على صناع السياسة الأمريكيين توخي الحذر بشأن الاستنتاج بأن قرار طهران بتخفيف القيود المفروضة على اثنين من المواطنين الأمريكيين المحتجزين له علاقة بالمحادثات النووية.
في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، رفعت إيران حظر السفر المفروض على المواطن الإيراني-الأمريكي باقر نمازي وأفرجت مؤقتاً عن ابنه سياماك الذي يحمل أيضاً الجنسيتين الأمريكية والإيرانية لمدة أسبوع على أسس إنسانية. وغادر نمازي الأب البالغ من العمر 85 عاماً، إيران في 5 تشرين الأول/أكتوبر متوجهاً إلى الإمارات العربية المتحدة لإجراء عملية جراحية طارئة. وأثار كل من القرار وتغطية وسائل الإعلام الإيرانية لهذا الخبر التكهنات بأن الجمهورية الإسلامية على وشك التوصل إلى اتفاق أوسع نطاقاً لتبادل الأسرى مع الولايات المتحدة، ربما في إطار المساعي المستمرة لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» الموقعة عام 2015. لكن عند التمعن بقضية نمازي وطريقة تعاطي طهران في الماضي مع الرهائن نلاحظ وجود احتمالات أخرى.
العديد من الدوافع وراء تكتيكات الرهائن الإيرانية
لطالما استخدمت طهران احتجاز الرهائن كأداة في فن الحكم. ومنذ إلقاء القبض للمرة الأولى على الرهائن الأمريكيين في عام 1979، استخدمت الجمهورية الإسلامية تكتيك الاحتجاز والمساومة لاحقاً بشأن الإفراج عن المواطنين الأجانب وحاملي الجنسيتين الإيرانية والأمريكية كوسيلة لانتزاع تنازلات من الحكومات الغربية، بما فيها مبالغ مالية والإفراج عن الإيرانيين المعتقلين في الخارج. كما يحتجز النظام هؤلاء الأفراد ويتهمهم بارتكاب جرائم خطيرة على غرار التجسس من أجل ترهيب الأجانب والشعب على حد سواء. ومن خلال اعتقال مواطنين أجانب بشكل متكرر، ولا سيما من أوروبا والولايات المتحدة، تحرص وكالات الأمن الإيرانية أيضاً على أنه حتى عند إطلاق سراح البعض، ستحتفظ طهران بمجموعة من المحتجزين الآخرين لمقايضتهم على مطالب تريدها في أي وقت كان.
وكان نمازي الأب والإبن من بين أربعة مواطنين إيرانيين-أمريكيين شكلوا موضع مفاوضات في السنوات الأخيرة، حيث أن الاثنين الآخرين هما رجل الأعمال عماد الشرجي والناشط البيئي ورجل الأعمال مراد طاهباز الذي يحمل أيضاً الجنسية البريطانية. كما تواصل الولايات المتحدة جمع معلومات عن روبرت ليفينسون، العميل السابق في "مكتب التحقيقات الفدرالي" الذي اختفى في إيران عام 2007 ومن المفترض أنه مات.
أما سياماك نمازي، وهو رجل أعمال إيراني-أمريكي، فكان قد احتُجز في البداية واستُجوب في 18 تموز/يوليو 2015 - بعد أربعة أيام من التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» - ومن ثم سُجن في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه. وبعد أربعة أشهر، اعتُقل والده، وهو موظف سابق في منظمة "اليونيسف" وموظف حكومي في عهد الشاه. وفي عام 2016، حُكم عليهما بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة "التعاون مع حكومة معادية"، أي الولايات المتحدة - وهو اتهام وصفته عائلة نمازي والحكومة الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان بأنه لا أساس له من الصحة.
ما الذي يعنيه الإعلان وما لا يعنيه
في البداية، ألمحت التصريحات والتقارير الصحفية الإيرانية إلى أن القرار المتخذ بشأن نمازي كان جزءاً من اتفاق أسرى أوسع نطاقاً قد يتضمن الإفراج عن أصول إيرانية مجمدة بقيمة مليارات الدولارات التي تحتفظ بها كوريا الجنوبية. لكن واشنطن نفت ذلك، ولم يتم الإفراج عن أي سجناء آخرين من قبل أي من البلدين.
فما الذي دفع بإيران إلى إطلاق سراح اثنين من الأمريكيين (الأب والإبن)؟ في هذه المرحلة، يبدو أن القرار كان خطوة أحادية الجانب، يحتمل أن تكون نابعة من المخاوف الصحية المتعلقة بنمازي الأب. فقد ذكرت العائلة الشهر الماضي أن صحته تدهورت بشكل كبير، وأنه من المزمع أن يخضع لعملية استئصال باطنة الشريان السباتي في أبوظبي "لمعالجة انسداد شديد في الشريان السباتي الداخلي الأيسر".
وقد تسعى طهران أيضاً إلى تحويل الأنظار عن الاضطرابات التي تجتاح البلاد وإظهار أنها تتمتع بالمرونة أمام العالم وشعبها. وبالفعل، تزامن الإعلان مع حملة قمع مشددة يشنها النظام ضد محتجين خلال نهاية الأسبوع، بعد أن وصف المرشد الأعلى علي خامنئي التظاهرات علناً بأنها مخطط أمريكي-إسرائيلي. كذلك، قد يكون قرار طهران محاولة لكسب الفضل لقيامها ببادرة إنسانية وسط ازدياد القمع الذي تمارسه.
أما بالنسبة للأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية عن الاستعداد للإفراج عن احتياطات من العملات الأجنبية، فقد يكون الهدف من مثل هذه الروايات هو تعزيز الاقتصاد الإيراني وليس الإبلاغ عن اتفاق فعلي قيد التنفيذ. وقد انخفضت قيمة الريال الإيراني بنحو 14 في المائة مقابل الدولار خلال الأسابيع الستة الماضية وحدها مع تعثر المحادثات النووية. ويشكل الوعد بتخفيف العقوبات قريباً استراتيجية إيرانية شائعة - وعادة ما تكون غير ناجحة - لدعم سوق العملات.
اتفاقات محتملة
من المؤكد أنه تمّ طرح إتمام صفقة رسمية لتبادل الأسرى منذ فترة طويلة؛ ووفقاً لبعض التقارير، إذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فإن تبادل المحتجزين سيكون جزءاً من المرحلة الأولى في تنفيذ الاتفاق. وعلناً، تصر الحكومتان على أن مسألة السجناء منفصلة عملياً عن المفاوضات النووية، لكن من الناحية العملية يبدو أن المسألتين مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً، حيث يشير المسؤولون الأمريكيون إلى أنه من غير المرجح أن توافق الإدارة الأمريكية على أي اتفاق نووي إذا ظل الأمريكيون محتجزين.
ومع ذلك، نظراً لاستمرار الجمود في المحادثات النووية، قد يتوصل الطرفان في مرحلة ما إلى اتفاق منفصل بشأن المعتقلين. وفي مقابلة أجراها الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ضمن برنامج "60 دقيقة"، صرّح بأن قضية السجناء "يمكن إجراؤها بشكل منفصل عن المحادثات النووية. فذلك قد يجري بين دولتين"، في إشارة إلى استعداده للعمل خارج إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة» المتعددة الأطراف". من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في 5 تشرين الأول/أكتوبر أنها ملتزمة "بالعمل على إطلاق سراح كافة المواطنين الأمريكيين الذين لا يزالون محتجزين بدون وجه حق في إيران"، من دون ذكر المفاوضات بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة».
لكن بغض النظر عن طريقة إبرام صفقة لتبادل السجناء، إلّا أنها قد تتوقف على مصير مليارات الدولارات الإيرانية في كوريا الجنوبية. فبين 6.5 و 9 مليارات دولار من عائدات مبيعات الطاقة الإيرانية مجمدة في مصارف كوريا الجنوبية، وقد ربطت طهران هذه الأموال بمصير المعتقلين الأجانب. وطيلة سنوات، رفضت سيئول (سول) السماح لإيران بالنفاذ إلى هذه الأموال بسبب مخاوف طويلة الأمد بشأن العقوبات الأمريكية. وخلال عهد إدارة ترامب، عمل المسؤولون في كوريا الجنوبية مع واشنطن على تطوير قناة دفع مسعرة بالوون مستوحاة من ترتيب سويسري منفصل، لكنها لم تبصر النور قط. وبعد عدم إحراز تقدم على صعيد تحرير الأصول، هاجمت إيران سيئول واحتجزت ناقلة نفط ترفع علم كوريا الجنوبية العام الماضي وحظرت استيراد الأجهزة المنزلية الكورية.
إذا نجحت طهران في الوصول إلى أي من هذه الأموال المجمدة بعد تحرير الرهائن، فلن تكون هذه المرة الأولى التي يبدو فيها أن واشنطن تربط فيها الإفراج عن الأموال الإيرانية بإطلاق سراح سجناء. ففي الاتفاق الموقع عام 1981 التي تمّ بموجبه إطلاق سراح رهائن السفارة الأمريكية، اتفقت الحكومتان على إقامة محكمة دعاوى لتسوية المطالبات في لاهاي من أجل البتّ في تحرير الأموال التي دفعها الشاه مقابل عتاد عسكري طلبه من الغرب ولكن لم يتمّ تسليمه قط بعد الثورة - من حيث الجوهر، السعي لإعادة أموال إيران الخاصة.
وفي عام 1991، وبعد أن لعبت إيران دوراً رئيسياً في تسهيل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين من لبنان، وافقت إدارة بوش على دفع 278 مليون دولار لتسوية بعض المطالبات التي تعود إلى عهد الشاه. وعلى الرغم من أن واشنطن نفت وجود أي صلة بين الخطوتين، إلا أن الرئيس بوش أخبر وزير خارجية عُمان أن تسوية هذه المطالبات هي قضية "مرتبطة بشكل واضح بالرهائن". (لطالما لعبت مسقط دور المحاور الرئيسي مع إيران، وكانت عُمان المحطة الأولى التي توقف فيها باكر نمازي في طريقه إلى الإمارات هذا الأسبوع.)
وفي عام 2016، وبالتزامن مع تطبيق «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أطلقت إيران سراح أربعة سجناء أمريكيين مقابل إطلاق الولايات المتحدة سراح سبعة سجناء إيرانيين أو أسقطت التهم الموجهة إليهم. وفي الوقت نفسه، أرسلت واشنطن 400 مليون دولار نقداً إلى إيران في إطار تسوية أكبر تشمل مبيعات أسلحة تعود إلى عهد الشاه. لكن إدارة أوباما نفت أن يكون هذا المبلغ النقدي بمثابة دفع فدية.
وفي الآونة الأخيرة، توصلت بريطانيا إلى تسوية مع إيران في وقت سابق من هذا العام بشأن مبيعات دبابات تعود إلى ما قبل الثورة بقيمة 530 مليون دولار، علماً بأنه لم يتمّ تسليم معظمها قط. وبالتزامن مع ذلك، أطلقت طهران سراح مواطنين بريطانيين-إيرانيين. كما أفرجت عن مراد طاهباز من السجن، لكن من دون السماح له بمغادرة البلاد.
وحتى أن فضيحة "إيران - كونترا" في ثمانينيات القرن الماضي تتماشى والنمط السائد المتمثل باستعداد الولايات المتحدة لعقد صفقات تبادل أسرى مع طهران. وفي إطار هذا الفصل المعقّد، مارست واشنطن الضغوط على إيران سعياً إلى الإفراج عن أمريكيين يحتجزهم «حزب الله» اللبناني. في المقابل، قامت الولايات المتحدة بتزويد أسلحة للجمهورية الإسلامية في إطار ما وصفه الرئيس رونالد ريغان لاحقاً بـ "تبادل الأسلحة مقابل الرهائن".
التداعيات
على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون الإعلان الصادر بشأن نمازي بمثابة بادرة حسن نية من قبل إيران تهدف إلى تأمين تبادل الأسرى مع واشنطن، إلّا أنه لم يظهر أي دليل على إتمام مثل هذه الصفقة حتى الآن. وفي هذا السياق، ذكر تقرير صدر في 3 تشرين الأول/أكتوبر عن "نور نيوز"، إحدى المنافذ الإعلامية المقربة من "المجلس الأعلى للأمن القومي" الإيراني، أن إطلاق سراح باقر نمازي "غير مرتبط" بأي صفقة مفترضة يتمّ بموجبها تبادل أربعة سجناء من كل جانب. كذلك، تثير التكهنات المتواصلة بشأن صفقة مماثلة التساؤلات حول هوية السجين الرابع من جانب طهران، بالنظر إلى أن نمازي قد غادر البلاد. ووفقاً لوزارة الاستخبارات الإيرانية، تمّ توقيف تسعة أجانب (جميعهم من أوروبا) خلال الاضطرابات الحالية، ويمكن أن تكون الاحتجاجات ذريعة لمزيد من الاعتقالات.
في كافة الأحوال، على صناع السياسة الأمريكيين توخي الحذر بشأن تفسير مسألة نمازي باعتبرها مؤشراً على التزام إيران بالاتفاق النووي. ففي هذه المرحلة، يمكن تفسير القرار بأي من الطريقتين. من جهة، يُعتبر تبادل الأسرى في الأساس بمثابة جزء رئيسي من إعادة تطبيق «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لذلك من خلال استباق هذه الخطوة، قد تشير طهران إلى أنها لن تمضي في تنفيذ الاتفاق بشكل كامل في أي وقت قريب. ومن جهة أخرى، قد تعتقد إيران أن "بادرة إنسانية" كانت السبيل الأفضل لفصل المفاوضات أو على الأقل، حصر فرص انهيارها بالكامل.
هنري روم هو زميل أقدم في معهد واشنطن. وشغل سابقاً منصب نائب رئيس قسم الأبحاث ومدير لشؤون "غلوبال ماكرو"، وإيران، وإسرائيل في "مجموعة أوراسيا".