إلى قوة الاقتصادين الإسرائيلي والإماراتي، فإن المقاطعات من قبل منتقدي الشراكة بين القدس وأبوظبي ستكون غير فعالة ومن المرجح أن تلحق الضرر بالمقاطعين أكثر من الضحايا المستهدفين. وما يهم هو ما إذا كانت الأصول الإسرائيلية والإماراتية - لا سيما رموز الشراكة بينهما، مثل السفارات، والمشاريع المشتركة، وشركات الطيران، والمواقع السياحية - ستصبح هدفاً لهجمات إرهابية ستنفذها طهران وأنقرة ووكلاؤهما المحليون مثل «حزب الله» و «حماس». وحتى في حال حصول ذلك، لا يجب أن نستخلص فوراً أن الغضب من الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي كان المحرك الرئيسي بحد ذاته. ونظراً إلى المنافسات والعداوات التي تجتاح المنطقة من ليبيا وحتى الخليج، قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه الشراكة العربية-الإسرائيلية الجديدة هي السبب المباشر لأي تحرك محدد أو مجرد الذريعة الأكثر سهولة.
وأخيراً، يُعتبر الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي "أصغر" مما يراه الرأي العام من حيث الدور الأمريكي. ويقيناً، تستحق إدارة ترامب ثناءً كبيراً لإدراكها بأن توسيع دائرة السلام في الشرق الأوسط من خلال إقامة علاقات كاملة بين الإمارات وإسرائيل قد يعود بالفائدة على المصالح الأمريكية أكثر بكثير من مباركة خطوة إسرائيل الكارثية الرامية إلى ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية، ومن ثم بذلها جهوداً حثيثة بغية التوصل إلى اتفاق التطبيع. لكن احتمال حدوث تلك الكارثة يعزى إلى وعد الرئيس ترامب القصير النظر الذي قطعه في كانون الثاني/يناير بالاعتراف بالأراضي التي قد تضمّها إسرائيل بموجب خطته للسلام، والذي تبعه رفض الإدارة الأمريكية التراجع عن هذا العرض التافه. وبالفعل، يبدو أن مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر أدرك بنفسه أن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي هو، من جملة أمور أخرى، وسيلة لإحباط تلك المبادرة الأمريكية عندما كتب، في استعراض ضمني بصراحة كبيرة، مقالة افتتاحية في صحيفة "واشنطن بوست" أشاد فيها بالاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي دون أن يذكر بشكل محدد خطة ترامب للسلام.
سُلَّم نتنياهو
على غرار جميع القرارات السياسية الصائبة، يُعتبر الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي نتاج المصالح الذاتية المستنيرة لطرفيه الرئيسيين. وأدركت إدارة ترامب أن ضم إسرائيل لأراضٍ في الضفة الغربية كان ليبدو بمثابة المسمار الأخير في نعش خطة ترامب للسلام، وكانت الإدارة منفتحة على أي وسائل لمساعدة نتنياهو على التراجع عن التزامه بتحقيق الضم لتجنب هذا الإحراج السياسي. (الفكرة، التي عرضها بعض المحللين، بأن عملية الضمّ كانت خدعة ذكية من قبل نتنياهو لتوفير الدعم لاتفاق التطبيع هي فكرة خاطئة بشكل خاص؛ فلو لم يتصدَ كوشنر لالتماسات السفير الأمريكي ديفيد فريدمان أو لو لم يرتفع عدد المصابين بفيروس كورونا في إسرائيل بشكل خطير وتَقرر شطب بند الضم من أجندتها السياسية، لكانت جميع الدلائل تشير إلى واقع مضي نتنياهو قدماً بوعده السياسي بتحقيق الضمّ).
لقد أدرك الإماراتيون أنهم قد يحققون فائدة كبيرة من هذه الإدارة الأمريكية وخليفتها المحتملة إذا ما تدخلوا لمدّ يد العون إلى نتنياهو لينسحب من مسألة الضمّ. وتوصل نتنياهو نفسه إلى استنتاج مفاده أن الفوائد العملية للتطبيع مع دولة خليجية بارزة تفوق الرضا الإيديولوجي من عملية الضمّ، وهو واقع اكتسب أهمية أكبر مع ازدياد حظوظ جو بايدن الانتخابية (في الرئاسة الأمريكية) في الأشهر الأخيرة، مما عزز احتمال أن يتسبب الضمّ بالإيقاع في العلاقة البالغة الأهمية مع واشنطن.
ولا ينبغي المبالغة في الحصيلة أو التقليل من شأنها - فإقامة علاقات طبيعية بين الإمارات وإسرائيل ليست لحظة تحوّل كوني في ميزان القوى الإقليمي، كما أنها ليست مجرد نتاج تطور حتمي للعلاقات التي كانت سرية في ما مضى، معلومة إضافية في أسطر التاريخ، سرعان ما يتمّ نسيانها. بدلاً من ذلك، يجب الإقرار بأنها حدث بارز يُعتبر خطوة مهمة للغاية من الناحيتين العملية والنفسية، وإن كانت لا تزال تدريجية في مسيرة بدأت منذ أكثر من 100 عام نحو إضفاء الشرعية على فكرة وجود دولة يهودية في الشرق الأوسط. وبالفعل، إن الطابع الطوعي الذي لا ينم عن حاجة الذي تكتسيه هذه الشراكة، يدفع إلى الاحتفاء بها بشكل خاص.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "تايمز أوف إسرائيل".
"تايمز أوف إسرائيل"