- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4023
استهداف البرنامج النووي الإيراني: تداعيات العمل الوقائي
يستعرض خبراء معهد واشنطن التحديات المرتبطة بالتفاوض على اتفاق نووي جديد، وفي حال تعذر ذلك، يبحثون في خيارات التخطيط لحملة عسكرية تهدف إلى إضعاف البرنامج النووي الإيراني أو تدميره.
في التاسع عشر من آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي بمشاركة كل من دانا سترول، وريتشارد نيفو، ومايكل آيزنشتات، وهولي داغريس. وتَشغل سترول منصب زميلة أقدم في زمالة "كاسن" ومديرة الأبحاث في المعهد. أما نيفو، فهو زميل مساعد في المعهد وزميل "برنشتاين"، وقد شغل سابقاً منصب نائب المبعوث الخاص لإيران في وزارة الخارجية الأمريكية. بينما يشغل آيزنشتات منصب زميل أقدم في زمالة "كان" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد، وهو أيضاً مؤلف الورقة البحثية الجديدة "مهاجمة البرنامج النووي الإيراني: الحسابات المعقدة للعمل الوقائي".أما داغريس فتعمل زميلة أقدم في برنامج "فيتيربي" المعني بإيران والسياسة الأمريكية في المعهد. وفيما يلي ملخص لأبرز النقاط التي تناولها المتحدثون خلال المنتدى.
دانا سترول
شهدت الأسابيع القليلة الأولى من إدارة ترامب تطورات مهمة في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، بما في ذلك إصدار أمرٍ تنفيذي بإعادة تفعيل حملة "الضغط الأقصى "، إلى جانب تصريحات علنية تعكس استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية، مع إبراز الرغبة في التفاوض في الوقت ذاته، فضلًا عن تبادل الرسائل بين الرئيس ترامب والمرشد الأعلى علي خامنئي. وتعتقد واشنطن أن طهران قد تكبدت خسائر كبيرة خلال الحرب في غزة، بل إن النظام الإيراني قد يكون أكثر ضعفاً من أي وقت مضى نتيجة انهيار شبكته الإقليمية للتهديدات، والتعرض لسلسلة من الضربات العسكرية المتتالية داخل أراضيه، مما أضر بدفاعاته الجوية الاستراتيجية وغيرها من الأصول الحيوية. وفي ضوء هذه الهشاشة، يخلص العديد من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين إلى أن الوقت قد يكون مناسباً لاتخاذ إجراء عسكري أوسع نطاقاً ضد إيران.
أما فيما يتعلق بالوضع النووي للنظام، فقد فرضت "خطة العمل الشاملة المشتركة" لعام 2015 قيوداً على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف بعض العقوبات. ومنذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق في عام 2018، واصلت طهران تطوير برنامجها النووي تدريجياً، وأصبحت الآن أقرب بكثير إلى تجاوز العتبة النووية.
ريتشارد نيفو
أدت العديد من التطورات التقنية على مدى السنوات الثماني الماضية إلى زيادة خطر أن تكون إيران قادرة على امتلاك سلاح نووي بسرعة إذا اختارت ذلك. ففي العام الماضي، أشار وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن إلى أن النظام الإيراني يستطيع إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة واحدة في غضون ستة إلى سبعة أيام، وقد يكون هذا الجدول الزمني أقصر من ذلك في الوقت الراهن. ومن أبرز العوامل التي ساهمت في هذا التقدم تنامي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو يقترب بشكل خطير من مستوى التخصيب اللازم للاستخدام في الأسلحة النووية. بالإضافة إلى ذلك، قامت إيران بنشر أجهزة طرد مركزي متطورة تفوق كفاءتها بثلاثة أضعاف النماذج الأصلية، مما يعزز قدرتها على التخصيب بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
أما الخبر السار فهو أن إيران لا تزال تسمح لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى البرنامج، مما يمنح المجتمع الدولي بعض القدرة على تحديد ما إذا كان النظام سيقفز إلى إنتاج اليورانيوم بنسبة 90 في المئة (وهي النسبة اللازمة لصنع الأسلحة النووية) ومتى سيقوم بذلك. أما الخبر السيئ فهو أن إيران الآن باتت قريبة جداً من تجاوز العتبة النووية لدرجة أن هوامش الرد على مثل هذا القرار ومنع امتلاكها للسلاح النووي ضئيلة للغاية. وعلاوة على ذلك، لا شيء يمنع إيران من نقل المواد إلى مواقع سرية لمزيد من التخصيب، ويعود ذلك جزئياً إلى أن طهران كانت أقل شفافية بشأن عدد أجهزة الطرد المركزي التي أنتجتها منذ عام 2021.
لقد واصلت إدارة بايدن حملة الضغط الأقصى التي أطلقها الرئيس ترامب خلال فترة ولايته الأولى (على الرغم من أن التطبيق كان أقل صرامة). وبناءً على ذلك، يجب على واشنطن أن تكون واقعية في توقعاتها بشأن ما يمكن أن تحققه هذه السياسة – فقد مضى الآن على "الضغط الأقصى" فترة أطول من خطة العمل الشاملة المشتركة نفسها، ومن الواضح أن العقوبات وحدها لا يمكنها منع إيران من تطوير أسلحة نووية. فقد اعتاد النظام على هذا النوع من الضغط، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لزيادة الضغط بشكل ملموس تكمن في اتخاذ تدابير مثل الضغط على الصين لوقف شراء النفط الإيراني أو حتى اعتراض شحنات النفط الإيرانية بالقوة. ومن المحتمل أن ينطوي كلا الخيارين على مخاطر كبيرة للتصعيد، في ضوء اقتراب إيران بشكل كبير من تحقيق الاختراق، على الرغم من أنهما قد يؤديان إلى إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات.
وفي نهاية المطاف، يبقى التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض هو المسار الأكثر ديمومة لوقف طموحات إيران النووية. وعلى الرغم من أن التقدم التقني الذي أحرزه النظام منذ عام 2018 قد أضعف العديد من العناصر الأكثر قيمة في "خطة العمل الشاملة المشتركة" (على سبيل المثال، القيود المفروضة على البحث والتطوير النووي وبناء مواقع أجهزة الطرد المركزي)، إلا أن اتفاقاً مختلفاً وأقل شمولاً سيظل ذا قيمة. ويمكن أن تشمل العناصر الرئيسية لاتفاق جديد ما يلي:
· توسيع إمكانية وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع الإيرانية ذات الصلة، وخاصة تلك المتعلقة بالتسلح النووي
· فرض قيود على مستويات تخصيب اليورانيوم ومخزوناته
· فرض قيود على عدد أجهزة الطرد المركزي المنشورة
· فرض قيود على انتشار الطائرات بدون طيار والصواريخ
وفي المقابل، ستُصر إيران بلا شك على تخفيف كبير للعقوبات، مما يضع واشنطن وحلفاءها أمام خيارين: تخفيف محدود من النوع المتفق عليه في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، الذي يؤثر بشكل أساسي على النشاط التجاري الأجنبي مع إيران، أو تخفيف أشمل قد يشمل أجزاء كبيرة من الحظر الأمريكي. وستتوقف إمكانية تقديم هذا التخفيف بشكل مباشر على درجة التنازلات النووية والإقليمية التي يمكن للولايات المتحدة انتزاعها. وربما تكون إحدى الأفكار التي قدمها مايكل سينغ، والمتعلقة بصفقات لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، قد تكون مغرية لطهران.
ومع تسارع العد التنازلي العسكري، لا يزال أمام الطرفين بعض الوقت للعمل على هذه القضايا واستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن التحرك أو التقاعس على حد سواء ينطويان على مخاطر، وأن الخيارات المتاحة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني ستتقلص تدريجياً مع مرور الوقت.
مايكل آيزنشتات
سيكون الهدف من الضربة الوقائية هو إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالبرنامج النووي وكسب الوقت لتعزيز الدبلوماسية النووية، وردع أو تعطيل محاولات إعادة البناء، وتشكيل ترتيبات إقليمية لاحتواء إيران الضعيفة. ومع ذلك، من شبه المؤكد أن طهران ستحاول إعادة بناء البرنامج باستخدام أي مواد انشطارية وأجهزة طرد مركزي وعناصر نجت من الهجوم. لذلك، من غير المرجح أن يكون المنع مجرد إجراء وحيد، بل من المحتمل أن يشكل البداية لحملة طويلة الأمد تستهدف منع إيران من إعادة البناء، عبر إجراءات سرية وضربات متتابعة. وإذا شعرت طهران بالقلق من احتمال أن تشمل الهجمات اللاحقة أهدافًا عسكرية واقتصادية وقيادية، فقد تقرر إبطاء جهودها لإعادة البناء.
ولكي تنجح الضربة الوقائية، سيتطلب ذلك إلى خلق بيئة مواتية للهجمات اللاحقة. ومن شأن الضربة الأولى الناجحة أن تسهّل تعبئة الدعم المحلي والأجنبي للعمل اللاحق إذا ما اعتُبر ذلك ضروريًا. وبالمثل، فإن تجنب التصعيد سيعزز جهود المتابعة، على الرغم من أن قدرة طهران على التسبب في اضطرابات جيوسياسية قد تضاءلت إلى حد كبير بسبب إضعاف قيادة "حزب الله"، ووجود دفاعات جوية وصاروخية إقليمية قوية، والضرر الذي لحق بقدرة إيران على إنتاج الصواريخ خلال الهجوم الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر 2024. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تقتصر الضربة على منشآت التخصيب الإيرانية (التي تقع بشكل أساسي تحت الأرض)، مما يجنب وقوع كارثة إنسانية من النوع الذي قد يترتب على الهجوم على مفاعل نووي نشط. ولتفعيل حملة طويلة الأمد، قد يكون من الضروري الحفاظ على البنية الاستخباراتية والبيئة الجيوسياسية التي تسهل تنفيذ هجمات مستقبلية على مدار السنوات القادمة.
هل تستطيع إسرائيل القيام بالمهمة بمفردها؟ بالإضافة إلى الذخائر الخارقة التقليدية التي يمكن استخدامها ضد أهداف مدفونة بعمق، من المحتمل أن تكون إسرائيل قد طورت قدرات شديدة السرية لهذه المهمة، ويبدو أنها استخدمت بعضها خلال عمليات سرية في السنوات الأخيرة. وكما أربكت هجمات أجهزة النداء الإسرائيلية ضد "حزب الله" في سبتمبر/أيلول الماضي التوقعات بشأن شكل الحرب بين الطرفين، فإن محاولة التكهن بكيفية مهاجمة إسرائيل للبرنامج النووي الإيراني تُعد محاولة غير مجدية. فعلى أقل تقدير، من المرجح أن تستفيد القدس من الدعم الاستخباراتي الأمريكي والتعاون الأمريكي في صد الانتقام الإيراني. ومع ذلك، فإن الهجوم المشترك الذي يجمع القدرات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية سيكون بلا شك أكثر فعالية.
هولي داجريس
وصلت المشاعر الإيرانية السلبية تجاه النظام إلى مستويات غير مسبوقة. ففي حين كان الشعب الإيراني يلوم الغرب في السابق على العقوبات والعزلة الاقتصادية التي فرضها على إيران قبل عام 2015، إلا أنه يلوم طهران حالياً على مشاكله. ويبدو أن هذا الشعور المتزايد المناهض للنظام يرتبط أيضاً بتراجع الدعم الشعبي للبرنامج النووي، والذي من المحتمل أن يكون قد تجسد بعد احتجاجات 2017–2018 وبلغ ذروته خلال انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" عام 2022. كما يعارض العديد من الإيرانيين التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران، لأنهم يعتبرون ذلك بمثابة إلقاء طوق نجاة لنظام لم يعودوا يرغبون فيه.
ومن بين المعسكر المؤيد للنظام، دعا البعض بتحد إلى المضي قدماً في البرنامج النووي، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة انسحبت من "خطة العمل الشاملة المشتركة" وأعادت فرض العقوبات، على الرغم من أن طهران لم تنتهك الاتفاق في ذلك الوقت. غير أن آخرين يأملون في التوصل إلى اتفاق جديد يوفر لهم مهلة من "الاقتصاد المقاوم" – وهو مصطلح صاغه المرشد الأعلى خامنئي لتمجيد تحايل إيران على العقوبات من خلال جعل اقتصادها أقل اعتماداً على التجارة الدولية. والواقع أن الوضع الاقتصادي على الأرض آخذ في التدهور. فخلال الأشهر القليلة الماضية، على سبيل المثال، شهدت إحدى وعشرون محافظة من أصل إحدى وثلاثين محافظة إيرانية انقطاعاً في التيار الكهربائي، وفقد الريال نصف قيمته، وارتفعت أسعار البطاطا بنسبة 217%.
وعلى الرغم من أن انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" لم تتمكن من إحداث تغيير حقيقي، إلا أن سقوط نظام الأسد في سوريا مؤخراً جدد الأمل لدى الإيرانيين الذين يحلمون بأن يشهدوا سقوط الجمهورية الإسلامية في حياتهم. ويشير عجز المؤسسة الدينية عن معالجة سوء الإدارة والفساد والقمع المنهجي إلى أن تجدد الاحتجاجات المناهضة للنظام أصبح وشيكاً. ولسوء الحظ، من المرجح أن تواجه طهران هذا الشعور بتصعيد القمع، لاسيما ضد النساء والفتيات والأقليات، اللواتي تحملن دائمًا العبء الأكبر من هذه السياسات.
أعد هذا الملخص ساري المميز. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء "عائلة فلورنس" و "روبرت كوفمان".