- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2584
وجهة النظر الإسرائيلية تجاه المناطق الآمنة في سوريا
إقرأ المزيد من المقالات في السلسلة التي أصدرها معهد واشنطن حول المناطق الآمنة في سوريا.
منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، ازداد الوضع الإنساني تأزماً. ففي شمال غرب البلاد، دفعت الضربات الجوية الروسية وتقدم نظام الأسد وحلفائه على الأرض عشرات الآلاف من السوريين إلى الفرار إلى تركيا. وفي الجنوب، أدت هجمات مماثلة إلى خروج المزيد من السوريين من محافظة درعا وتوجههم إلى الأردن، المُغلقة حدودها فعلياً مع سوريا في الوقت الحاضر. ورداً على ذلك، يعيد صناع السياسات من الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة طرح فكرة إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا للحد من المعاناة الإنسانية وتخفيف حدة الضغط على الدول الأكثر استضافة للاجئين، مثل تركيا ولبنان والأردن. إلا أن إسرائيل لم تشارك علناً في هذا الحوار بالرغم من مشاطرتها الحدود مع سوريا، ولا بد من النظر في أسباب هذا الغياب المتعمد عن كثب.
لماذا لا تكون إسرائيل جزءاً من النقاش؟
تاريخياً، لطالما رفضت الدول العربية أي تعاون مع إسرائيل، على الصعيد الدبلوماسي أو العسكري، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى رغبتها بتجنب الانتقادات المحلية من السكان الذين يكنّون عادةً مشاعر عدائية للغاية إزاء الوضع الفلسطيني. فإشراك إسرائيل في المناقشات المعنية بالمناطق الآمنة قد يقوّض شرعية أي مبادرة مماثلة بنظر الرأي العام العربي، لأن نظام الأسد وشركاءه سيصوّرونها من دون شك كجزء من مخطط إسرائيلي يهدف إلى كسب [بعض] السيطرة في سوريا.
وبالتالي، بالرغم من السيناريوهات المتعددة المتعلقة بتنفيذ منطقة آمنة، من بينها الأدوار العسكرية المحتملة للقوات التركية والسعودية والأردنية وقوات منظمة "حلف شمال الأطلسي" ("الناتو")، لم يقترح أي صانع سياسات مساهمة إسرئيل في الأصول العسكرية. وإذا لم تكن إسرائيل جزءاً من عملية التنفيذ، لماذا قد تريد الدول إشراكها في عملية التخطيط؟ ويقيناً، يمكن أن تلعب إسرائيل دوراً مساعداً من خلال مشاركتها المعلومات الاستخباراتية حول الديناميات على الأرض وتقديم بعض المساعدة الإنسانية، إلا أنها تقوم بالفعل بمثل هذه الأمور بدرجة أو بأخرى. فضلاً عن ذلك، يعتقد عدة صناع سياسات إسرائيليون أن المنطقة الآمنة لا تعنيهم بالضرورة. ويشكل هذا النوع من التفكير استمرارية مباشرة للسياسة التي تنتهجها إسرائيل تجاه الحرب الأهلية حتى الآن، خصوصاً عدم الوقوف إلى جانب أي طرف. فدعم منطقة آمنة قد يؤدي إلى القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد، الأمر الذي قد يُعتبر انحيازاً.
الأسباب لدعم منطقة آمنة
إذا أنشأت الجهات الفاعلة الخارجية منطقة آمنة بنفسها، فكيف سيكون الرد الإسرائيلي؟ يعتمد الجواب جزئياً على موقع المنطقة الآمنة. وفي حين قد لا تحرك إسرائيل ساكناً رداً على إنشاء منطقة شمالية على حدود تركيا، فقد تقدم بعض الدعم لإنشاء منطقة آمنة جنوبية على طول الحدود الأردنية السورية، على الأغلب نظراً لأهميتها لعمّان. فالمملكة الأردنية تواجه صعوبة كبرى في التعامل مع العدد الهائل من اللاجئين السوريين المتواجدين أصلاً على أراضيها أو المنتظرين خارج الحدود، وبالتالي، فإن تدفق المزيد من اللاجئين من شأنه زيادة إرهاق مواردها المالية واللوجيستية والأمنية (انظر المرصد السياسي 2581، "منطقة آمنة في جنوب سوريا"). وفي كانون الأول/ديسمبر، كتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدرور والنائب السابق لرئيس "مجلس الأمن القومي" عيران ليرمان: "لدى إسرائيل مصلحة استراتيجية والتزام طويل الأمد بضمان سلامة المملكة الأردنية الهاشمية وأمنها واستقرارها وازدهارها... [كما] أن مساندة إسرائيل للأردن بأشكال أخرى، وأهمها مساعدة الأردن على التكيف مع التدفق الهائل للاجئين السوريين في السنوات الأخيرة، تبقى مسألة بالغة الأهمية". وبإمكان منطقة آمنة جنوبية أن تخدم جميع هذه المصالح.
وهناك سبب آخر قد يدفع إسرائيل إلى دعم إنشاء منطقة آمنة قد يكون لها تأثير إجابي على المعارضة السورية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا قد تعمد إسرائيل فجأةً إلى دعم سياسة مؤيدة للثوار في حين أنها حرصت بكل قواها على عدم الانحياز لأي من الأطراف المشاركة في الحرب؟ وكما أشار عاموس هرئيل في مقالة في صحيفة "هآرتس" في 21 شباط/فبراير، تخشى إسرائيل من أن تؤدي الانتصارات المستمرة للنظام السوري وروسيا إلى تقوية «حزب الله» وإيران، وبالتالي زيادة الخطر على إسرائيل. ووفقاً لهرئيل، يؤمن القادة الإسرائيليون اليوم أنه يجدر بالغرب تكثيف دعمه للثوار بغية "إيقاف تقدم النظام وتصاعد نفوذ إيران". لذلك، قد يدعم هؤلاء القادة إنشاء منطقة آمنة إذا وجدوا أنها ستقوّي المعارضة السورية.
العامل الروسي
ولكن قبل دعم أي خطة من هذا القبيل، حتى ولو بشكل سري، لا بد من أن تأخذ إسرائيل بعين الاعتبار رد الفعل الروسي المحتمل. فمنذ بداية التدخل العسكري لموسكو في سوريا، تنخرط إسرائيل وروسيا في التنسيق التكتيكي الذي يسمح للدولتين بالعمل في سوريا من دون عرقلة أهداف بعضهما البعض (انظر المرصد السياسي 2529، "التنسيق الإسرائيلي الروسي في سوريا: جيد حتى الآن؟"). وتنقسم أهداف إسرائيل الأساسية في سوريا إلى شقين: إيقاف أي عمليات نقل للأسلحة المتطورة إلى «حزب الله»، ومنع إيران و«حزب الله» من إنشاء جبهة قتال ضد إسرائيل في مرتفعات الجولان. ولإنفاذ هذه الخطوط الحمراء، تفضل إسرائيل المحافظة على علاقات جيدة مع موسكو، بما أن القوات الروسية قد تقرر خلاف ذلك الدفاع عن أصول «حزب الله» في سوريا أو تبادل المعلومات الاستخباراتية مع شركائها في التحالف فيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية الوشيكة.
وإذا أُنشئت منطقة آمنة في سوريا من دون تفويض من قبل مجلس الأمن الدولي، وإذا تضمنت مكوناً عسكرياً مثل منطقة حظر جوي، فستعتبر روسيا ذلك على الأرجح منافياً لسياستها، حتى أنها قد تتخذ إجراءات مضادة للتدخل. وبما أن القوات الروسية لا تصب تركيزها إلى حد كبير على جنوب سوريا في الوقت الحاضر، فقد لا تعارض موسكو معارضة ضارية إنشاء منطقة آمنة هناك. ولكن إذا استخدم الثوار المعتدلون المنطقة الآمنة لشن هجمات ضد النظام، ستتخذ روسيا على الأرجح تدابير مضادة للمنطقة بغض النظر عن موقعها.
وبالرغم من أن دعم إنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا تلقى معارضة روسية قد يسبب عدة مشاكل للقادة الإسرائيليين، إلا أن حساباتهم قد تتغير إذا تولت الولايات المتحدة قيادة العملية، لأن ذلك قد يشير إلى التزام أمريكي بتنفيذ الخطة وحماية الأطراف المعنية. وفي هذه الحالة، ستشعر إسرائيل بالمزيد من الثقة في التعبير عن دعمها للمنطقة الآمنة وحتى تقديم مساعدة إنسانية وبعض التنسيق العسكري كما فعلت في الماضي (انظر المرصد السياسي 2323، "معضلة صعبة في جنوب سوريا"). إلا أن القيادة الأمريكية لن تذهب إلى حد مساعدة إسرائيل على إنفاذ خطوطها الحمراء المشار إليها أنفاً، وبالتالي يظل لزاماً على القدس أن تحرص على عدم إثارة سخط روسيا.
المحصلة
لن يشكل موقف إسرائيل العامل الحاسم في النقاش المعني بالمنطقة الآمنة، إذ سيكون للولايات المتحدة وتركيا والأردن وروسيا والمملكة العربية السعودية ولجهات فاعلة أخرى تأثير أكبر بكثير كونها أكثر انخراطاً في الحرب. وسبق أن أعربت بعض هذه الدول عن استعدادها للمساهمة في أصول عسكرية لصالح هذه السياسة. وفي الوقت الحالي، تبدو إسرائيل ملتزمة بالبقاء محايدة تجاه الحرب وستتجنب على الأرجح الإدلاء بتصريحات علنية حول أي خطة مرتبطة بالمنطقة الآمنة، علماً أن بعض الدول العربية قد تفضل بالطبع بقاء إسرائيل خارج اللعبة. وإذا لم تعارض موسكو الخطة، فقد تغير إسرائيل رأيها وتدعم الخطة، غير أن أي انتقادات أو تهديدات روسية بشأن المنطقة الآمنة ستقنع إسرائيل على الأرجح بالتزام الصمت. فالقيادة الإسرائيلية الحالية تعتبر أنه طالما كان باستطاعتها العمل بموجب الخطوط الحمراء التي وضعتها في سوريا، فلن يكون هناك ما يبرر القيام بتغييرات جذرية في السياسة. ورغم أن بعض المحللين والمسؤولين السابقين قد اقترحوا أن تقوم إسرائيل بتعزيز علاقاتها مع الثوار المعتدلين في الجنوب وتفكر جدياً في منطقة حظر جوي، فإن معظم هذه التوصيات قد قُدمت قبل التدخل العسكري الروسي، الذي أثنى عدة لاعبين عن تكثيف انخراطهم في الحرب. وباختصار، إذا عارضت روسيا إنشاء منطقة آمنة في الجنوب، فمن غير المرجح أن تساهم إسرائيل عسكرياً في الجهود المبذولة لهذه الغاية.
نداف بولاك هو زميل "ديان وجيلفورد جليزر فاونديشن" في معهد واشنطن.