- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3358
إعادة إحياء "اتفاق الرياض": المكاسب السياسية لا تزال مقيّدة بمخاوف التنفيذ
أحيت السعودية من جديد "اتفاق الرياض" الموقع قبل تسعة أشهر والرامي إلى جمع الحكومة الوطنية في اليمن و"المجلس الانتقالي الجنوبي" في إطار ترتيب لتقاسم السلطة. وتمثلت الغاية الأساسية من الاتفاق في رأب الانقسامات في صفوف التحالف التي تهدّد بإعاقة القتال ضد الحوثيين، لكن الاتفاق تَفكك تدريجياً وسط التوترات المستمرة بين "المجلس" وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وفي الساعات الأولى من 29 تموز/يوليو، أعلنت السعودية عن خطة جديدة لإعادة العملية إلى مسارها الصحيح، والتي وافق عليها هادي و"المجلس الانتقالي الجنوبي" علناً.
ورغم أن الخطوة ستسمح للطرفين بالاحتفاظ بالمكاسب السياسية التي حققاها عندما تم التوقيع على الاتفاق في الأصل، إلا أن إثبات ذلك سيكمن من جديد في تمكنهما من التغلب على العقبات الكثيرة أمام عملية التنفيذ. وتركز الخطة الأخيرة على التسلسل، وهو تفصيل أساسي افتقر إليه الاتفاق الأصلي. كما أنها توفر بعض الانتصارات السياسية الفورية - وربما هذا هو إسلوب الرياض لتحفيز الطرفين على تحمّل المهمة الأصعب المتمثلة في سحب قواتهما العسكرية.
صعوبات التنفيذ السابقة
عندما تم التوقيع على الاتفاق الأصلي في تشرين الثاني/نوفمبر، خشي المراقبون من أن تساهم لغته الغامضة في تعقيد عملية التنفيذ، وسرعان ما تبلورت هذه المخاوف. وتوقفت العملية في أواخر عام 2019 وحتى عام 2020، مع انسحاب "المجلس الانتقالي الجنوبي" من لجان التنفيذ في كانون الثاني/يناير، وفقاً لبعض التقارير. وفي وقت لاحق، منعت حكومة هادي وفداً من مسؤولي "المجلس الانتقالي" من العودة إلى عدن في آذار/مارس، وجاء ردّ "المجلس" من خلال منع عودة معين عبدالملك سعيد، رئيس وزراء حكومة هادي.
وبحلول نيسان/أبريل، كانت القوات المرتبطة بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" تشعر بالتوتر والإرباك بسبب توقف الإمارات العربية المتحدة عن دفع رواتبها قبل ذلك ببضعة أشهر، ولأن المواطنين المحليين كانوا يعانون من فيضانات مدمّرة. وبسبب عدم قدرة قادتها على العودة إلى عدن ومن المرجح أنهم كانوا قلقين بشأن فقدان شرعيتهم على الأرض في ظل هذه التطورات، أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي" عن "إدارة ذاتية" في 26 نيسان/أبريل. ورغم أن هذه الخطوة لم تكن إعلان انفصال، إلا أنها اعتُبرت إهانة فاضحة لشرعية حكومة هادي. وفي 11 أيار/مايو، أطلقت قوات هادي هجوماً لم يتكلل بالنجاح لاستعادة أقسام من محافظة أبين من سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي". وخلال الاشتباكات التي استمرت في الأسابيع التي أعقبت ذلك التاريخ، لم يتمكن أي من الجانبين من تحقيق مكاسب كبيرة إلى أن فرض "المجلس" سيطرته السياسية على سقطرى في 20 حزيران/يونيو.
الخطة الجديدة
رداً على هذه المواجهات، ترأس مسؤولون سعوديون مفاوضات لإعادة إحياء "اتفاق الرياض" منذ أواخر أيار/مايو. غير أن الخطة التي نتجت ليست اتفاقاً جديداً بل بالأحرى آلية تسهّل التنفيذ الأولي والترتيب التسلسلي للاتفاق الأول.
وبموجب الخطة الجديدة، وافق "المجلس الانتقالي الجنوبي" على إنهاء إدارته الذاتية في الجنوب في حين وافق هادي على تعيين محافظ ومدير أمن جديديْن في محافظة عدن. وبعد ذلك، يتعين على القوات التابعة لكلا الجانبين العودة إلى مواقعها السابقة، وهو ما يعني إلى حد كبير إعادة الانتشار خارج محافظتي عدن وأبين. وحالما تُكتمل هذه الخطوات، يجب على رئيس الوزراء عبدالملك سعيد تشكيل حكومة جديدة موزعة بالتساوي بين الشماليين والجنوبيين، مع ضمان حصول "المجلس الانتقالي الجنوبي" على العديد من المقاعد المخصصة للجنوب.
ومن المفترض تحقيق كل ما سبق في غضون 30 يوماً فقط. وبعد ذلك، من المتوقع أن يُنفذ الطرفان ما تبقى من بنود "اتفاق الرياض" في إطار جداول زمنية ضيّقة أيضاً - أي جمع كافة الأسلحة المتوسطة والثقيلة للتخزين في عدن؛ ودمج القوى السياسية والأمنية والعسكرية التابعة لـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" تحت قيادة وطنية واحدة؛ واستعادة سيطرة الحكومة على المنشآت والمؤسسات المستولى عليها.
وسبق أن اتخذ هادي الخطوة الأولى عبر تعيين محافظ ومدير أمن جديديْن في عدن. يُذكر أن هذين المنصبين يتسمان بالرمزية إذ أصبحا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالنزاع الحاقد بين هادي و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، لذا من المفيد سرد قصتهما في الآونة الأخيرة.
في كانون الأول/ديسمبر 2015، عيّن هادي كلّا من عيدروس الزبيدي وشلال شايع في هذين المنصبين - وهي خطوة مفاجئة بالنظر إلى عداوتهما المتبادلة تجاه الرئيس. وكما يدرك معظم اليمنيين جيداً، كان هادي منحازاً إلى المعسكر الذي قتلت قواته والد شايع في عام 1986، خلال مذبحة انتهت بإشعال حرب دموية في الجنوب وأدت إلى نفي هادي. وبناءً على ذلك، تكهن المراقبون بأن الأصدقاء السياسيين للزبيدي والشايع في الإمارات قد لعبوا دوراً في اختيارهما لهذين المنصبين. وعلى أي حال، كانت التوترات واضحة طوال فترة ولاية الزبيدي كمحافظ إلى أن فصله هادي أخيراً في نيسان/أبريل 2017؛ وبعدها أنشأ الزبيدي "المجلس الانتقالي الجنوبي" في أيار/مايو. وفي وقت لاحق، بدأ شايع يشارك علناً في اجتماعات "المجلس" قبل أن يتم عزله أيضاً من منصبه كمدير أمن في آب/أغسطس 2019، بعد جولة أخرى من الصراع بين الحكومة وقوات "المجلس".
وبالتالي، يجدر بالذكر أن الشخص الذي اختاره هادي لمنصب المحافظ الجديد هو أحمد حامد لملس المقرّب من الزبيدي والذي يشغل منصب أمين عام "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي". وقد شغل سابقاً منصب محافظ شبوة في الفترة من 2016 إلى 2017.
أما مدير الأمن الجديد في عدن - أحمد محمد الحامدي - فيُعتبَر بمثابة مرشح وسط. وقد وصفه مسؤول يمني سابق بأنه شخصية "امتهنت إنفاذ القانون" وتمثل خياراً آمناً وغير سياسي لكلا الجانبين. وقد شغل منصب مدير أمن في محافظة حضرموت منذ عام 2002 وعمل سابقاً في وزارة الداخلية لما يقرب من عقدين من الزمن.
التداعيات السياسية
ستحقق جميع الأطراف مكاسب سياسية من "اتفاق الرياض" الذي أُعيد إحياؤه. فالرئيس هادي يستفيد منه لأن "المجلس الانتقالي الجنوبي" يدعم اتفاقاً يعترف صراحةً بوجهة نظره بأن حكومته هي الحكومة اليمنية الوحيدة التي تتمتع بالشرعية الدولية. وعلى الرغم من أنه يتعيّن على "المجلس" الابتعاد عن الإدارة الذاتية، إلا أنه يحق له [بموجب الاتفاق] تعيين شخص لمنصب محافظ عدن، وسينضم "المجلس" إلى جانب هادي في المفاوضات النهائية مع الحوثيين بقيادة الأمم المتحدة. وربما هذا هو أفضل ما يأمل تحقيقه كلا الجانبين، حيث لم يتمكن أي منهما من هزيمة الجانب الآخر في ساحة المعركة في الجنوب.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تتبدد الأهداف الانفصالية لـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" - وفي الواقع، قد يأمل "المجلس" في أن يؤدي الانضمام إلى حكومة هادي إلى منحه شرعية كافية لمتابعة محاولته للانفصال في المستقبل. ويؤكد البيان الرسمي الصادر عن "المجلس" بشأن الاتفاق الذي أُعيد إحياؤه أن "المجلس" لن يتراجع عن هدفه النهائي المتمثل في إقامة دولة. وترى قيادة "المجلس" - التي تحظى بتأييد شعبي في قطاعات من الجنوب ولكنها لا تحظى بقبول عالمي - أن الانفصال هو طموح طويل الأمد يمكن تحقيقه بشكل أفضل من خلال عملية سياسية وليس عبر إعلان أحادي الجانب. ومن هذا المنطلق (وربما لقمع أي استياء بين الانفصاليين المتشددين)، غرّد أحد مسؤولي "المجلس الانتقالي الجنوبي" على موقع "توتير" بعد الإعلان، أن إعادة إقامة دولة في الجنوب تتطلب "صبراً وضبط النفس".
ولا تزال هناك خلافات عميقة أخرى أيضاً - على سبيل المثال، لا يذكر بيان "المجلس الانتقالي الجنوبي" من 29 تموز/يوليو حتى حكومة هادي، التي أكدت تصريحاتها الرسمية بشأن هذه المسألة بوضوح على "وحدة" اليمن. ومع ذلك، قد تشكّل الآلية المعتمدة مكسباً رئيسياً فقط من خلال تحرير بعض جوانب "اتفاق الرياض" الذي تعثّر تنفيذه لفترة طويلة، مثل تشكيل حكومة مشتركة ومنع المزيد من الاشتباكات العسكرية بين قوات التحالف. كما قد تسمح الآلية لأعضاء التحالف بإعادة التركيز على خصمهم المشترك، ربما من خلال بذل المزيد من الجهود المتضافرة للرد على محاولات الحوثيين للاستيلاء على المزيد من الأراضي. وأخيراً، من شأن التنفيذ الناجح للاتفاق أن يمنح السعودية الفضل في تحقيق إنجاز دبلوماسي ضروري جداً، مما يسمح لقيادتها بالتركيز على محور المحادثات مع الحوثيين ودعم مفاوضات بقيادة الأمم المتحدة تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة في اليمن.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن. زياد بشلاغم هو مساعد باحث في المعهد.