- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3979
وقف إطلاق النار في لبنان: تطور الوضع وآفاق الهدنة بين إسرائيل وحزب الله
شاهد أو اقرأ تحليلات جنرال سابق في "الجيش اللبناني"، ورئيس شعبة التخطيط الاستراتيجي السابق في” جيش الدفاع الإسرائيلي“، ومحلل خبير في الشؤون اللبنانية ضمن سلسلة جديدة من الحلقات الافتراضية التي عقدها معهد واشنطن.
في 13 كانون الثاني/يناير، عقد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى منتدى سياسي افتراضي تضمن جلستين حوار منفصلتين عبر الفيديو. شارك في الجلسة الأولى خليل الحلو، بينما شارك في الجلسة الثانية كل من تال كيلمان وحنين غدار. الحلو هو أستاذ مشارك في "جامعة القديس يوسف" في بيروت، شغل سابقاً منصب لواء في فوج المغاوير” الجيش اللبناني"، كما خدم في وحدة إنقاذ الرهائن التابعة للمخابرات العسكرية. أما كيلمان، فقد تولى سابقًا منصب رئيس القسم الاستراتيجي والشؤون الإيرانية في مديرية التخطيط والتعاون بالجيش الإسرائيلي، وغدار هي زميلة أقدم في برنامج روبين للسياسة العربية في معهد واشنطن. وفيما يلي ملخص لما ورد في ملاحظاتهم
خليل الحلو
بعد أن توصل "حزب الله" وإسرائيل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حاول "الجيش اللبناني" الانتشار في جنوب لبنان لكنه لم يتمكن من تنفيذ ذلك بسرعة كافية. وعلى الرغم من أن الكثيرين يعزون هذا التأخير إلى نقص الموارد أو القدرات، إلا أن السبب الحقيقي يكمن في غياب الإرادة السياسية. فالقوات المسلحة اللبنانية تضم حالياً أحد عشر فوجاً مقاتلاً يتألف كل منها من 1,300جندي، مدعومين بمعدات وآليات كافية. وبالمقارنة، لم يكن لدى الجيش اللبناني سوى 50 في المئة من هذه القدرة في عام 2006، ومع ذلك تمكن من الانتشار في الجنوب في غضون أسبوع واحد فقط. اليوم، يبدو أن القوات اللبنانية تفضل تجنب أي مواجهة عسكرية محتملة مع "حزب الله"، مفضلة التركيز على المسار السياسي.
وفي الوقت نفسه، انسحبت إسرائيل جزئياً من لبنان. ففي القطاعين الغربي والأوسط، نجح الجيش اللبناني في الانتشار بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. ومع ذلك، يبقى الوضع مختلفًا في القطاع الشرقي، المطل على سهل الحولة والجليل، حيث لا يزال يشكل مصدر قلق أمني كبير. وإذا لم يسرّع "حزب الله" من وتيرة انسحابه من هذه المنطقة، فقد لا تغادر إسرائيل خلال مهلة الستين يوماً المتفق عليها، مما يهدد بانهيار وقف إطلاق النار. كما أن الطائرات العسكرية الإسرائيلية لا تزال تحلق في الأجواء اللبنانية، حيث قامت بأكثر من 800 انتهاك للمجال الجوي منذ بدء سريان الهدنة؛ وستواصل استهداف "حزب الله" في الجنوب بصرف النظر عن سريان وقف إطلاق النار.
وقد يؤدي عاملان إضافيان إلى إبطاء الانسحاب الإسرائيلي. أولاً، قد تؤدى تهديدات إيران بمواصلة تطوير برنامجها النووي واستهداف إسرائيل بالمزيد من الضربات الصاروخية إلى تصعيد التوتر على الحدود اللبنانية، خاصة أن "حزب الله" لا يزال يمتلك ترسانة صاروخية تقدر ما بين 1,000 إلى 40,000 صاروخ، مما يجعله داعمًا محتملاً لأي تصعيد إيراني. ثانياً، يبقى عدم الاستقرار في سوريا عاملاً مؤثرًا، حيث تفرض التطورات السياسية المتسارعة، والفوضى في المناطق الخارجة عن السيطرة، والانقسامات بين الفصائل التي أطاحت بنظام الأسد، تحديات جديدة لكل من لبنان وإسرائيل.
والآن بعد انتخاب جوزيف عون رئيسًا جديدًا للبنان، هناك تفاؤل لدى البعض بأن "حزب الله" بدأ يفقد نفوذه، لكن هذا التفاؤل قد يكون سابقًا لأوانه، فالقوات المسلحة اللبنانية لم تشهد تغييرات جوهرية والرئيس الحالي كان قائدها العام السابق. ومع ذلك، يبقى تحديد القائد الجديد للجيش اللبناني مسألة حاسمة. وفى حين ينبغي علينا أن نأمل الأفضل، إلا انه يجب علينا أيضًا أن نبقى متصلين بالواقع.
تال كيلمان
بعد مرور أربعة أسابيع على وقف إطلاق النار، طرأت تغييرات ملحوظة على الديناميات بين "حزب الله" وإسرائيل، مما يبرر تفاؤلًا حذرًا، حيث كشف وقف إطلاق النار عن تحول واضح في سلوك "حزب الله " بعد تراجع قدراته العسكرية ونفوذه السياسي. وحتى الآن، لم تُسفر الردود العسكرية الإسرائيلية على انتهاكات وقف إطلاق النار عن ردود فعل انتقامية من قبل "حزب الله". وبخلاف قرارات الأمم المتحدة التي أخفقت في الحفاظ على الأمن في الماضي، يبدو أن الآلية الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة تعمل بفعالية وقد تثمر عن نتائج طويلة الأمد.
كما أدى وقف إطلاق النار إلى انتشار تدريجي للقوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان. وحتى الأسبوع الماضي، كان هناك تساؤل في الأوساط الإسرائيلية حول ما إذا كانت هذه الوتيرة كافية لدعم الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي بحلول اليوم الستين. إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت تسارعًا في انتشار الجيش اللبناني، وبدأ في تولي مسؤولياته الأمنية. إلى جانب التغيير السياسي الذي يمثله عون ورئيس الوزراء الجديد نواف سلام، يعزز هذا الانتشار للجيش اللبناني احتمالات انسحاب إسرائيلي بحلول اليوم الستين. وفي هذا السياق، تُظهر الآليات الحالية لمكافحة الانتهاكات فعالية ملحوظة كما لعبت الشراكة مع القيادة المركزية الأمريكية دورًا كبيرًا في زيادة ثقة إسرائيل.
ورغم ذلك، تظل هناك عدة مخاوف بشأن قدرة الاتفاق على الصمود. فإذا قام "حزب الله" بتعديل مقاربته للهدنة بعد اليوم الستين، قد تضطر إسرائيل إلى إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية أيضًا. علاوة على ذلك، يجب أن يستمر "الجيش اللبناني" في الاضطلاع بمسؤولياته في مواقع انتهاك وقف إطلاق النار. أما مستقبل "حزب الله"، فهو مرتبط إلى حد كبير بإعادة تقييم إيران لاستراتيجيتها الإقليمية بالوكالة. وعلى الرغم من أن التوجه الاستراتيجي لطهران لم يتغير بشكل جوهري حتى الآن، فإن قدرتها على تنفيذ هذه الاستراتيجية تراجعت بشكل كبير.
بالنسبة للكثير من المحللين الاستراتيجيين في إسرائيل، فإن التغييرات الأخيرة في القيادة في كل من لبنان والولايات المتحدة يشكل فرصة استراتيجية جيدة حيث شهد ميزان القوى في لبنان تحولًا جذريًا، ومن المتوقع أن تتبنى الإدارة الأمريكية المقبلة نهجًا أكثر دعمًا للمصالح الإسرائيلية. لذا، يجب استثمار هذا التحول في دعم جهود نزع سلاح "حزب الله". ويمكن أن يؤدي الدعم الغربي من الولايات المتحدة وفرنسا، فضلاً عن الدعم الإقليمي من المملكة العربية السعودية، إلى تعزيز الاقتصاد اللبناني وتشجيع الزخم الإيجابي.
علاوة على ذلك، ينبغي للقادة الإسرائيليين، على المدى القريب، اعتماد مقاربة متوازنة تجمع بين استعادة الثقة في قوة الردع الإسرائيلية في الشمال وتمكين القادة اللبنانيين من إحداث تغيير إيجابي أما على المدى الطويل، فقد يتمكن لبنان وإسرائيل من إيجاد مسار نحو التطبيع وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وسلمًا.
حنين غدار
يتسم مستقبل لبنان السيادي بالتفاؤل الحذر وسط تحديات سياسية وأمنية كبيرة. ويجب على الرئيس الجديد والحكومة القادمة الآن ترجمة هذه التطورات السياسية - بما في ذلك التغييرات التي دعا إليها الرئيس عون في خطاب تنصيبه - إلى استراتيجيات عملية في مجال الدفاع ومسائل أخرى. كما سيتعين عليهم تنفيذ إصلاحات قضائية واقتصادية لبناء مستقبل أفضل للبنان.
وعلى الرغم من استمرار نفوذ "حزب الله"، فإن مفهوم "المقاومة" قد تلاشى فعليًا عندما وافقت الميليشيات على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل. ويواجه "حزب الله “الآن سخط متصاعد داخل مجتمعه الشيعي وتحديات مالية خطيرة أمام إعادة الإعمار في الجنوب. ومع ذلك، سيستخدم الحزب ما تبقى من نفوذه السياسي للدفع باتجاه تعيينات سياسية معينة وعرقلة تعيينات أخرى، لكنه سيواجه مستقبلاً أكثر غموضًا من أي وقت مضى.
وفي الوقت نفسه، لا يزال "حزب الله" وحلفاؤه يتمتعون بتمثيل كبير في البرلمان، لذلك من الضروري ضمان استمرار الزخم السياسي الحالي خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، المقرر إجراؤها في أيار/مايو 2026. ولإثبات قدرتهما على أن يكونا شريكين ناجحين في حكومة قوية دون الانصياع لـ “حزب الله"، سيحتاج الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام إلى اجتياز ثلاث اختبارات أولية.
أولاً، يجب عليهما إحداث تغيير جوهري في بيانهما الوزاري الأولي، فمنذ عام 2008، اعتمدت البيانات الوزارية لغة تدعم شرعية امتلاك "حزب الله" للسلاح من خلال إسناد الأمن اللبناني إلى "الشعب والجيش والمقاومة". ويشكل ذلك الإطار القانوني الوحيد الذي تستند إليه الدولة في التعامل حزب الله“، وبالتالي فإن إزالة هذه اللغة ستجرّد الحزب من أي ذريعة قانونية للاحتفاظ بترسانته.
ثانياً، يجب أن تقوم القيادة الجديدة بتنفيذ تعيينات استراتيجية بمعزل عن سيطرة " حزب الله" على الدولة. ويعدّ ذلك تحديًا أساسيًا، لا سيما فيما يخص التعيينات المرتقبة في مناصب بارزة مثل قائد الجيش اللبناني، ورئيس مديرية الأمن العام، وحاكم مصرف لبنان.
ثالثًا، يجب على عون وسلام تمكين الجيش اللبناني ودفعه إلى تحمّل مسؤولياته الكاملة فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية الأخرى. وهذا يتطلب الضغط والإرادة السياسية وإعادة هيكلة التعيينات في الجيش.
وإذا نجح القادة الجدد في لبنان في هذه الاختبارات، فسيخوضون الدورة الانتخابية لعام 2026 على رأس حكومة ودولة أقوى. لقد تمكّن عون وسلام من إحداث تغيير حقيقي، ويبدو أنهما عازمان على المضي قدمًا في هذا الاتجاه. ولكن يجب على المجتمع الدولي أن يظل حازمًا في التمسك بهذه الشروط المسبقة لضمان سيادة لبنان وأمنه.
تم إعداد هذا الملخص من قبل أودري كوست. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء عائلة فلورنس وروبرت كوفمان.