- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
زيادة أعمال التنقيب تبعث الآمال في إنتاج الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط
قد ينطوي النشاط الجاري في قبرص ولبنان على آثار كبيرة في مجالي الطاقة والدبلوماسية على المستوى الإقليمي.
في أواخر نيسان/أبريل، بدأت أعمال التنقيب في حقل "أفروديت" للغاز الواقع في "المنطقة الاقتصادية الخالصة" لقبرص، وهو أول نشاط من نوعه منذ اكتشاف الحقل في عام 2011. ويمكن أن يُعزى التأخير إلى الحجم الصغير نسبياً للحقل (4.5 تريليون قدم مكعب)، والعمق الكبير للمياه التي يقع فيها (حوالي 6000 قدم)، وعدم اتخاذ قرار بشأن مطالبة شركة إسرائيلية بجزء من الحقل نظراً لامتداده إلى "المنطقة الاقتصادية الخالصة" لإسرائيل.
وتهدف عملية التنقيب الجديدة إلى ترسيم خزان الغاز بحيث يمكن استغلاله بكفاءة. فبدلاً من ضخ الغاز الناجم إلى قبرص على مسافة مائة ميل شمالاً، تقضي الخطط الحالية بإرساله عبر خط أنابيب في قاع البحر إلى مصر، حيث يمكن تسييله وتحميله على ناقلات خاصة ثم تصديره بعد ذلك إلى أي مكان في العالم. ومع أن السوق المحلي في قبرص صغير جداً بحيث أنه لا يحتاج إلى أكثر من جزء ضئيل منه، إلا أن الارتفاع الذي شهدته أسعار الغاز الطبيعي في الآونة الأخيرة يجعل تطوير الحقل عرضاً جذاباً.
ويتطلب تطوير حقل "أفروديت" تكاليف ضخمة. فالحفر في المياه العميقة للوصول إلى الغاز على مسافة تبعد آلاف الأقدام تحت قاع البحر يكلف حوالي 100 مليون دولار وسيستغرق ثلاثة أشهر. كما سيتطلب مدّ خط أنابيب من حقل "أفروديت" إلى مصر إنفاق مئات ملايين الدولارات الإضافية. وقد يكون الخيار البديل هو إرساء سفينة متخصصة لـ "الغاز الطبيعي المسال" عائمة فوق الحقل وتحميل الغاز مباشرة على الناقلات، إلا أن التكاليف الرأسمالية المترتبة على ذلك - ربما ملياري دولار - لا تصبّ في مصلحة حقل بهذا الحجم.
آفاق حقل "قانا" اللبناني
من المتوقع أيضاً أن يبدأ في شهر أيلول/سبتمبر التنقيب في حقل الغاز اللبناني المحتمل الواقع شمال الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في "البلوك 9"، والذي ربما يمتد جنوباً إلى "المنطقة الاقتصادية الخالصة" لإسرائيل. ونظراً لاستمرار غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين المتجاورين، يوفّر الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في العام الماضي حلاً بديلاً تدفع بموجبه شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية رسوماً لإسرائيل مقابل أي غاز يتم اكتشافه نظرياً. إلا أن احتمال عدم احتواء حقل "قانا" على الغاز أو على كميات تجارية منه، أو ربما حتى أرجحية هذا الأمر، يشكل تحدياً سياسياً كبيراً.
الغاز في غزة
في 4 أيار/مايو، بثت قناة تلفزيونية إسرائيلية خبراً يشير إلى أن إسرائيل قد تسمح باستغلال حقل غزة البحري، وهو حقل غاز فلسطيني صغير نسبياً (1 تريليون قدم مكعب) قبالة ساحل غزة، إذا أفرجت "حماس" عن جثث جنود إسرائيليين كانوا قد قتلوا في المعارك منذ عدّة سنوات. وجاء في التقرير أنه يمكن تصدير الغاز عبر خط أنابيب تحت سطح البحر لينضم إلى خط أنابيب مصري. إلا أنّه احتمال تخميني بشكل خاص لأنّ حقل غزة البحري تابع لـ "السلطة الفلسطينية" وليس لـ "حماس" التي تسيطر على غزة. وتشير التقارير السابقة إلى أنّ الخطوة الأكثر قابلية للتطبيق في المرحلة القادمة تتمثل في التخطيط لمعالجة الغاز في إسرائيل ثم ضخه مجدداً إلى قطاع غزة، حيث تم تصميم محطة الطاقة الوحيدة لاستخدام الغاز كوقود، في حين تكمن المشكلة هنا في التكلفة العالية لتطوير الحقل - حوالي مليار دولار - والشكوك التجارية نظراً لأن الأسر الفلسطينية قد لا ترغب في الدفع، ولن تقبل بقطعه عنها بسبب عدم السداد.
وبغض النظر عن موجة العناوين الرئيسية حول حقل "غزة مارين" للغاز الذي تأثر هو أيضاً بالاشتباكات الأخيرة بين إسرائيل و "حماس" و "الجهاد الإسلامي في فلسطين"، ينبغي النظر إلى الجهود المبذولة في حقل "أفروديت" وآفاق حقل "قانا" على أنها تعكس اهتماماً متزايداً في الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط. فهذه المنطقة التي تم تجاهلها إلى حدّ كبير من قبل شركات التنقيب الكبرى والتي تمتد إلى مناطق في غرب مصر - برية وبحرية على حد سواء - أصبحت الآن خلية نشاط. إن احتمال التوصل إلى المزيد من الاكتشافات ليس من شأنه أن يؤديَ إلى خلق منافسة مع الخليج العربي في ثروات النفط والغاز، ولكن هذه الاكتشافات لا تزال مهمة على صعيدي الطاقة والدبلوماسية.
سايمون هندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.