- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3315
إعادة النظر في سياسة الولايات المتحدة تجاه «مجلس التعاون الخليجي» المتصدّع
في 22 نيسان/أبريل، أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مكالمة هاتفية مع أمير قطر تميم بن حمد، الأمر الذي أثار تكهنات بشأن انفراج محتمل في الخلاف الدبلوماسي القائم منذ فترة طويلة بين قطر والدول الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي». ومع ذلك، على الرغم من مؤشرات التقارب هذه، فمن غير المرجح إلى حدّ كبير أن يعيد الطرفان العلاقات إلى ما كانت عليه قبل حزيران/يونيو 2017، عندما قطعت البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى علاقاتها مع الدوحة وقدمت لها قائمة طويلة من المطالب الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ولم تساهم السنوات التي تلت ذلك سوى في زيادة عدد النزاعات وحدتها بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، بما في ذلك الطرفان المحايدان بشكل رسمي الكويت وسلطنة عُمان. وعلى هذا النحو، ليس من الحكمة الاستمرار في تعليق الآمال على أن تكون الضغوط الدولية أو التهديدات والمصالح المشتركة كافية لحل هذا الوضع أو توحيد دول «مجلس التعاون الخليجي» في أي وقت قريب - وفي الواقع، يبدو أن الخلاف يزداد سوءاً. وإذا لم تقم الحكومات الأجنبية بإعادة تشكيل سياساتها لتناسب هذا الواقع، فقد تثبت جهودها بأنها غير مثمرة أو حتى تأتي بنتائج عكسية.
الإنقسامات بين دول «مجلس التعاون الخليجي» موجودة لتبقى
إن أحد الأسباب التي تجعل الصدع الحالي يبدو غير قابل للإصلاح على المدى القريب هو انخراط الشعوب فيه بطرق غير مسبوقة. فبخلاف النزاعات السابقة في «مجلس التعاون الخليجي»، التي بقيت على مستوى القيادة، يتم تشجيع مواطني كل دولة بشكل ناشط على إلقاء الشتائم على خصومهم اليوم، حتى على الطبقة الحاكمة - وهو خط أحمر لم يتم تجاوزه من قبل. ويحظى قادة دول «مجلس التعاون الخليجي» بحماية دستورية من الانتقادات في بلادهم، ولكن يتم الآن تصويرهم على نطاق واسع بعبارات ازدراء من قبل المعلّقين في الدول المجاورة. على سبيل المثال، أصبح أحد مستخدمي تويتر الإماراتيين سيئ السمعة لنشره تعليقات مسيئة بشكل منتظم حول الأمير تميم ووالدته موزة، لدرجة أن بعض المعلقين السعوديين والإماراتيين نَصحوا بعدم اتباع هذا النهج.
وفي الواقع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة المعركة الرئيسية للخلاف، حيث نشرت الحسابات (في هذه المواقع) أخباراً مزيّفة بينما تستخدم برامج الروبوت علامات تصنيف استفزازية لإنشاء مواضيع شائعة. ففي 4 أيار/مايو، على سبيل المثال، نشرت حسابات مرتبطة بالسعودية صوراً ومقاطع فيديو تدّعي أن إطلاق نار مزعوم في قطر كان جزءاً من انقلاب. وفي اليوم التالي، تكهنت حسابات مرتبطة بقطر بأن الملك السعودي قد توفّي. إن واقع تنظيم مثل هذه الحملات في كثير من الأحيان وعلى أعلى المستويات الحكومية يؤكد صعوبة حل الموقف.
وجنباً إلى جنب مع هذه التبادلات المريرة، ظهرت نوبات عارضة من النشاط الدبلوماسي الواعد بين الطرفين. ومع ذلك، فإن هذا التواصل الرسمي شيء روتيني ولا ينبغي تفسيره على أنه علامة على العلاقات الدافئة. على سبيل المثال، قبل بضعة أسابيع من اجتماع قمة «مجلس التعاون الخليجي» في الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2019، أفادت بعض التقارير أن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قام بزيارة سرية إلى السعودية، واستمرت المناقشات بين الحكومتين لمدة شهر. وبحلول موعد انعقاد مؤتمر القمة، كان من الواضح أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق عندما رفض الأمير تميم المشاركة في المؤتمر وأرسل رئيس وزرائه عوضاً عنه.
وفي الآونة الأخيرة، عقدت دول «مجلس التعاون الخليجي» سلسلة من المناقشات الافتراضية على مستوى أدنى فيما يتعلق بوباء كورونا: فقد اجتمع وزراء الصحة في 14 آذار/مارس، ووزراء العمل في 15 نيسان/أبريل، بينما اجتمع وزراء المالية في 21 نيسان/أبريل. وللوهلة الأولى، يبدو وكأن هذه الاجتماعات تشكل تقدماً كبيراً بالنظر إلى أن وزير الصحة القطري مُنع من الحصول على تأشيرة لحضور اجتماع في السعودية بشأن الوباء في أواخر شباط/فبراير. ولكن على غرار المحادثات التي سبقت مؤتمر القمة، لا تبشّر هذه الاجتماعات على المستوى الأدنى إلا بقدر قليل من التقارب على نطاق أوسع.
الخلافات لا تقتصر على قطر
يميل الخلاف الرئيسي بين قطر والتحالف السعودي-الإماراتي-البحريني إلى الحصول على عناوين الأخبار، لكن دول «مجلس التعاون الخليجي» مليئة بالتصدّعات العميقة الأخرى. ففي سلطنة عُمان، يشعر القادة بالاستياء من الوجود العسكري السعودي المستمر في المهرة، المحافظة اليمنية التي تقع مباشرة على حدود السلطنة. علاوة على ذلك، في نيسان/أبريل 2019، حكمت محكمة عُمانية على خمسة إماراتيين بالسجن بتهمة التجسس.
وفي الكويت، تبذل الحكومة قصارى جهدها للحفاظ على الحياد في النزاع، لكن الرياض وأبو ظبي دفعاها مراراً وتكراراً لاتخاذ مواقف لصالحهما. والوضع صعب بشكل خاص على الكويت لأن البلاد تميل إلى إتاحة مساحة أكبر لحرية التعبير من الدول الأخرى في «مجلس التعاون الخليجي». وبالتالي، عندما يُعبّر المواطنون العاديون عن آراء تثير استياء أي من الجانبين، تواجه السلطات ضغوطاً خارجية لإسكاتهم.
أما التصدّعات الأخرى بين دول «مجلس التعاون الخليجي» فهي إما حديثة أو مرتبطة بالديناميكيات الإقليمية التي تبدو حتمية. على سبيل المثال، في حين لا تزال السعودية والإمارات تبدوان حليفتين، إلّا أنه برزت خلافات ملحوظة بينهما حول كيفية التعامل مع المشاكل المتزايدة في جنوب اليمن. وعلى نطاق أوسع، تتشعب نزاعات دول «مجلس التعاون الخليجي» وتتضاعف بحيث تتخطى قضايا الإسلام السياسي (التي اشتدت مع الانتفاضات العربية عام 2011) والأضرار الناتجة عن الأزمات السابقة (على سبيل المثال، تورط سعودي وإماراتي مزعوم في محاولة الانقلاب المضاد في قطر عام 1996). وقد أدّى صعود جيل جديد من القادة الخليجيين إلى تمكين الأمراء الشباب الذي يرغبون في التعبير عن استقلاليتهم عن بعضهم البعض، وسيقومون بذلك في ظل ظروف مختلفة عن تلك التي كانت سائدة عندما تم تشكيل «مجلس التعاون الخليجي» في عام 1981 - بما في ذلك التهديدات الوجودية الجديدة داخل دول «مجلس التعاون» التي لا يمكن تجاهلها.
التداعيات السياسية
حتى إذا أسفرت المناقشات الوزارية الخليجية الأخيرة والتواصل مع الولايات المتحدة عن عقد اجتماع افتراضي على مستوى عالٍ أو حل دبلوماسي أوسع نطاقاً للصدع بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، إلّا أن أي اتفاق مماثل سيكون سطحياً - فقد تبقى جذور الصراع على ما هي عليه، مما يزيد من احتمال تجدد النزاعات في المستقبل. ففي النهاية، وقّعت السعودية وقطر اتفاقين دائمين على ما يبدو بعد المواجهات الدبلوماسية في 2013 و 2014، ولكنهما انهارا، وزادت الخلافات التي سعيا إلى حلها. ولعل الأهم من ذلك أنه من غير المرجح أن تزول العداوة الشخصية المتزايدة بين أبرز قادة دول «مجلس التعاون الخليجي».
ومن هذا المنطلق، يمكن أن يوفّر أحد السيناريوهات حلاً أشمل للنزاع، وهو: خلافة غير متوقعة للقيادة، وهي ما سعى كلّ خصم إلى التحريض عليها في البلدان المنافسة على مر السنين. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة بعيدة الاحتمال إلى حدّ كبير في الوقت الحاضر لأن القادة الشباب قد أحكموا قبضتهم على السلطة في أهم ثلاث عواصم: الأمير تميم في الدوحة، وولي العهد محمد بن سلمان في الرياض، وولي العهد محمد بن زايد في أبو ظبي. ويقيناً، يعتقد السعوديون والإماراتيون أن شخصيتين أكبر سناً لا تزالان تتحكمان بشؤون الدولة في قطر، ويجب إلقاء اللوم عليهما حول العديد من المشاكل المستمرة: والد تميم، الشيخ حمد بن خليفة، ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم. ومن وجهة نظر الرياض وأبوظبي، فإن وفاة أحد الرجلين يمكن أن تغيّر ديناميكيات النزاع - على الرغم من أن احتمال حدوث تغيير ملحوظ سيكون منخفضاً للغاية.
وفي ضوء هذه الوقائع، ستحظى السياسة الأمريكية في الخليج بفرصة أفضل بكثير لتحقيق ثمارها إذا تخلت عن مساعيها لرأب الصدع بين دول «مجلس التعاون الخليجي» وركزّت بشكل أكبر على العلاقات الثنائية مع كل دولة عضوة بصورة فردية. وبغض النظر عن كيفية تطوّر الأحداث في المنطقة أو ضعف عمل «مجلس التعاون الخليجي» كمؤسسة، تحرص الدول الأعضاء الست على الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة. وتعني هذه المقاربة صياغة السياسات أو تعديلها بطريقة تعتبر «مجلس التعاون الخليجي» المنقسم من المسلّمات - بما في ذلك الجهود المبذولة لإطلاق "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط"، وهو إطار عمل اقترحته السعودية وتدعمه الولايات المتحدة ويتطلب تعاوناً على مستوى دول «مجلس التعاون الخليجي» ككل من أجل العمل بالطريقة التي كانت متصورة أساساً في عام 2017. ومثل هذه التعديلات ستجعل الجهد العام لمواجهة إيران أكثر صعوبة، ولكن حتى التعاون منخفض المستوى بين دول «مجلس التعاون الخليجي» في هذا الصدد قد يكون مفيداً من خلال مشاركة أمريكية حكيمة وواقعية.
نبيل نويرة هو محلل مستقل يركز على السياسة والعوامل الجيوسياسية في منطقة الخليج. كما هو "باحث فولبرايت" يمني حاصل على درجة الماجستير في الأمن الدولي من "جامعة دينفر".