- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3754
زيادة الانخراط العسكري الإماراتي في الصومال قد تساعد في كبح حركة "الشباب"
لدى دولة الإمارات الكثير لتقدمه إذا اختارت الانخراط العسكري بصورة أعمق في القتال ضد حركة "الشباب"، لكنها ستحتاج إلى التنسيق عن كثب مع الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة، لتحسين مساهمتها.
في 16 حزيران/يونيو، نفّذت الإمارات العربية المتحدة أول غارة جوية مُعلن عنها في الصومال، استهدفت قريةً يسيطر عليها الجهاديون في منطقة جلجدود بواسطة طائرة مسيّرة تركية الصنع من طراز "بيرقدار تي بي 2" Bayraktar TB2. وتُعد هذه الغارة العملية العسكرية الحركية الأولى التي تنفذها الإمارات علناً في الصومال، وتأتي بعد تزايد الانخراط الإماراتي في البلاد على مدى العام الماضي. وقد تشير الغارة الجوية إلى استعداد أبوظبي لرفع مستوى مشاركتها في الحرب ضد جماعة "الشباب" الجهادية التابعة لتنظيم "القاعدة". ويتناول هذا التحليل الوضع الحالي في الصومال وسجل الإمارات على صعيد التدخل العسكري بهدف تقييم احتمالات تزايد الانخراط الإماراتي.
الوجود الإماراتي في الصومال
في عامَي 1993 و 1994، أرسلت الإمارات 640 رجلاً ينتمون إلى "قوات الواجب" ليشاركوا في البعثة الإنسانية التابعة لـ"فرقة العمل الموحدة" التي يبلغ عددها 37000 جندي في الصومال. كما ساهمت في بعثة حفظ السلام الخاصة بـ"عملية الأمم المتحدة الثانية في الصومال"، ووفرت عدداً من الوحدات العسكرية ومستشفًى ميدانياً. وقُتل ثلاثة جنود إماراتيين في المعارك. ومع استمرار الحرب الأهلية الصومالية لزمن طويل وانسحاب القوات الدولية، اضطلعت الإمارات بدور الجهة المانحة.
بعد ذلك، انخرطت الإمارات على أصعدة مختلفة مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، ومنطقة أرض البنط التي تتمتع بحكم ذاتي، وجمهورية أرض الصومال التي أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991:
- في عام 2010، في أعقاب ازدياد القرصنة قبالة الساحل الصومالي، بدأت الإمارات العربية المتحدة بتمويل تدريب عناصر "قوات الشرطة البحرية في أرض البنط" على يد شركة أمنية من جنوب أفريقيا. وانتهى هذا العقد بفضيحة في عام 2012، إلّا أن أبوظبي استمرت على ما يبدو في تمويل القوات وحافظت على علاقات جيدة مع إدارة أرض البنط. وفي عام 2017، وقّعت شركة "دي بي ورلد" الإمارات (شركة "موانئ دبي العالمية" الإماراتية)، من خلال شركة "موانئ بي أند أو" التابعة لها، عقداً أمده ثلاثون عاماً لتطوير ميناء بوصاصو وإدارته في أرض البنط على ساحل خليج عدن.
- في عام 2016، وقّعت شركة "دي بي ورلد" الإمارات اتفاقاً مع جمهورية أرض الصومال من أجل تحديث ميناء بربرة. بالإضافة إلى ذلك، التزمت دولة الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في جوار مطار المدينة وواجهتها البحرية، وتدريب الشرطة والجيش في جمهورية أرض الصومال، وإنشاء طريق سريع يربط بربرة بمدينة واجالي الواقعة على الحدود مع إثيوبيا. وسيعزز هذا المشروع الوجود الإماراتي في خليج عدن، إذ تبعد بربرة مسافة 483 كم جنوب قاعدة إماراتية في مدينة عصب الإريتيرية. وقد ساعد الوجود الإماراتي في بربرة وعصب وبوصاصو على مكافحة القرصنة، ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، ونقل المقاتلين السودانيين لتنفيذ عمليات ضد الحوثيين في جنوب اليمن.
- بدأت الإمارات رسمياً بتطبيق برنامج لتدريب قوات الحكومة الفيدرالية الصومالية في عام 2014. وبعد عام، افتتحت مركزاً تدريبياً في مقديشو، حيث دربت القوات الإماراتية المغاوير الصوماليين. كما قدّمت الإمارات مركبات إلى قوات ولاية جوبالاند ووزارة الأمن الداخلي والشرطة في الحكومة الفيدرالية. وبحلول عام 2018، أفادت الإمارات بأنها دربت آلاف الجنود الصوماليين، وبنت مراكز تدريب ومستشفًى، ودفعت رواتب 2407 جنود. وألغت أبوظبي مهمة التدريب بعد أن صعد جنود صوماليون على متن طائرة إماراتية في مقديشو في 8 نيسان/أبريل 2018 وصادروا 9.6 ملايين دولار، والتي زعمت الحكومة الصومالية أنها دولارات أمريكية غير مصرّح بها. وكانت التوترات تتصاعد قبل الحادثة، إذ اختارت الصومال أن تبقى على الحياد بعد الأزمة الدبلوماسية مع قطر في عام 2017، مع أن الإمارات العربية المتحدة حثت مقديشو على الوقوف في صفها.
بدأت العلاقات مع الحكومة الفيدرالية بالتحسن بعد عودة حسن شيخ محمود إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية في 15 أيار/مايو 2022، بفضل دعم مالي إماراتي كبير. وأُفرج بعد أيامٍ عن مبلغ 9.6 ملايين دولار، كانت القوات الصومالية قد صادرته سابقاً. وفي شباط/فبراير 2023، صادقت مقديشو على اتفاق رسمي للتعاون الأمني مع أبوظبي، ووصلت بعد شهرٍ المركبات العسكرية الإماراتية إلى منطقة جوبالاند للبدء ببناء قاعدة جديدة ستمتلكها وتديرها دولة الإمارات.
وبشكل عام، كانت المساهمات الإماراتية في الصومال إيجابية إلى حدٍ كبيرٍ، وإن لم تكن بادية للعيان، وتشمل المساعدة في تمويل تطوير "الجيش الوطني الصومالي"، وتحديث مطار بربرة الذي تفكر حالياً "قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا" في استخدامه. وتنفذ الإمارات بعض العمليات بعيداً عن الأنظار، مثل تلك التي تحصل في أرض البنط ضد مهرّبي الأسلحة الإيرانية.
وبفضل التمويل الذي قدّمته أبوظبي، اكتسبت حلفاءً على مستويات مختلفة من المنظومة السياسية الصومالية، من بينهم الرئيس حسن شيخ كما ذُكر سابقاً. وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع أحمد محمد إسلام، رئيس ولاية جوبالاند حيث تبني الإمارات قاعدتها في الصومال، بعلاقة قوية مع أبوظبي، وسبق أن تلقّى مساعدات عسكرية إماراتية.
الجهات الفاعلة الدولية الأخرى في الصومال
بأي حالٍ من الأحوال، لا تُعد الإمارات أبرز جهة فاعلة عسكرية دولية في الصومال. فـ"بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال"، التي عُرفت سابقاً باسم "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" والتي يشكل الاتحاد الأوروبي أكبر مانحيها، تضم اليوم حوالي 22000 جندي من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ولعبت دوراً أساسياً في ضمان أمن مقديشو والمدن الأخرى. وقادت "بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" القتال ضد حركة "الشباب" لبعض الوقت وحلّت محل "الجيش الوطني الصومالي" الذي كان عاجزاً عن تأدية مهامه وخضعت كتائبه لسوء الاستخدام السياسي، مثل التورط في النزاعات بين العشائر وترهيب المعارضين السياسيين. وبما أن الأراضي التي تسيطر عليها حركة "الشباب" تنحصر في المناطق الريفية في جنوب الصومال ووسطه، أخذ "لواء دنب" على عاتقه عبء العمليات الهجومية أكثر فأكثر، علماً أن الولايات المتحدة قد أنشأت هذا اللواء ودربته وموّلته، وهو بمنأى عن سياسة العشائر. وأظهر مؤخراً مقاتلو الجماعات العشائرية المعروفة باسم "ماكاويسلي" والمتحالفة مع الحكومة أنهم فعالون في تنفيذ العمليات المشتركة مع "لواء دنب" وفي السيطرة على الأراضي المحررة.
وقد برزت تركيا كجهة فاعلة مهمة أخرى. ففي عام 2011، سافر رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان، مع عائلته إلى الصومال ليقدّم دعمه خلال المجاعة، ثم وصلت المساعدات الإنسانية التركية إلى البلاد في أعقاب تلك الزيارة. وفي العام نفسه، أعادت تركيا فتح سفارتها في الصومال بعد إغلاقها في عام 1991. وفي عام 2013، بدأت الشركة التركية "فافوري ذ.م.م." بإدارة "مطار آدم عبد الله الدولي" في مقديشو، وتولت "مجموعة البيرق" التركية بعد عامين إدارة العمليات في "ميناء مقديشو الدولي". بالإضافة إلى ذلك، أنشأت تركيا مرافق صحية في الصومال، أما مبنى سفارتها الجديد الذي افتتحه هناك في حزيران/يونيو 2016، فهو الأكبر من بين سفاراتها في العالم.
وفي عام 2017 افتتحت أنقرة أيضاً "معسكر تركسوم" في الصومال، وهو أكبر منشأة تركية للتدريب العسكري في الخارج. وأثبتت وحدة المغاوير "النسور" (أو "غورغور") التي دربتها تركيا فعاليتها القتالية، مع أن سمعتها ساءت في فترة ولاية الرئيس السابق، محمد عبد الله "فارماجو" محمد، بسبب سوء الاستخدام السياسي، كما تبيّن عندما نشر عناصرها للحصول على الدعم السياسي بالقوة. علاوةً على ذلك، تُستخدم الآن الطائرات المسيّرة التركية "تي بي 2" في ساحة المعركة، مما يعزز قدرة الصومال على ضرب أهداف تابعة لحركة "الشباب". وفي حين تُقدّم الولايات المتحدة دعماً جوياً أفضل، إلّا أن شن الغارات الجوية التركية لا يتطلب سوى موافقة ضابط تركي متواجد في أرض المعركة، بينما يتطلب شن الغارات الأمريكية موافقة واشنطن. ويمكن استخدام هذه الميزة عند ظهور أهداف حساسة من حيث التوقيت، مع أنه لا ينبغي اللجوء إلى هذا الخيار بلا مبالاة في المناطق المأهولة.
التداعيات على السياسة الأمريكية
لقد أثبتت الإمارات في إطار مهامها الأخيرة في أفغانستان وليبيا والعراق وسوريا واليمن أنها تستطيع المساهمة بقدرات عسكرية حقيقية عندما ترغب في ذلك. وتَبيّنَ أن القوات الإماراتية قادرة على التكيف وتنفيذ العمل المباشر والعمليات التي تتم "عبر الوسائل غير المباشرة ومعها ومن خلالها". والأهم من ذلك هو أن الإماراتيين اكتسبوا خبرة واسعة، ضمن مجموعة من البيئات، في بناء قوات شريكة متمكنة قادرة على مواجهة الخصوم المحليين، وفي المواكبة المنتظمة لهؤلاء الشركاء في المعركة عبر تواجد عدد محدود من مستشاري القوات الخاصة ومراقبي الغارات الجوية. وبالتالي، يمكن أن تضاعِف زيادة التدخل العسكري الإماراتي في الصومال فعالية الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأفريقي، إذا تم تنسيقه بشكل مناسب مع الجهات الفاعلة العسكرية الأخرى في البلاد.
وإذا قررت الإمارات توسيع انخراطها في الصومال، يجب أن تضمن الولايات المتحدة قدرتها على تنسيق العمليات بشكل مناسب وتعزيز الشفافية بين الإمارات والقوات الأخرى الموالية للحكومة. وفي القتال ضد تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" في اليمن، تتمتع الإمارات العربية المتحدة بعلاقة عمل وثيقة ملفتة مع "قيادة العمليات الخاصة المشتركة" الأمريكية، ويمكن أن يشكل ذلك نموذجاً يُحتذى به في الصومال. فقد شهد اليمن تطوراً أطلق عليه مايكل نايتس نموذج "العمليات الثلاثية" في عمليات مكافحة الإرهاب، وتتولى فيه القوات المحلية تنفيذ الجزء الأكبر من عمليات القتال البري وإدارة مصادر الاستخبارات البشرية المحلية. وتتحكم القوات الأمريكية بآليات الاستطلاع الجوي، بينما توفر القوات الخاصة الإماراتية المدمَجة فيها النسيج الرابط بين الطرفين في الخطوط المتقدمة. وفي اليمن، نجح هذا النموذج أكثر من العمليات التي نفّذتها القوات المحلية حصرياً، أو العمليات الثنائية التي شملت القوات المحلية والقوات الأمريكية أو الإماراتية. كما نجح هذا النموذج إلى حدٍ ما في أفغانستان، حيث جلبت الإمارات العربية المتحدة القدرات الإسلامية وبعض القدرات الثقافية واللغوية إلى بيئةٍ لم تكن في الغالب ناطقة باللغة العربية.
والأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على وجودها العسكري المتواضع بل الأساسي في الصومال. فقد أثبت الدعم الأمريكي أهميته الكبرى في القتال ضد حركة "الشباب"، حيث أدت فترة الانسحاب الأمريكي من الصومال بين كانون الثاني/يناير 2021 وأيار/مايو 2022 إلى زيادة جرأة هذه الجماعة، وشهدت هذه الفترة ركوداً في صفوف القوات الموالية للحكومة. أما الآن، فقد أتاح الدعم الأمريكي، إلى جانب القيادة السياسية الصومالية الحازمة، شن حملة هجومية مهمة تهدف إلى انتزاع جميع الأراضي من قبضة حركة "الشباب". وفي حين أن النشاط الإماراتي في بعض البلدان الأخرى، مثل الانخراط الشديد في اليمن أو توفير الطائرات بدون طيار لإثيوبيا، أدى إلى استقرار الخطوط الأمامية وتوسيع سيطرة الحكومة إلى حدٍ ما، فإن شن هجوم واسع النطاق في الصومال سيشكل تحدياً كبيراً بالنسبة إلى الإمارات بمفردها. وفي القتال ضد حركة "الشباب"، تبقى الولايات المتحدة الجهة الفاعلة الدولية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
عيدو ليفي هو زميل مشارك في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" التابع لمعهد واشنطن وطالب دكتوراه في "كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية". ويتقدم بشكر خاص لمايكل نايتس وأليكس ألميدا لتعليقاتهما القيمة على مسودات سابقة لهذا المقال.