- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2993
إعادة تطبيق العقوبات الإيرانية: أين وكيف وإلى أي درجة؟
Part of a series: Counterterrorism Lecture Series
or see Part 1: U.S. Efforts against Terrorism Financing: A View from the Private Sector
"في 17 تموز/يوليو، خاطب دانيال غليزر وسوزان مالوني وكاثرين باور منتدى سياسي في معهد واشنطن. وغليزر هو مدير "شبكة النزاهة المالية" ومساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية. ومالوني، هي زميلة بارزة في "مؤسسة بروكينغز"، وكانت قد أدارت "فرقة العمل المعنية بسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران" في عام 2004. وباور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في المعهد ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم".
دانيال غليزر
جمعت الإدارة الأمريكية السابقة ائتلافاً عالمياً لممارسة ضغوط مالية على الاقتصاد الإيراني. لكن هذا الائتلاف لم يعد موجوداً. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من شأن قدرة الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط كبيرة على النظم المالي الإيراني وعلى اقتصاد البلاد في ظل البيئة الحالية.
وحتى بعد تطبيق «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لم تشعر طهران أنها حصلت على القدر الذي كانت تتوقعه من رفع العقوبات، كما أن الضغوط الأمريكية لم تتلاشى حقاً. ولهذا السبب، لا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني حالياً من ضعف ملحوظ. كما كانت لدى الشركات التجارية والمؤسسات المالية الدولية خططاً للخروج منذ التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، نظراً إلى أن بند إعادة فرض العقوبات كان مدرجاً في الاتفاق. وقد جعل هذا الأمر من الأسهل على هذه الشركات والمؤسسات التصرّف بسرعة والخروج من السوق الإيراني بمجرد إعلان الرئيس ترامب عن قراره الانسحاب من "الخطة" في أيار/مايو.
وقد جادل البعض بأن الإنفاذ الانتقائي لإعادة فرض العقوبات الأمريكية قد يمنع واشنطن من مواصلة الضغط أو تصعيده، لكن هذه الحجة خاطئة جداً. وحقيقة الأمر هي أنه عندما تضطر الشركات الأجنبية إلى الاختيار بين مزاولة الأعمال التجارية مع إيران وحرية الوصول إلى النظام المالي الأمريكي، فإنها ستختار هذه الأخيرة.
ويقيناً، فإن بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تفتقر إلى الانكشاف الكبير على النظام المالي الأمريكي قد لا تزال تقرر مزاولة الأعمال التجارية مع إيران. وبالفعل، مثَّل هذا الأمر مشكلة خلال نظام العقوبات أثناء إدارتي بوش وأوباما. لكن تأثير هذه الكيانات الأصغر حجماً لن يكون كبيراً على الاقتصاد الإيراني، الذي يتطلب أكثر من مجرد مشاركة تدريجية في الاقتصاد العالمي إذا كان سيتَحَسن على المدى الطويل.
ويشير البعض إلى أن الصين هي الأساس للتخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية. وعلى الرغم من وجود سوق للأعمال التجارية الصينية في إيران، إلا أنه ليس الدواء الشافي للمشاكل الاقتصادية التي تعانيها البلاد. فالسوق الصيني لا يعوّض عن كل ما يمكن للغرب تقديمه، ولا تزال الشركات الصينية الأكبر معرضة للعقوبات الأمريكية.
من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن العقوبات هي أداة تُستخدم لدعم سياسة أو إستراتيجية أوسع نطاقاً، ويبقى الهدف النهائي للإدارة الأمريكية المتمثل بإعادة فرضها على إيران غير واضح المعالم. فهل تسعى إلى إعادة الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات أم إرغامهم على الإذعان لمطالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الاثني عشر؟ أم هل للإدارة الأمريكية هدف غير معلن هو تسهيل انهيار النظام الإيراني؟
سوزان مالوني
هناك مدرستان فكريتان حول تداعيات إعادة فرض العقوبات. أولاً، يعتقد البعض أن إيران في وضع أفضل مما كانت عليه عندما تمّ فرض العقوبات الأمريكية في الأصل. ففي ذلك الوقت، كانت الجمهورية الإسلامية في أوج الولاية الرئاسية الكارثية لأحمدي نجاد، وكانت النخب السياسية لا تزال تشعر بالتأثيرات المتلاحقة للاضطرابات الهائلة التي أثارتها إعادة انتخابه غير الشرعية قبل ذلك بعامين. وبحلول منتصف عام 2011، انقلبت المؤسسة السياسية برمتها ضده.
فضلاً عن ذلك، وعلى خلاف [ما كان عليه الوضع] عام 2011، لا يوجد حالياً أي حظر من قبل الاتحاد الأوروبي على النفط الإيراني. وفي الواقع، هناك حافز لإبقاء القنوات المالية مفتوحة أمام إيران، وقد أظهرت بعض الدول قدراً أكبر من التسامح تجاه التهريب وغيره من خطط التهرب من العقوبات. بعبارة أخرى، لن تجد واشنطن نفس مستوى التعاون الدولي بشأن إنفاذ العقوبات الذي حدث في الفترة من 2011 إلى 2013 - وهو احتمال ربما يدعو إلى القلق لأن الحكومة الإيرانية أصبحت الآن أكثر خبرة في التعامل مع تداعيات العقوبات الاقتصادية.
وقد استفادت إيران أيضاً من التغييرات في قطاع الطاقة والوضع الجغرافي السياسي في المنطقة. وهناك المزيد من عدم اليقين الذي يحيط بأسواق النفط اليوم، لا سيما في ضوء انخفاض الصادرات من فنزويلا. وعلى الصعيد الإقليمي، اكتسبت إيران المزيد من النفوذ في العراق، ودعمت بنجاح بشار الأسد في سوريا، وأقامت تواجداً أكبر على طول الحدود مع إسرائيل، كما جرّت منافسيها الخليجيين إلى الحرب مع الحوثيين في اليمن.
أما مدرسة التفكير الثانية حول إعادة فرض العقوبات، فهي أن هذه الأخيرة تأتي في وقت تكون فيه إيران أضعف بكثير من الناحية الاقتصادية. فعملة البلاد كانت في حالة انهيار حاد حتى قبل انسحاب الرئيس ترامب من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، في الوقت الذي تشهد فيه التجارة العالمية وخطابات الاعتماد بالدولار الأمريكي ارتفاعاً أكثر مما كانت عليه عام 2011. وعلى الرغم من أن الشركات الروسية والصينية قد تحاول الاستفادة من الفراغ الذي خلّفته الشركات الأوروبية التي غادرت إيران، إلّا أن الكثير من هذه الشركات هي أكثر عالمية [حالياً] مما كانت عليه حتى قبل بضع سنوات، وبالتالي أكثر عرضةً للضغوط. ومن حيث أسواق الطاقة، وحتى في غياب إنتاج فنزويلا، تتطلع السعودية وروسيا إلى زيادة صادراتهما لسد هذه الفجوة.
وعلى الصعيد الداخلي، تشهد إيران مستويات من التشاؤم العام أعمق بكثير مما كانت عليه في عام 2011. فالإيرانيون يمرّون بأزمة في تصاعد التوقعات، وفي الوقت نفسه يعانون من أزمة تتعلق بشرعية النظام. وفي الوقت الذي تشهد فيه البلاد ارتفاعاً في معدلات البطالة وتضخم ديموغرافي بين الشباب، أظهرت الحكومة عجزها وعدم قدرتها على متابعة الإصلاحات التي من شأنها أن تسمح لها بالاستفادة من الانفتاح الذي وفرته «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي الوقت نفسه، أساءت التعامل مع مختلف الأزمات الأخيرة بصورة علنية للغاية. ولطالما دعّم النظام نفوذه بقدرته على الحكم بكفاءة والوفاء بالوعود [في توفير] السلع والخدمات للشعب الإيراني، لكن سنوات من الانتكاسات جعلت الجمهورية الإسلامية في حالة انتقالية بطيئة. ورغم عدم احتمال انهيار النظام، إلّا أنّ الحكومة الحالية لن تتمكن من إدارة هذه الأزمات المتزامنة.
كاثرين باور
في ظل اقتراب المهل الرئيسية المتعلقة بإعادة فرض بعض العقوبات، تحتفظ إدارة ترامب بسرية كبيرة القرارات المتعلقة بالتنازلات والتراخيص والاستهداف وكيفية فرض عقوبات ثانوية بشكل متشدد. ولا يجب تطبيق هذه العقوبات كما كانت عليه من قبل - بل يجب أن تستهدف نقاط الضعف الحالية في الاقتصاد الإيراني. وفيما يلي خمسة اقتراحات حول الكيفية التي يمكن أن تمضي بها الإدارة الأمريكية قدماً في هذا المسار.
أولاً، يجب أن تضمن وقف عائدات صادرات النفط الإيرانية، مما يُحرم طهران من مورد رئيسي للعملة الصعبة ويُطمئن في الوقت نفسه عملاءها بأنهم سيحصلون على إمدادات كافية فضلاً عن منع ارتفاع أسعار النفط عالمياً. وستسري هذه القيود المفروضة على حركة عائدات النفط الإيرانية بالتزامن مع الحدّ من عدد مستوردي النفط الإيراني. يجب على المسؤولين الأمريكيين التعامل مع المسؤولين الماليين في هذه الدول [المستورِدة] لضمان تمتّع المصارف بغطاء قانوني يحجب الإيرادات الإيرانية.
ثانياً، على الإدارة الأمريكية مواصلة السعي إلى تطبيق تحرك مشترك مع الشركاء الدوليين يستهدف سلوكيات إيران المؤذية خارج النطاق النووي، حتى عندما يكون مثل هذا التحرك صعباً من الناحية السياسية. ولا يزال القلق يعتري الكثيرين في أوروبا حيال تطوير إيران لصواريخ باليستية وانتشار الأسلحة النووية، وخاصة إمداداتها من الصواريخ إلى «حزب الله» في لبنان وسوريا، والحوثيين في اليمن.
ثالثاً، على الولايات المتحدة إعداد خطط لتطبيق عقوبات على مستوى البلاد ليتمّ تنفيذها في النقاط الساخنة الإقليمية حيث تنشط إيران ووكلائها، مع تحديد أدوار الشركاء الإقليميين مثل دول الخليج. على سبيل المثال، رغم أنه من المستبعد أن تؤدي العقوبات بمفردها إلى انسحاب طهران من سوريا، إلّا أنها يمكن أن تلفت الانتباه إلى التدخل الإيراني في تلك البلاد، وتزيد تكاليف استمراره، وتعطيله إلى درجة معينة.
رابعاً، يجب أن يواصل المسؤولون الأمريكيون الدعوة إلى محاربة النشاط المالي الإيراني المضلل. وستتطلب مواجهة تطوير أساليب الالتفافات التعاون مع الشركاء في القطاعين الرسمي والخاص، والأخذ في الحسبان تحديات تطبيق العقوبات التي يواجهونها والعمل على تقليلها حتى عندما تكون التنازلات والتراخيص ضرورية.
خامساً، في حال عدم التطبيق الكامل لـ "خطة العمل" (التي تشمل التجريم المناسب لتمويل الأعمال الإرهابية) التي وضعتها "فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية" ["الهيئة"] الخاصة بإيران، ينبغي على الولايات المتحدة الضغط من أجل إعادة فرض الإجراءات المضادة التي وضعتها "الهيئة" على إيران. وقد سعت الحكومة الإيرانية إلى إعادة إشراك هذه المنظمة بعد الانتهاء من وضع «خطة العمل الشاملة المشتركة» في صيغتها النهائية، لكنها لم تتمكن من اعتماد تشريع يتوافق مع المعاهدات الدولية لمكافحة الإرهاب. ووفقاً للمنتقدين في إيران تتعارض مثل هذه المعاهدات مع دستور البلاد لأن بعض الجماعات الإرهابية التي تستهدفها متورطة ببساطة في مسعى مسموح به قانوناً لإنهاء "الاحتلال الأجنبي والاستعمار والعنصرية".
باختصار، لا يمكن للولايات المتحدة فرض هذه العقوبات بشكل فعال من جانب واحد، لذلك تحتاج إلى تحديد أولوياتها في إطار علاقاتها الثنائية الأوسع نطاقاً، مما قد ينطوي على تنازلات في قضايا أخرى. يجب على صناع السياسة أن يراعوا أيضاً الاهتمام المستمر والموارد المستدامة الضرورية لإنجاح هذه العقوبات.
أعدت هذا الموجز إيريكا نايجيلي.