- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4007
ينبغي على ترامب أن يطمح إلى إنشاء "ريفييرا" في لبنان
تقف بيروت على أعتاب تحقيق نصر كبير في الشرق الأوسط، غير أن ذلك مشروط بتولي الولايات المتحدة دور القيادة في الجهود الأخيرة.
في السادس والعشرين من شباط/فبراير، حازت الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء نواف سلام على ثقة مجلس النواب بأغلبية ساحقة، حيث أيّدها خمسة وتسعون نائبًا من أصل مئة وثمانية وعشرين في البرلمان. وحتى النواب المحسوبون على "حزب الله" صوّتوا بـ"نعم"، رغم أن البيان الوزاري الافتتاحي للحكومة لم يتضمن أي دعم للمقاومة بأي شكل من الأشكال.
في لبنان، تُحدد البيانات الوزارية خطط الحكومة خلال فترة ولايتها، وقد اعتادت البيانات السابقة على الخضوع لـ"حزب الله" من خلال التأكيد على شعار "الشعب والجيش والمقاومة". ومع ذلك، تجاهل بيان سلام هذه العبارة، وركز بدلاً من ذلك على أولويات أخرى، أبرزها: الإصلاحات المالية، والإصلاحات القضائية، والتعيينات على أساس الكفاءة والشفافية، إضافة إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من "الأراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب، حتى الحدود التي حددتها هدنة 1949". كما شدد البيان على ضرورة الحفاظ على "سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بواسطة قواتها الخاصة فقط"، متضمنًا تعهدًا بتنفيذ التزام الرئيس جوزيف عون السابق، الذي أكد على "ضرورة احتكار الدولة للسلاح وحدها" و"اتخاذ قراري الحرب والسلم".
ويتمثل العائق الأساسي أمام تحقيق هذه الأهداف في شقين: الأول هو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، والثاني هو نزع سلاح "حزب الله" في جميع أنحاء لبنان. ولتلبية هذه المتطلبات، تحتاج القوات المسلحة اللبنانية إلى دعم كامل وتنسيق مستمر مع آلية تنفيذ وقف إطلاق النار، التي تتولاها الولايات المتحدة في الوقت الراهن. وبالفعل، فإن تولي الولايات المتحدة قيادة هذه الآلية هو ما يبعث على التفاؤل أكثر بوقف إطلاق النار الحالي مقارنة بالاتفاق الذي أنهى حرب عام 2006، حيث جرى تكريس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي بقي غير منفذ بشكل دائم وكامل، مما حال دون كسر دائرة النزاع المستمر. ومن ثم، سيظل استمرار قيادة الولايات المتحدة وتمويلها أكثر أهمية من أي وقت مضى خلال الأشهر القادمة، على الأقل حتى يتم الوفاء بجميع شروط الاتفاق.
ويصبح هذا السيناريو أكثر قابلية للتحقق إذا حققت الحكومة الجديدة انتصارًا آخر، وقام "حزب الله" بتقديم تنازلات سياسية كبيرة. فالواقع الأكثر إيجابية اليوم يُعزى بشكل كبير إلى الانتصارات الحاسمة التي حققتها إسرائيل في الميدان العسكري ضد الجماعة الإرهابية خلال العام الماضي، والتي أسفرت عن إضعاف "حزب الله" عسكريًا بشكل كبير، وانهيار تام في هيكل قيادته المركزية، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في الروح المعنوية.
ونتيجةً لذلك، تملك الحكومة الجديدة فرصة تاريخية لم يشهدها لبنان منذ أكثر من أربعين عامًا، وهي إعادة الاندماج في المجتمع الدولي، واستعادة التواصل مع الدول العربية السنية الرائدة، وتعزيز العلاقات مع أوروبا، وربما حتى البدء في عملية الانضمام إلى اتفاقات "إبراهيم" مع إسرائيل. تُعد هذه فرصة استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة، فإن كان هناك بلد واحد في الشرق الأوسط يُجيد تطوير "الريفييرا"، وبناء الفنادق، والاستمتاع بحياة كريمة، مع توفير فرصٍ استثماريةٍ ضخمة للمستثمرين الأجانب والمحليين، فهو بلا شك لبنان.
ولكن منذ صعود "حزب الله" إلى السلطة في الثمانينيات، أصبحت البلاد في الواقع رهينة له، وشُلت تحركاتها على كافة الأصعدة. وحتى بعد انسحاب إسرائيل في أيار/مايو 2000، رفض "حزب الله" تسليم المسؤوليات الأمنية إلى الجيش اللبناني، مما قوض بشدة سيادة الحكومة. وقد آن الأوان لواشنطن وشركائها الأوروبيين والخليجيين للمساهمة في كسر هذه الحلقة التي استمرت لعقود، وذلك عبر التركيز على الخطوات التالية:
- إلحاق الهزيمة السياسية بـ"حزب الله" وتجفيف منابع تمويله. رغم إضعاف الحزب، إلا أنه لا يزال يحتفظ بتمثيل سياسي كبير من خلال تحالفه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فضلاً عن اختيار الحزب لوزير المالية ياسين جابر الذي قد يسعى لتحويل مكتبه إلى قناة مالية تخدم مصالحه. ومع مرور الوقت، قد يحاول "حزب الله" إعادة بناء نفوذه واستعادة سيطرته الفعلية إذا تُرك دون قيود.
- الضغط على الجيش اللبناني عبر آلية الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار. بصفتها رئيسةً لهذه الآلية، تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ واسع على المؤسسات الأمنية اللبنانية التي ستكون مسؤولة عن تجفيف منابع تمويل "حزب الله" وإضعافه ميدانيًا، مما يعزز من أهمية هذا الجهد. وعلى وجه الخصوص، يجب على واشنطن ممارسة الضغط على الجيش اللبناني لوقف تدفق الأموال إلى "حزب الله"، وذلك بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وغيرها من كبار المانحين لجهود إعادة الإعمار.
- زيادة الدعم الأمني الأمريكي من خلال التمويل العسكري الأجنبي. مع فرض شروط صارمة تتعلق بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من المراجعة المستمرة التي تجريها الإدارة الأمريكية لمستويات المساعدات الخارجية، فإن تسريع التمويل العسكري للبنان من شأنه أن يمنح واشنطن نفوذًا كبيرًا على القرارات اللبنانية الأساسية، كما سيعزز جهودها في وضع توقعات واضحة لأداء الوزارات المعنية، ومراقبة جميع نفقاتها، والتهديد بفرض عقوبات على الوزراء الذين يتعاونون مع "حزب الله".
- الضغط من أجل تعيين قائد جديد للقوات المسلحة اللبنانية. سيكون هذا القائد مسؤولًا عن التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، ومنع إعادة تسليح "حزب الله"، والتنسيق مع السلطات الانتقالية الجديدة في سوريا لضبط الحدود.
- تنسيق المساعدات المالية مع المملكة العربية السعودية وقطر والجهات المانحة الأخرى، لضمان أن يكون الالتزام بشروط وقف إطلاق النار والإصلاحات الاقتصادية شرطًا أساسيًا لأي دعم لإعادة الإعمار.
- تعليق معاملات لبنان مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى حين تنفيذ إصلاحات اقتصادية وقانونية إضافية. وسيؤدي ذلك إلى الحد من مخاطر تلاعب "حزب الله" والوزراء الموالين له في الشؤون المالية للدولة .
- مراقبة عملية إعادة الإعمار النهائية عن كثب، لضمان عدم استفادة الجهات الفاعلة المعادية منها. ويعني ذلك استبعاد "حزب الله" وشركائه المحليين من جميع مراحل العملية، مع استبعاد كامل لمجلس الجنوب اللبناني، الذي لطالما استُخدم كأداة لتعزيز نفوذ الحزب .
يقف لبنان على أعتاب تحقيق نصر كبير في الشرق الأوسط، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تولت الولايات المتحدة قيادة الجهود الأخيرة. ولتعزيز هذه الجهود ، ستحتاج بيروت إلى قيادة عسكرية قوية، وخطة استراتيجية محكمة، وميزانية مناسبة وكافية لإنجاز هذه المهمة. إضافةً إلى ذلك، سيكون لزامًا على الشركاء الرئيسيين، مثل فرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، العمل جنبًا إلى جنب مع واشنطن للتصدي لـ"حزب الله"، ذلك الخصم الدائم الذي سُمح له بالبقاء وتحقيق الانتصارات مرارًا في الماضي.
حنين غدار هي زميلة أقدم في برنامج الزمالة "فريدمان" في "برنامج «ليندا وتوني روبين» حول السياسة العربية" في معهد واشنطن، حيث تركز في عملها على السياسة الشيعية في مختلف أنحاء منطقة المشرق.
زوهار بالتي هو "زميل فيتربي الدولي" في معهد واشنطن. شغل سابقًا منصب رئيس مكتب السياسات والشؤون السياسية العسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، حيث شملت مسؤولياته توجيه العلاقات الدفاعية والأمنية مع الدول الأجنبية.