- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2395
إعادة إحياء اليمن: استعادة الاستقرار في شبه الجزيرة العربية
أبرزت التطورات التي يشهدها الخليج بشكل كبير، تفكك "النموذج اليمني" الذي دعمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما العام الماضي، حيث تستمر عشر دول أعضاء في التحالف الذي تقوده الدول العربية في توجيه الضربات الجوية على قوات مرتبطة بالحوثيين وبالرئيس السابق علي عبد الله صالح، في الوقت الذي صوتت فيه جامعة الدول العربية المتوترة في نهاية الأسبوع المنصرم على إنشاء قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب. وقد دفع الوضع الأمني المتدهور سابقاً إلى إغلاق السفارة الأمريكية في صنعاء في شباط/فبراير وإلى رحيل جميع مدربي "العمليات الخاصة" الأمريكيين في الأسبوعين الماضيين. ومع استمرار الخطط لتدخل محتمل لقوات مصرية وسعودية في إطار "عملية عاصفة الحزم"، لا بد من إعادة التفكير ملياً بالاستراتيجية الأمريكية في اليمن. فعلى واشنطن أن تعتمد الدروس المستفادة من قتال تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية» وانتهاج استراتيجية شاملة لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي، وفرض الاستقرار على الوضع العسكري في جنوب اليمن، والتشجيع على إجراء مفاوضات بين الفصائل المتنازعة.
لماذا تعثر "النموذج اليمني"؟
بدا أن الانتقال السلمي نسبياً الذي شهده عام 2012 بين استقالة الرئيس صالح وانتخاب الرئيس هادي - الذي تم تسهيله كجزء من اتفاق توسطت فيه دول «مجلس التعاون الخليجي» - يشكل نموذجاً لكيفية تمكن الدبلوماسية من تعزيز التغيير السلمي خلال "الربيع العربي". وقد منح الاتفاق صالح وعائلته حصانة من الملاحقة القضائية، وبادر في قيام "مؤتمر الحوار الوطني" بمناقشة الإصلاحات الدستورية والحكومية، وأسفر عن تشكيل حكومة وطنية جديدة تضم ممثلين من كافة الأحزاب السياسية، وأشرف على إصلاح الجيش الوطني. وفي حين أن القادة الإقليميين اعتبروا الاتفاق في ذلك الحين على أنه يشكل نجاحاً كبيراً، إلا أن العديد من نقاط الضعف بدأت تظهر في النهاية، بعضها تتعلق بالاستراتيجية الأمريكية الشاملة في اليمن بالإضافة إلى الافتراضات التي طُرحت عند اعتماد الاتفاق.
وفي كثير من النواحي، كانت استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية في اليمن، غير مناسبة لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي خلال عملية الانتقال السياسي. فقد ركزت واشنطن جهودها المتواضعة على تدريب القوات الخاصة اليمنية لتعقب أعضاء تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، إلا أنها لم تبذل جهوداً تُذكر لإرشاد الجيش الذي تم إصلاحه. وبما أن الجيش كان يشكل قاعدة الدعم المركزية للرئيس السابق صالح، كان لا بد من إيلاء اهتمام كبير لإضفاء الطابع المهني على أفراده ومنعه من أن يعود من جديد لكي يلعب دور طرف سياسي. ولو كانت الولايات المتحدة والقوات الدولية قد قامت بإرشاد الجيش، لربما كان وجودها قد خفف من "انهياره" في وجه تقدم الحوثيين - وهي نتيجة ناجمة عن عوامل سياسية، وليس بسبب انعدام القدرات أو عن قيادة ضعيفة. كما أنها كانت ستشكل آلية للإنذار المبكر لصانعي السياسة الأمريكيين حول جهود صالح ومؤيديه لقلب الجيش ضد حكومة هادي.
وفي الواقع، أن واشنطن قدّرت بأقل من الحقيقة عزم صالح القوي على تقويض الحكومة ولم تواجه مناورته السياسية بحدّة. وبما أن نصف أعضاء مجلس وزراء الرئيس هادي يتألف من شخصيات من "حزب المؤتمر الشعبي العام" الذي يتزعمه صالح، فإن الدسائس السياسية للرئيس السابق أدت بشكل فعّال إلى تقييد الحكومة.
بالإضافة إلى ذلك، وبعد رحيل السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، لم يتم إرسال السفير الجديد ماثيو تولر إلى صنعاء سوى بعد مرور ثمانية أشهر، وهو تأخير جوهري في الوقت الذي كانت فيه حكومة هادي تحتاج إلى دعم قوي من الولايات المتحدة. وفي وقت سابق من عام 2013، غادر جون برينان البيت الأبيض ليصبح مدير "وكالة المخابرات المركزية" بعد أن شغل منصب كبير مستشاري الرئيس أوباما بشأن اليمن، إلى جانب مهام أخرى، مما شكل تغيير رئيسي آخر في وقت كانت فيه اليمن بحاجة إلى اهتمام مستمر من ذوي الخبرة لتخطي مرحلة الانتقال السياسي. وعلى الرغم من أن دعم الولايات المتحدة الدبلوماسي لاتفاق دول «مجلس التعاون الخليجي» أثبت دوراً فعّالاً في النجاحات الأولية في عملية الإنتقال، إلا أن التناوب الذي حصل في منصب السفير الذي قاد هذه الجهود وانتظار ثمانية أشهر لإرسال سفير جديد أظهر قلة انتباه الولايات المتحدة وترددها. لذا، فإن الفشل في تنفيذ الاتفاقيات ومتابعتها بشكل فعال وفقاً لما تم صياغته في "مؤتمر الحوار الوطني" قد أدى إلى زيادة تقويض حكومة الرئيس هادي.
خيارات السياسة الأمريكية
من دون إيلاء اهتمام مستمر لليمن، ستصبح البلاد مصدراً لعدم الاستقرار والقلق المتزايد بالنسبة لحلفاء أمريكا العرب. وبالتالي، ينبغي على الولايات المتحدة إعادة النظر في مقاربتها في دعم الحكومة اليمنية، وتخطي جهد مكافحة الإرهاب ذو التركيز الضيق واعتماد استراتيجية معدّلة لمكافحة التمرد.
ويعني ذلك في الواقع بأنه في حين ينبغي استمرار الغارات الجوية بالطائرات بدون طيار ضد عناصر تنظيم «القاعدة»، إلا أن واشنطن تحتاج إلى استراتيجية أكثر شمولية تعالج في آن واحد مشكلة العناصر المسلحة الأكثر زعزعة للاستقرار (على سبيل المثال، تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، والحوثيون وقوات صالح، وتنظيم «الدولة الإسلامية») فضلاً عن قواعد الدعم والملاذات الآمنة الخاصة بهذه العناصر، سواء كانت عشائرية أو جغرافية أو سياسية. ويتطلب ذلك جهداً أكثر تضافراً لزيادة نفوذ الدولة اليمنية واستقرارها في الجنوب وتعزيز الموقف السياسي للرئيس هادي، وفي الوقت نفسه لدحر المكاسب العسكرية التي حققها الحوثيون/صالح وإحباط أي تقدم لتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب». إلى جانب ذلك ينبغي إنشاء ملاذ سياسي آمن مؤقت في الجنوب لحكومة هادي، ويجب اتخاذ سلسلة من الخطوات لإنقاذ العملية الانتقالية التي توصلت إليها دول «مجلس التعاون الخليجي».
وعلى المدى القريب، يجب على الحكومة الأمريكية أن تنظر في التوصيات التالية لإرساء الاستقرار في اليمن:
· تعيين مبعوث خاص لتنسيق استراتيجية الولايات المتحدة مع دول «مجلس التعاون الخليجي». هناك حاجة إلى قدر أكبر من القيادة الدبلوماسية والسياسية الأمريكية لمعالجة الأزمة الحالية واستئناف جهود العملية الإنتقالية في المستقبل.
· التفكير في تجميد الأصول المالية لزعماء حوثيين إضافيين ولأعضاء عائلة الرئيس السابق صالح ومؤيديه الرئيسيين.
· دعم عملية إعادة النظر في اتفاق الحصانة الخاص بالرئيس السابق صالح وعائلته. لقد تعاون صالح ومؤيدوه مع الحوثيين للاستيلاء على السلطة، لذا ينبغي على الولايات المتحدة دعم أي قرار تصدره اليمن أو دول «مجلس التعاون الخليجي» لإعادة النظر في اتفاق الحصانة الذي أُبرم في عام 2012.
· مراجعة الجوانب العملية لإقصاء صالح وعائلته من اليمن. يجب على واشنطن التفكير في هذه الخطوة كجزء من استراتيجية لإعادة إرساء الاستقرار، لأن استمرار وجوده في البلاد لن يؤدي سوى إلى قيام المزيد من المشاكل.
· دعم جهود التحالف العربي بشكل فعال لتأمين عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن. إن الوضع في المدينة الجنوبية الرئيسية سائب وفوضوي، لذا تبرز الحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع الحوثيين من تعزيز سيطرتهم على المدينة. إن عودة الرئيس هادي هامة للغاية لدحر الحوثيين وتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للعب دور فعّال في ضمان تحقيق ذلك في أقرب وقت ممكن.
ومع استقرار الوضع في الجنوب بما يكفي لعودة هادي [إلى البلاد وإلى الحكم]، يجب على واشنطن التفكير في الخيارات الدبلوماسية والعسكرية التالية:
· إعادة فتح القنصلية الأمريكية المغلقة في عدن. لقد تم إغلاق المنشأة في الأصل في عام 2009 بسبب مخاوف أمنية، ولكن ينبغي على المسؤولين الأمريكيين التفكير في إمكانية إعادة فتحها كبادرة دعم لحكومة الرئيس هادي. كما ويجب على واشنطن أن تفكر في إرسال السفير الأمريكي إلى عدن ليقوم بممارسة مهام منصبه من هناك. وقد يتطلب ذلك وجود تفاصيل أمنية بارزة وخطة احتياطية لإخراج سريع من قبل القوات الأمريكية المترمكزة على بعد 150 ميلاً في جيبوتي.
· إعادة توجيه كافة المساعدات الأمريكية إلى عدن. عندما يسمح الوضع الأمني بذلك، يجب على واشنطن إعادة توجيه كافة المساعدات والدعم للميزانية والجهود الدبلوماسية لحكومة الرئيس هادي في عدن، فضلاً عن تشجيع القرار الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية بالقيام بالعمل نفسه.
· إعادة إدخال قوات "العمليات الخاصة" الأمريكية. ينبغي على واشنطن النظر في إمكانية إعادة نشر قوات أمريكية خاصة لتدريب القوات والجماعات العشائرية الموالية لهادي، سواء في اليمن أو في القواعد الإقليمية.
· إنشاء برنامج "أيادي اليمن" لتصحيح التفكك الذي نشأ نتيجة التناوب المتكرر لطاقم العمل الأمريكي. ستمر سنوات عديدة قبل أن يتم تحقيق الاستقرار الدائم في اليمن، وقد أدى التناوب المستمر في طاقم الموظفين الأمريكيين إلى قيام مشاكل كبيرة في الاستمرارية. لذا فإن إنشاء برنامج على غرار الجهد المتمثل في برنامج "أيادي أفغانستان" من شأنه أن يسمح باختيار موظفين حكوميين أمريكيين يقومون بالتركيز على المشاكل والشخصيات والسياسة والسياسات في اليمن على المدى الطويل.
· عقد ندوة أكاديمية تضم خبراء بارزين في اليمن بغية تقديم المشورة إلى واشنطن. هناك حاجة للحصول على فهم مفصل لسياسة البلاد بهدف إرساء استقرار دائم، لذلك ينبغي تسخير البحوث الأكاديمية على نحو أكثر فعّالية لتقديم المعلومات لصانعي السياسة.
دانيال غرين هو زميل في الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط عسكري سابق في الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان.