- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3458
إذا تم إجراء الانتخابات الفلسطينية، فقد تكون لـ «حماس» اليد العليا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت انتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني" ستجري في موعدها. فالانقسامات داخل حركة «فتح» قد تتجاوز ما توقعه محمود عباس. وقد يقرر رئيس "السلطة الفلسطينية" تأجيل موعد الانتخابات بالنظر إلى الانقسامات الداخلية داخل «فتح»، والوحدة النسبية لخصومه، والأضرار التي يمكن أن تلحقها نتائج معينة بالعلاقات الفلسطينية مع الغرب.
على الرغم من العراقيل الكثيرة التي يمكن أن تهدّد بتعطيل انتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني" المقرر إجراؤها في 22 أيار/مايو، إلا أن العملية الرسمية لتسجيل المرشحين تسير على قدم وساق في الوقت الحالي وسيتمّ نشر قوائم بأسماء المرشحين في نيسان/أبريل. كما تتبلور ملامح الخريطة الانتخابية حيث تبدو حركة «حماس» مترابطة في حين تظهر انشقاقات في صفوف «فتح». وقد تغيرت بعض العوامل الرئيسية منذ إجراء الانتخابات الأخيرة في عام 2006، لكن الصورة العامة متشابهة بشكل مثير للقلق.
«حماس» موحدة
على الرغم من التوترات الداخلية، تُظهر «حماس» جبهة موحدة مع دخولها الدورة الانتخابية الحالية، والتي قد تشمل أيضاً إجراء انتخابات رئاسية وغيرها من المنافسات في وقت لاحق من هذا العام. والشخصيتان الرئيسيتان اللتان تدفعان بالحركة إلى المشاركة في هذه العملية، هما صالح العاروري، نائب رئيس مكتبها السياسي، ويحيى السنوار، مسؤولها البارز (رئيس مكتبها السياسي) في غزة. وفي حين يطمح كلاهما لقيادة «حماس» في نهاية المطاف، وبالتالي لا بد أن يتواجهان في مرحلة ما، إلّا أنهما أرسيا أسس علاقات عمل فعالة في الوقت الحالي بشأن عدد من القضايا، من بينها الانتخابات.
حين أجرت «حماس» انتخابات داخلية في الشهر الماضي، واجه السنوار تحدياً جدّياً من نزار عوض الله، أحد شخصيات الحرس القديم الذي لم يكن مرتاحاً من انفتاح السنوار على إقامة تفاهمات عملية مع إسرائيل ومصر، من جملة أمور أخرى. وعندما بدأت هذه التوترات في الظهور علناً، سارعت «حماس» إلى إعلان فوز السنوار في التصويت في غزة. ورغم أن هامش فوزه كان ضئيلاً وقد يشير إلى مواجهته صعوبات مستقبلية في السيطرة على «حماس» في غزة، إلا أنه ليس هناك جدال حول سلطته المحلية في الوقت الحالي. وفي ظل ثبات مكانة السنوار وشراكته الراسخة مع العاروري، تستعد «حماس» لخوض الانتخابات بشكل موحد ومنضبط.
«فتح» تتصدع
يستحضر الانقسام الحالي في «فتح» ذكريات سيئة عن هزيمتها في انتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني" عام 2006. فبعد تلك الانتكاسة، سعى رئيس "السلطة الفلسطينية" وزعيم «فتح» محمود عباس إلى إحكام قبضته من خلال قمع واستبعاد أي آراء معارضة في صفوف الحركة. ورغم نجاحه في فرض سيطرته الكاملة على الهياكل الرسمية للحركة، إلا أنه تم إبعاد جماعات انتخابية كبيرة بسبب نهجه القسري.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة، يستخدم عباس تكتيكات مماثلة لضمان انضباط «فتح»، ومنع أعضاء هيئاتها القيادية الترشح لمقاعد في "المجلس التشريعي الفلسطيني" وتهديد المرشحين من خارج القائمة الرسمية بالطرد - حتى باستخدام العنف، وفقاً لبعض التقارير الإعلامية. لكن هذه المقاربة لا تستميل بعض الفئات القادرة على التأثير على الانتخابات، بمن فيها رئيس جهاز الأمن السابق البارز في غزة محمد دحلان والسياسي الذي يتمتع بشعبية مروان البرغوثي.
وكان دحلان قد طُرد أساساً من «فتح» ويعيش في المنفى في الإمارات العربية المتحدة، لذلك يَعتبر العملية الانتخابية والتطورات المحيطة بها خطوة أولى نحو عودته إلى الحياة السياسية الفلسطينية الرسمية - وهو مسار قد يتضمن محاولته خوض الرئاسة في النهاية. ورغم عدم إمكانه الترشح بنفسه لمقعد في "المجلس التشريعي الفلسطيني" لأنه أُدين غيابياً بتهم فساد في عام 2014، إلا أنه لا يزال يحظى بدعم كبير في غزة ومناطق في الضفة الغربية. ففي غزة، أتاحت «حماس» لدحلان وأنصاره مجالاً للعمل أوسع من ذلك الذي منحته للأعضاء الرسميين من حركة «فتح». فخلال الأسابيع الأخيرة، على سبيل المثال، أرسل دحلان شحنات من لقاحات "كوفيد-19" إلى غزة، وسُمح لبعض كبار مساعديه - أبرزهم رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة سابقاً رشيد أبو شباك - بالعودة إلى القطاع للمرة الأولى منذ عام 2007. وليس واضحاً بعد ما إذا كان دحلان سيقدّم لائحة خاصة به لخوض انتخابات "المجلس التشريعي" أو سيدعم لائحة أخرى.
أما بالنسبة للبرغوثي- الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد في إسرائيل ولكن استطلاعات الرأي لا تزال تعتبره السياسي الفلسطيني الأكثر شعبية إلى حد بعيد - فمن غير المرجح أن يقدّم لائحة لانتخابات أيار/مايو لأنه يتطلع لخوض انتخابات رئاسية محتملة ولا يريد أن يتحمل مسؤولية تقسيم «فتح» في هذه الأثناء. ومع ذلك، فقد زاد هو ومناصروه من حدة الانتقادات لنهج عباس ومن غير المرجح أن يحشدوا دعماً كبيراً للائحة الرسمية لحركة «فتح»، خاصة إذا استثنتهم الحركة كما هو متوقع (وقد شعروا بتهميش متزايد منذ المؤتمر العام الأخير لحركة «فتح» في عام 2016).
ومن المرجح أن عباس توقّع حدوث تعقيدات مماثلة مع دحلان والبرغوثي، لكنه يواجه تحدياً مفاجئاً من ناصر القدوة الذي أعلن عزمه على تشكيل لائحة والترشح لانتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني". ومن الصعب التشكيك بمدى انتمائه لحركة «فتح»: فهو ابن شقيقة ياسر عرفات، وأصبح عضواً بارزاً في الحركة في سبعينيات القرن الماضي، حيث ترأس "الاتحاد العام لطلبة فلسطين" في عام 1974، وشغل منصب ممثل "منظمة التحرير الفلسطينية" لدى الأمم المتحدة، وأصبح لاحقاً وزير خارجية "السلطة الفلسطينية". ومؤخراً، كان عضواً في "اللجنة المركزية لحركة «فتح»" ورئيس "مؤسسة ياسر عرفات". ويراه البعض على أنه نخبوي يفتقر إلى اللمسة الشعبوية، لكن سجله خالي من الاتهامات بالفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.
وردّ عباس على إعلان ترشح القدوة بأسلوبه المعتاد، حيث قام بطرده من حركة «فتح» ومن "مؤسسة ياسر عرفات" ومضايقة بعض مساعديه. ومع ذلك، يبدو أن ردود الفعل هذه تعزز سردية القدوة بأنه يجذب العديد من الفئات المستاءة في «فتح» وخارجها. وقد تَواصَل مؤخراً مع معسكر البرغوثي، حتى أنه وعد بالتنازل عن ترؤس لائحته في حال ترشح البرغوثي للانتخابات. ورغم أنه نأى بنفسه عن دحلان وكبار مساعديه بسبب ضعف مواقفهم، إلّا أن القدوة تَواصَل مراراً وتكراراً مع مؤيديهم غير القياديين. كما يقيم روابط مع بعض المستقلين وناشطي المجتمع المدني. وإذا تحققت أي من هذه التحالفات المحتملة، فقد تشكل لائحة القدوة تحدياً كبيراً لقائمة «فتح».
وحتى أن عملية تشكيل اللائحة الرسمية للحركة ستكون على الأرجح مليئة بالتوترات بالنظر إلى تداعياتها على السؤال الدائم حول من سيخلف عباس. وكان أمين سر الحركة جبريل الرجوب القوة المحركة لقرار «فتح» بالدعوة إلى إجراء انتخابات، ومن المرجح أن يحاول الاستفادة من هذا الزخم من أجل تعزيز قاعدة دعمه - وهي خطوة ستواجه حتماً معارضة من الطامحين الآخرين. ولطالما سارع عباس إلى تقويض أي زعيم من «فتح» يُظهر بوادر بأنه أصبح قوياً جداً، بمن فيهم الرجوب نفسه في عام 2015. وستُظهِر التشكيلة الرسمية النهائية للائحة «فتح» ما إذا كان هذا النمط مستمراً.
فصائل أخرى
أعلن رئيس الوزراء السابق لـ "السلطة الفلسطينية" سلام فياض، الذي أُجبر فعلياً على النفي بعد انقضاء ولايته كرئيس للحكومة، عن نيته الترشح على رأس لائحة مستقلة. ونظراً لافتقاره إلى آلية سياسية منظمة وراسخة، فمن غير المرجح أن يحصل على العديد من المقاعد، لكن حتى تحقيقه فوزاً متواضعاً سيسمح له بالعودة إلى الحياة السياسية الرسمية.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت العديد من المنظمات اليسارية إلى رغبتها في الاتحاد ضمن لائحة انتخابية واحدة. لكن حتى الآن، لم تحرز الجهود لتحقيق هذه الغاية تقدماً كبيراً.
عام 2021 ليس عام 2006
على الرغم من أوجه التشابه بين الديناميكيات الحالية وتلك التي كانت سائدة في عام 2006، إلّا أن هناك اختلافات مهمة تجعل من الصعب التنبؤ بنتيجة الانتخابات. وإذا حصلت عملية الاقتراع فعلياً هذا العام، فستخضع لقانون انتخابي مختلف يجعل من الصعب على حزب واحد الفوز بأغلبية ساحقة. ورغم أن «حماس» لا تزال منضبطة داخلياً، إلا أن عدداً لا بأس به من الفلسطينيين يلومونها على إدامة الانقسام مع «فتح»، وإدارة غزة بطريقة فاسدة، وعجزها عن تحسين الأداء الاجتماعي والاقتصادي السيئ في القطاع. وفي ظل سجلها هذا، قد تواجه الحركة صعوبات لتصوير نفسها على أنها حزب يحكم بشكل جيد ونظيف، كما فعلت في عام 2006. وقد يبرز تطور مفاجئ آخر يتمثل بطرح لائحة مشتركة بين حركتي «فتح» و«حماس» - وهي فكرة لا تزال مُدرجة على جدول الأعمال على الرغم من المعارضة الداخلية من كلا الحركتين.
وربما الأهم من ذلك، أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت انتخابات "المجلس التشريعي" ستجري في موعدها. فالانقسامات داخل «فتح» قد تتجاوز ما توقعه عباس. وبالمثل، أصبحت التداعيات السلبية المحتملة للسياسة الخارجية موضع تركيز أكثر حدة، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات "السلطة الفلسطينية" مع الولايات المتحدة. وقد تدفع هذه العوامل بعباس إلى تأجيل موعد الانتخابات. وكما عليه الحال الآن، تبدو «حماس» في وضع أفضل لخوض الانتخابات، وإذا فاز أعضاء هذه الحركة - التي صنفتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب - بمقاعد في "المجلس التشريعي الفلسطيني" الذي أعيد إحياؤه، فستخلّف نتائجها تداعيات كبيرة على السياسة الأمريكية تجاه "السلطة الفلسطينية" وعملية السلام في الشرق الأوسط. ولتجنب أي حسابات فلسطينية خاطئة، على إدارة بايدن أن تراقب عن كثب هذه التطورات وتوضّح انعكاساتها الثنائية.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن.