- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
إغلاق ثغرات في الاتفاق المقترح بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا
في الوقت الذي بدأ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لقاءاته مع المسؤولين الروس في موسكو في الرابع عشر من تموز/يوليو، عليه أن يركز على سد الثغرات الكبيرة في الخطة الأمريكية المسربة عن "مجموعة التنفيذ المشترك" ضد «جبهة النصرة» - الجماعة التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» في سوريا. وفي حين استهدفت الولايات المتحدة كلاً من «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» خلال سنوات الحرب، إلا أن نوع "التنسيق" المباشر مع روسيا كما هو محدد في "شروط المرجعية" التي ينص عليها الاتفاق من شأنه أن يضر ليس فقط بسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، بل أيضاً باحتمالات تحوّل "وقف الأعمال العدائية" إلى وقف حقيقي لإطلاق النار. ووفقاً للصيغة الحالية، من المرجح أن يسمح الاتفاق المقترح لـ «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» بالتفرق بدلاً من القضاء عليهما.
ولحسن الحظ، يمكن غلق الثغرات المحدقة عن طريق إجراء تعديلات ثابتة وواضحة تتعلق بخمس نقاط.
1. تقييد الاستهداف الروسي ضد تنظيمات مصنفة من قبل الأمم المتحدة كجماعات إرهابية في سوريا. في صميمها، إن شروط المرجعية المقترحة قد تضع الولايات المتحدة في آلية تقوم بموجبها بتنسيق المعلومات التنفيذية والاستخباراتية خلال الضربات المستقلة بل المتزامنة ضد الجماعات الإرهابية المصنفة من قبل الأمم المتحدة، أي «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية»، الأمر الذي يفرض مهلة يوم واحد للقيام بمثل هذه الضربات. وفي المقابل، توقف روسيا العمليات الجوية التي يقوم بها نظام الأسد في "مناطق معينة" متفق عليها من قبل الولايات المتحدة وروسيا - تلك المناطق التي "تتركز" فيها «جبهة النصرة» أو "لها وجود كبير"، والمناطق التي تتمتع فيها المعارضة من غير «جبهة النصرة» - بالهيمنة ولكن "مع إمكانية وجود بعض العناصر من «جبهة النصرة»". بيد، يشير سجل روسيا في سوريا إلى أنها ستواصل العمليات الجوية ضد الجماعات المتمردة غير المصنفة تحت شروط المرجعية المقترحة. فقد قامت قواتها باستمرار بقصف مثل هذه الجماعات، كما شهدنا في الحصار المستمر على حلب والغارة الأخيرة على "الجيش السوري الجديد" المدعوم من قبل الولايات المتحدة في الجنوب.
2. تقييد عمليات القصف المدفعي والعمليات البرية التي يقوم بها النظام وروسيا. في حين من المؤكد أن "تدمير" جماعات مثل «جبهة النصرة» و تنظيم «الدولة الإسلامية»، ووقف القصف المستمر بالبراميل المتفجرة التي يقوم بها النظام ضد مناطق المعارضة، ومنع استخدامه المتكرر لغاز الكلور سيكون موضع ترحيب، إلا أنه من غير الواضح كيف يمكن لهذه التدابير أن تحوّل وقف الأعمال العدائية الى وقف حقيقي لإطلاق النار. فالعمليات الأكثر تدميراً التي شنها النظام وحلفاؤه من الميليشيات الشيعية، والقوات الروسية ضد المعارضة هي القصف بالمدفعية. ولكن مثل هذه الهجمات ليست مدرجة في شروط المرجعية الحالية، الأمر الذي يسمح باستمرار العمليات البرية التي يقوم بها النظام والقوات الحليفة له دون هوادة. لذلك، ففي أعقاب العمليات الأمريكية الروسية الممكنة لتدمير «جبهة النصرة»، من المفترض أن تكون قوات بشار الأسد في أفضل وضع لاستعادة السيطرة على المناطق التي كانت قد استولت عليها هذه الجماعة. بيد، نظراً لانعدام [ما يكفي] من القوى المحاربة الموثوقة في صفوف النظام وعدم قدرته المثبتة للسيطرة على الأراضي، فإن هذه المناطق ستعود بسرعة إلى حالة من التمرد بقيادة الجماعات المتطرفة. ولتجنب هذا السيناريو، ينبغي توسيع شروط المرجعية من أجل وقف عمليات القصف المدفعي والعلمليات البرية التي يقوم بها النظام في حين يجب أن يسيطر المتمردون "المعتدلون"الذين تدعمهم الولايات المتحدة على المواقع السابقة لـ «جبهة النصرة». وإلا سيكون الاتفاق مجرد ورقة توت لتغطية "انتصارات" النظام في شمال غرب البلاد، الأمر الذي لن يؤدي سوى إلى توليد المزيد من موجات المعارضة المتطرفة.
3. إغلاق ثغرات "التهديد الوشيك" و "الظروف الأخرى". المادة 2 من شروط المرجعية (بعنوان "دور «مجموعة التنفيذ المشترك» في العمليات العسكرية") هي مفصلة جداً في وصف الكيفية التي سيتم فيها التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا من الناحية النظرية. ولكن الفقرة الفرعية (د)، التي تغطي "الظروف الناشئة"، تشمل ثغرات كبيرة بحيث من المرجح أن تستخدمها القوات الروسية وقوات النظام ضد الجماعات المتمردة المعينة غير المصنفة من قبل الأمم المتحدة. على سبيل المثال، عندما تواجه القوات الروسية أو الأمريكية "تهديدات وشيكة" بحيث يعتبر التنسيق المسبق "غير ممكن"، فسوف يُسمح لها بالرد على هذه التهديدات من خلال شن ضربات وفقاً للحاجة، سواء كانت الأهداف موضع البحث هي "عدد من كبار أعضاء مجلس الشورى المعروفة أسماؤهم" والتابعين لـ «جبهة النصرة» أو غيرهم من "المتآمرين الخارجيين". وهذه اللغة هي أكثر من أن تكون غامضة للغاية، بحيث تضع كل من القادة الروس والأمريكيين في موقف حرج. إن إغلاق هذه الثغرة يستلزم تقييد هذه "التهديدات الوشيكة" بحيث تشمل المنظمات الإرهابية المصنفة من قبل الأمم المتحدة.
4. جعل العلاقة بين "مجلس الإدارة الانتقالي" و"بيان جنيف" أكثر وضوحاً. النقطة 10 من الوثيقة المسربة الثانية (بعنوان "نهج التعاون الروسي الأمريكي العملي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» وتعزيز وقف الأعمال العدائية") يشير إلى أن هدف شروط المرجعية هو "فهم أكثر شمولاً بين الولايات المتحدة وروسيا، مع تاريخ محدد هو 31 تموز/يوليو 2016، حول ثلاث قضايا مترابطة تهدف إلى تحقيق نهاية دائمة للنزاع وهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة»". ويتم وصف هذه القضايا الثلاث كـ (أ) "التعاون العسكري والأمني"، (ب) "ترجمة وقف الأعمال العدائية إلى وقف دائم لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، يأتي على مراحل مع خطوات بشأن الانتقال السياسي"، و (ج) "إطار للانتقال السياسي في سوريا بما يتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، ليشمل أحكاماً بشأن كيفية وتوقيت تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بسلطة تنفيذية كاملة تقام على أساس الموافقة المتبادلة ". وهذه النقاط تعيد صياغة نص "بيان جنيف" لعام 2012، وهي ثيقة وضعت شروط واشنطن للتسوية في سوريا والتي وافقت عليها روسيا. ومع ذلك، فلتجنب سوء الفهم المحتمل، ينبغي تنقيح شروط المرجعية بحيث تذكر بشكل واضح "بيان جنيف". وخلاف ذلك، يمكن ذكر الاتفاق الجديد كـ "دليل" على موافقة أمريكية لأي عدد من السيناريوهات غير المرغوب فيها، من بينها النتائج التي تدعم موقف الأسد الذي يزداد تحدياً، والذي ادّعى مؤخراً في 13 تموز/يوليو أن روسيا لم تناقش معه أبداً أي عملية انتقال في البلاد.
5. نص عواقب عدم الامتثال. لا يوجد أي بند في شروط المرجعية يُبيّن ما الذي سيحدث إذا لا يلتزم الروس أو النظام باحترام الاتفاق؛ بيد، إن خطر حدوث ذلك كبير جداً نظراً لسجلهم بانتهاك الاتفاقات السابقة. وبناء على ذلك، ينبغي إدراج اللغة بوضوح بحيث تذكر ان الولايات المتحدة لن تكون ملزمة بالاتفاق في حال وجود انتهاك، وأنه سيتم وقف جميع التنسيقات.
لقد أدى وقف الأعمال العدائية حتى الآن إلى خفض أعمال العنف في سوريا ولكنه بالكاد أنهى الحرب، وبالتالي فإن أفضل طريقة لتحويله إلى وقف لاطلاق النار قابل للاستمرار بحيث يسهل تسوية عن طريق التفاوض هو تقييد العمليات التي يقوم بها النظام والروس لاستهداف «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» وغيرهما من الجماعات المصنفة من قبل الأمم المتحدة. وإلا سيكون لشروط المرجعية التأثير الثانوي المتمثل بمنح نظام الأسد "انتصار" سياسي - وهذه نتيجة تفتقر إلى القوة البشرية أو البراعة السياسية لكي تتم المحافظة عليها لفترة طويلة جداً. وهذا بدوره سيؤكد أن الملايين من اللاجئين السوريين الذين فروا من قصف النظام وعمليات الاضطهاد التي قام بها لن يعودوا إلى ديارهم، مما سيديم المعاناة لأجيال قادمة ويجعلها جاهزة لتجنيد الإرهابيين. فبدلاً من هزيمة الجماعات مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» وتدميرها، لن يؤدي هذا النهج سوى إلى تخفيف نطاق تأثيرها، كما شهدنا في الهجمات الأخيرة ضد أهداف في تركيا والعراق والأردن ولبنان وأوروبا والولايات المتحدة.
أندرو تابلر هو زميل "مارتن جي. غروس" في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.