
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4033
ضمان تجاوز اجتماع "منظمة التحرير الفلسطينية" الإصلاحات الرمزية

على الرغم من أن الرئيس عباس يبدو منشغلاً أكثر بتلبية التوقعات الدبلوماسية في الخارج منه بالتعامل مع القضايا الملتهبة في الداخل، فإنه لا يزال يتعين على المسؤولين دفعه لاتخاذ خطوات تتجاوز التغيير الشكلي - سواء لمعالجة الواقع في الضفة الغربية، أو ربما لتمهيد الطريق نحو إضفاء الشرعية على عودة "السلطة الفلسطينية" إلى غزة في نهاية المطاف.
من المتوقع أن يعقد المجلس المركزي لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" جلسة في الثالث والعشرين من نيسان/أبريل في رام الله، تستمر أعمالها لمدة يومين. ويأتي على رأس جدول أعمال المجلس حزمة من الإصلاحات المهمة تضمنت تعيين نائب لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان المجلس سيوافق ببساطة على استحداث هذا المنصب أم سيُقدم على اتخاذ بعض الخطوات لتحديد آلية اختيار المرشح، سواء من خلال مرسوم رئاسي أو عبر تصويت المجلس. وفي كلتا الحالتين، قد يتم تأجيل الإعلان عن المرشح المحدد إلى موعد لاحق.
ويُعدّ هذا الإصلاح جزءاً من حزمة أوسع من التغييراتِ السياسية والإدارية التي يعتزم الرئيس عباس المضي قدماً في تنفيذها خلال الأسابيعِ المقبلة، وقد شرع بالفعل في تطبيق بعضٍ منها. ففي قمة جامعة الدول العربية في آذار/مارس، أعلن عباس أنه سيمنح عفواً لأعضاء "حركة فتح" الذين سبق أن طُردوا منها - وأبرزهم محمد دحلان، الذي كان حليفاً مقرباً، ثم تحول لاحقاً إلى خصم تم استبعاده في عام 2011. ويهدف هذا الإعلان إلى تعزيز الوحدة الداخلية لـ"حركة فتح"، مع احتمال أن يُسهم في دعم مكانة عباس لدى الدول العربية الرئيسة، التي كانت قد ضغطت عليه للتحرك في هذا الاتجاه.
وفي الوقت عينه، بدأت موجة من الإصلاحات الإدارية في "السلطة الفلسطينية" في أوائل العام الماضي، مع تعيين محمد مصطفى، وهو خبير اقتصادي ومُقرب من عباس، رئيساً للوزراء. وقد تم تصميم هذه التدابير في البداية لإظهار الاستجابة لدعوة إدارة بايدن لـ" إعادة تنشيط" السلطة الفلسطينية، التي قد تتولى في نهاية المطاف المسؤولية في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب بين "حماس" وإسرائيل. وقد تضمنت الإجراءات الرئيسية استبدال معظم قادة الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية. ففي الشهر الماضي، تمت إقالة نضال أبو دخان -رئيس جهاز الأمن الوطني منذ عام 2011 - إلى جانب ثلاثة رؤساء أجهزة آخرين، في حين أُجبر العشرات من كبار الضباط الآخرين على التقاعد، في إطار جهود أوسع لإعادة هيكلة تهدف إلى تجديد القيادة وتحسين الكفاءة في القطاع الأمني. وقد تم اختيار عدد من خلفاء هؤلاء الضباط من الحرس الرئاسي، أكثر الوحدات ولاءً لعباس. وإضافةً إلى ذلك، قد تتم إقالة رئيس المخابرات العامة، ماجد فرج، وهو أكبر مسؤولٍ أمني في السلطة الفلسطينية، مع احتمال نقله إلى منصبٍ سياسي داخل "منظمة التحرير الفلسطينية" أو "حركة فتح" (انظر أدناه).
ومن بين الإصلاحات البارزة الأخرى، المقرر تنفيذها في حزيران/يونيو، إعادة النظر في آلية دفع الرواتب لعائلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وينص مرسوم صدر في شباط/فبراير على أن المدفوعات ستتم الآن بناءً على الحاجة الاقتصادية للأسرة، بدلاً من مدة عقوبة السجين - في محاولة للرد على الانتقادات الدولية المستمرة لما يُعرف بسياسة "الدفع مقابل القتل ".
لماذا يدفع عباس بهذه الإصلاحات؟
قد يتساءل البعض عن السبب الذي يدفع الرئيس إلى اتخاذ خطوات قد تُظهر وكأنها تُضعف هيمنته السياسية. أحد التفسيرات المحتملة هو أنه يعتبر هذه الخطوات رمزية أو فنية في المقام الأول، ولها تأثير محدود على سلطته. فعلى سبيل المثال، يفتقر منصب نائب الرئيس المقترح إلى صلاحيات واضحة، كما أن المرشح الأوفر حظاً لشغل هذا المنصب - حسين الشيخ - كان بالفعل يقوم بدور نائب فعلي لعباس منذ عام 2022، إذ يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، ويتولى إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية. والجدير بالذكر أن تعيين الشيخ قد يواجه معارضة من بعض قادة فتح الآخرين، مثل جبريل الرجوب، ومحمود العالول، ومروان البرغوثي، وهو شخصية مسجونة قد تكون مستعدة للعودة إلى الساحة السياسية إذا تم الإفراج عنه في إطار اتفاق مستقبلي مع إسرائيل. وبهدف احتواء مثل هذه الاعتراضات، قد يعمد عباس إلى تقديم أدوار تعويضية لخصومه.
ومن المرجح أن يؤدي هذا النهج إلى تأخير أي انتقال فعلي للسلطة، وتكريس المركزية في يد عباس. وفي خطوة مماثلة، أعلن عباس في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أنه في حال وفاته، سيتولى رئيس "المجلس الوطني الفلسطيني"، روحي فتوح، منصب رئيس "السلطة الفلسطينية" المؤقت لمدة تسعين يوماً، إلى حين إجراء الانتخابات - وهو إعلان يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه إجراءً شكلياً، لا يمثل تقدماً حقيقياً نحو تحديد آلية خلافة السلطة الفلسطينية.
وتبدو دوافع عباس نحو الإصلاح متجذرة أيضاً في سعيه لتلبية توقعات المانحين العرب والأوروبيين من دون أن يؤثر ذلك على سلطته. ففي 14 نيسان/أبريل، وافقت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على حزمة مساعدات - مشروطة بإجراء إصلاحات - تمتد لثلاثة سنوات بقيمة 1.6 مليار يورو، من بينها 620 مليون يورو كتمويل مباشر للميزانية. وفي الوقت نفسه، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً هاتفياً مع عباس الأسبوع الماضي، وأشار بعد ذلك إلى أن الإصلاحات ضرورية لكي يُنظر إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها سلطة حاكمة قابلة للاستمرار في غزة، وهي ملاحظة ذات دلالة في ضوء التقارير التي تفيد بأن باريس قد تعترف قريباً بدولة فلسطين.
وفي بعض الحالات، يبدو أن الإصلاحات موجهة خصيصاً لشركاء إقليميين محددين. إذ أن فكرة تعيين نائب للرئيس تعود إلى المملكة العربية السعودية، التي ضغطت على عباس لقبول الاقتراح، بل هددت بتعليق مساعداتها الشهرية البالغة 10 ملايين دولار للسلطة الفلسطينية إذا رفضت المقترح. وبطريقة مماثلة، يبدو أن إعادة التواصل مع دحلان - الذي أصبح الآن متحالفاً بشكل وثيق مع الإمارات العربية المتحدة ومصر - تهدف إلى إصلاح العلاقات مع القوى العربية الرئيسية، التي تعتبرها كل من إسرائيل والولايات المتحدة ضرورية للتوصل لأي تسوية مستقبلية في غزة.
وكما ذُكر أعلاه، قد يكون عباس يستعد أيضاً لإعادة تموضع رئيس المخابرات العامة، ماجد فرج، كمرشح توافقي محتمل لإدارة غزة بعد الحرب، إذ يتمتع فرج بعلاقات أمنية طويلة الأمد مع إسرائيل وواشنطن والدول العربية، لذا فإن نقله قد يُنظر إليه على أنه لفتة تنسيق، وليس طرداً.
ومع ذلك، يُفترض أن عباس لا يملك أوهاماً بشأن الأثر الفعلي المحتمل لهذه الإصلاحات. وقد لا يتوقع أن تُبدد هذه الإصلاحات شكوك إسرائيل العميقة تجاه السلطة الفلسطينية، أو أن تحفّز دعماً جديداً ملموساً من قبل إدارة بايدن. وقد يكون أحد الاستثناءات المحتملة هو استعادة المساعدات الأمريكية لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي تم تعليقها في شباط/فبراير، وقد تُستأنف بشرط إصلاح آلية مدفوعات السجناء. وكما ذُكر سابقاً، سعى عباس إلى معالجة هذه القضية الحساسة في الأسابيع الأخيرة، مع تفادي المواجهة العلنية مع واشنطن.
وعلى المدى القريب، يبدو أن الهدف الرئيسي لعباس هو الحفاظ على الدعم العربي والأوروبي قبيل انعقاد مؤتمر دولي كبير في نيويورك في حزيران/يونيو المقبل. ويهدف هذا المؤتمر، الذي سيُعقد تحت رعاية الأمم المتحدة وبقيادة المملكة العربية السعودية وفرنسا، إلى إعادة إحياء المسار الدبلوماسي من أجل التوصل إلى حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
كما تسعى السلطة الفلسطينية إلى تحقيق قدر من الاستقرار المالي. فمنذ بدء الحرب على غزة، لم تتمكن من دفع أكثر من 30% إلى 40% من رواتب موظفي القطاع العام، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية بنسبة تقارب 30 في المئة - وهي عوامل قد تُسهم في تسريع تدهور الوضع العام في تلك الأراضي.
علاوة على ذلك، قد يعتقد عباس أنه إذا توصلت "حماس" وإسرائيل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، فإن المناقشات حول حكم غزة بعد الحرب ستكتسب زخماً. ومن خلال تسريع الإصلاحات الآن، قد يأمل في وضع "السلطة الفلسطينية" بوصفها مرشحاً موثوقاً لتولي دور في غزة، مما يسهم في الحفاظ على وحدة الفلسطينيين وتحسين إرثه السياسي في الوقت نفسه.
وحتى إذا لم تكن إسرائيل والولايات المتحدة تنويان استعادة سلطة السلطة الفلسطينية في غزة في المستقبل القريب، فإن لديهما مصلحة مشتركة في دعم الإصلاحات الحقيقية، لا سيما الإصلاحات التالية:
- تعزيز عملية خلافة أكثر تنظيماً واستقراراً للحد من خطر الانهيار المؤسسي أو العنف داخل "حركة فتح."
- تحسين كفاءة ومهنية المؤسسات المدنية وقوات الأمن التابعة لـ"لسلطة الفلسطينية".
- تعزيز شرعية "حركة فتح" والدعم الشعبي لها كوسيلة لموازنة "حماس."
- تعزيز الشفافية والمساءلة في الممارسات المالية لـ"السلطة الفلسطينية"، مما يستلزم كبح جماح الفساد والحد من تحويل الأموال إلى العناصر المتطرفة.
توضيح العلاقة بين مؤسسات "منظمة التحرير الفلسطينية" ومؤسسات "السلطة الفلسطينية"، الأمر الذي من شأنه أن يُمكن السلطة الفلسطينية من التركيز على الحوكمة وتقديم الخدمات بدلاً من الخلافات الأيديولوجية.
نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن، وعملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية".