
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4032
هل تجاوزت جماعة الإخوان المسلمين الخطوط الحمراء في الأردن؟

لا تزال المعلومات تتكشف حول تورط جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن في مخططات إرهابية وعمليات تهريب أسلحة وتنسيق مع جهات خارجية، ما سيدفع على الأرجح السلطات الأردنية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعة – ويبقى السؤال إلى أي مدى ستذهب عمان في هذا الاتجاه؟
في 15 نيسان/أبريل، أعلنت السلطات الأردنية عن اعتقال ستة عشر عضواً في فرع جماعة "الإخوان المسلمين" الأردني، بتهم تتعلق بحيازة متفجرات وتصنيع صواريخ وطائرات مسيرة. وكان اثنان من المعتقلين قد شغلا سابقاً عضوية مجلس الشورى في الجماعة، وهو أحد أعلى هيئات صنع القرار في تنظيم الإخوان. ورغم أن الاعتقالات جرت قبل أن تشكل مخططاتهم تهديداً فعلياً مباشراً، إلا أن اعترافاتهم العلنية كشفت عن وجود تنسيق مع جهات خارجية في لبنان، وعلى الأرجح مع جماعتي "حماس" و"حزب الله". واعترف المتهمون أيضاً بتلقي تدريبات هناك، إضافة إلى حصولهم على أموال ومعدات من مصادر أجنبية. وتتركز مخاوف المسؤولين الأردنيين بشكل خاص حول احتمال وجود صلة "إيرانية" خلف هذه الأنشطة، في ظل تصاعد محاولات طهران لزعزعة استقرار المملكة من خلال تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود، إلى جانب أنشطة تخريبية أخرى.
تأتي هذه المعلومات في ظل تصاعد التوتر بين السلطات الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين. وتشير التحقيقات إلى أن المخططات قيد البحث تعود إلى عام 2021، إلا أن حدة التوترات بلغت مستويات غير مسبوقة منذ عام 2023. فقد أدت الحرب في غزة إلى إثارة موجة من الغضب الشعبي داخل المملكة، استغلها الإخوان لتعزيز شعبيتهم، وتحقيق نتائج كبيرة في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، ومهاجمة سياسات الحكومة تجاه إسرائيل والولايات المتحدة بأسلوب تصعيدي متزايد، وصل في بعض الأحيان إلى حد تجاوز الخطوط الحمراء الأمنية المعهودة في عمّان. ومن المتوقع أن تدفع نتائج هذا التحقيق الحكومة إلى إعادة تقييم نهجها في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، وقد تفضي أيضاً إلى مراجعة الخطاب الرسمي المتعلق بالحرب في غزة وحدود التسامح مع الاحتجاجات الشعبية.
انقلاب لصيغة التعايش بين الحكومة و"الإخوان"
تنشط جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن منذ أربعينيات القرن الماضي، وقد ظلت علاقتها بالحكومة تتسم بدرجة من التعاون لعقود، حتى عندما تم حظر الأحزاب السياسية الأخرى في الخمسينيات من القرن الماضي. وفي المقابل، غالباً ما كانت الجماعة تدعم – وإن لم يكن ذلك دائماً – سياسات القصر في مجالي الأمن والسياسة الخارجية، لا سيما في مواجهة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية.
لكن العلاقة بين الطرفين بدأت تأخذ طابعاً أكثر تصادمية مع نهاية القرن العشرين، خاصة بعد المعارضة الشديدة التي أبدتها الجماعة تجاه معاهدة السلام الموقعة مع "إسرائيل" عام 1994. وشهدت العلاقة مزيداً من التدهور مع انطلاق موجة "الربيع العربي" عام 2011. ومع ذلك، وعلى عكس دول أخرى في المنطقة، لم تقم السلطات الأردنية بحملة قمع شاملة ضد الجماعة، بل اكتفت بمحاولة الحد من نفوذها السياسي.
في عام 2020، أصدرت أعلى محكمة في المملكة حكماً يؤيد قرار الحكومة بحل الجماعة رسمياً بدعوى عدم تسجيلها كجمعية خيرية، لكنها في الوقت نفسه سمحت لحزبها السياسي – جبهة العمل الإسلامي – بالاستمرار في العمل القانوني باعتباره كياناً منفصلاً ومسجلاً بشكل رسمي.
لكن الحرب الحالية في غزة أسهمت في تصعيد جديد، إذ كثفت جماعة "الإخوان المسلمين" انتقاداتها للحكومة، متهمةً إياها بالتعاون مع "إسرائيل" والتقصير في دعم الفلسطينيين. وبوصفها الحركة السياسية الأكثر تنظيماً في الأردن، تصدرت الجماعة الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحرب، والتي اتسمت بتوجيه انتقادات مباشرة إلى الحكومة والجيش وجهاز المخابرات. وبالاستفادة من هذا الزخم، خاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية لعام 2024 ونجحت في أن تصبح الكتلة المعارضة الأكبر في البرلمان، متجاوزة بذلك توقعات دائرة المخابرات العامة الأردنية.
أثارت هذه التطورات قلق الدوائر الأمنية الأردنية، خصوصاً مع تصاعد الخطاب المتعاطف مع "حماس" من جانب قيادات الإخوان خلال الحرب. وكانت "حماس" قد أُبعدت عن الأردن عام 1999 بعد تصنيفها تهديداً أمنياً بالغ الخطورة. لكن في الفترة الأخيرة، بدت تصريحات الإخوان متماهية مع مواقف "حماس"، كما أن المظاهرات التي نظمتها الجماعة رفعت أعلام "حماس" ورددت شعارات داعمة لقادتها. وظهر في إحدى التظاهرات على الأقل قادة من "حماس" يخاطبون المتظاهرين الأردنيين عبر اتصالات مرئية عن بُعد.
تحدت بعض الفعاليات التي نظمتها الجماعة القيود الحكومية المفروضة على أماكن الاحتجاج، بما في ذلك الحظر المفروض على تنظيم مظاهرات بالقرب من الحدود مع "إسرائيل" أو أمام السفارات الأجنبية، وخصوصاً "الإسرائيلية" و"الأمريكية". وأسفرت هذه المواجهات عن عدة صدامات مع قوات الأمن، كان أحدثها في 11 نيسان/أبريل.
في ما يتعلق بالمخططات الإرهابية، كشفت السلطات عن مستودعات متفجرات جرى اكتشافها وتفكيكها في عمان خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، وأشارت التحقيقات إلى أن مصدر هذه المتفجرات ربما يكون "إيران". وكان بعض المشتبه فيهم المرتبطين بهذه المخزونات من الأعضاء الأصغر سناً في جماعة "الإخوان المسلمين". وعلى الرغم من قبول السلطات في البداية ادعاء الجماعة بأن هؤلاء الأفراد تصرفوا بشكل مستقل دون علم القيادة، إلا أن موقف الحكومة بدأ يتغير بعد ذلك بفترة قصيرة.
في تشرين الأول/أكتوبر، قُتل اثنان من أعضاء الجماعة المسلحين برصاص القوات "الإسرائيلية" بعد أن تسللا عبر الحدود وفتحا النار، ما أسفر عن إصابة جنديين "إسرائيليين". أبدت الجماعة في البداية تأييدها الضمني للعملية، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذا الموقف تحت ضغط سياسي، وادعت مجدداً أن المهاجمين تصرفوا بمبادرة شخصية لا تمثل التنظيم. ومع ذلك، واصلت قيادات "الإخوان" الإيحاء بأن الهجوم كان مبرراً تحت شعار "دعم المقاومة ".
في غضون ذلك، كشف تصاعد تحدي الجماعة للحكومة عن انقسامات داخل مؤسسات الدولة الأردنية. فمنذ بداية الحرب في غزة، تبنت عمان خطاباً سياسياً وإعلامياً يعكس الغضب الشعبي تجاه سلوك "إسرائيل" خلال النزاع، وهو ما يتماشى مع سياسة القصر التقليدية في تجنّب المواجهات الداخلية متى أمكن، حيث يرى بعض المسؤولين أن هذا النهج يسهم في الحفاظ على الاستقرار. لكن في المقابل، يرى منتقدو هذه السياسة أن هذا الخطاب أسهم في تأجيج الغضب الشعبي، ومنح "الإخوان" فرصة لتعزيز خطابها.
ظهر أول مؤشر على تصاعد حالة الامتعاض الرسمي من خطاب الجماعة في شباط/فبراير الماضي، حين وجّه الملك عبد الله الثاني انتقادات حادة إلى "أولئك الذين يتلقون أوامرهم من الخارج"، في خطاب ألقاه أمام مجموعة من قدامى المحاربين العسكريين، وهي شريحة معروفة بمواقفها المحافظة ودعمها التقليدي للنظام. وقد فُسر اختيار هذا الجمهور ونبرة الخطاب القاسية على أنها رسالة تحذير مباشرة إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، وإشارة واضحة إلى استياء القصر من تصاعد حدة الاحتجاجات التي تقودها الجماعة.
خيارات عمّان
تشير الاعتقالات الأخيرة وما أُعلن عن عدد المعتقلين ومكانتهم التنظيمية إلى أن هذه القضية قد تدفع السلطات الأردنية إلى إعادة رسم علاقتها مع "الإخوان المسلمين". ويظل مدى هذا التغيير مرهوناً بعدة عوامل أساسية.
تأمل الجماعة في أن تكرر السلطات نهجها السابق المتسم بالتسامح. وفي هذا السياق، أصدرت الجماعة بياناً في 15 نيسان/أبريل نفت فيه صلتها بالخلايا المعتقلة، ووصفت ما حدث بأنه "تصرفات فردية". لكن اللافت أن البيان لم يدن صراحة المتهمين، بل استخدم لغة توحي بتبرير أعمالهم باعتبارها "دعماً للمقاومة"، وهو الموقف ذاته الذي تبنته الجماعة عقب حادثة التسلل المسلح في تشرين الأول/أكتوبر.
مع ذلك، من غير المرجح أن تمر هذه القضية من دون تداعيات كبيرة. إذ يسود شعور بين العديد من المسؤولين الأردنيين بأن سياسة التساهل السابقة لم تفلح في كبح سلوك الجماعة، بل ربما شجعتها على المضي قُدماً في تحديها. وخلال الأيام الأخيرة، كثفت الحكومة من التغطية الإعلامية لعمليات الاعتقال ضمن حملة إعلامية منظمة بعناية. وترافقت هذه الحملة مع لهجة صارمة في التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين والبرلمانيين، حيث دعا بعضهم إلى تطبيق الحظر المفروض على الجماعة.
إلى جانب التصريحات، سيعتمد مدى شدة رد فعل الحكومة على نتائج التحقيقات الجارية، وخاصة ما إذا كانت ستكشف عن تورط تنظيمي أوسع داخل الجماعة، أو وجود صلات أجنبية أعمق مما تم الإعلان عنه حتى الآن. كما سيلعب توازن القوى داخل دوائر الحكم في الأردن، وردود أفعال "الإخوان"، دوراً حاسماً في تحديد مسار الأمور. ومن الجدير بالذكر أن الديوان الملكي لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي حول الحادثة، ما يشير إلى أن صناع القرار ما زالوا يدرسون الخيارات المطروحة بعناية قبل حسم الموقف.
في أقصى حدود الردود الممكنة، هناك دعوات من بعض الأوساط السياسية إلى فرض حظر شامل على جماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها السياسي "جبهة العمل الإسلامي"، وشن حملة قمع ضد أعضائها. غير أن مثل هذه الخطوة لا تبدو مرجحة في الوقت الحالي، إذ تتناقض مع نهج الأجهزة الأمنية الأردنية الذي يفضل تجنب المواجهة الشاملة طالما توفرت بدائل أخرى. كما أن الإقدام على هذه الخطوة قد يهدد الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل فوز الجماعة الأخير في الانتخابات، وتصاعد حالة الغضب الشعبي حيال الحرب في غزة، واستمرار معاناة المواطنين من الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد هذا الخيار تماماً إذا قررت الجماعة التصعيد في مواجهة أي إجراءات حكومية قادمة.
أما البدائل الأقل حدة، فقد تشمل اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتدرجة، مثل تقليص نفوذ الجماعة من دون فرض حظر شامل عليها، أو تطبيق الحظر على التنظيم مع الإبقاء على عمل "جبهة العمل الإسلامي" باعتبارها كياناً سياسياً منفصلاً، أو استهداف قيادات محددة داخل الجماعة، خصوصاً أولئك الذين تربطهم صلات بـ"حماس" أو جهات خارجية أخرى. وقد تتضمن هذه البدائل أيضاً تشديد القيود على التظاهرات وأشكال التعبير السياسي الأخرى، سواء من خلال تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية أو عبر أطر قانونية إضافية، إلى جانب خيار حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، سواء وفق قانون انتخاب معدل أو من دون مشاركة "جبهة العمل الإسلامي". إلا أن الخيار الأخير قد يُنظر إليه على أنه انتكاسة لخطط التحديث السياسي التي أطلقها الملك عبد الله الثاني.
التداعيات على السياسة الأمريكية
تسلط هذه الأزمة الأمنية الداخلية في الأردن الضوء على حقيقة أن "محور المقاومة" لا يزال يمثل تهديداً قائماً يسعى لإضعاف حلفاء واشنطن في المنطقة، رغم الانتكاسات التي لحقت بالوكلاء الإيرانيين في أماكن أخرى. وفي الوقت نفسه، تشير الاعتقالات الأخيرة إلى متانة أجهزة الحكم والأمن الأردنية، رغم الانتقادات التي وُجهت لها عقب فشلها في التنبؤ بنتائج الانتخابات الأخيرة لصالح الجماعة.
وعلى الرغم من أن استقرار الأردن لم يتعرض لهزات جوهرية، فإن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المسار، سواء على صعيد شكل الرد الحكومي أو رد فعل جماعة "الإخوان المسلمين".
يتعين على الولايات المتحدة متابعة هذه التطورات عن كثب، والحفاظ على قنوات اتصال وثيقة مع عمان لمواكبة نواياها وخططها. فقد يتضمن رد فعل القصر خطوات مثيرة للجدل تجاه الجماعة، خاصة إذا ما اختارت الأخيرة التصعيد. وسيكون استمرار التواصل الثنائي عاملاً أساسياً لتجنب أي سوء فهم أو تضارب في الرسائل الصادرة عن واشنطن، بينما قد تسهم إعادة تأكيد دعم الولايات المتحدة للنظام الأردني في توجيه رسالة ردع إلى الجهات الإقليمية التي قد تسعى لاستغلال هذا الوضع.
وعلى المدى الطويل، تؤكد هذه الحادثة أهمية تعزيز برامج التمويل العسكري الأمريكي والعلاقات الاستخباراتية مع الأردن، إضافة إلى ضرورة توضيح مستقبل العلاقات التجارية مع المملكة، بما يخدم مصلحتها الاقتصادية مع الالتزام بسياسات الرسوم الجمركية التي تتبعها إدارة ترامب. وتُعد زيارة رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان الأخيرة إلى واشنطن خطوة أولى مهمة في هذا الاتجاه، وينبغي على المسؤولين الأمريكيين البناء عليها في أقرب فرصة.